أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زيد محمود علي - بلد المثقفين *فرنسا بلد الحرية والثقافة....















المزيد.....



بلد المثقفين *فرنسا بلد الحرية والثقافة....


زيد محمود علي
(Zaid Mahmud)


الحوار المتمدن-العدد: 3019 - 2010 / 5 / 30 - 00:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا أتصور أن هناك مجتمعا في العالم يظهر من الاهتمام والاحترام نحو رجال الفكر والثقافة، مثل ماتبديه فرنسا، فعلى سبيل المثال حينما، شارك وقاد ((جان بول سارتر)) الحركة الطلابية في فرنسا عام 1986، المضادة للحكومة انذاك وقد طالب الكثيرين الرئيس الفرنسي (ديغول) بوضع حد للفيلسوف في تحريضه ضد السلطة الفرنسية، مثلما فعلت بريطانيا مع فيلسوفها (برتداندرسل) لكن الرئيس ديغول رفض ذلك وقال ان (سارتر هو فرنسا، وفرنسا هي سارتر) كلمة رهيبة اطلقها الرئيس الفرنسي بحق الفيلسوف، وهي تقييم للثقافة والمثقفين ودورهم الرائد، وان اية سلطة مهما كانت لديها القوة ليس لها الحق بالمساس بالمثقفين واهتمام فرنسا بالفكر والابداع كان دائما" وراء البحث الجاد عن اصحاب المواهب الواعدة ورعايتهم منذ البداية ومنذ الصغر من خلال تقديم المساعدات والمنح الدراسية والجوائز التشجيعية والاشادة بالاعمال التي تبشر بالخير على اساس أن مايقدم من تشجيع ورعاية لتلك البراعم سوف يكون له مردود ثقافي وفكرى وعلمي ضخم في المستقبل ولولا هذا الاهتمام وتلك العناية والرعاية والاشادة لما ظهر كل ذلك العدد الكبير من المفكرين والأدباء والفنانين والمشتغلين بالعلوم الانسانية بالمعنى الواسع للكلمة الذين أثروا تأثيرا" بالغا" في الفكر العالمي وجعلوا فرنسا قبلة المبدعين في كل المجالات. وثمة عبارة يطلقها مثقفي الغرب (تعبر أصدق تعبير عن هذه الحقيقة إ ذ تقول إن فرنسا متخصصة في صنع المفكرين مثلما أن روسيا متخصصة في صنع لاعبي الشطرنج فعلى سبيل المثال ظهرت الاسماء البارزة في سماء الثقافة والفكر امثال- سيموندبوفوار – بيير بورديو – البير كامى – سارتر – ميشيل فوكو – جاك لاكان – ألتوسير –ريمون ارون – وعشرات من المفكرين – لأن فرنسا بلد الحرية وبلد الذى يضع جميع امكاناته في خدمة التخصص المعرفي، وكانت هذه الاسماء اللآمعة تأثيراتها على اجيال من مثقفي المجتمعات الغربية ودول العالم الثالث ، وان جميع قادة وزعماء فرنسا يضعون احترامهم للمثقفين والثقافة وحين مات (بير بورديو) قال عنه الرئيس الفرنسي (جاك شيراك) في رثاءه الطويل وعبارته البليغة إنه كان واحدا" من اكبر مفكري فرنسا وأنه تمكن تحت تأثير دوكايم وماكس فيبر من أن يضيف إلى السوسوجيا المعاصرة مفاهيم عملية وإجرائية جديدة وأن عمله سوف يساعد السياسيين على ضرورة فهم ثقافة العصر وأنه لايمكن إخضاع هذه الثقافة لوطأة الاقتصاد وحده))27 وهذا رثاء خليق بأن يقرأه رجال السياسة والحكم في عالمنا في الشرق الاوسط حتى يروا كيف يكون تقدير الفكر والمفكرين والعلم والعلماء، لأن عملهم هو الذي يعطي الحياة معنى ويضمن المجد.والخلود للمجتمع بعد ان يزول كل شيء.


للثقافة قوتها
* الثقافة الحقيقية تخشاها الحكومات...

