أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم هيبة - سيميولوجيا الحجاب















المزيد.....

سيميولوجيا الحجاب


ابراهيم هيبة

الحوار المتمدن-العدد: 3016 - 2010 / 5 / 27 - 16:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الحجاب، وخلافا لما أوهمنا به علمانيونا وإسلاميونا، هو أكثر من كونه قضية فقهية نصية. لهذا السبب لن أناقش هنا قضية الحجاب من منظور فقهي أصولي صرف. لماذا؟ أولا لأنني لست فقيها، ثانيا لأنني لا أرى فائدة في حشو ثنايا دماغي بقضايا وأشباه قضايا تقع خارج اهتمامات العصر، ثالثا وأخيرا، لأن مناقشة قضية الحجاب من وجهة نظر فقهية أصولية جدل بيزنطي لا طائل من ورائه.
في محاولتهم لكسب القضايا السياسية والمعارك الفكرية يخوض علمانيونا وإسلاميونا معارك عبثية لا تنتهي؛ فعندما يتعلق الأمر بإلزامية الحجاب أو عدم إلزاميته يورد علمانيونا حديثا نبويا من هنا وآية من هناك، فيرد عليهم إسلاميونا بنفس المنطق بآية مضادة من هنا وأخرى من هناك. يبحث علمانيونا عن جذر هذه الكلمة أو سياق تلك الآية فينبري إسلاميونا للرد بالمثل. النتيجة النهائية لهذا التناول : مقاربة ترقيعية للواقع وجدل بيزنطي لا يغني فكرا ولا يثري فهما.
والحق أنه بالرغم من أنه لا علم لي بدردشات النبي محمد مع صحابته وأزواجه وكذلك لا علم لي بالتفاصيل الدقيقة لحياته، فأنا لدي حياة تغنيني عن الاهتمام بحيواة الآخرين، أقول بأن الحجاب في بعده الرمزي والدلالي ينسجم مع المقولات الكبرى التي يتأسس عليها كل دين بشكل عام والأديان المسماة سماوية بشكل خاص، من يهودية ومسيحية وإسلام. والمقولات التي أشرت إليها هاهنا ليست إلا مقولات الروح والطهارة والتنسك والمرأة الملعونة وما دار في فلكها من المفاهيم والمعتقدات.ولأننا نعيش في مناخ حضاري لا يشجع التفكير المنطقي الصحيح ولا يدفع إلى البحث والقراءة، فإننا لا نجد أمامنا إلا قشور المعرفة التي تقدمها لنا أنظمتنا التعليمية المتهالكة وبعض الوصفات من الزيف والبهتان والخرافة التي يقدمها لنا الدعاة الجدد في إعلامهم المتأسلم. لهذا تجد المسلم العادي يُجل ويعظم الحجاب كما لو أنه اختراع إسلامي محض، فيما هذا الأخير له جذور وحيثيات ضاربة في القدم تتنوع هذه الحيثيات بين ما هو اجتماعي طبقي محض كما هو الحال عند الأشوريين والرومان إلى ما هو لاهوتي ديني طهراني كما هو الحال عند يهود العهد القديم ومسيحيي العهد الجديد. أما بالنسبة للحجاب في نسخته الإسلامية فهو خليط من الأمرين، أي تداخل بين ما هو اجتماعي طبقي سياسي وما هو ديني لاهوتي طهراني.
الحجاب من الحجب أي التغطية والإخفاء. والمرأة تُحجب لأنها عورة، أي بالمعنى الاشتقاقي للكلمة المكان الذي يأتي منه الأذى. إسلاميونا اليوم ورغم كل ميولهم الهمجية، يمتلكون بعض الدهاء والحس الفني؛ لهذا السبب تجدهم يسمون الحجاب بأسماء أخرى ذات دلالات أخلاقية وصوفية. يسمونه مرة طهارة ومرة أخرى كرامة وتارة عفة وتارة أخرى هوية. والحق أن هذه التسميات لم تغير، بالرغم من جاذبيتها، من الحمولة الأونطولوجية والسياسية للحجاب. لم يتغير أي شيء باستثناء التلفيف.
الميتافيزيقا تصنع الإيتيقا. عندما نغرس في نفوس ناشئتنا أفكارا من قبيل أن هذا العالم زائف، وأن الجسد نجس أو فان، وبأن الرهان الحقيقي يجب أن يكون على عالم ورائي أو على جوهر اسمه الروح؛ كل هذا يمكن أن تكون له تداعيات عميقة تمس الفكر والأخلاق والسياسية وحتى الفن. الحجاب هو أكثر من كونه مجرد قطعة قماش- إنه تصور للحياة، موقف من المرأة، كراهية للجسد، وخوف من قوة الأنثوي.
