أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - الحماة..!!















المزيد.....

الحماة..!!


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 3009 - 2010 / 5 / 19 - 21:40
المحور: الادب والفن
    



اتصلت به زوجته الى مكان عمله ، قلقة متوترة ، تستنجد به لإنقاذ امها ، اصيب بالمفاجأة . كان يعتقد ان الجميع يمرض ويذوى الا حماته.سأل :
- ماذا حدث لأمك ..؟
- وقعت وفقدت وعيها. لا أعرف ماذا افعل لها.. الزبد يملأ فمها وعيناها شاخصتان ..
لم يشعر بالقلق الذي يجتاح زوجته . قال لنفسه : " لكل انسان ساعة ضعف ، بعدها يعود أقوى مما كان" ، وقال لزوجته :
- لا تقلقي .. أظن انها متعبة وستعود لوعيها .
- لا يا عادل وضعها صعب.. وجهها أصفر مثل الليمونة ، ونبضها غير محسوس.
- ساطلب لها الاسعاف ، انا عائد فورا.. لكن لا تدخلي نفسك بحالة توتر.. ستكون أمك بخير..
ولم يسمع ردها ، بل نشيجها الصامت.

****
طلب ان يتحرر من العمل لأمر طارئ في البيت. إغتسل على مهله ، وهو مطمئن البال ان حماته ستقبره قبل ان تسلم وداعتها لربها. غير ملابس العمل ، تأمل نفسه في المرآة . مشط شعره ، تأمل نفسه مرة أخرى من الجانب الأيمن ، ثم الأيسر ، ابتسم لنفسه راضيا عن شكله .وقال لنفسه :"أظن اني خسرت عدة ساعات عمل فقط بسبب التوتر الذي اجتاح زوجتي ، امها ستعيش الف عام مثل أنبياء التوراة ". ثم اتخذ لنفسه مظهرا عابسا، تأمله في المرآة ، وخرج مسرعا .
لم يكن قد طلب الاسعاف بعد متوقعا ان يسمع من زوجته بأن أمها وقفت على قدميها وعادت كشرتها تتكوم فوق جبينها استعدادا لإستقباله ، لذا لا ضرورة لسيارة الاسعاف.
شاور نفسه ، يتصل بزوجته ليعرف آخر المستجدات ام يتصل بالاسعاف؟
واذا إتصل بزوجته وتبين ان امها ما تزال غائبة عن الوعي ، وهو يتهاون بطلب الاسعاف ..؟
وبتردد ، وبدون حماس ظاهر أتصل برقم الاسعاف، واعطى عنوان المنزل وتفاصيل الحدث كما أخبرته به زوجته.

