أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمود جلبوط - حول الكيان الصهيوني وكيان الدويلة الكولونيالية العربية وما بينهما ( الحلقة الرابعة)















المزيد.....

حول الكيان الصهيوني وكيان الدويلة الكولونيالية العربية وما بينهما ( الحلقة الرابعة)


محمود جلبوط

الحوار المتمدن-العدد: 3014 - 2010 / 5 / 25 - 18:30
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


ينبغي التمييز بين نوعين من منحى تكون هذه الدويلات الكولونيالية المصطنعة , على الرغم من التشابه في مآلاتها : 1- دويلات نحت إلى أسلوب مقاومة شديدة كانت أو متواضعة ضد الاستعمار المباشر لأراضيها , امتازت تركيبتها الاجتماعية بدرجة معقولة من الغنى في الحقل الزراعي رافقه نشاط قطاع تجاري ارتبط بشكل ما بنشاط هذا القطاع الزراعي بالإضافة إلى نشوء بعض الصناعات مما حقق لها بزل فائض معقول تشكلت في سياقه رسملة مشوهة في ظل العلاقات الكولونيالية أفضت لنشوء طبقة بورجوازية كولونيالية مكونة من تجار وملاك أراضي وبعض الصناعيين فاوضت سلطة الاستعمار بشكل مبكر للاستقلال السياسي في حين تشكلت على حواف هذه الطبقة الكولونيالية طبقة متوسطة أوبورجوازية صغيرة كما يسميها البعض ذو تركيبة شعبوية نشطت سياسيا بتبني شعارات ثورية قومية معادية للامبريالية دعت للتحرر من الاستعمار المباشر وخاضت في بعضها حرب تحرير ضد الاستعمار , اعتلت السلطة بعد حصولها على الاستقلال بفترة قصيرة بانقلابات عسكرية متعاقبة وحاولت أن تقوم بمحاولات تنموية مبكرة لكنها فشلت لأسباب بنيوية سنأتي على ذكرها لاحقا . يندرج في هذا المنحى مصر , العراق , سورية والسودان ثم انضمت إليهما متأخرا الجزائر واليمن ثم ليبيا بعد اقلاب القذافي .
2- ودويلات اتصفت بفقر شديد بطبيعتها الجغرافية تعم معظم أراضيها صحراء قاحلة سكنها أكثرية بدوية ذو تركيبة قبلية عشائرية امتازت ببزل فائض بمستويات متدنية جدا تأتت في معظمها من الرعي والصيد والأعمال التجارية حتى اكتشاف النفط الذي غير معادلة الاستعمار هناك وقلب موازين توجهاته واستند بشكل ناجح جدا على تركيبتها الاجتماعية لتكوين طابع نموذجي لدويلة كولونيالية مطيعة جدا بعد أن رسملتها كولونياليا .