سئل ذات مرة الرئيس الفرنسي الأسبق (جيسكار ديستان) هل توجد في فرنسا سلطة تخشاها هي فوق سلطتك ؟ فأجاب بالقول إنهم كبار المثقفين اي ان الثقافة لها سلطتها وان الحكومة الفرنسية كانت تعطي اهمية كبيرة للمثقف والمثقفين وتهاب قوة معرفتهم لأنهم كانوا الموءثرين داخل المجتمع الفرنسي، اضافة لذلك فأن القيمة والاهمية الكبرى تعطى لكبار المثقفين، هذه هي نظرات ووجهات نظر القادة الفرنسيين في اكثر مراحل التاريخ، لأن رجل الثقافة الموضوعي والمنطقي في تحليله وبحثه للظواهر والمجتمع ينطلق من الموضوعية الصادقة في التعامل مع هذه الظواهر لكن ليسوا على الاكثر انما بعض من اهل الثقافة يستخدمون الضعف الرمزي كما يتجسد في حروبهم الكلامية ومعاركهم الفكرية، حيث نجد المتنافسين في صراعاتهم على النفوذ والمواقع أو على الثروة والشهرة وخاصة في الدول المتخلفة يستخدمون مصطلحات الملاكمة والمبارزة ((ويتصرفون بعقلية الضربة القاضية هذا مايفعله ((بورديو)) باتهامه بعض الكتاب والمفكرين بارتكاب جرائم بحق المعرفة، إذ يشبههم بالذين تعاملوا مع النظام النازي الذي اجتاحت جيوشه فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية))28 وهذا منطق ما اتفق به معه اضافة الى ان جعل مؤسسات الثقافة مجرد ((أدلوجات مهنية لتحصيل المنافع المادية والرمزية من الاموال وسعة الانتشار. فالحقل يفقد مصداقيته في نظر الحقول الأخرى ((بل في فضاء المجتمع عامة، عندما تتضاءل قدرة أهله على الانتاج والإبداع في مجال اختصاصه، تماما" كما يفقد المحترف في الحقل مصداقيته في نظر زملائه عندما يغلب في جهوده طلب المنصب والمنفعة على القيم المعرفية أو الجمالية29 وتبقى للثقافة قوتها، واية مؤسسة حكومية اعتمدت على الثقافة والمعرفة كانت حصيلتها النجاح، وخاصة ان حل المعّضلات يعتمد اساسا" على منطقية العقل، فما تعانيه المجتمعات المعاصرة من المشكلات المزمنة المتلاحقة، يشهد على أن الأزمة تكمن بالدرجة الأولى في العقول والافكار المريضة التي لم تعالج الازمات بالعدة الفكرية المعاصرة، إن الازمة ((تبدو اليوم الظاهرة وليس الاستثناء في مساعي الإنسان المعاصر ومشروعاته ‘ الفلسفية والخلقية أو السياسية. من هنا ليس المهمة ان ندافع عن الثوابت والمطلقات بعقلية كهنوتية أصولية تترجم استبدادا" في المقولات أو هشاشة في القيم والمثالات بقدر ما تتجسد في مشاريع وأعمال فاشلة أو عقيمة أو مدمرة كما تشهد علاقات البشر في مابينهم أو في مابينهم وبين الطبيعة والبيئة. فالأحرى العمل على تشكيل حقل معرفي تتحول معه الأزمات والمآزق إلى مواضيع للدرس والتحليل أو للتشريح والتفكيك. وهذا يحتاج إلى سياسة معرفية يتغير معها عمل الفكر على مستوى الرؤية والمنهج والمعاملة.



المثقف .. وشيء عن السعادة
* السعادة نسبية.. وطموحات المثقف تبقى محدودة...

كل الفلسفات والمراجع المعرفية لم تستطع من خلق سعادة حقيقية لدى الفرد والسعادة تبقى نسبية، ورغم ذلك فأن طموحات المثقف تبقى محدودة في عالم مفتقرا" إلى أبسط شروط حريته، وانما يصل الى حد ان يكون تعيس في حياته، والفلسفة احدى التيارات المعرفية التي بحثت عن السعادة لكنها لم تتوصل الى نتائج ملموسة ولم يتوصل اي فيلسوف الى حقائق مطلقة في نسبية السعادة، ويطلق على نفسه بالانسان السعيد والناس في عصرنا يعيشون فقرا" مدقعا" من السعادة وإليها. لكن أسوأ مايمكن أن يحدث للمرء هو أن يعبر في جوار السعادة دون أن يعرفها، أو أن يكون شخص آخر متنعما" في أحضانها دون أن يطلق عليها اسمها. إذ إن للسعادة احوالها الغامضة التي قد لاتتطابق مع أسمائها، ولاتقعد في أمكنتها المعهودة من التصفيات والتعينيات الشائعة عنها. ومنذ القديم دأب حكماء اليونان نجاحه على تجهيز وصفات، أو التبرع بالنصائح والارشادات، للباحثين عن سبل العيش الرغيد. اما الحكمة المعاصرة، فبعد أن شغلت باختراع المذاهب الكبرى، ثم بشرت بانهيارها وجلست على حطامها، راحت تذكر الناس بأحوالهم الفردية المنسية تحت عواصف الشعبوية المنقضية، والمستحدثة، معتذرة بأن الحضارات اضطرت دائما" إلى اختراع الطوبائيات، كيما تؤجل المواجهات الحاسمة بين البائسين وأسباب بؤسهم الفعلية. وكانت الجماهير مستعدة ابدا" للتصديق أنه لايمكن الدخول فرادى إلى جنان عدن. لابد من التحشيد الإنساني بالكم والنوع معا". لكن يخرج علينا في نهايات التجارب الكبرى المنهارة من يقول (إن انقضاء الايديولوجيات) ربما يعيد الفرد الى مواجهة مصيره وحيدا" في نهاية الشوط وبالتالي لعلّ هذه العزلة الاجبارية قد تمهد لتعاليم سقراطية جديدة تبدأ من إقرار المفكر وليس الإنسان العادى فقط، بأنه جاهل وأنه آن الأوان أخيرا" لان يعرف جهله. وأنه انطلاقا" من هذه اللحظة’ ربما سيعبر بالسعادة وقد يتعرف أليها، ويلتقط بعض أذيالها الهاربة. في هذه الحالة لن ينتظر الفرد احدا" يأمره بأن يهندس مسراته بحسب المواصفات المقننة في أسواق الاعلانات المبوبة حول الحياة السعيدة، في الوقت الذي لايزال إنسان العصر مفتقرا" إلى ابسط شروط حياته. وقد يقال في الغرب إن الرفاه أنسى الناس حقا" ماذا تعني الحرية. فليس المتخم حتى الثمالة هو الانسان الحر حقا"))31 فمازالت البشرية عاجزة عن ابتكار نظام متوازن بين الحرية والسعادة ويبقى طموح المثقف لسعادة منشودة، لم تتحقق لحد يومنا هذا، وتبقى طموحات نظرية.


