أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - سعد هجرس - الفساد فى محاربة الفساد















المزيد.....

الفساد فى محاربة الفساد


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 3010 - 2010 / 5 / 20 - 08:25
المحور: الصحافة والاعلام
    


يوم الأحد الموافق 2 مايو الجارى.. فاجأتنا الصحف المصرية – وفى مقدمتها الصحف "القومية" – بتقارير إخبارية "مفصَّلة" عن إحالة سبعة مسئولين من كبار قيادات التليفزيون للمحاكمة التأديبية لاتهامهم بالاستيلاء، وتسهيل الاستيلاء، على المال العام. وتم تصوير المسألة على أنها لطمة موجعة وضربة قاسية للفساد والمفسدين.
لكن فرحة الوهلة الأولى المصاحبة لقراءة عناوين هذه التقارير سرعان ما بدأت تتبدد تدريجيا كلما توغلنا فى قراءة التفاصيل، لتنقلب إلى شعور بالغضب مع الانتهاء من مطالعة "المكتوب" وقراءة ما بين السطور.
تبدأ القصة المنشورة بتحديد أسماء من شملتهم "قائمة الاتهام"، وهم نجوى عزام رئيس القناة الثالثة سابقا وحاليا بالمعاش بدرجة وكيل وزارة، نانو حمدى مدير عام البرامج الثقافية بالقناة الثالثة سابقا وحاليا رئيس الإدارة المركزية للموسيقى والغناء والدراما بالتليفزيون، وعلى عبدالبصير سيد مخرج بالقناة الثالثة ورئيس القناة السابعة سابقا وحاليا نائب رئيس القناة الثانية وكلا من سعاد عبدالرحيم وهدى اسماعيل المراجعتين بإدارة عقود الفنانين بقطاع التليفزيون ومديحة محمود مدير عام الشئون المالية للبرامج بقطاع التليفزيون وصلاح طه المخرج بالقناة الثالثة.
وهكذا .. نرى أن المسئولين "المتهمين" تم تحديدهم بالاسم، والأصل والفصل، كما حرصت الصحف "القومية" على نشر صور المشهورين منهم.
أى باختصار .. تم تجريسهم والتشهير بهم على الملأ والحكم عليهم بالإدانة مقدماً.
***
لكن .. ماهى التهمة التى استوجبت هذه الفضيحة المدوية؟!
الاتهام الذى نقلته الصحف الغراء خلاصته اعتماد مستندات صرف لأحد البرامج بالقناة الثالثة عن فترة معينة، لكن التحريات الدقيقة والعيون الساهرة والضمائر اليقظة اكتشفت أن البرنامج المشار إليه أذيع فى فترة أخرى غير الفترة المذكورة وبمدد مختلفة "مما ترتب عليه صرف مبالغ مالية لكل من المذيعيين والمذيعات والمخرجين". وترتب على ذلك "استيلاء المتهمين على مكافآت وامتيازات مالية من المال العام".
وانتهت التحقيقات إلى إحالة المتهمين السبعة للمحاكمة. وذكرت التغطيات الصحفية المشار إليها أن النيابة أكدت أن "الوقائع المنسوبة إلى المهتمين الثلاثة نجوى عزام ونانو حمدى وعلى عبدالبصير تشكل جريمة وفقا لقانون العقوبات لاستيلائهم على المال العام مما كان يتعين معه إبلاغ النيابة العامة للتحقيق فى الشق الجنائى للواقعة إلا أن النيابة الإدارية اكتفت بالمحاكمة التأديبية بما فيها من ردع كاف".
وبالتدقيق فى هذه القصة العجيبة نكتشف أنها تعود إلى عام 2001 أى أنها وقعت منذ تسع سنوات. وبالتالى فإن المسئولين المتهمين لم يعودوا مسئولين لأنهم – أو بعضهم - أصبحوا من أرباب المعاشات.
ثم نكتشف أن تكاليف التحقيقات والمحاكمات لهؤلاء المسئولين – وغير المسئولين – المتهمين أكبر من "المال العام" المذكور فى التفاصيل البيروقراطية المملة.
أى أن القصة إذا افترضنا صدق التفاصيل المملة المذكورة لا تستحق الاهتمام أصلاً، وكان يمكن حفظها لـ "عدم الأهمية".
فما بالك وأن وقائعها تافهة واستفزازية وتنطوى على ترصد وتربص واضحين بدليل الانتظار تسعة اعوام للنبش فى هذه الدفاتر القديمة عن ملاليم فى جهاز ينفق المليارات سنويا ويحصل فيه بعض المحظوظين على ملايين الجنيهات شهرياً على الملأ دون معايير موضوعة ودون شفافية.
ثم إن الكلام المنشور يثير الشك والريبة حين يؤكد أن هذه الاتهامات تشكل جريمة تستوجب إبلاغ النيابة العامة. ومع ذلك فإنه لا يفعل. فهل من حق أحد التنازل عن حق المجتمع إذا كانت هناك جريمة فعلاً؟!