الإسلام مثله مثل اليهودية والمسيحية يتغذى من ميتافيزيقا النجاسة : الجسد دنس، آثم، شهواني، أمار بالسوء. إنه مثقل بالغرائز والأهواء والرغبات التي تمنع الروح حتما من التحليق نحو سدرة المنتهى. ما العمل إذن مع هذا الجسد؟ يجب ترويضه، تدجينه، واحتواءه بعتاد يتنوع ما بين الستر والحجب والصيام والكراهية. لهذا السبب نجد أصوليينا لا يكلون ولا يملون من التغني بالملائكة: كائنات فوق أرضية لا تأكل ولا تشرب ولا تتناكح. والزهاد؟ رجال ونساء كرهوا الحياة واستثمروا إراداتهم في الموت أو الصوم. إنهم كائنات ضد- إنسانية لا علاقة لهم بالعالم أو البشر. فيما يخصني،لا أرغب في أن أكون لا ملاكا ولا شهيدا و لا قديسا؛ فأنا أولا سعيد بإنسانيتي ببعديها المادي والنفسي، ثانيا لأنني لا أريد أن أموت؛ فأنا أحب الحياة. واقتناعا مني بأن الإنسان لا يعيش إلا حياة واحدة فإنني حريص جدا على أن لا أستثمرها في مشروع خاسر أو تجارة كاسدة. و إذا كان لا مناص لي من الموت، فإنني لن أموت إلا من أجل نفسي أولا، ثم من أجل مبدأ أخلاقي ثانيا، أو من أجل صديق ثالثا، وربما رابعا وأخيرا من أجل الوطن.
مشكلة الحجاب في أحد وجوهها هي أنها أيضا مشكلة مُلكية. عندما أتأمل في الوضع الأونطولوجي والسوسيو- حضاري للمرأة العربية أجدها أقرب إلى جارية من جواري العصور الوسطى منه إلى نساء القرن الواحد والعشرين. إنها لا تكاد تملك من أمرها شيئا : قرانها بيد أبيها، تعليمها هو من الأمور النافلة، دينها تسيطر عليه النزعة الذكورية، جسدها ملك لزوجها. كلما نظرت إلى نسائنا العربيات أجدهن جديات أكثر من اللازم، لا هن يضحكن ولا هن يحتفلن. وجوه متجهمة لا تعرف بسمة ولا سرورا. لا غناء و لا موسيقى. حيثما أتقاطع معهن في الأسواق والأزقة، لا أجدهن إلا مقنعات منقبات مدثرات محجبات. لا يشغلن من الأشياء إلا هوامشها وحوافيها، إنهن دائما في انتظار رجالهن في السيارات تحت حر الشمس أو يسرن خلفهم في الأسواق لقضاء هذه الحاجة أو تلك. إنهن غائبات بالمطلق عن المقاهي والمطاعم ودور السينما وكل الأمكنة العمومية. صحيح أننا نسمح لهن بارتياد المساجد، لكنهن لا يحتلن منها إلا الصفوف الخلفية في مكان معزول مغلق وراء الذكور والأطفال. وأي نوع من العضات يمكن أن يتلقين هناك؟ لاشيء جديد يذكر سوى كيف يمكنهن أن يكن أمهات طاهرات وزوجات مطيعات عفيفات.
والحق أن الديانات السماوية تكره النساء : إنها لا تحب إلا الزوجات والأمهات. لإحتواء ما هو أنثوي في المرأة بأبعاده الإغرائية والجمالية وكذلك ما هو ذكوري فيها، بأبعاده التأكيدية والإقدامية، يتم عزل المرأة عن العالم الخارجي بإلزامها بارتداء الحجاب؛ هذا الأخير يمنع حصول أي تماس بين المرأة وبين ما يحيط بها، ثم تأتي طريقة أخرى في فن الإحتواء بتزويج المرأة. الزواج يعني الاهتمام بالزوج ورعاية الأطفال وتدبير البيت، و الخلاصة أنه بعد بضع سنوات تجد المرأة نفسها منهكة متعبة لا تعود بالكاد قادرة حتى على النظر في المرﺁة : الأم والزوجة تقتلان المرأة.