لا نستطيع الادعاء بأن اندماج المنطقة العربية بالنظام الرأسمالي قد انطلق فقط باحتلال الدول الاستعمارية لها بشكل مباشر مطلع القرن العشرين بل نؤكد بأن بدايات الاندماج تعود إلى البدايات الأولى لاندماج الامبراطورية العثمانية نفسها في الربع الأخير من عمرها قبل أفولها بهذا النظام مطلع القرن التاسع عشر باعتبارها جزءا من هذه الامبراطورية وذلك من خلال التجارة الخارجية العلنية وغير العلنية , أي من خلال التهريب , مع أوربا وتزامن ذلك مع الظهور الأول لما يمكن تسميته بورجوازية تجارية عربية , وقد اتخذ منذ البدايات شكل النزف باتجاه واحد أي باتجاه المراكز الأوربية الرأسمالية لأن الصفة الأساسية للتطور والتبادل في النظام الرأسمالي هو اللاتكافئ , لأن التراكم في البلاد الطرفية للنظام الرأسمالي , وبدافع من المراكز الرأسمالية نفسها , اقتضى وجود قطاع تجاري لعب دورا حاسما في قولبة السوق الطرفية المحلية , بل أن الرأسمال المركزي لم يهاجر إلى الأطراف ويتحول إلى امبريالي إلاّ عندما ضمن أنه سيحقق أرباحا هائلة وجزاءا أكبر مما حققه في سوقه الداخلية المركزية . وبالتالي فإن السبب الحقيقي وراء إنشاء القطاع التجاري هو الحصول من الأطراف على المواد الأولية والغذائية بأسعار إنتاج دون أسعار الإنتاج المماثلة في المراكز الرأسمالية بكثير وهنا يكمن جوهر التبادل اللامتكافئ على المستوى العالمي بالضبط , فالمنتجات التي تصدر من المناطق الطرفية تغري الرأس مال المركزي للهجرة إلى الأطراف(1) لأن فوارق جزاءات العمل في الأطراف أكبر بما لا يقاس لمثيلاتها في المركز , ولكي يتم له ذلك يرغم المجتمع الطرفي , بتعاضد الرأسمال المركزي والطبقة التجارية الطرفية , على تأدية هذه الوظيفة بتأمين اليد العاملة الرخيصة لهذا القطاع فيتغير بشكل جوهري التمفصل الرئيسي للإنتاج في سيرورة التراكم في المركز الرأسمالي والتي تتمخض عن نشوء علاقة عضوية وموضوعية بين أجرة العمل المنخفضة ومستوى تطور القوى المنتجة التي سيكون مستوى تطورها متنافرا , فهو متقدم في القطاع التجاري التصديري منه بشكل خاص ومتخلف في سائر القطاعات الأخرى , وهذا التخلف بالذات الذي يحرص النظام الرأسمالي الامبريالي العالمي على الإبقاء عليه وإعادة إنتاجه كشرط يسمح للقطاع التصديري الاستفادة من عائد اليد العاملة الرخيصة .
إذاً فلقد تم إدخال النمط الرأسمالي إلى بنية الأطراف الماقبل رأسمالية من الخارج بفعل تغلغل الاستعمار الرأسمالي المباشر أو السيطرة السياسية المباشرة وتشويهها من خلال تفكيك نسبي لها ولد علاقات جديدة تختلف جذريا عن علاقات الإنتاج الرأسمالية التي عهدناها في أوربا وأحدث فيها انعطافا في حركة تطورها التاريخي ليجعلها تخضع لمنطق آخر من التطور لا تستقيم تسميته في الواقع نظريا بنمط إنتاج رأسمالي بل هو فيها من منطق آخر مختلف هو منطق التبعية الكولونيالية نتيجة العلاقة الكولونيالية من حيث هي علاقة بنيوية بين بنيتين اجتماعيتين مختلفتين : بنية اجتماعية رأسمالية اكتمل تكونها ودخلت طورها الامبريالي , وبين بنية اجتماعية ما قبل رأسمالية في مرحلة انتقال منه إلى نظام إنتاج آخر قد عاجله الاستعمار فأعاقه وعدل من تكونه بشكل مشوه وربطه به بعلاقة تبعية كولونيالية لا تكافؤ فيها لأنها علاقة بين بنية شديدة التماسك الداخلي وأخرى في تفكك بنيوي بسبب من علاقتها في تبعية مع الأولى والتي فرضتها عليها أصلا بالعنف في حين أن الذي جرى في المركز الرأسمالي عكس ذلك , لم يكن هناك من سبقها في دخوله للنظام الرأسمالي وتمتع بعد ذلك بنزعة الاستعمار واستعمرها بالعنف أو اعتدى عليها أو كان متربصا بها لبزل فائض إنتاجها وخيراتها إلى خارج حدودها ولهذا فهي