أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وليد مهدي - سياسة بريطانيا و أميركا : تراكمات أخطاء حررت المارد الشيعي من القمقم















المزيد.....



سياسة بريطانيا و أميركا : تراكمات أخطاء حررت المارد الشيعي من القمقم


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 3009 - 2010 / 5 / 19 - 12:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ملاحظة :
القراءة التاريخية للأحداث في هذا البحث تسير على نمط البحث التاريخي الغربي المعاصر الذي يتبنى التفكيك الانثروبولوجي لتطور الفكر الإجتماعي البنيوي ودلالاته الرمزية ولا يعتمد المبدأ النقلي القديم فقط


مدخـــــل ..

لم يكن " الوطن " أيام الدولة العثمانية أعلى مقاماً من " الأمة الإسلاميــة " كما هو عليه اليوم ..
منظومة الخلافة والكيانات التركية العربية الكردية كانت تحت مظلة " الخلافة " ، وفكرة الخلافة في الوعي الجمعي الإسلامي هي رأس مال ُُ وحدة ُ هذه الأمة ، لم تكن النزعة القومية قوية ، إذ كانت فكرة الخليفة ومبدأ الاستخلاف الجوهري في الوعي الإسلامي ذات جذور ضاربة في الزمن بعمر الدين الإسلامي منذ عهد الخلفاء الراشدين ، فالدولة ُ الإسلامية هي دولة ُ الخلافة ، والحضارة الإسلامية كانت حضارة الخلافة لو صح التعبير ..
لذا فقد كانت الفكرة القومية مستترة، وتمثل القومية مكون ثقافي أو هوية " تحت الأمة " ، فيما الوطن والوطنية كان الهوية " تحت القومية " ، وهذا هو البناء التاريخي الطبيعي للحضارة .. !
الأمة كانت أولاً ، امة المسلمين ، صعود الفكرة القومية فوق " الأمة " يمكن عده تراجعاً خطيرا في كيان حضاري منصهر القوميات ، دولة الخلافة العثمانية ، التي لم تحسن للقوميات غير التركية والعربية خصوصاً مستغلة قوة مبدأ الخلافة التاريخي في الوعي الجمعي الإسلامي ، خسرت أعظم كنزٍ تأريخي استحوذت عليه بعد حكم المغول وهو " الخلافة " ..
فبعد إلغاء كمال أتاتورك للخلافة في 1924 ، أفلست تركيا من ولاء المسلمين والعرب في مراكز العالم الإسلامي الأساسية التي كانت تقودها دلهي و القاهرة ، في مقابل حنق عام في الوسط الشعبي التركي من " خيانة " العرب لتركيا ، أي ، العروبة هي الأخرى أفلست من المنعة التركية .. !
فشعوب البلاد لم تكتفي بالفكرة القومية بديلاً عن فكرة الخلافة فحسب والتي انطلقت من مصر الناصرية ، بل أوغلوا في التراجع تحت القومي ، أي تفكيك " القومية " بمسميات الوطنية .
فبفقد المسلمين بعد تقسيم الغرب للهند عمقهم الآسيوي ، و تحول العالم العربي بعد سايكس بيكو إلى رفع شعارات " الوطن أولاً " بدفع ٍ من الاستعمار الغربي مثل " لبنان أولاً " ، " مصر أولاً " ، " الوطن فوق الجميع " ، أصبحت الأمة الإسلامية في طريق التفتت إلى كيانات " الهوية " القطرية على صعيد الوعي الجمعي للأوطان وليس الحدود السياسية فقط ..
إضافة لذلك ، الفلسفة السياسية الدينية التي قامت عليها المنظومة العثمانية كانت تحوي عيباً بنيوياً لم يكن له تأثير واضح ، وهو عدم قبول الانصهار المذهبي كما في الطابع العام للانصهار القومي الذي حضت عليه الشريعة الإسلامية مؤطرة برمز الخليفة ، فالصراعات العثمانية الصفوية رسخت الشرخ المذهبي بين السنة والشيعة ، والذي تمتد بداياته إلى العصر البويهي ..
إيران في بداية الثورة الإسلامية سارت بنفس المسار العثماني وحاولت أن تصبح بديلاً عن دولة الخلافة العثمانية السنية لتتحول إلى دولة " الإمام " الشيعية ، ورمز الإمام هنا يختلف عن رمز الخليفة كثيراً وذلك بتحديده ضمن سلالة محددة من البيت العلوي انتهت وقطعت أخبارها إضافة إلى شمولية الإمام كونه الحاكم والمفتي في نفس الوقت وهو ما لم يكن عليه ولاة أمر المسلمين العثمانيين الذي فصلوا السلطة التشريعية عن التنفيذية ..
أما الشيعة ، فأوجدوا للخلافة على هذا المنوال بديلاً ، فبعد غيبة إمامهم الثاني عشر ظهرت رتبة دينية جديدة وهي " النائب الخاص " الذي يكون على اتصال كوسيط بين الإمام الغائب و بقية فقهاء المذهب انتهت هذه الرتبة أيضاً بظهور الفقيه المجتهد ، الثورة الإسلامية في إيران اعتمدت على تولية " الفقيه " محل الإمام ، بمبدأ جديد في قيادة الأمة عرف باسم " ولاية الفقيه " وهو امتداد تحولي جديد في فكرة الخليفة و قد اكتملت صورتها على يد روح الله " الخميني " قائد الثورة الإسلامية في إيران التي أطاحت بعرش الشاه في 1979 وتمكنت من الصمود ثلاثين سنة حتى الآن في مسيرة ٍ تصاعدية لإنشاء إمبراطورية إسلامية جديدة قائمة على مبدأ الولي الفقيه وليس الخلافة ..