والأخطر.. أن هذه الوقائع التافهة، و"البايتة"، والتى مازالت – رغم تفاهتها وتقادمها – مجرد إدعاءات ومزاعم غير ثابتة وغير مؤكدة .. تم تعليقها فى رقاب شخصيات إعلامية كانت – ومازالت – ملء السمع والبصر، وتشويه سمعتهم وتلويث سيرتهم. وهناك احتمالات تزيد أو تقل لتبرئة ساحتهم غدا. لكن ماذا ستفيدهم هذه البراءة المحتملة بعد أن تم اغتيالهم معنوياً بالفعل وبدم بارد؟!
***
هذه القصة المحزنة تطرح قضيتين على قدر كبير من الأهمية:
القضية الأولى هى مدى "أخلاقية" نشر الصحافة أسماء وصور "متهمين" فى قضية ما، رغم تعارض ذلك مع القاعدة الذهبية القائلة بأن "المتهم برئ حتى تثبت ادانته". بينما يؤدى هذا النشر المتسرع إلى تثبيت قاعدة عكسية مفادها أن "الأنسان متهم حتى تثبت براءته". وأظن أن الجماعة الصحفية المصرية مطالبة بإجراء حوار جاد حول هذه المسألة سعيا وراء معادلة تحقق التوازن بين حقنا – نحن الصحفيين – فى النشر وبين حق المواطنين فى الحفاظ على سمعتهم وخصوصيتهم وكرامتهم.
ويكفى بهذا الصدد أن نشير إلى مفارقة نشر أسماء وصور الاعلاميين الغلابة المتهمين بإهدار ملاليم بينما إسم المسئول المرتشى الذى تقاضى الملايين من شركة مرسيدس فى الحفظ والصون.
القضية الثانية – التى تهمنا فى هذا المقال – هى محاربة الفساد.
والفساد فى بلادنا ظاهرة خطيرة ومخيفة وتستحق من الصحافة والإعلامة – والمجتمع بأسره – جهوداً جبارة لفضحه والتصدى له خاصة وأن هذه الظاهرة المدمرة للسياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع ككل أصبحت رائحتها تزكم الأنوف، لدرجة أن منظمة الشفافية الدولية لم تجد مناصاً من أن تعلن من قلب القاهرة يوم الأحد الماضى تقريراً بالغ الخطورة عن "تحدى الحكم الرشيد فى مصر ولبنان والمغرب وفلسطين" ناقش اوضاع الفساد فى الدول الأربع المذكورة، وخلص إلى أن "النظم غير المتطورة فيما يتعلق بآليات المساءلة العامة تعوق الجهود المبذولة لمكافحة الفساد فى مصر ولبنان والمغرب وفلسطين" وأن "الأحكام القانونية المتعلقة بمكافحة الفساد فى البلدان الأربعة تعانى من ثغرات هائلة، إضافة إلى نقص الإرادة فيما يتعلق باعتماد ممارسات فعالة للحد من المشكلة، الأمر الذى يشكل خطراً على التنمية المستدامة، والتماسك الاجتماعى والنمو الاقتصادى".
وخص التقرير مصر بعبارات قاسية حيث وصفها بأنها "تتسم بوجود نظام سياسى مغلق نسبيا لا يسمح بمشاركة شعبية حقيقية"، مؤكداً أن "هناك تحديات كثيرة أمام النظام المصرى فيما يتعلق بتعزيز النزاهة فى دولة تخرس أصوات مواطنيها" حيث "لا يتوافر أمام المواطنين المصريين طرقاً للتعامل مع الحكومة ومساءلتها فى ظل ضعف آليات المساءلة وهيمنة السلطة التنفيذية" على باقى السلطات.
وإذا كان تقرير منظمة الشفافية الدولية يدق أجراس إنذار مدوية، فإن هناك أصواتاً "مصرية" كثيرة سبقته فى ذلك، لكن يبدو أن "مغنى الحى لا يطرب". فهناك منظمات أهلية مصرية عديدة من بينها لجنة يرأسها وزير الدولة للتنمية الإدارية الدكتور أحمد درويش تصرخ بأعلى الصوت مطالبة بالتصدى الجاد للفساد وشيوع تعارض المصالح خاصة بعد تفشى زواج السياسة ورأس المال.
وفى مواجهة تعاظم الخطاب المناهض للفساد، دأبت الحكومة على الرد بأنه "لاتستر على فاسد أو مفسد". لكنها فى التطبيق العملى لا تفعل شيئاً حقيقياً سوى أن تلجأ إلى الكشف "الانتقائى" بين الحين والآخر عن قضية فساد، وعادة ما يكون ذلك على سبيل تصفية الحسابات.
كما دأبت على "فرقعة" قضايا خائبة مثل القضية التى بدأنا بها هذا المقال.
ومثل هذا النهج "فساد" حقيقى بدوره، لأنه بمثابة تلاعب بملف الحرب الحقيقية ضد "الفساد الكبير" وتشويه للمعركة التى يجب أن تتضافر فيها الجهود الوطنية من أجل تقديم الحيتان الكبار إلى العدالة وليس إلهاء الناس بالايقاع بأسماك صغيرة لا حول لها ولا قوة.