انتقلت إلى نمط إنتاجها الجديد بكل هدوء دون أن تشويهه بفعل خارجي فاكتملت , بينما مسيرة التكون التاريخي للبرجوازية الكولونيالية عندنا قد وسمها , ومنذ البدء , إطار علاقة التبعية البنيوية بعجز بنيوي دفعها بألاّ تماثلها بل تفترق عنها في إطار تفارق طبقي , عندهم قامت بثورة على البنية المجتمعية السابقة وعندنا عجزت عن هذا وبفعل إرادي وعنفي من الأولى , ولذلك فإن نشوء التحالفات الطبقية في بنياتنا الكولونيالية كقاعدة سياسية للنظام ليست تحالفات طبقية داخلية محلية بل هي تحالفات متخارجة بين رأس مال احتكاري مهيمن ورأس مال تجاري تابع , لا يسعى لإقامة دولة مكتملة ومستقلة تقوم على خدمة الطبقات المحلية وإنما هي إدارات بصورة غير مباشرة لخدمة الاحتكارات الرأسمالية المركزية , وبما أن الرأسمال الصهيوني العالمي الراعي للكيان الصهيوني كقاعدة متقدمة له في منطقتنا يسعى لجعلها مركزا للمنطقة العربية في خدمة مصالحه هو جزء فعاال من هذه الرأسمالية المركزية فإن رأس المال التجاري العربي الكولونيالي يخدم هذا الكيان أيضا .
فالعلاقات الخارجية ليست خاضعة لمنطق تطور داخلي بل هي متخارجة الإيقاع ومحركة باتجاه مصالح الخارج ونرى أنه من الخطأ الفادح دعوة اللبراليين العرب إعطاء فرصة لهذا التحالف الرأسمالي المحلي لإنجاز تنمية أو تحولات ديموقراطية أو الإدعاء بأن هذه الكولونياليات بقادرة على تحرير فلسطين أو حماية حدودها أصلا لأننا نرى أن مسيرة كهذه من تطور الإنتاج في البلد المستعمر(بفتح الميم الوسطى) لا يسمح مطلقا بتكون مسيرة مشابهة لمسيرة الرأسماليات المركزية , فالبورجوازية الطرفية هي بورجوازية كولونيالية لا رأسمالية إلاّ بتبعيتها للرأسمالية المركزية وتنفيذ مهامها وبذا فإن مسيرة تكونها التاريخية كبورجوازية تجارية تضم الملاكين الزراعيين وتجار المدن لا يمكن أن يجعل منها طبقة صاعدة ذات نزعة اقتحامية كالبورجوازية الرأسمالية في المركز بل أن هذه الصيرورة التاريخية قد حددتها منذ نشوئها كطبقة منحطة يجب القضاء عليها لتحرير الإنتاج وتحوله وتحرير الأرض وحماية حدود الوطن . لذا فلا يستوي أن نطلق عليها بورجوازية وطنية يمكن أن يكون لها دورا تقدميا أو قياديا في حركة النضال والتحرر ضد الاستعمار . إن وجود العلاقات الكولونيالية في بنيتنا العربية هو في صالح هذه البورجوازية المتخلفة والمنحطة التي لا تتحدد إلاّ بارتباطها بالرأسمالية الامبريالية ووجودها الطبقي ليس وجودا مستقلا بالمعنى العلمي للطبقة لأنها تفتقر في وجودها للأسس التي تجعل منها طبقة بل الأصح في تسميتها وكيلة للرأسمالية الغربية لأنها مجرد خادمة له ومنفذة لإراداته . وإذا كانت نظرية التطور المرحلي (اللامتكافئ طبعا) تنطبق على الصيرورة التاريخية للتكون الرأسمالي التدريجي لبلاد المركز في الغرب فهي لا تنطبق على الأطراف بالتأكيد لتفارق جوهري بينهما : فأهم ميزة في البنية الكولونيالية هي افتقارها للتفارق الطبقي الاجتماعي الذي امتازت به البنية الرأسمالية الغربية في صيرورة تكونها هناك , والسبب يكمن في الشروط التاريخية لتكون الطبقات في البلدان التي استعمرتها الرأسمالية الغربية المتحولة إلى امبريالية ولجمها لتطور البنية الطبيعي والتلقائي . ففقدان الحلقة الصناعية في صيرورة تطور البنية الكولونيالية بسبب علاقة التبعية والإعاقة منع أو بمعنى أدق حدد إمكانية التفارق الطبقي في إطار ضيق يصعب فيه تكون مستقل ومتكامل لطبقة عاملة بديلة لإنتاج هذا القسم المتمدد تصاعديا من البورجوازية الصغيرة الغير منتجة والمصنعة في مجملها بسعي مباشر من الفئة الكولونيالية المتسلطة في الحكم لخدمتها : من جهاز شرطة وجيش وأجهزة مخابرات وطواقم جلادين في السجون وموظفين ومثقفي سلطة ورجال دين .