****
ورث عادل عن والديه بيتا قديما ، عبارة عن عقد من أيام الأتراك ، مساحته خمسة أمتار بخمسة أمتار ، أضيفت له غرفة نوم اشبه بعلبة السردين لصغرها. وحمام منفرد هو أيضا بناء قديم اضيف للعقد في ايام ماضية حين صار قضاء الحاجة غير متيسر تحت الأشجار ، بعد ان تكاثرت المنازل حول منزلهم ، الذي كان مرتعا للواويات ، فصار في قلب البلد التي اتسعت وامتدت في كل الاتجاهات ، ومكتظا بالبيوت والمحلات والناس والأطفال ، حتى بات من الصعب الحديث عن شجرة مثمرة في المنطقة الواسعة المحيطة بمنزله. وقد عبر الحمام تتطورات وتغييرات، منذ جورة في الأرض الى مقعد ابيض ، من سطل ملئ للتنظيف الى سيفون يمتلئ لوحده .. حتى لا يقال ان أبا عادل لا يسير مع التطور.
تزوج عادل أثر قصة حب ربطته بزوجته منذ أيام الدراسة الثانوية. اعترضت امها بشدة وبعناد غريب واصفة اياه بدون حياء ب " النوري" . وانه "عامل أسود لا يليق ببنت الناس الأكابر. "وإنها لا تستطيع ان تتخيل النوري بجانب ست الحسن " و " بنت الأصل والحسب والنسب" ، وان ابنتها تربت في الدلال ، ولا يمكن ان تفرط بها " لشرتوح يوفر عشاءه لغذائه من فقره ". وكيف تقبل ان تزوج ابنتها خريجة دار المعلمين ، الى "خلقة عامل لا يملك حتى بيتا معتبرا" . والده "شحاد حقير، وامه غسالة في بيوت الأكابر " .
وكانت حربا بين التي صارت زوجته وبين امها ، صف والدها الى جانبها ، إذ لم يعترض على زواج ابنته من عادل ما دام هذا هو خيارها ، وقال بعد ان التقى عادل انه "انسان طيب والفقر ليس عارا". ولكن الأم مالكة البيت الذي ورثته عن والدها ، وهي التي نقلت زوجها : " من تحت الى فوق " كما تقول بفورة غضبها وتصر انها صاحبة القول الفصل. وحين قال لها زوجها طويل البال ومحروق المرارة :" طيب افعلي ما فعلته معي مع عادل الذي يرتبط بابنتنا بقصة حب منذ سنوات؟" صرخت :" انا لا أقبل المسخرة التي اسمها حب ، واذا تزوجته لن أتعرف عليها ."
تزوجا .
سكنت معه في العقد . كان والد زوجته دائم الاتصال والزيارات سرا عن زوجته . ويمدهما بما يحول عليه من وراء ظهر زوجته ، خاصة بعد ان رزقا بالطفل الأول ، ولم يستطع الأب صبرا ، فهدد بترك زوجته وحيدة في بيتها اذا لم تغير موقفها من زواج ابنتهما . فذاب الجليد رويدا رويدا مع الابنة ، ولم يذب الجليد بين الحماة ونسيبها عادل ، وظل النق والنقر على عادل قائما بالخفاء والعلن.
ومضت السنين ورزقا بثلاثة أولاد آخرين ، ولكن حماته ظلت على عنادها من جهته ، رغم انها فردت يدها مع ابنتها لمساعدتها في مصروف الأولاد. فتجاهلها ولم يشعر ازاءها بأي عاطفة ، الا التزامه تجاه ام زوجته في المناسبات ، ويفضل ان يبقى بعيدا حتى لا يسمع ما لا يسر الأذن ولا يسر البال. وربما بعض صمته من حاجته هو وزوجته الى دعم مادي لتربية الأولاد الأربعة وتوفير متطلباتهم المتزايدة.
اصبح بيته ،المكون من العقد والغرفة الضيقة أشبه بزنزانة. كان يرفض الانتقال للسكن مع حماته ، حتى لا تسود الدنيا بوجهه.ولم يكن يزعل من قضاء زوجته نصف الاسبوع في منزل والديها بعيدا عنه. وجده حلا افضل من استئجار منزل لا يملكان تسديد مصروفاته. والحقيقة التي تطمئن ان حماته كانت تقدم لأولاده كل متطلباتهم . الا هو .. كان عبدا أسود في نظرها.. كلما رأته تهمر وكأنها وحش يستعد للإنقضاض على فريسته.
كانت تقف كل صباح ببلكونة بيتها وتصلي لربها، وتقول بصوت مرتفع خاتمة صلاتها :"يا ربي ابعد النمور المتوحشه عن هذا البيت ".
قال لها زوجها مرة انه لا يفهم طلبها بابعاد النمور عن بيتهم ، "لأن أقرب غابة توجد فيها النمور تبعد الاف الكيلومترت ." فاجابته بعنجهية : " رأيت اذن فائدة طلبي من الرب ؟"
فهل كانت تعنيه هو شخصيا بكلمة النمور ؟
توفي والد زوجته ، مما جعل حماته أكثر ارتباطا بابنتها واحفادها .. ولكنه كان يرفض الانتقال للسكن معها.. كما كانت تصر على ابنتها ...

