أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - أزمة اليونان مرة أخرى















المزيد.....

أزمة اليونان مرة أخرى


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 3011 - 2010 / 5 / 21 - 19:30
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


كنت كتبت في الحوار عدد 3004 عن " ما تفسير الأزمة في اليونان؟ " وكان ذلك محاورة للرفيق الصديق الدكتور علي الأسدي حيث كان قد كتب في نفس الموضوع في العدد 2999. اليوم عاد وكتب في الموضوع ولم ينسَ أن يطري مقالتي المشار إليها وإني لأشكره على ذلك. قرأت مقالته اليوم بإمعان حيث أجدني مهتماً بإنتاج الرفيق علي الفكري وهو المعني بأهم القضايا المعاصرة فشعرت أن الكاتب كما لو أنه أحد مستشاري البنك المركزي الأوروبي مهتم بسلامة البنية النقدية للإتحاد الأوروبي ولو حتى عن طريق الخروج من بنيته السياسية.

ما لا يستطيع أحد إلا أن يوافق على أن السبب المباشر للإزمة هو أن الحكومة اليونانية أقلعت منذ أمد بعيد عن التوظيفات الرأسمالية فظلت عاجزة لذلك عن الوقوف على قدميها دون الحاجة إلى الإستدانة والخضوع لشروط المصارف والدوائر المالية من مثل فرض فوائد قد تكون أعلى من النسبة المتداولة. كنا عزونا عجوزات المداخيل المالية مباشرة إلى انكماش الإنتاج الرأسمالي. الرفيق علي قال بالأسباب المباشرة والواضحة كل الوضوح والتي لا أحسب أحداً يشكك فيها، كانت ما كانت اتجاهاته الفكرية والسياسية، لكنه لأسفنا سكت عن علة العلل، العلّة الحرجة الملحة التي تستدعي المعالجة السريعة من قبل مختلف أهل الإختصاص والمعرفة. ومن باب وضع الرفيق علي أمام مسؤولياته النضالية وهو المناضل دون كلل من أجل خير الإنسانية وتحريرها نهائياً من قيد الإنتاج الصدء الثقيل، نسأله .. هل أحجمت الحكومة اليونانية عن التوظيفات الرأسمالية بسبب غبائها، أو أنها لم تجد من ينصحها بالإقلاع عن تلك السياسة الخرقاء الإفقارية، أم أن هناك أسباباً أخرى لم يدركها الرفيق علي أو أدركها وسكت عنها لأسبابه الخاصة؟؟ إننا لا نشك في أن إجابة الرفيق علي على أحد هذه الأسئلة أم عليها جميعها ستكفي لأن تكشف للقراء طبيعة الأزمة في اليونان وفي غير اليونان.

نعود مرة ثانية وثالثة ورابعة إلى مؤتمر رامبوييه في باريس وإعلانه الشهير في 16 نوفمبر 1975 حيث استطاع الخمسة الأغنياء في العالم (G5) وبعد أن مكنتهم الثورة المضادة بقيادة خروشتشوف في مركز الثورة الاشتراكية موسكو من ذلك، استطاعوا وبكبسة زر تحويل النظام الرأسمالي وهو على فراش الموت إلى نظام الإقتصاد الإستهلاكي (Consumerism) وهو ما اقتضى إقامة دولة الرفاه (Welfare State) دولة الطبقة الوسطى بدل الدولة الرأسمالية. الدولة في اليونان منذ ذلك التاريخ هي دولة الطبقة الوسطى وليس دولة الرأسمالية. دولة الطبقة الوسطى هي بحكم طبيعتها معادية للنظام الرأسمالي بقدر معاداتها للنظام الإشتراكي حيث أنها تمارس الإنتاج الفردي حصراً (Individual Production) وقد اقتصر في عصر الرأسمالية على إنتاج الخدمات، بعكس النظامين الرأسمالي والإشتراكي المعتمدين حصراً على الإنتاج الجمعي المجتمعي (Associated Production) الذي يتحقق بإنتاج السلع حصراً. طبيعة الإقتصاد الرأسمالي تقوم أساساً على الإنتاج الوفير والاستهلاك الشحيح بينما الإقتصاد الإستهلاكي ينحو إلى الإستهلاك الوفير والإنتاج المادي الشحيح وقد حوّل البروليتاريا إلى عمال خدمات لا يصنعون الثروة. دولة الطبقة الوسطى خلال العقود الثلاثة الأخيرة في اليونان لا تستطيع أن تغيّر من طبيعتها لتنهج نهج الرأسمالية وتقلع عن النهج الإستهلاكي. بل إنها حتى لو استطاعت لحالت طبيعة السوق الدولية دون أن تغيّر نهجها الإستهلاكي. فالرأسمالية لا يمكن أن تقوم إلا كنظام عالمي، يولد ويحيا وينمو ويموت في محيط عالمي وبطبيعته العالمية. مات ودفن على الصعيد العالمي كما في إعلان رامبوييه وعبثاً يحاول البعض إحياءه هنا أو هناك ما عدا أن يتم ذلك في نظام هجين على المستويين الإقتصادي والسياسي كما هو حال النظام الصيني فاقد الهوية حيث لا صلة من أي نوع كان بين "نظام" الإنتاج من جهة والبنية السياسية للدولة من جهة أخرى.