ولأن البنية الكولونيالية هي بنية لا تفارق طبقي فهي تظهر بمظهر الركود والتكرار الذي يدل على المعنى الحقيقي للحلقة المفرغة لإنتاج التخلف أو بمعنى أدق " للتخليف" .
وبالتالي فإنه يمكننا أن نجمل الخصائص التي تكشف عن نموذج الإنتاج الكولونيالي بالتعارض مع نموذج الإنتاج الرأسمالي المركزي بأنه : - قد جرى في البنية الكولونيالية إدخال النمط الرأسمالي من الخارج عن طريق الاستعمار المباشر أو السيطرة السياسية , وبالتالي لم يجر تفكك في العلاقات الريفية وإنما تشويه لها ويتجلى ذلك من خلال غياب الثورة الزراعية المسبقة .
- إن التحالفات الطبقية التي تمثل الإطار السياسي للنظام وإعادة إنتاج مقوماته ليست محلية داخلية وإنما هي تحالفات دولية بين رأسماليات احتكارية غربية مع حلفاء محليين ثانويين .
-لا وجود لدولة قومية مستقلة ذات سيادة تعمل في خدمة المجتمع بجميع طبقاته وإنما مجرد إدارات في خدمة الاحتكارات الرأسمالية .
- لا تخضع العلاقات الخارجية لمنطق تطور داخلي محلي بل هي محركة من قبل الخارج ومحددة الإيقاع والتوجه .
ولا يكتمل موضوعنا حول الدويلة الكولونيالية العربية بالطبع دون التعريج على ظاهرة أثارت جدلا نظريا وسياسيا واسعا هي جزئية الدويلة التي وصل إلى سدة الحكم فيها شرائح بورجوازية متوسطة وصغيرة عن طريق انقلابات عسكرية ذات نزعة قومية وطبيعة شعبوية معادية للامبريالية والاستعمار ومؤيدة للمقاومة قادت حركة التحرر الوطنية القومية العربية في أواسط القرن العشرين مما دفع الكولونياليات العربية في الدويلات القطرية الأخرى للخوف الشديد من مصير مشابه لما حدث للكولونياليات المنقلب عليها مما دفعها إلى حث الامبريالية المركزية السريع واللجوج للتدخل السريع لعملية جراحية لاستئصال هذه الظاهرة خشية تطور الأمور وخروجها عن السيطرة فكانت حرب الكيان الصهيوني الوظيفي الاستباقية عام 1967 على نظام عبد الناصر مدفوعا من المركز التي أدت إلى هزيمة حزيران الشهيرة والتي وضعت حدا لتصاعد الشعور القومي المعادي للامبريالية ومحاولة نهضة متجددة وتركت بصماتها على تطور المنطقة حتى حاضرنا الراهن .
لا بد من الإشارة هنا إلى أن ظروف تكون الطبقة المتوسطة في البنية الكولونيالية تختلف بشكل جذري عن ظروف تكون مثيلتها في البنية الرأسمالية المركزية , ففي حين أن الطبقة المتوسطة والصغيرة قد تكونت في أوربا في سياق عملية تفارق طبقي في رحم النظام الإقطاعي السابق أفضت إلى تكون طبقة رأسمالية كبيرة مهيمنة ومسيطرة طبقيا واستحالة صيرورة تكون الطبقة المتوسطة كطبقة مسيطرة تستطيع أن تحكم سياسيا , لكن افتقار البنية ذات الطابع الكولونيالي لعملية التفارق الطبقي هذه إلى جانب الهيمنة الخارجية للرأسمالية المركزية على حساب الكولونيالية الطرفية سمح لتوفر الظروف الاجتماعية لإمكانية تمكن الطبقة الوسطى أو الصغيرة كطبقة مسيطرة في البنية الكولونيالية وأن تلعب دورا هو في الأساس من مهام الطبقة العاملة , أي بمعنى آخر أن علاقة تبعية البورجوازية الكولونيالية للامبريالية الخارجية التي تلجم البنية الكولونيالية وتسد آفاق التفارق الطبقي الطبيعي فيها هو الذي يفتح أمام الطبقة المتوسطة والصغيرة إمكانية صيرورتها طبقة مسيطرة نقيض بدلا من الطبقة العاملة , وبسبب إعطاء الجيش دورا هاما في تقرير مصير السلطة السياسية لافتقار هذه السلطات للشرعية الاجتماعية ولأسباب تتعلق أصلا في الأسس التي قامت عليها عملية بناء هذا الجيش المشكل لحماية السلطات وليس لحماية حدود الدويلة التي أوكلت مهمتها للقوات الأجنبية , استطاعت هذه الطبقة المتوسطة والصغيرة أن تقفز إلى سدة السلطة عن طريق انقلابات عسكرية عندما توفرت ظروفها وحان الوقت لها , أي أن هذه الطبقة وجدت في السلطة بالقوة أكثر منه بالفعل .