ليس لدى شيعة العراق ، أساس ولادة المذهب الشيعي الإمامي ، أي نزعة إمبراطورية توسعية كالتي لدى الإيرانيين ، بل إن مراكز الدراسات الغربية ترى إن العرب عموماً ليس لديهم مثل هكذا طموح ودافع كالموجود لدى الإيرانيين و الأتراك .. !
فالرؤيا لدى الإيرانيين حول دولتهم القومية الجديدة تصطبغ بصبغة دينية مقدسة تستوحى ظاهرياً من الرؤية المابعدية لجعفر الصادق " مؤسس المذهب " حول الدولة الشيعية العالمية :
لكل ِ أناس ٍ دولة يرقبونها ... ودولتنا في آخر الدهر تظهـــر ُ
وهكذا ، ثورة الخميني حاولت أن تسير بنفس الخط الكلاسيكي الممتد للصراع الصفوي العثماني القديم ، الذي تغذيه دائرة الفكر الطائفي السني الشيعي ..
ولهذا السبب ، فإن الثورة الإيرانية مصدومة بالنفور العربي والخوف من " التغول الشيعي " في المنطقة الإسلامية والعربية بوجه التحديد .. وكذلك غرابة فكرة " الولي الفقيه " عن الوعي الجمعي العربي !
فالعرب بباطن وعيها الجمعي القديم تعودت فيما يبدو أن تكون محكومة بسلالة كونية مقدسة ، وربما أصابت الرؤية الاستشراقية في ذلك نوعا ما في فقدان العرب للرؤية التوسعية الممتدة التي تحتاج إلى روحية واثقة بالجنس العربي ، فرغم ان الحاكمين القطريين من العرب ، لكن مبدأ التوريث لا يزال سائداً ، لم يدخل العرب التاريخ المعاصر بعد .. !
لكن الإيرانيين بولاية الفقيه ورغم الهالة الماضوية التي يحيط الإعلام الغربي بها مبدأها لكنها على الأقل خطوة إلى أمام مبدأ الخلافة .. الشعب الإيراني تجاوز فلسفة " الشاه المقدس " و " التوريث " في اليوم الذي أطاح به بعرشـــه .. !
مع ذلك ، إيران لم تعي الدرس جيداً بعد ُ من التأريخ .. وربما هي في الطريق إلى ذلك ..
فهي ، ولكي يتحقق لقادتها ما يصبون إليه من تأسيس الإمبراطورية الإسلامية الجديدة ، بحاجة إلى تجاوز " العيب الطائفي " في فلسفة السياسة العثمانية السطحية و الامتداد بتأسيس كيان حضاري إسلامي صاهر للقوميات والطوائف على حدٍ سواء .. ، كذلك العمق الشعبي للثورة ، إذ لا يمكن تجاوزه فهو أساس قوة الجمهورية الإسلامية ، ولن تقوم إمبراطورية جديدة لإيران مالم تواكب تطلعات الجماهير الإيرانية والعربية والإسلامية ..
في الحقيقة ، تمتلك الشعوب في الجمهورية الإسلامية قوة تأثير كبيرة في صنع القرار السياسي في إيران ، لكن شعوب المنطقة العربية والإسلامية لم تصل لهذه المرحلة بعد ، إلا أن الضغط الغربي لنشر الديمقراطية في المنطقة سيسهل مسار " تغول " المارد الشيعي كثيراً .. !
كيف ذلك ؟
الشعب الإيراني هو الذي تجاوز " الشاه " وحل فلسفة تداول السلطة بدلاً من التوريث ، لهذا السبب بات اليوم " يضغط " على آخر رموز القداسة في الدولة " المرشد الأعلى للجمهوريــة " ..
مع ذلك ، لا تزال الجمهورية الإسلامية شديدة التماسك لسبب بسيط :
الضغوطات و المؤامرات الغربية على الثورة الإيرانية ، هي التي جعلت منصب " المرشد " صامداً في الكيان السياسي حتى هذه اللحظــة ، ورب ضارة نافعة ..!
و الأكثر من هذا ، وبما أن الشعوب العربية لم تتجاوز مبدأ التوريث بعد ولن تكون لها القابلية على إسقاط حكامها كما فعل الإيرانيون ، فإن الولايات المتحدة الأمريكية بضغوطها المستمرة على الحكومات العربية بتكوين برلمانات و دفع المسار السياسي نحو " التداول " ولو بالحد الأدنى كما يحصل في العراق و لبنان و الأردن والكويت والبحرين واليمن ، إضافة لطبيعة النظام في تركيا العائد للإسلام ببطئ ، فإنها بذلك تحرث " أرضية " الفكر الاجتماعي العربي المتاخمة للجمهورية الإسلامية لجعلها قابلة لتجاوز " التوريث " في طابع الفكر السياسي الظاهري و هالة الخلافة المقدسة ، وبالتالي ، فالولايات المتحدة من حيث لا تدري تهيئ أرضية قيام أول إمبراطورية إسلامية شيعية في التاريخ تتجاوز التوريث والخلافة لتحل محله مجلس الشورى أو " مجلس الشورى – المرشد الأعلى " ..!
فالجمهورية الإسلامية مستعدة للبدائل إذا لم تنجح ولاية الفقيه التي بدأت تظهر مشاكلها في إيران نفسها بعد الانتخابات الأخيرة ، فمنصب المرشد الأعلى قد يعاني من التضاؤل في النفوذ السياسي في حكم إيران كما تضائل " الخليفة " و أصبح رمزاً هامشياً أيام السلاجقة و البويهيين ، لكن ، هذا لا يعني نهاية الثورة الإسلامية ، بل العكس ..
قد يشكل بدايــة لظهور منظومة سياسية إسلامية جديدة تستند إلى " مجلس الشورى " بالمطلق .. !
ما هي التغيرات التي أدت إلى تحرر المارد الشيعي القومي في إيران من قمقمه ؟