المثقف والعولمة
*العولمة حولت الثقافة الى سلعة....

في البداية احب ان اعرّف العولمة بتلخيص مفهومها دون التبحر في ماتعنيه، ومختصرة في كلمتين، وهي كثافة انتقال المعلومات وسرعتها إلى درجة أصبحنا نشعر أننا نعيش في عالم واحد وموحد، قرية كونيه، بما توحي به كلمة القرية من علاقات ((قرابة وجوار ومحدودية في المكان والزمان وكما هو الحال في القرية الصغيرة فاءن كل مايحصل في بقعة ينتشر خبره في البقعة المجاورة وكل مايحدث في جزء يظهر في الجزء الاخر))32 وبالتاكيد فأن للعولمة تشعبات كثيرة في معظم التحولات الثقافية والسياسية والاقتصادية وكل ماتخص حياة الانسان على الارض، هي أممية رأس المال الغربية المنتصرة على أممية الطبقة العاملة، اي صناعة المستقبل في الألفية الجديدة، فكان اكثر المثقفين حرصا" وتخوفا" من مفهوم الكسموبوليتي (العالميه) التي كانت بمنظور المثقف انها ترمي الى تفكك الحضارة الانسانية، ومصطلح غير مرغوب في بداية الحروب الوطنية والقومية ليصبح اليوم هذا المصطلح ضمن مفاهيم العولمة الجديدة، وبديهي ان نجاح اية تجربة في العالم تكون على محك نجاحها على الواقع الاجتماعي والانساني، ومثالا" على ذلك سبعون سنة من التجربة الاشتراكية التي بدأت بنجاح باهر وانتكست في اخر ايامها، مع انهيار الاتحاد السوفيتي، رغم انها بالاساس في جانب الطبقات الفقيرة لكن تجارب النجاح والفشل لاتقررها المكاتب والمنظرين الفاشلين بل يقررها الواقع الميداني، واليوم اذ نواجه واقع العولمة الجديدة وان المفهوم لايزال غامضا" على الرغم مما كتب عنه، لانها جديدة في المفهوم وكتجربة حديثة على البشرية، ومدى نجاحها او فشلها هذا مايتطلبه من تحليل لابعاد النظرية وكما نلتمسه اليوم كملامح مع دخولنا لعالم العولمة، مثل ازدياد البطالة، وانعدام الأمن، وتدهور الوضع البيئي، وتفشي الأمراض الفتاكة المعدية، وانتشار الرشوة، بالاضافة الى الحروب الاثنية والطائفية وانتشار ظاهرة العنف وان هذا الموقف المتشائم ينطلق من واقع يومي تعيشه المجتمعات البشرية وتعيش في الوقت نفسه نظاما ماليا" وتقنيا" صارما والنظام والفوضى شيئان يهددان العالم كما يقول (بول فاليري) فنظام الاحاطة الشديدة الذي يحّول الإنسان إلى رقم مكشوف من الأرقام فيفقد حريته الشخصية وتنكشف جميع أسراره، ويصبح محاصرا بعيون سرية ترصد جميع حركاته في العمل الشارع وفي المنزل يقظا" أو نائما"" أو مرافقا" وما شكل الرفقة وطبيعتها يلتقي في تهديد حياة الشعوب والبلدان بفوضى التطرف والعنف وسقوط الدول وتشظي البلدان وانتشار فئات المهمشين والأوبئة الفتاكة والتدهور البيئي))33 وهنا كما ينظر الى واقع البشرية ان الدول الضعيفة اقتصاديا" وعسكريا"، اصبحت أ سيرة ظاهرةالعولمة عكس الدول الغربية الكبرى التي تكون على الاغلب دول مهيمنة وبيدها القرار في اكثر القضايا لمعضلات البشرية في العالم وهي المتربعة على منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي والامم المتحدة وغيرها من الموءسسات ذات الصلة في تمويل حاجات الانسان في عالمنا اليوم. وباختصار فان مايجعل الأوهام والمبالغات واسعة التداول والانتشار في مسألة العولمة، ودخلت في فروع ومتاهات في التفسير والتعريف وانها حتمية النهائية لخدمة الانسانية في العالمية، وجميع هذه الطروحات هي من اجل استيعاب البشرية للمفهوم وتبقى الاجابات غير واضحة، او بالاحرى عدم قناعة البشر بالعولمة وان مايميز تعريف (روبرتسون) حول هذا المفهوم هو تركيزه الشديد على فكرة، انكماش العالم والتي تتضمن امورا" كثيرة منها تقارب المسافات والثقافات وترابط المجتمعات والدول حيث لم يعد بالامكان العزل والانعزال، وسرعةالتحولات والمستجدات وعدم القدرة على مجاراتها ورغم أن هناك إجماعا" على فكرة الانكماش وعناصرها المختلفة والتي هي أهم مايميز عصر العولمة، الا أن هناك أيضا" مجموعة التعريفات التي تركز على بعد واحد من الابعاد المختلفة لحركة الانكماش التي يعيشها العالم (فانتوني جيدنز) يعرف العولمة بأنها مرحلة جديدة من مراحل بروز وتطور الحداثة، تتكشف فيها العلاقات الاجتماعية على الصعيد العالمي، حيث يحدث تلاحم غير قابل للفصل بين الداخل والخارج ويتم فيها ربط المحلي والعالمي وبروابط اقتصادية وثقافية وسياسية وانسانية هذه الروابط التي تزداد يوما" بعد يوم لاتعني إلغاء المحلي الغاء كاملا، ولاتعني أن البعد العالمي قد أنهى البعد المحلي ‘ ولاتعني استبدال الخارج