المرأة في القرآن مجرد نكرة. حواء، وهي أول امرأة، لم يتم ذكرها باسمها الشخصي في القرآن ولو مرة واحدة ! ما حاجتها لأن تسمى باسمها وهي التي لم تخلق إلا ككائن ملحق بآدم (النساء:1) أو من ضلعه (تكوين2: 20-24). الإسلام يقر صراحة بسمو الرجال على النساء، فالله يفضل الرجال على النساء (النساء:34) وهو لا يعترف للمرأة بشخصيتها واختيارها كما هو الحال في منعها من أن تتزوج من كتابي أو غير مسلم (الممتحنة:10)، كما أنها ملزمة بأن ترتدي الحجاب حتى يتقي الرجال فتنتها الشيطانية (النور:31)، هذا دون أن ننسى وضعيتها الدونية من حيث الجانب القانوني فشهادة امرأة تعادل نصف شهادة الرجل !! (البقرة:282). النتيجة الحضارية لهذه الأكسيومات القرآنية أمية نسوية متفشية، تفاوت طبقي بين الرجال والنساء يفقأ الأعين، و هدر أخرق للمقدرات الثمينة لفاعل اجتماعي لا يمكن تجاهله.
يجب أن ننزع هذه النظرة الإقطاعية عن جسد المرأة العربية. جسدي ملك لي، لغتي واضحة، نعم أو لا، خط مستقيم. الأنظمة الثيوقراطية الشمولية أبشع من النازية وأشد خطرا علينا من الإستعمار. نظام الرياض أو طهران يهين نساءنا من الصباح إلى المساء، ناهيك عن أصولية الظل واللوبيات المتأسلمة المدعومة بالبترودولار والتي لا تنتظر إلا فرصة تاريخية لتنقض علينا فتعود بنا إلى قيم القرن السابع الميلادي. الجسد العربي جسد متأسلم إلى حد لا يطاق. لا تجلس إلى شيخ أو فقيه يتحدث عن الجسد إلا وتراه يتناوله وفق تصورات ومفاهيم لا تخلو من الأوهام والأحكام المسبقة؛ فالقلب له حظوة خاصة عند مشايخنا فهو وعاء الروح ومكمن الإيمان والمضغة التي إذا فسدت فسد الجسد كله، فيما باقي الأعضاء من عين أو يد أو بطن أو فرج لا يتم ذكرها إلا وهي مقرونة بالإثم أو الخطيئة أو البهيمية. الجسد مرآة الفكر، إنه المسرح الذي تُعرض عليه المنظومة الفكرية والعقدية لحضارة ما؛ ففي الوقت الذي تخلصت فيه بعض الشعوب الغربية إلى حد ما من النظرة المسيحية للجسد، لازال الجسد في مجتمعاتنا العربية يرزح تحت أثقال الإسلام وضغوطات الفقهاء : منع وحظر ومراقبة وعقاب.الأناقة صناعة يهودية، المكياج عادة جاهلية، السباحة في الشاطئ عري وزيغ واستهتار. أي جسد يريد لنا فقهاءنا؟ جسد مريض، شاحب، مثقل بمشاعر الذنب والخطيئة. لذلك تجدهم دائما يقدمون لنا النساك والرهبان والقديسين والشهداء كمثل عليا تحتدى؛ ذلك أن هؤلاء لم يكونوا يجدون لذتهم إلا في الإمساك والحرمان و الجلد الذاتي والانتحار. ومحصلة القول أنه إدا ما إذا كنتم ترغبون في جسد مريح متحرر يتفجر براءة وحيوية فلا تعولوا على الفقهاء.
لا يغرنك ما تبديه أغلب مغنياتنا وراقصاتنا من سفور وعري وبهرجة، فيكفي أن ترى إحداهن حلما في منامها أو أن يقع أمر عظيم في حياتها أو أن تتراجع شعبيتها أو أن تهرب عنها الأضواء لكي تطلع عليك ذات مساء على شاشة التلفزة تكاد تخنق نفسها بحجابها وهي تقول: "قال الله .. قال الرسول." لا خوف عليكم أيها الإسلاميون فالإنسان العربي متدين حتى النخاع. ففي غياب منافسة شريفة من قبل باقي الأيديولوجيات من علمانية وليبرالية و إنسانوية، ناهيك عن مناهج مدرسية لا تُعلم إلا أساطير ألأولين، تخلو الساحة للميتافيزيقا الإسلامية بمقولاتها الماقبل- حداثية وروحها الاستئصالية. مهما انحل الإنسان العربي وتزندق وتهرطق وبلغ الدرجات العلى في الفسق والمجون والرذيلة، فإنه لابد، في غياب بديل حضاري، أن يعود يوما إلى حضن الإسلام عودة التائب النادم.ما يخيفني في هذه التوبة هو أنها تكون قوية بحيث تنقل الإنسان من نقيض إلى نقيض، أي من شذوذ اجتماعي إلى شذوذ ديني. الإحساس بالخطأ وتراكمات الشعور بالذنب تعجل بعودة المكبوت. أُبعد الله لبعض الوقت نحو الهامش، الآن هو يحتل المركز؛ هذا قانون نفسي معروف. تريد الدليل؟ إبحث في التاريخ الشخصي والنفسي لأغلب أعضاء التيارات الدينية ستجد بينهم عددا غير قليل من المدمنين السابقين على الكحول والمخدرات وربما قد تجد بينهم حتى من كانوا من قطاع الطرق.