****
نقلت الحماة الى المستشفى وتفاجأ ان وضعها كان صعبا حقا .ومع ذلك لم تؤثر الحادثة على مشاعره ، ولكنه تصرف بما تقتضيه المسؤولية ، بدون عواطف اطلاقا .
ظلت حماته غائبة عن الوعي لأكثر من اسبوع. كان يزورها يوميا ، ويتذكر عنفوانها وصلابتها وعنادها ، وكيف انتهى بها الحال اليوم. وكلما تحركت، شيء ما يقول له : "عادت حليمة..."
كانت تعيش بفضل الأجهزة المختلفة التي اوصلت بها.
كان ينفي ، بينه وبين نفسه ، ان زيارته لها في المستشفى كانت للإطمئنان بان حالها لن تتغير.
بعد اسبوع فتحت عينيها .تأملته ، توقع ان يسمع كلمة من الكلمات التي اعتاد سماعها وتجاهلها اكراما لزوجته . نظرت اليه طويلا وعيناها تدمعان. ربما انشل لسانها ايضا ؟ ربما لم يعد نمرا لتطلب من الرب ان يبعده ؟
في اليوم التاسع تحسنت.
كانت كلما فتحت عينيها تجده قرب سريرها.. تراه اولا قبل ان ترى الآخرين.
- عادل..
قالت بصوت ضعيف بالكاد يسمع. تفاجأ متوقعا ان تلحق النداء باسمه بنقة من كلماتها التي تلسعه بها بمناسبة وبغير مناسبة ..
- ساعدني يا عيني لأسند ظهري..
لم يعرف ما يفعل ، لولا زوجته لوقف مثل الأهبل متوترا حائرا.. لم يعتد هذه اللطافة ، ساعدته زوجته على رفع القسم الخلفي للسرير..
ابتسمت له . لم يتأكد . طلبت منه ان يقرب الاولاد واحدا واحدا لتقبلهم .. فعل .
جلس صامتا متوترا امام صحوتها.
- كيف صحتك يا عادل؟
ارتبك . كانها تطلب منه مليون دولار. ليس متعودا على هذا التحول في مخاطبته.
- ج .. ج .. جيد .. آمل ان تتحسني .
- لا اعتقد يا عادل .. شعوري ان ايامي انتهت.
تدخلت زوجته:
- ما هذا الكلام يا أمي ؟. ها انت اليوم أفضل الف مرة مما كنت قبل عشرة أيام.
- لا تقلقي يا حبيتي ، شبعت من الحياة.. واشتقت لوالدك . يجب ان القاه لأعتذر منه .. مات غاضبا مني !!
عانقت الأبنة امها وهي تبكي بحرقة ، وقالت :
- يجب ان تكوني قوية .. نحن بحاجة لك .
- سامحيني يا ابنتي.. أخطات بحقك وحق زوجك . اريدك ان تنتقلي فورا مع زوجك والأولاد الى منزلنا.. صار منزلك.. تركت وصية لك بالمنزل والأموال في البنك. ولي طلب واحد ان تدفنوني قرب والدك .
ارتفع صوت البكاء وذهل الصغار مما يدور حولهم . قال عادل لنفسه : " هي لحظة ضعف تعود بعدها لكامل قوتها".في الواقع لا يستطيع تخيلها ضعيفة مستسلمة .
بعد يومين غابت عن الوعي مرة أخرى. قال الطبيب ان مشكلتها في عضلة القلب الضعيفة.

****
انتقل هو وزوجته واطفالهما للإقامة في منزل حماته ، فاحتلا غرفتها الواسعه ببلكونها الذي يطل على مناظر طبيعية ساحرة شاعرا ان حياته بدأت الآن فقط ، وان ما مر عليه كان مجرد تمرين للأيام القادمة.
كان يزور حماته يوميا بدافع لم يعرف كيف يفسره لنفسه. كان يبعد التفسيرات السيئة ، فهو حقا لا يكرهها رغم انها قست عليه بلسانها .
ولكن أشد ما كان يخافة التفكير بالعودة من جديد الى العقد القديم ..
في آخر زيارة له التقى بطبيبها .. اراد ان يطمئن عن حالة حماته ..
عاد من الحديث مع الطبيب شاردا قلقا . لم يتناول عشاءه لأول مرة منذ تزوج. كان يبدو كئيبا وحزينا ..
- مالك يا عادل..؟ ماذ يقلقك ؟
حاول التهرب من الاجابة ، اصرت زوجته ان تعرف ما يقلقه ، بعد تردد قال :
- يبدو ان أمك ستعود قريبا الى المنزل .. يجب ان نخلي غرفتها.. انا ساعود الى العقد ..
- ماذا جرى لك لتقول هذا الكلام غير المنطقي؟
- اليوم التقيت طبيبها، سألته عن حال أمك .. وقال لي اننا يجب ان نتوقع الأسوأ !!

نبيل عودة – [email protected]



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤية مشوهة للقصة القصيرة في ندوة القاسمي
- قصة جديدة : اوباما يتنكر
- مفاوضات بدون شروط مسبقة مع واقع كله شروط مسبقة !!
- كُل مَا تَشْتَهِي نَفْسُك ..!!
- إنتقام إمرأة...!!
- ليس عضوا في النادي
- نجح الدفاع .. وفشل المتهم !!
- خواطر حول تجربتي مع القصة القصيرة
- أنت صادق أيضا ..!!
- اضمحلال الثقافة من مجتمعنا العربي - اضمحلال للمجتمع المدني ! ...
- كيف يمثل اسرائيل من يعامل كارهابي ؟
- ملاحظات ثقافية حول القصة القصيرة جدا
- قصة- نهاية الزمن العاقر- لنبيل عودة كمخاض الوطن الفلسطيني ال ...
- عشية 8 آذار يوم المرأة العالمي – ماذا تغير من واقع المرأة ال ...
- الندوات السرية والأسماء التي لا بديل لها
- الذي لا يفهم بالكلام يفهم بالحجر :الانتفاضة... كثورة إنسانية ...
- أضف الى رجائك ورقة ياناصيب
- قراءة في قصة الحاجز...لنبيل عودة
- القدود الحلبية تصدح في سماء الناصرة
- مفارقات ثقافية في الثقافة العربية داخل اسرائيل ..!!


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - الحماة..!!