بالداخل، كل الذى تتضمنه العولمة كامتداد وكنتيجة للحداثة هو إ ضافة بعد جديد إلى الأبعاد المحلية، حيث يصبح العالم الخارجي بنفس حضور العامل الداخلي في تأثيره على سلوكيات وقناعات وأفكار ألافراد. إن العالمي ويتعايش معه ويغنيه ويبرزه، بل وأحيانا" كثيرة يقويه، بحيث يصبح المحلي عالميا" والعالمي محليا" لذلك من الخطأ الاعتقاد بأن العولمة هي نفي للمحلي أو أنها تتم على حساب المحلي. من ناحية أخرى (مالكوم واترز) مؤلف كتاب (العولمة) بأن العولمة هي كل المستجدات والتطورات التي تسعى بقصد أو من دون قصد إلى دمج سكان العالم في مجتمع عالمي واحد لذلك وخلافا" (لروبرستون) فأن العولمة تشير إلى وقائع وتطورات ومستجدات مادية محسوسة ومستقلة عن وعي الأفراد. ورغم أن هذه المستجدات ليست متجانسة كل التجانس إلا أن محصلتها النهائية هي خلف المجتمع العالمي الواحد حيث يكون العالم بأسره هدفا" لأي نشاط اقتصادي أو ثقافي أو سياسي. ففي عصر العولمة يصبح الانتاج الاقتصادي موجها" في أساسه إلى الاسواق العالمية وليس للأسواق المحلية. وعندما تلحق الثقافة بالعولمة، يتبادر إلى الذهن كلمات جديدة، اصبحت تترددكثيرا" في الموتمرات والندوات العلمية مثل الأمركة أى تعميم النموذج الغربي الامريكي للحياة والسلعنة، أي تعميم قيم السوق على الفعاليات الثقافية وتحويل ((الثقافة الى سلعة)) وتهديد الهوية الثقافية أو مايربط بين أعضاء مجتمع واحد، ويجعل منهم جماعة متفاعلة ومتواصلة وهي المصطلحات التي تتردد كثيرا" في الجلسات الدراسية التي تكرسها اللقاءات الثقافية، التي تعقد في العالم أجمع في هذه الفترة لمناقشة ومواجهة التحديات التي تثيرها العولمة34 يتفق الكثيرين من المفكرين ان العولمة الثقافية تضع حالة بلوغ البشرية والانتقال من المجال المحلي الى المجال العالمي، لكن تضل حالتان للثقافة العالمية، وهي الهيمنة الثقافية لثقافة واحدة على سائر الثقافات، هذه حالة منها اما الحالة الثانية الذي يعتقد الكثيرين من متابعي عولمة الثقافة، ان نشر الثقافة الاستهلاكية لتعميم رواج متدني لها، فسلع هذه الثقافة وماركاتها ومأكولاتها وملبوساتها وشخصياتها وأفلامها وأغانيها والتي تأتي جميعها من مصدر واحد، موجودة في كل مكان وفي كل المجتمعات، واخذت هذه المنتجات الاستهلاكية دلالات اجتماعية ورمزية تتجاوز قيمتها المادية المحسوسة لتكتسب قوة وربما حياة مستقلة تدفع قي اتجاه (صهر العالم استهلاكيا") وربما دمجه ثقافيا" متجاوزة بذلك كل الحضارات والمجتمعات والبيئات والجنسيات والطبقات، لم يعد هناك شك في القوة الاندماجية للثقافة الاستهلاكية، وذلك بعد بروز مجموعة من الاتجاهات والظواهر كالكوكلة والمقدنة واللبرلة والأمتفة والأمركه والتي تشير إلى الأصل الأمريكي لمعظم منتجات الثقافة الاستهلاكية لكن رغم الأصل الأمريكي فاءن معظم منتجات الثقافة الاستهلاكية يتم تداولها على الصعيد العالمي، ودخلت مرحلة العولمة الكاملة، وأصبحت في متناول الشباب كافة ومن كل المجتمعات. إن النتيجة النهاية لجميع هذه الاتجاهات الثقافية والتي برزت في التسعينات هي ربط العالم بقيم وقناعات وسلوكيات وعادات مشتركة تتجاوز الحدود. لقد حققت الثقافة الاستهلاكية أكبرانتصاراتها خلال (هذا العقد ولاشك أن هذا الانتصار الذى تحققه الثقافة الاستهلاكية يؤرق المجتمعات كما أنه يقلق الدول التي فقدت السيطرة على الوضع الاقتصادى، وهي تفقد الآن السيطرة على الوضع الثقافي، بل إنها أصبحت هي الهدف القائم للعولمة35 وهنالك تساؤلات هل ان العولمة ستخلق حروب مستقبلية في ضؤ التوترات المتصاعدة بين الحضارات، والمثقف الواعي والذى يعيش في واقع العولمة، يعتقد بأن هنالك احتمال قائم لهذه الصراعات، واسبابها وجود (قهر الثقافة، اى القوي على الضعيف وسيكون للغزو بكل انواعه، والدول الضعيفةستكون المستهدفة، والهيمنة ستكون لجميع انواعها من قبل الدول العظمى، باختصار فاءن العولمة تتضمن الكثير من الفرص والمخاطر المتداخلة. ولاشك أن تداخل الفرص والمخاطر التي تؤدي الى تفاوت المشاعر والأحاسيس والمواقف تجاه العولمة، فالبعض يظهر التفهم للعولمة، ويرحب بفرصها المعرفية ويدعوا الجميع الاستفادة منها ومن معطياتها والبعض يبدي التخوف من مخاطرها ويرفض دلالاتها الاستغلالية ومضامينها الاستهلاكية، والجميع يتطلب عليها اختيارها على محك الواقع ومدى ما ستحقق من نتائج بعطاءاتها للإنسانية وذلك يتطلب الوقت والتقييم لها.