أكبر عملية سطو وقعت في الثقافة العربية تمت عندما احتكرت الميتافيزيقا الإسلامية الأخلاق. لقد أوهمنا المشايخ ولحى التيوس بأن العلاقة بين الإسلام والأخلاق علاقة عضوية بحيث لا يستقيم أمر أحدهما بدون وجود الطرف الآخر. أنا مسلم إذن أنا خلوق. هكذا أوهمونا! لكن النماذج الحضارية التي مرت بها الإنسانية، بالإضافة إلى التراكمات العلمية والفلسفية، علمتنا بأن الحس الأخلاقي الرفيع هو ثمرة شروط متعددة : الحس الفردي السليم، المنظومة التربوية الجيدة، الهيكلة الاقتصادية العادلة، الإندماج الجيد للفرد في النسيج الإجتماعي .. الخ. إذن فالعفة والطهارة والوفاء وكل مكارم الأخلاق لم تنزل من سماء ولا من غار حراء. إنها نتاج سيرورة محايثة، إنها عملية تركيب وتفكيك وتلميع وإبداع. إنها نشاط حضاري تاريخي إنساني صرف.
لم يسبق أن بلغ الاستخفاف بعقول النساء العربيات حدا مثلما نراه اليوم من دعاة التعصب الإسلامي في تنظيرهم لما يجب أن يكون عليه الحجاب الصحيح؛ فهناك من يفتي بأن كل ما يبدو من المرأة عورة، وبالتالي لاتقاء شر الفتنة يجب وضعها في برقع أفغاني أو تشادور إيراني لا يكاد يختلف في شيء عن كيس للبضاعة. وهناك من لا يرى حرجا في كشف الوجه والكفين لكنه يرى بأن مصداقية الحجاب تزول عندما تظهر شعرة من هنا أو من هناك. وآخر لا يتحدث عن الحجاب إلا بلغة الأرقام والألوان فتراه يقول بأن الحجاب يجب أن يكون بطول كذا، وعرض كذا، ولون كذا؛ إلى درجة أنه كثيرا ما يلتبس عليك الأمر فلا تعود تعرف ما إدا كان الأمر يتعلق بفقيه أم بالمدير الفني لإحدى دور الأزياء الأوربية ! ولأكون صريحا، أجدني ملزما بأن أقول بأن السذاجة والأمية والضحالة الفكرية تفشت في مجتمعاتنا إلى درجة أن كثيرا من النساء- والرجال أيضا- بتن يعتقدن بأن الله نفسه يراقب شخصيا ما تلبسه نساء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا !!
لا أرى أي ضرورة في أن أسير على خطى محمد؛ فأنا لدي بوصلتي الأونطولوجية التي أعرف بفضلها من أين أتيت وبماذا أنا مار وإلى أين أنا ذاهب. ولا أرى أيضا ضرورة في أن تكون المرأة العربية نسخة كربونية تحاكي إحدى أمهات المؤمنين ومن والهن من الصحابيات وزوجات التابعين. والحق أن النماذج النسوية المقترحة في فضائنا الحضاري العربي لا تثير إلا شماتة الأعداء وشفقة الأغيار واستهجان الأحرار؛ فهناك أعلام لا يسوق من صورة المرأة إلا الأرداف المكتنزة والنهود الممتلئة، وهناك إعلام آخر لا يتحدث عن المرأة إلا ويقرنها بالفتنة أو الخطيئة أو في أحسن الأحوال خادمة في بيت الرجل: أم تفني شبابها ووقتها في تربية الأولاد أو زوجة تنتظر تنفيذ أوامر رب البيت. أما الحديث عن المرأة الجميلة الأنيقة المثقفة المالكة لفرجها وعقلها وأمرها، تزاحم الرجال في المقاهي وعلى المنابر، فهو من قبيل الخيال الحضاري.