الرفيق علي يعالج الأزمة في اليونان كما لو أنه يعالج أزمة رأسمالية. مشكلة سواد الماركسيين اليوم أنهم لم يلحظوا بعد التغيّر البنيوي (Metamorphosis) الذي جرى على النظام الرأسمالي تبعاً لأزمته القاتلة في السبعينيات ومقررات مؤتمر رامبوييه 1975. العالم فيما بعد رامبوييه أخذ يحيا في نظام مختلف كل الإختلاف بل معاكس تماماً للنظام الرأسمالي. الأزمة الناشبة اليوم ليس بخناق اليونان والولايات المتحدة وحدهما بل بخناق سائر الدول الرأسمالية سابقاً، دول الرفاه، إنما هي ناجمة بصورة جليّة لاغبار عليها عن قصور الإنتاج عن الإستهلاك، عكس أزمة الرأسمالية المعروفة لدى الجميع وهي قصور الإستهلاك عن الإننتاج. كيف لنا أن ننسب هذه الأزمة إلى الرأسمالية وهي أزمة ديون متفاقمة لكأن النظام الرأسمالي لم يعد نظاماً للإنتاج وهذا لا يستوي مع المنطق السليم حيث جوهر النظام الرأسمالي هو الإتجار بقوى العمل عن طريق تحويلها إلى سلع، إلى ثروة. النظام الذي لا ينتج ليس نظاماً رأسمالياً بكل المقاييس.
الرفيق على الأسدي عالج الأزمة في اليونان وكما لو أنه مستشار في صندوق النقد الدولي حيث نصح بخفض الإنفاق العام من جهة وزيادة الضرائب من جهة أخرى لكنه، ولاستغرابنا، لم يضف إلى هذين البندين النصيحة بزيادة الإنتاج، فكما لو أنه أدرك مسبقاً أن في ذلك ورطة رأي أن يتحاشاها نظراً لصعوبتها، إذ لا يمكن الرجوع إلى الإنتاج البضاعي في العودة إلى النظام الرأسالي أو التقدم إلى النظام الإشتراكي إلا بإعادة تحويل القسم الأعظم من جماهير الطبقة الوسطى العريضة إلى بروليتاريا الأمر الذي ترهن الطبقة الوسطى كل حياتها كيلا يكون، ولم يكن في الإتحاد السوفياتي حيث استخدمت الطبقة الوسطى كل الوسائل الخسيسة والمنحطة لتحافظ على تقسيم العمل وأن لا تتحول إلى بروليتاريا.

كيف لا يتفاجأ الشيوعيون من أن أحدهم يقول في أزمة اليونان، وهي في الحقيقة أزمة العالم كله، يقول قول صندوق النقد الدولي الذي ينادي بسياسة خرقاء تتمثل بزيادة الضرائب وخفض الإنفاق، أي خفض المستوى المعاشي للطبقة الوسطى، وهو ما يعني مطالبة دولة الرفاه، دولة الطبقة الوسطى، بانتهاج سياسة معادية لها ومعاكسة لوظيفتها الرئيسية والوحيدة، ولذلك وصفت هذه السياسة بالخرقاء. أحد الشيوعيين ينادي بسياسة صندوق النقد الدولي ومن جهة أخرى ينادي الرئيس الأمريكي باراك أوباما بسياسة أخرى مختلفة تماماً وهي العودة إلى الإنتاج البضاعي. لئن كان الرفيق علي وباراك أوباما يعيان تداعيات ما يقولانه فذلك يعني بالتأكيد أن الرجلين تبادلا المواقع فغدا الرئيس الأيركي هو رفيقنا الشيوعي وعلي الأسدي هو الصندوقي وهذا وأيم الحق لمفاجأة كبرى! مفاجأة يحتسب لها كل حساب.