الجهل المعاصر
*التوجه الى أحمق يعني التحدث مع رجل نعسان سيقول في النهاية (ماالأمر)...


ان للجهل جذور تاريخية منذ تاريخ الحقبة اليونانية القديمة، وكانت لها تسميات، حيث ما اطلق عليها (افلاطون) بالجهل المزدوج الذي يعتبر الأخطر والأكثر استيطانا" من بين أنواع الجهل، والاكثر مقادة وشراسة على سبب كل مايحدث من شر، وكلما كانت المواضيع المعنية أكثر اهمية كلما كانت شريرة ومخجلة وذلك بأنك لاتجهل الأشياء الأهم وإنما ((أنت تظن أنك تعرفها ايضا" (كما قال سقراط لأليبياد، حيث لم يذكر صفته، لربما كان القول لقائد عسكري او سياسي، وجه له بالحرف الواحد، ياصديقي المسكين، أنك تتعايش مع أسوأ انواع الجهل، فقولك بحد ذاته يتهمك انت بالذات. وهكذا ترمي بنفسك في السياسة قبل أن تكون قد تثقفت " وذلك هو ((سبب كل الأخطاء التي يتعرض لها فكرنا جميعا" لأنه يحدد الحماقة ( ال Amathia ) والجهل (Apaipeusid) لهؤلاء السجناء وهم سجناء منذ مدة طويلة في الحقيقة في مغارة، اصبحوا فيها خبراء في الظل ومسرورين بذلك لأنهم لايعرفون شيئا" آخر))36 والجديد هو الاساليب الجديدة في التدمير الذاتي العالمي للثقافة، والبديهة ان غياب (Logos) العقل الاول، يكون بد يله العنف، وقد برهن الاغريقي على ذلك، واثبتته تجربة الألفي سنة. ان للفراغ والملل واللإ ّ مبالات بالحياة والتعصب، والادلجة المنحازة، كلها تساهم في تدمير الثقافة، والكوارث البشرية التي سببتها التنوع في مجال العنف والارهاب، وكان (تشارؤلز ديكنز) قد كتب في عام 1848 ((نسمع أحيانا" الكلام عن دعوى التعويض عن الأضرار ضد الطبيب غير الكفء الذي شوهّ أحد الأعضاء بدلا" من شفائه ولكن ماذا يقال في مئات الآف من العقول التي شوهتها إلى الأبد (الحماقات الحقيرة التي ادعت تكوينها !) والمفاهيم المجرمة تتعمم اليوم وتخترق كل مكان، والجهل الجديد يؤثر في ثقافة مجتمعنا والمدرسة والتعليم والمعرفة والحكومات لم تستطيع من معالجتها، رغم وعودها بالاصلاحات – فيما يخص (الثقافة والمعرفةوان اي مساس بالثقافة هي بالنتيجة تدمير الواقع الانساني ففي عالمنا عالم الجهالة والتخلف، وانتشار لغة الحروب والقتل في كل ارجاء العالم، ويعيش (3- 1) مليار شخص يعيشون في فقر ومجاعة و(800) مليون من البشرية لا تأكل ما يشبعها واكثر من ثلث اطفال المجتمعات النامية، تعاني من سؤ التغذية، لايهم كل ذلك بقدر ماتكون ((لأفكار فلاسفة الاقتصاد والسياسة أكانت صحيحة أو خاطئة، أهمية أكثر مما يظن عموما". إن العالم والحق يقال، تقوده هذه الأفكار حصرا" على وجه التقريب. فالناس الذين يعملون والذين يظنون تماما" أنهم اجتازوا التأثير العقائدي هم عادة عبيد بعض الاقتصاديين في الماضي والمتخيلون المؤثرون الذين يسمعون الأصوات في السماء يقطرّون وهمهم الذي نشأ منذ بضع سنوات بشكل مبكر في عقل بعض الكّتاب الفاشلين في الكليات (....) إن الأفكار لا المصالح المكوّنة هي التي، عاجلا" أم آجلا" تشكل الخطر بالنسبة إلى الخير وإلى الشر))37 والانسان في المجتمعات المنغلقة ولاسيما في النظم الدكتاتورية والفاشية، يكون سجين العالم كالحيوانات الأخرى، محاط باشياء تفتنه تاره وتخيفه طورا" ومجبرطيلة دوام حياته على الاهتمام بها وخاصيته الأساسية أكثر من غيرهاهي مع ذلك إمكانية الانسحاب إلى داخل ذاته ليحدد مايريد وان بعض النظم الفاشية والبعيدة عن مقدرات شعوبها تقوم باستمرار بأفساد القدرات العقلية والتنظير الفكري الذي يعتبر من الانشطة المعادية لهذه النظم فسلطة المعرفة كبيرة ومهمة الى درجة ((أن الطغاة والدكتاتوريين والانظمة البيروقراطية)) مثلا"، كانوا يخشونها دائما" قبل كل شيء كما يخشون الفكر والحقيقة ‘ والمثقفون الماهرون في الكلمات كالشعراء والفلاسفة والصحافيون – هم المحكوم عليهم بالمشتبه بهم دوما" فيتخلصون منهم بشراسة كلما استطاعوا ذلك ومثالا" للمبدأ الذى صاغه جورج اوريل - في كتابه عام 1984 ((إذا أردنا أن نحكم وأن نستمر في الحكم يجب أن نكون جديرين بتشتيت معنى الحقيقة " ويسمى ذلك التحكم بالحقيقة في (اللغة العادية OLDSPAEK وفي اللغة الجديدة المقترحة في سبيل تضييق العقول NEW SPEAK NOV) ويسمى ذلك الفكر المزدوج " اي سلطة الأخذ برأيين متناقضتين في آ ن واحد مع العقل وقبول كل منهما وكذلك تدمير الكلمات شيء جميل وألا ترى أن الهدف الحقيقي للكلام هو تضييق حقل الفكر كما نفهمه الآن ؟ " والاستقامة تعني عدم التفكير. إنها تعني اللا ّوعي))38 وان بعض النظم تتجاهل عمدا" اوحسب مصالحها، أو مفاهيم لاتتفق مع ستراتيجيتها، لكن ان في اية مرحلة تاريخية لايمكن تجاهل الفكر والثقافة، ونتفق مع ماقاله أرسطو في مؤلفه (****physique) " يستحيل علينا في الواقع نحن البشر أن نعيش بلا ثقافة وتتجذر تعددية الثقافات نفسها في هذه الضرورة المشتركة وجدت البشرية لكي تعيش في حالة ثقافة والثقافة ليست ابدا" حادثا" سعيدا" أو ترفا" : ذلك هو تعريف الانسان نفسه وتكوين فكرة خاطئة عن الثقافة يعني التنكر للآنسان.........