طردت هذه السلطات بعد سيطرتها على السلطة القواعد الأجنبية من أراضي الدويلة وشرعت بتنمية اجتماعية من خلال القيام بإنجازات ديموقراطية طالت التعليم والتوظيف والتأميم وإصلاح زراعي . تبنت شعار الوحدة العربية بل قامت ببعض المحاولات الوحدوية , وافتقرت فترة حكمها للحياة الحزبيةالتعددية والحريات السياسية وصندوق الاقتراع وامتازت بحكم الحزب الواحد والاستفتائات للقائد الملهم .
لقد صبت هذه البورجوازيات القومية المتوسطة إلى تغيير حدود التقسيم الدولي للعمل الذي لم يكن يسمح للبلاد الطرفية سوى بتصدير المواد والمنتجات الأولية واستيراد سائر المنتجات المصنعة الضرورية اللازمة لحاجاته الضرورية من المركز لأنه قد حرّم عليها التصنيع فشرعت في عملية تصنيع تعتبر بمقاييس إمكانياتها القطرية هامة , ولكن ولأن هذا التصنيع وهذه المحاولة في التنمية والتراكم لم تنبني على أساس قطع علاقة التبعية مع البنية الكولونيالية نجم عن ذلك , وكما عبر عن ذلك سمير أمين , التواء أساسي في عملية تخصيص الموارد لصالح المنتجات المصنعة على حساب سلع الاستهلاك الجماهيري , والتواء في عملية التطور الاجتماعية . لماذا؟
لأن أي عملية تصنيع في ظل علاقة التبعية البنيوية للمركز ودون القطع معها ستودي إلى تهميش الجماهير الشعبية , فالتصنيع الذي قام على أساس أن يكون بديلا عن الاستيراد بدأ من النهاية , أي من إنتاج السلع التي تتطابق مواصفاتها مع أكثر مراحل تطور المركز والتي تحتاج لاستهلاك رساميل كبيرة وموارد نادرة , يجري هذا على حساب تصنيع الاستهلاك الشعبي والجماهيري الواسع الذي لن يوظف له موارد كافية لإنتاجه بشكل كاف ولا لعصرنته فبالتالي لن يتمكن من المنافسة محليا في ظل عدم قطع العلاقات مع السوق العالمية التي تميل كفتها بالتأكيد لصالح صناعات المركز مما يؤدي إلى ركود الزراعة الغذائية فيقود إلى تهميش السواد الأعظم من الجماهير التي يشكل الفلاحون كتلتها العظمى وتزداد البطالة الحقيقية والمقنعة في ظل نقص للعمالة الماهرة , لأن عملية التنمية تجري في ظل بنية اجتماعية متخارجة لم تقطع بعد مع البنية الكولونيالية هذا أولا , وثانيا لأن من يقود عملية التنمية والتصنيع طبقة لا تفرض مصالحها ولا يسمح منطق بنيتها الطبقية بإنجاز عملية القطع هذه .
أما لماذا فشلت هذه الطبقة الوسطى أو البورجوازية الصغيرة كما يسميها البعض من إنجاز المهمات التي حملتها على عاتقها لدى وصولها إلى السلطة ولماذا عجزت عن تحقيق أهداف التحرر الوطني في تحرير الأرض الوطنية وإنجاز الوحدة فمرجعه لحركة التفارق الطبقي داخل هذه الطبقة ذاتها الناتج من وجودها الطبقي نفسه في علاقته مع الصيرورة الطبقية العامة للبنية الكولونيالية المتخارجة ذاتها , فهي لم تقم بتحويل علاقات الإنتاج القائمة والتي تجري كما قلنا سابقا في إطار العلاقة البورجوازية الكولونيالية فطرأ عليها بالتالي , وبديمومة هذه العلاقة الكولونيالية , تحول طبقي أدى بها لتصبح طبقة بورجوازية كولونيالية متجددة في سياق عملية استبدال طبقي معقدة انطلقت منذ انقلابها على سلطة الطبقة الكولونيالية القديمة عبر العسكر وبفضل ما أنجزته على المستوى الاقتصادي من خلال بناء قطاع الدولة الذي ساعدها لإنشاء شريحة اجتماعية واسعة مؤيدة لها ولممارساتها من خلال حملة توظيف واسعة لقطاعات عريضة من الشعب فدعم حظوظها في الهيمنة الطبقية في صراعها مع الفئات البورجوازية الأخرى ريفية ومدينية انصب نشاطهما في قطاع خاص يقوى ويضعف حسب موازين القوى الداخلية والخارجية وبالتالي فشلت في إنجاز مهمات التحرر الوطني والقومي .