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وصف سيناء : (1)
- وصف سيناء : (2)
- صرخة احتجاج من قلب الصعيد الجوانى
- اقتراح عملي للإبقاء علي »حرارة« المعدات التليفونية
- يحدث فى العالم العربى فقط: الانتخابات تغتال الديموقراطية!
- صدمة الحقيقة.. في شرم الشيخ
- داوستاشي.. بدون تعليق
- ... حتى التصوف.. بقرار جمهوري!
- هل يتجه الاقتصاد العالم إل »التدمير الخلاق«؟!
- -شهادة- إنسان مصرى بدرجة قاضى دولى:كيان الجماعة المصرية مهدد ...
- »المستنير »دادا«.. في قلب العتمة
- كل هذا العبث.. من أجل انتخاب -نصف رئيس-؟!
- فيروس التفكك .. الزاحف على ضفاف النيل
- »رسائل البحر«.. في مرسي مطروح
- سلامتك .. يا وطن
- العلم يا ناس!!
- مجلس الدولة يحكم ب -وأد- المصريات!
- مخالب دولية لاتفاقية مكافحة الفساد
- معاقبة صحفَّية.. بسبب أمانتها المهنية!
- حتي القضاة.. معرضون للخطأ


المزيد.....




- رئيسة جامعة كولومبيا توجه -رسالة- إلى الطلاب المعتصمين
- أردوغان يشعل جدلا بتدوينة عن بغداد وما وصفها به خلال زيارته ...
- البرازيل تعلن مقتل أو فقدان 4 من مواطنيها المرتزقة في أوكران ...
- مباشر: 200 يوم على حرب بلا هوادة بين إسرائيل وحماس في غزة
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر بأغلبية ساحقة مشروع قانون مساعدات ل ...
- محكمة بريطانية تنظر في طعن يتعلق بتصدير الأسلحة لإسرائيل
- بعد 200 يوم.. تساؤلات حول قدرة إسرائيل على إخراج حماس من غزة ...
- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - سعد هجرس - الفساد فى محاربة الفساد