مفهوم الثقافة الثالثة
* الثقافة الثالثة نظرية جديدة معاصرة...

من المسلم به، ان كلمة مثقف لها تعاريف كثيرة ولها علاقة في مجالات الفن والأدب. وكانت الثقافة العلمية بعيدة عن المثقف بالمفهوم الدارج وحتى أكثر العلماء شهرة لايدخل ضمن دائرة المثقفين وفي هذا الاطار جاء (جون بروكمان) بنظريته الجديدة في كتابه ((ثقافة ثالثة وراءالثورة العلمية "محاولة منه بنشر هذه النظرية بثقافة علمية معاصرة روادها العلماء والمفكرون العلميون، ونشر وعي البشر بأنفسهم وبعقولهم وبالكون المحيط بهم وكل مايعرفونه في الظواهر الطبيعية ويكتسب هذا الكتاب اهمية رغم ان هذه التحولة في المفهوم لم يستوعبه الاكثرية لكن كنظرية تطرح نفسها في المرحلة الراهنة، وخاصة بين الجمهور القراء الذكي لكي يستوعب مايطرحه (بروكمان) وماكان يطلق عليه في الماضي (العلم) صار في زماننا الحالي ((ثقافة عامة))، والكتاب يستعرض مشاهير العلماء في مجال البيولوجيا التطورية، الوراثة – علم الكومبيوتر والفسيولوجيا العصبية، وعلم النفس والفيزياء. وتتمييز الثقافة الثالثة التي يتلمس (جون بروكمان، ملآمحهاالمعاصرة من خلال رصده لاراء عدد كبير من العلماءوكتاّب الثقافة العلمية البارزين بأن منجزاتها، ليست مجرد مناقشات خارج الاهتمام العام تخص طبقة صفوة مغرمة بنزاعات لاتنتهي، كما كان الحال دائما" لكنها منجزات تؤثر على حياة كل شخص في العالم، وليس المثقفون بالطبع هم الذين يعرفون الأحداث لكنهم هم الذين يصوغون أفكار جيلهم وكان عالم التاريخ الثقافي (روسل جاكوبي في كتابه آخر المثقفين) عام 1987 يرثي جيل من المفكرين ويعبر عن حزنه طوال جيل من الأكاديميين المجردين من العاطفة محلهم يرى (لوكمان) أن جاكوبي كان على صواب في رثائه هذا لكنه كان على خطأ أيضا" لأن مفكرى الثقافة الثالثة هم المثقفون الجماهيريون الجدد الذين يحتلون الآن مواقع المثقفين التقليديين))39 من هم مثقفوا الثقافة الثالثة ؟ سؤال يطرح نفسه، ويجيب عليه (بروكمان) في كتابه الذى تضمن مثل عالم الفيزياء بول دامنيز " جي دوين فارمر " موراي جيلمان – لين جوث وعلماء بيولوجيا التطور ريتشارد داوكنس، نيلز الدريج، ستيفان جان جولد، والفيلسوف دانيل دنييت وعلماء البيولوجييا بريان جودوين ستوارت كوفمان، لين مار جوليس وفرانسيسكو فاريلا وعلماء الكومبيوتر – دبليو دانيل وكريستو لايختون وقد اجرى (بروكمان) حوارات ومناقشات مستفيضة مع هؤلاء العلماء خلال ثلاث سنوات، لم تكن حوارات هامشية، بل طرح نظرية افكار مفكري الثقافة الثالثة، كمفهوم وفكر ونظرية، ومن سمات الثقافة الثالثة تصديها للآسئلة الكبرى التي طالما شغلت الفلسفة والعقائد نفسها بها، كيف ظهر الوجود؟ ما اصل الكون؟ كيف بزغت الحياة ؟ وكانت الاكتشافات المتتالية حول الجسيمات ماتحت الذرة وحول المكان والزمان والانفجار الكبير في بداية الكون ودور الانتقاء في تطور الكائنات الحية وراء تأسيس قواعد راسخة الظهور وما نطلق عليه الآن الثقافة الثالثة.،. وحول نشأة الكون يقول (مارتن ريس) إن علم الكون يكتسب جاذبية لدى الجمهور العام لأنه من المعارف الأساسية التي تمكن العلماء من الخوض فيها بجرأة بعد عدد من الاكتشافات المهمة. واصبحت الثقافة العلمية حول نشأة الكون من الأمور الشائعة في وسائل الاعلام حاليا" لأنها تستجيب لتساؤلات عن أصل الكون لدى الجمهور. وعن نموذج الكون الذي يتمدد باستمرار منذ لحظة الانفجار العظيم حتى الآن يرى (ألان جون) أن من الملآمح المثيرة للدهشة في هذا النموذج أنه يتيح للكون ان يتطور من شيء بالغ الصغر بشكل لايمكن تصوره انه الخيال ايضا" الذي تتيحه الثقافة الثالثة فأمام اكتشافات علمية تتجاوز احلام كبار كتاب الخيال العلمي)) 40 – وهذا الكتاب سيكون له اهمية في مجال طرح نظرية الثقافة الثالثة، ولربما ان انتشارها ستكون في دول الغرب قبل عالمنا، لكن مثقف اليوم فليكن موسوعي الفكر ويضاف الى الادب والفن والفلسفة، الوعي العلمي كنهج في تكوين نظرية الثقافة الثالثة التي لم تتأسس في واقعنا وفي دول العالم النامي...........



المثقف .. والأضطرابات النفسية
*ان الذي يبحث عن العلم والمعرفة يجد الآلم والاسى...