إننا نرى أن منطق الصراع في ظل الهيمنة الرأسمالية الامبريالية الداعمة للكيان الصهيوني والمتحالفة مع الكولونياليات العربية كان يقتضي بالضرورة آنذاك ومازال أن يكون في قيادة حركة التحرر الوطني القومي العربية الطبقة المهيمنة النقيض لهذا التحالف ألا وهي الطبقة العاملة وانضواء الطبقة الوسطى أو البورجوازية الصغيرة تحت برنامج هذه الطبقة وهيمنتها في إطار تحالف ثوري ضد التحالف المعادي لمصالح المنطقة بأجمعها وهو امبريالية- صهيونية- دويلات كولونيالية عربية .





(1)-ليس المال فقط هو الذي تصدره لنا الرأسماليات الامبريالية الغربية بل هناك تصدير للبشر أيضا من فائض العاطلين عن العمل الذي تنتجه الصناعات الكبرى في المركز , فعندما يصبح العاطلين عن العمل فائضا عن حاجة البنية يسعى رأس المال في سياق عملية معقدة من الممارسة الأيديولوجية لتصدير هذا الفائض إلى الأطراف على شكل استعمار استيطاني كما حدث في جميع أنحاء هذه الأطراف ومن ضمنها فلسطين .



#محمود_جلبوط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول الكيان الصهيوني وكيان الدويلة القطرية الكولونيالية العرب ...
- حول الكيان الصهيوني وكيان الدويلة القطرية الكولونيالية العرب ...
- حول الكيان الصهيوني وكيان الدويلة القطرية الكولونيالية العرب ...
- مرة أخرى حول شعارات -تحرر المرأة- ومهرجاناتها
- غيلان رأس المال وصناعة الوهم والخوف والفزاعات
- إزالة المستوطنات وليس تجميد الاستيطان
- تغذية بالحماية الشعبية
- الاستخفاف بالحق والقانون ..مقال مترجم عن الألمانية
- ماذا في جعبة ميتشل.....
- قراءة في أزمة رأس المال المالي
- 61عاما على النكبة ....كأنها حدثت الأمس
- لاهوت للتحرير ولاهوت في خدمة رأس المال والاستعمار والصهينة
- يسار مقاوم..يقاوم ويسار متصهين...يتصهين
- عودة إلى المشهد السوري
- حول مشروع حل الدولة الفلسطينية الواحدة(3) والأخيرة
- حول مشروع حل الدولة الفلسطينية الواحدة(2)
- حول مشروع حل الدولة الواحدة في فلسطين(1)
- سولانا ورزمة إغراءاته المقدمة لإيران
- في النكبة
- رسالة إلى السياسيين الألمان(مترجمة عن الألمانية)


المزيد.....




- -انتهاك صارخ للعمل الإنساني-.. تشييع 7 مُسعفين لبنانيين قضوا ...
- لماذا كان تسوس الأسنان -نادرا- بين البشر قبل آلاف السنوات؟
- ملك بريطانيا يغيب عن قداس خميس العهد، ويدعو لمد -يد الصداقة- ...
- أجريت لمدة 85 عاما - دراسة لهارفارد تكشف أهم أسباب الحياة ال ...
- سائحة إنجليزية تعود إلى مصر تقديرا لسائق حنطور أثار إعجابها ...
- مصر.. 5 حرائق ضخمة في مارس فهل ثمة رابط بينها؟.. جدل في مو ...
- مليار وجبة تُهدر يوميا في أنحاء العالم فأي الدول تكافح هذه ا ...
- علاء مبارك يهاجم كوشنر:- فاكر مصر أرض أبوه-
- إصابات في اقتحام قوات الاحتلال بلدات بالضفة الغربية
- مصافي عدن.. تعطيل متعمد لصالح مافيا المشتقات النفطية


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمود جلبوط - حول الكيان الصهيوني وكيان الدويلة الكولونيالية العربية وما بينهما ( الحلقة الرابعة)