أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - فيلم - الطوفان - لعمر أميرالاي















المزيد.....

فيلم - الطوفان - لعمر أميرالاي


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 917 - 2004 / 8 / 6 - 11:52
المحور: الادب والفن
    


إدانة لآلية التلقين السياسي، ورفض للتدجين الفكري الفادح


قبل 33 سنة أخرج عمر أميرالاي فيلمه التسجيلي الأول " محاولة عن سد الفرات " ثم تتابعت أفلامه التي حفرت إسمها في ذاكرة الفيلم التسجيلي العربي، ومن بين أفلامه " الحياة اليومية في قرية سورية " بالإشتراك مع الكاتب سعد الله ونوس، و " الدجاج "، و " مصائب قوم " و " عطر الجنة " و " الحب المؤود " و " فيديو على الرمل " و " العدو الحميم "و " إلى السيدة بنازير بوتو " و " فاتح المدرس " و " في يوم من أيام العنف العادي، صديقي ميشيل سورا " و " هناك أشياء كثيرة يمكن أن يقولها المرء " و " الرجل ذو الحذاء الذهبي " وفيلم " الطوفان " الذي ينتمي إلى أسلوب " التحريض الدعائي "، الذي يستند إلى وسيلة مضادة للتهكم والسخرية من النظام الحاكم، وهذه الوسيلة مُستمدة من طبيعة النظام وآليته، والقائمة على مبدأ " من فمك أدينك ". هذه الرؤية النقدية الحادة التي لا تعرف المهادنة، ولا تقبل التدجين، والترويض الفكريين هي التي جعلت من عمر أميرالاي واحداً من رواد السينما التسجيلية الهادفة في الوطن العربي.
مستويات القراءة
في بداية مشواره الفني كرّس عمر أميرالاي أول أفلامه لتمجيد " سد الفرات " بوصفه أحد إنجازات حزب البعث الحاكم، وكانت ذريعته وقتذاك أنه أحد أبرز المناصرين لفكرة تحديث بلده سوريا مهما كان الثمن حتى وإن كان هيمنة الحزب الواحد، ولكنه بعد سنوات من النضج والتأجج الذهني أعتبر هذا الفيلم " هفوة شباب " مسجلاً ندمه على إقتراف خطأ كبير من هذا النوع. وبعد 33 سنة عاد أميرالاي لينجز فيلماً آخر عن سد الفرات أسماه مجازاً " الطوفان ". ولو عدنا إلى التاريخ القريب لوجدنا أن المخرج يشير من طرف غير خفي إلى كارثة إنهيار سد زيزون، وتصدع جدران سدود سورية أخرى، وإحتمال تعرّض السدود السورية الـ " 36 " للمصير ذاته، فتنهار هذه السدود إما بسبب التشقق في جدرانها الواهنة، أو قد تتعرض إلى التدمير الشامل إذا ما فكرت تركيا بفتح بعض من مخزونها المائي الهائل في السدود التركية الكثيرة المقامة في أعالي نهر الفرات، فيحدث " الطوفان " بالمعنى الحقيقي. كما يمكن قراءة المعنى الإستعاري للفيلم بأن التسلط الشديد على المواطنين، وقمعهم، ومحاولة تدجينهم قد يفضي بهذه السدود البشرية لأن تنهار ببساطة فيغرق الزرع والضرع كما حدث في العراق على وجه التحديد مؤخراً. سيناريو هذا الفيلم إشترك في كتابة مع عمر أميرالاي كل من أسامة محمد ومحمد الرومي، وكأنهم يريدون أن يشكلوا إدانة جماعية لآلية التلقين السياسي، والإملاء الفكري، والببغائية الإيديولوجية. من هنا لم تصمد اللغة المجازية طويلاً، فما أن بدأ الفيلم حتى أخذت نيات كتاب السينارست والمخرج تتكشف عن سخرية مرة، ولاذعة وهي تعاين بأمانة شديدة الواقع السوري الذي رضخ لشمولية الحزب الواحد قرابة أربعين عاماً. يقول أميرالاي في مقدمة فيلمه " حول بحيرة الأسد يمتد اليوم بلد إسمه سوريا. من سورية الجديدة هذه إخترت قرية. هذه القرية وأهلها وحتى بئر الماء فيها اسمها الماشي. قرية يحكمها شيخ عشيرة هو نائب في مجلس الشعب يعاونه إبن أخيه مدير المدرسة ومسؤول الحزب. انها في عبارة اخرى عيّنة من بلد يحكمه حزب البعث منذ اربعين عاماً من دون منازع". كما يصوّر الفيلم بدقة قل نظيرها تأطير المواطن السوري الذي يردد بميكانيكية غريبة أفكاراً تعود للحزب الواحد، كما تكشف عن مفاهيم عتيقة أكل الدهر عليها وشرب مثل عسكرة البلاد، وتقديم صور نمطية للنفس الوطني الزائف، فالمتكلم في الفيلم شيخاً أو أستاذاً أو نائباً في البرلمان لا يرى في المرآة إلا صورته الشخصية التي تتكلم بلسان غيرها من المُدجِنين. لابد من التوقف عند الشخصيات التي أدت أهم الأدوار في الفيلم منها شخصية شيخ قبيلة الماشي، وإبن أخيه مدير المدرسة، ومسؤولها الحزبي، وبعض التلاميذ الذين يتعرضون إلى غسيل دماغ كل يوم من قبل نماذج بشرية تجيد فن ترديد الكلام، ولا تحسن صناعته. فالشخصيات الحقيقية التي ظهرت في الفيلم لا علاقة بها بالتمثيل، وربما هم لا يعرفون أنه يسخر من واقع الحال المؤسي في سوريا، لأنهم كانوا يطرحون قضاياهم عن قناعة تامة بها في حين أن قصد المخرج كان هو النقيض بعينه، وهو يروم إنجاز فيلم تسجيلي إبداعي لا يرتكن إلى آلية التوثيق حسب، وإنما يريد التحليق في فضاء الإبداع الفني الذي يقترن بتثوير الإمكانات الفكرية بأسلوب إستعاري. فشيخ قبيلة الماشي، الذي أُختير وفقاً لتوجيهات الحزب ليكون نائباً متأبداً في البرلمان السوري، إذ تجاوز عمر عضويته البرلمانية على ما يزيد عن الخمسين عاماً، وقد بز بذلك عمر أطول البرلمانيين في العالم، وأن الرئيس السوري يمحضه حباً من نوع خاص، وقد