غالبا ما تقدم قضية الحجاب من لدن مفكرينا ومشايخنا كأنها قضية فقهية صرفة أو كرمز للهوية الإسلامية في مقابل الهوية الغربية. إنهم لا يذهبون إلى ما هو أبعد من هذا. لكن دعوني ، أنا المهووس بالمنهج الجينيالوجي على طريقة صاحب جينيالوجيا الأخلاق، أقول لكم بأن قضية الحجاب هي في عمقها أكثر مما تتصورون : إنها مرض باطرياركي إسمه الخوف من الأنثوي. جسد المرأة عمل فني تطلب صنعه من لدن الطبيعة وقتا ليس بالقصير، فلكي تنتقل المرأة من جسد قريب في صورته المورفولوجية من جسد القردة العليا إلى جسد حواء بكل رقته وجماله ونعومته وجاذبيته تطلب الأمر ملايين السنين من التطور البيولوجي والانتخاب الطبيعي. ولأن الإنسانية ظلت تعيش إلى وقت قصير في ظل أنظمة قبلية عشائرية لا تحترم إلا قوة العضلات، كان لابد للكهنة وكارهي النساء من خلق إطار قانوني ثقافي يحمل صفة الإلزامية القانونية والقداسة الدينية فكان أن تبادرت إلى ذهنهم فكرة جهنمية دامغة اسمها: الحجاب. هذا الأخير كان في نظرهم هو الحل لحماية الذكور من غواية المرأة مع ما ينجم عن ذلك من زنى واختلاط انساب وضياع شرف واجتذاب ذكور العشائر المعادية. القضية في بعديها الأونظولوجي و السوسيو- سياسي واضحة غاية الوضوح ! فلحماية القبيلة ببنياتها الطبقية وترتيباتها القيمية العنصرية كان لابد من وضع المرأة في الكيس. هذا ما رآه اليهود عند أسيادهم زمن السبي البابلي فوضعوه في توراتهم، ثم تلقفته عنهم فيما بعد باقي الأديان من مسيحية وإسلام وبهائية وهي كلها ليست إلا نسخا معدلة من اليهودية.
الحجاب في أحد وجوهه الأخرى ليس إلا لعبة رموز و بروبغندا و تعويض نفسي. مثلما كان النازيون في المانيا الهتلرية يتبجحون بصلبانهم المعقوفة، مع ما تنظوي عليها من دلالات عنصرية استعلائية، يكاد متأسلموا اليوم يفعلون نفس الشيء. فلأنهم لا يمتلكون من علوم الغرب وصناعاته وفلسفاته ونظمه شيئا، فإنهم لم يجدوا ما يتمايزون به عنه إلا هذا الحجاب الذي هو أقرب إلى ما تُلف به مومياءات الفراعنة منه إلى الأخلاق على ما يزعمون. مند هزيمة عام 1968 وفشل المشاريع الليبرالية في الوطن العربي بدأ نظاما طهران والرياض يتنافسان على زعامة العالم الإسلامي، ورغم أن النظامان يمقتان بعضهما بعضا لاختلافها المذهبي فإنهما على الأقل يلتقيان عند نقاط عدة: نظام ثيوقراطي يخنق الأنفاس، عداء جنوني للحرية، تمجيد لقيم الموت والانتحار، وهوس شديد بسير الموتى وخلافاتهم القديمة. ورغم أن أطروحات هذه الأنظمة متهافتة ومخالفة لسنن الكون والطبيعة الإنسانية فإن سوء الحظ شاء أن ينتصر لها لا لشيء إلا لأنها غنية. ما تنفقه هذه الأنظمة، بفضل أموال البترودولار، على تصدير رجعيتها وظلاميتها إلى أنحاء الوطن العربي يفوق ما أنفقه الاتحاد السوفيتي على تصدير الثورة إبان المد الشيوعي. رباطات تنشأ، وقنوات تداع، و كتيبات توزع، و حوافز مادية تدفع، و دعاوى قضائية ترفع: وهذه كلها تمظهرات لدعاية إسلاموية تجري على قدم وساق. الهدف واحد وان اختلفت الطرق: إقامة نظام ثيوقراطي بشع. أن يكون شيعيا أو سنيا لا يهم.
ما أشبه اليوم بالبارحة! فيما مضى كان كهنة المجوس يجبرون مواطنيهم على عبادة النار، اليوم يجبرونهم على إطلاق اللحى وارتداء الحجاب. مجوس اليوم لا يختلفون في شيء عن مجوس الأمس !
ابراهيم هيبة (مراكش/المغرب)
[email protected]





#ابراهيم_هيبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإتجاه المعاكس
- بعيداً عن القطيع
- السيف و اليقين
- لماذا الله؟
- داء النبوة
- الأونطولوجيا الطبيعية


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم هيبة - سيميولوجيا الحجاب