سئل احد الاطباء النفسيين عن اسباب اصابة المثقفون بالاضطرابات النفسية، كان لجوابه، ان قلة المعرفة (راحة البال) كما يقولون، ومعنى هذا ايضا" ان تفسير وتحليل الكون والحياة ببساطة ايضا" هو غير النظرة العميقة للحياة، تلك النظرة التي تغوص في اعماق الاشياء وتحلل النتائج تحليلا" دقيقا".. ومن ثم تجعل الحياة معقدة وتجعل الامور والاشياء مشروعا" للشك والسؤال والتحليل.. لذلك نجد الانسان البسيط قانعا" مكتفيا" بتفسيراته ونتائجه في حين ان الانسان الواعي والمثقف يظل متواصلا" مع اسئلته وشكوكه وتفسيراته.. لذلك يتعرض هذا القسم - اقصد المثقفين الى الاصابة بالامراض النفسية والعقلية اكثر من سواهم وليس بالضرورة أن يكون المثقف شاعرا" أو روائيا" او رساما" فقط فالعلم ثقافة ايضا"، مثلما نجد ان الشاعر خالق ومبتكر فان العالم ايضا" مبتكر وخلاق. وان الخلق والابتكار يخضع دائما" للتجريب والاسئلة والشك، ولدينا في مجال العلم قانون يقول ان الشك وعدم القناعة والاسئلة هما اول مراحل الاصابة بالامراض النفسية))41 رغم ان هنالك دراسات كثيرة تناولت الاضطرابات للحالة النفسية عند الادباء والمفكرين، واجرى اكثر الاطباء النفسيين تجاربهم الطويلة حول هذه المواضيع الخاصة بالمثقفين، فمؤسس مدرسة التحليل النفسي (سيجموند فرويد) يربط ابداع الادباء بالعصاب والكبت والجنس ويرى فيه قناة لتصريف الطاقة التي تعتمل في متاهات اللاوعي نتيجة العجز عن تحقيق الاشباع الكامل للرغبات. اما عالم النفس (ادلر) فيعتبر عقدة الشعور بالنقص الدافع وراء كل ابداع ‘ من جهة اخرى فأن النتاج الادبي (الفني) العالمي يزخر بالعديد من الشهادات التي تصور المعاناة من الكآبة وتصف تلوينها السوداوي للمستويات الانفعالية والوجدانية والمزاجية في الشخصية بل وحتى مظاهرها او انعكاساتها على الجانب المظهرى للمصاب بها. ومن يقرأ رواية (بيتر كامنزانيد) ) للكاتب المبدع (هيرمان هيسه) الذي تشير سيرته الى انه هو نفسه كان مصابا" بالكآبة : حيث يقول في مضمون سيرته ((كانت الأسابيع الاولى حسنة وهادئة ثم عادت، شيئا" فشيئا" تلك التعاسة القديمة. تواصلت اياما" اسابيع ولم تتلاشى اثناء العمل ايضا" ان من لم يشعر بنفسه، بالسوداوية يوما" لايمكن ان يفهم هذا. كيف أصفها كان لدي احساس بالعزلة المروعة وكانت هوّة واسعة تفصلني باستمرار عن الناس والحياة في المدينة وعن الساحات والبيوت والشوارع لقد وقعت حوادث كثيرة ونشرت الصحف امورات" مهمة لكني لم أعرها أي اهتمام لقد احتفل بأحداث ضخمة ودفن موتى، وأمتلكت متاجر – من أجل ما ذا ؟ ولقد تجولت وتمشيت عبر الغابات والتلال والطرق الريفية لكن المروج من حولي ظلت صامته وغمر الأشجار والحقول حزن صامت وهي تتطلع إليّ بجد مع توق لأن تخبيرني بشيء ما، لان تدنو مني وترحب بي.. لكنها ظلت قابعة هناك عاجزة عن قول أي شيء وقد ادركت معاناتها وعشتها معها لانني لم اكن قادرا" على انقاذها))..42 وهنالك الكثير من المذكرات واليوميات لادباء كبار عبروا عن انفسهم بواقعية عن حالاتهم النفسية وقد تطورت الحالات النفسيةالى حالات الانتحار وقد انتحر كبار من الادباء والمفكرين واكتئب الكثيرين منهم امثال الرسام العالمي فان كوخ " وخليل حاوي "وجون ناش عالم الرياضيات المبدع والبرت اينشتاين فيزيائي القرن وصاحب نظرية النسبية ومايكل آنجلوا الفنان الكبير والروائية فرجيينا وولف وسيجموند فرويد ابو الطب النفسي الحديث وستيفن هوكنج " عالم كونيات وفيزيائي ونيكولا تسلا " مكتشف اللآسلكي والفريد نوبل كيميائي وصاحب مصانع مكتشف الديناميت وجوستاف مولر واميلي ديكتسون وشارلز مينحوس ولكل واحد منهم لديه القصة عن جنونه واكتئابه ومنهم من انتحر وطبقا" لما قاله الكاتب الفرنسي الشهير (مارسيل بروست) فاءن كل الاشياء العظيمة تولد من أشخاص عصابيين. لأن هؤلاء الاشخاص العبقريين عندما يصلون الى مستويات عالية في مجالات الابداع فالأغلب انهم يفكرون بطرق غير عادية، يمكن ان تتشابه مع تلك التي يفكر بها الأشخاص المصابون بأمراض عقلية. ويمكننا ان نقول ان هناك تشابه في الاسلوب المعرفي فهنالك مبدأ يقال، فالعصاب هو الذي يصنع الفنان والفن هو الذي يشقيه، قال الكاتب الفرنسي اندرية مورو (ان جميع الروائيين كانوا سيصيرون مجانيين أو عصابيين لولا أنهم اصبحوا روائيين اما الميول الانتحارية هي نتيجة الاضطرابات النفسية، وان البحث المتأتي في حالات الانتحار (او الشروع به) بغض النظر عن اسبابها ودوافعها (سواء كانت نتيجة كره طاغ للحياة وهو الذي يتفجر في حالات الاكتئاب الحاد او الفصام مثلا" او نتيجة تطلع شعوري او لاشعوري الى حياة افضل بعد الموت مستند على رؤية فلسفية خاصة او عامة، لايلبث ان ينتهي الى تلمس علائق خاصة للغاية بين الميول الانتحارية والفن، ان كان لجهة تعبير الاخير عن تلك الميول او الجهة التأثير المتبادل بينهما على صعيد المبدع الفرد وكذلك فيما يتعلق بتأثيرات إبداعه)) 43- واخرين انتحروا حسب رأيى بعض الاطباء النفسيين، هو لمجرد احساسهم بأن جعبتهم قد فرغت وان موهبتهم قد ذبلت !! وان دراسات اجريت في الولايات المتحدة حول هذا الموضوع قد اثبتت هذه الدراسات ان مظم الادباء والفنانين والمثقفين مصابون بالكآبة، وان ثمة (علاقة قوية بين الابداع والكآبة، وبين الابتكار والامراض العقلية. وان اكبر الاشياء تدمر المبدع هي التكرار وعدم التجديد والعطاء والتوقف عن التطور مما يجعله عرضة لليأس والانتحار



#زيد_محمود_علي (هاشتاغ)       Zaid_Mahmud#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زيد محمود علي - بلد المثقفين *فرنسا بلد الحرية والثقافة....