تصريح الرئيس الأميركي قبل عدة أسابيع وقد حدد فيه العلاج الوحيد الشافي للأزمة الحالية في الولايات المتحدة الأميركية وهو العودة إلى الإنتاج البضاعي، هذا التصريح الهام جداً والمفصلي دفع بنا إلى كتابة مقالاتنا الستة الأخيرة في الحوار المتمدن وفيها رأينا العالم يحط في محطة انحطاط مسدودة المنافذ ويترتب على الماركسيين قبل غيرهم البحث في تخليص العالم منها قبل فوات الأوان ووقوع الكارثة الكونية المدمرة للحضارة بشتى تجلياتها. كتبنا " سفر الخروج " في حلقتين وأشرنا إلى فرصتين ضيقتين للخروج من محطة الإنحطاط وكلتاهما تعتمدان على العودة إلى الإنتاج البضاعي وهو العلاج الوحيد في وصفة الرئيس الأمريكي. من العبث التفكير بأي ثورة اشتراكية، عداك عن مواجهة الأزمة الناشبة حالياً، بغير العودة إلى الإنتاج البضاعي. من الوظائف الرئيسة لمرحلة الإشتراكية القصيرة بوصف ماركس هي إثراء المجتمع من خلال تحويل جميع القادرين على العمل إلى أشباه بروليتاريا، عمال غير مأجورين ينتجون البضائع، يغنون مجتعهم فيغتنون. كل الذين يدعون إلى اشتراكية غير هذه الإشتراكية فإنما هم مشعوذون كذبة، يتاجرون بالشعارات الجوفاء لكسب امتيازات بورجوازية رخيصة من جهة ومن جهة أخرى، وهي الأهم، يقومون بسد الطريق إلى الإشتراكية الحقيقية، إشتراكية ماركس. بعض الأفّاقين المأجورين يتهموننا بأننا من المنظرين لخدمة الرأسمالية الإمبريالية؛ نقول لهؤلاء الأفّاقين المأجورين أننا أكدنا مراراً وتكراراً حقيقة أن الرأسمالية قد ماتت واندثرت في سبعينيات القرن الماضي، وأحكام التاريخ تقطع بأنه لا يجوز إحياؤها تحت كل الشروط. هذه الحقيقة التي لا مراء فيها تدمغ كل الذين يرفضونها ويشككون بها بدمغة أنصار الرأسمالية الإمبريالية واستمرارهم بالحفاظ عليها وتنفيذ قوانينها. نحن لا ننسى أن معلمنا كارل ماركس سمّى الأم التي تحمل بالشيوعية وتلدها وهي بالتحديد الرأسمالية. مشكلة الشيوعيين الوحيدة اليوم هي أن الأم الرأسمالية ماتت قبل أن تلد الشيوعية؛ وحبذا لو كان بالإمكان إحياؤها من جديد لتلد الشيوعية قبل أن تموت مرة أخرى طالما أن الشيوعية تستحق كل التضحيات لكن ذلك ليس في حيلة أحد.

نعود مرة أخرى لنطلب من كل المهمومين بقضية الشيوعية وبالعمل الشيوعي، بقضية الإنسانية وقد حطت في محطة انحطاط مسدودة المنافذ، نطلب إليهم أن ينظروا في حقيقة الفرص الثلاث المتاحة لخروج البشرية من محطة الإنحطاط كما تضمنتها مقالتنا "سفر الخروج 2" وينتقدونها سواء بالإضافة والتطوير أم بالإعتراض، ونعتقد أن هذا خير عمل يقومون به.

فؤاد النمري



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما تفسير الأزمة في اليونان؟
- سفر الخروج 2
- سفر الخروج
- حول أطروحة المحطة المنحطة مسدودة المنافذ
- حميد كشكولي ضد الإشتراكية
- محطة الإنحطاط التي تحط فيها البشرية اليوم
- تاريخ الإنسان كتبته العبودية وليس الحرية
- تطوير العمل الفكري والثقافي للحزب الشيوعي العراقي
- هل الرأسمالية متقدمة على الإشتراكية !؟
- من يفتح ملف الإشتراكية !؟
- ليس شيوعياً من يغطي على الأعداء الفعليين للشيوعية
- القانون العام للحركة في الطبيعة (الديالكتيك)
- الوحدة العضوية للثورة في عصر الإمبريالية
- البورجوازية الوضيعة وليس الصغيرة ..
- نحو فهم أوضح للماركسية (3)
- نحو فهم أوضح للماركسية (2)
- نحو فهم أوضح للماركسية
- رسالة إلى أحد الديموقراطيين الليبراليين
- الليبرالية ليست إلاّ من مخلّفات التاريخ
- حقائق أولية في العلوم السياسية


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - أزمة اليونان مرة أخرى