أمر بتخصيص سيارة شخصية له. والغريب في الأمر أن هذا الشيخ، بوصفه نموذجاً مدجناً للسلطة الشمولية، يتحدث بطريقة بسيطة وساذجة مرسخاً النموذج النمطي للإنسان المستلب، والمتحجر ذهنياً، والعاجز عن التفكير لأن هناك من يفكر بالنيابة عنه، وهو لا يختلف كثيراً عن الناس الضحايا الآخرين الذين يمتلكون صوراً مختلفة، وأفكاراً مستنسخة، فإبن الأخ يشبه عمه تماماً، بل هو نسخة سيئة عنه، وربما يشبهه في النفس الببغاوي، وقدرته على التلقّن والتلقين. أن مجمل شخصيات الفيلم الحقيقية لا تتعدى الصور الشاحبة، المتخشبة، الموهومة التي تردد من دون وعي ما أُملي عليها طوال أربعة عقود من التنكيل الفكري والثقافي. فالشخصية النمطية المدجنة لا ترى إلا ما يراه الجواد من خلال غمامتيه. لقد أيقن هذا المخرج المبدع " الذي يحب بلده سوريا أكثر من أي شيء آخر " أن الإمعان في التحرش بهذا الواقع سيكشف له صورة عجز المواطن العربي عن إعمال الذهن، وإطلاق المخيلة المأسورة التي لا تتجاوز الإستنساخ والتكرار الذي تدربت عليه قرابة نصف قرن من الزمان. وهذا العجز لا يقتصر على المواطن العادي وإنما يشمل المثقفين، والمفكرين، والفنانين، وحتى الناس المعارضين الذين سقطوا في فخ المعارضة النمطية " الخطابية " التي تستمد نفَسها من أحادية النظام النمطي الحاكم نفسه. لذا فالطوفان قادم ما لم نتدارك أنفسنا قبل تحقق نذر الخراب والمحنة القادمة جرّاء التقليد الأعمى، والمحاكاة السطحية، الفجة، لفكر صنم واحد يكاد يقترب من منزلة الإله، تحيطه ملايين من الدمى المُسيّرة بريموت كونترول واحد. إن هذه المنظومة الشمولية التي لا تعير شأواً للفرد، ولا تحترم إنسانيته، بل تمعن في تحطيمها، وطحنها، وتجتهد في صياغتها وإعادة إنتاجها بشكل نمطي خاوٍ إلا من لعنة الترديد التي تلغي الحس الفردي، وتمسخ كل ملكاته الذاتية، وتعيد دوزنته على هواها السياسي الذي لا يحتاج إلا إلى مطبلين، ومزمرين، وراقصين مهرة في حلبة السلطان، متناسين كل آليات المقاومة الخفية التي قد تنفجر وتفضي إلى الطوفان المرتقب. قد يبدو الفيلم رتيباً، ومملاً، وذا لغة سينمائية متقشفة، ومحدودة، ومتكررة، لكن السبب يعود في الأصل إلى طبيعة الواقع الإجتماعي والسياسي الذي تعيشه سوريا، وهو واقع شديد الوطأة على الناس المتنورين الذين يرون سفينة البلاد تبحر نحو بدايات المجاهيل المظلمة. قال المخرج أميرالاي في حوار صحفي: " لغة الفيلم "فوتوغرافية" فعلا، لكن المراد منها حث المشاهد على قراءة ما وراء الشفاه والحركة والصوت. فالسوريون فاقدون، مع الاسف، ملكة النطق والتعبير الحر منذ صادرها منهم الناطقون باسمهم. ويكفي ان يتابع المرء مقابلات التلفزيون السوري مع الناس العاديين، وغير العاديين، ليصعق حيال حجم الدمار الذي لحق بلسان الفرد وبتعبيره خاصة عند الشباب والاطفال." ثمة إخفاقات في تدجين الإنسان في كل مكان من هذا العالم، وبالتالي فإن الفيلم لا يعلن عن نبوءة، وإنما يوحي بإمكانية حدوث الفيضان الأكبر إذا ما إنهار السد الأول لتبدأ متوالية إنهيار بقية السدود. ربما يكون مشهد إبن أخ الشيخ، ومدير المدرسة، ومسؤول القرية الحزبي من أعمق مشاهد الفيلم وهو يتحدث عن الحاسوب، والثورة المعلوماتية، واللحاق بركب الأمم المتحضرة في حين أن قطع جهاز الكومبيوتر ما تزال ملقاة على الأرض، ولم تُنتزع من أغلفتها بعد. فعن أية حضارة يتحدث وجهاز الكومبيوتر اليتيم ما يزال أجزاءً مفككة، ومتناثرة في حاوياتها؟ أكد عمر أميرالاي غير مرة بأنه كان خاضعاً لرؤى وأفكار كبار السينمائيين أمثال تروفو وغودار وكل السينمائيين الذي دعوا بقوة إلى إعادة النظر في الثوابت الفكرية والثقافية. وبالرغم من أهمية الفيلم التسجيلي وخطورته إلا أنه ما يزال بعيداً عن الإهتمام والعناية في عالمنا العربي، وهو الإبن المهمل للسينما كما يسميه عمر أميرالاي، ولكنه يراهن عليه، ويصر على أن رهانه ليس رهاناً خاسراً. ومن الجدير بالذكر أن الكثير من أفلام عمر أميرلاي التسجيلية قد تعرضت للمضايقة والرقابة " البربرية " حسب توصيفه، ومن هذه الأفلام " محاولة عن سد الفرات" و " الدجاج " و " الحياة اليومية في قرية سورية " وهذا الفيلم الأخير لم يُمنع حسب، وإنما أصبحت نسخته السالبة في عداد المفقودات. يا تُرى لماذا كل هذا الإصرار على محو الذاكرة الحقيقية للأرض والناس والشواخص الأثرية التي صنعها الإنسان السوري؟ حصل " الطوفان " هذا الفيلم الجرئ، والجاد، والصادق على جائزة معهد العالم العربي للفيلم التسجيلي القصير ومقدارها " 2000 " يورو تمنح للمخرج. وقد جاء في قرار لجنة التحكيم " أن فيلم " الطوفان " عملاً مرجعياً يوثق لعمليات التلقين الإيديولوجي الفادحة. وهو يلتقط هذا في صورة واقعية جمالية تلتفت بنفس القدر، وعلى نفس الدرجة من الحساسية إلى كل من موضوع الفيلم، وجمال التعبير الساخر عنه. ولذا فاللجنة تعتبره وكأنه وثيقة مرجعية تنسحب على جميع المجتمعات الشمولية في البلدان التي يسود فيها إستبداد الحزب الواحد. "



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يد المنون تختطف النحات إسماعيل فتاح الترك
- ندوة السينما العراقية في باريس
- المخرجة هيفاء المنصور أنا ضد تحويل الممثل إلى آلة أو جسد ينف ...
- برلين- بيروت لميرنا معكرون: مقاربة بصرية بين مدينتين تتكئ عل ...
- على جناج السلامة للمخرج المغربي عزيز سلمي إستعارات صادمة وكو ...
- بنية المفارقة الفنية وآلية ترحيل الدلالة في - أحلى الأوقات - ...
- فيلم - عطش - لتوفيق أبو وائل ينتزع جائزة التحكيم في بينالي ا ...
- الصبّار الأزرق ) بين مخيلة النص المفتوح وتعدّد الأبنية السرد ...
- في إختتام الدورة السابعة لمهرجان السينما العربية في باريس
- الطيب لوحيشي: في السينما استطيع أن أكون واقعياً وحالماً
- إختتام الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام
- المخرج طارق هاشم في فيلمه التسجيلي الطويل 16 ساعة في بغداد. ...
- فوز الشاعر السوري فرج البيرقدار بجائزة - الكلمة الحرة - الهو ...
- الكاتبة الهولندية ماريا خوس. . قناصة الجوائز، ونجمة الموسم ا ...
- التعالق الفني بين التناص والتنصيص ..قراءة نقدية في تجربة الف ...
- رفعت الجادرجي يسطو على تصميم لعامر فتوحي في رابعة النهار
- بعد أربعين من صدوره يسبّب- منهاج المسلم - بترجمته الهولندية ...
- التابو في المشهد الثقافي العربي والإسلامي إشكالية التحريم وا ...
- مهرجان السينما العربية في باريس يحتفي بالسينما العراقية، ويك ...
- مهرجان الحلقة التونسي في روتردام


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - فيلم - الطوفان - لعمر أميرالاي