وكيف أسهمت أخطاء بريطانيا وأميركا وإسرائيل في انقلاب السحر عليها خلال قرن ٍ من الزمان ؟
كيف تحولت إيران من ثورة إسلامية محكومة بالفقيه إلى منظومة مؤسسات تدير صراعات إقليمية متعددة مرتكزة على قواعد قوة متنوعة .. ؟

وبغض النظر عن المورد المادي البترولي لإيران و موارد التمويل الاستثمارية السرية التي تتحرك بفعالية في الشرق الأوسط والعالم التي يديرها الحرس الثوري الإيراني ، فإن رأس المال الحقيقي للثورة الإسلامية يتمثل في دعمها للمقاومة والممانعة ضد الهجمة الغربية ، مع ذلك ، إيران بحاجة إلى " رأس مال معنوي " رمزي مثل مبدأ الخلافة لبناء إمبراطورية إسلامية جديدة ..
كيف سيكون لإيران ذلك ؟ وما هي التحديات الراهنة التي تواجهها ؟
هذا ما سندرسه عبر هذا الموضوع ..

كارثة احتلال العراق

الدولة الحاكمة التي تضطهد الغالبية العظمى من شعبها ولا تتعامل معهم على أنهم مواطنين من درجة ٍ أولى ، مهما تعاظمت تبقى دولة هشة حتى لو عمرت ألف عام بنفس السياسة .. !
فتحت ذريعة " العمالة " لتلك الدولة أو ذلك المذهب ، كما كان ولا يزال الوعي في عموم الوطن العربي الكبير يوصم الشيعة ، وهم أغلبية في العراق ، بالعمالة لإيران ، أو اعتبار الأكراد كياناً سرطانيا ً في جسد الوطن العراقي يهدد بتقسيمه وتجزئته على الدوام ، هذه الذرائع التي تمسكت بها النظم الشوفينية في العراق قبل 2003 رسمت فكرة الوطن والمواطنة بالمنظار القومي العروبي ، وهي رؤية قلنا عنها في المقدمة بأنها متراجعة عن فكرة الأمة الإسلامية ، فالوطنية مجرد كيان جزئي من الوطن العربي الكبير الجامع ( هوية تحت قومية ) ، فيما القومية ( هوية تحت الأمة ) ..
( فيما الماركسية " اُممية " ، أي فوق الأمة ) وعليه ، فالعقيدة الدينية التي ليس لها صدى في الوطن الكبير ، مثل التشيع الإمامي الذي يتبناه أكثر من نصف الشعب العراقي سيجعل ُ منهم " آخرين " لدى الوعي العروبي عامة .. و وعي السلطة السياسية الحاكمة في عراق صدام حسين وعبد السلام عارف على وجه الخصوص .. !
كذلك النظرة للأكراد ، فالـــكــُرد شعب ٌ له لغته الخاصة وتاريخه الخاص ، ولا يمنع أن يكون الكُرد عراقيين منتمين لوطن تاريخي اسمه العراق ، لكنه ُ محال ٌ انتمائهم لوطن عراقي جزء من الأمة العربية .. !
وهكذا ، تـُصر دائرة الوعي الاجتماعي القومي المنتجة للقيم ضمن حدود القومية العروبية ، التي كانت مستترة بفعل طغيان وقداسة مبدأ " الخلافة " قبل القرن العشرين على أن الوطنية العراقية هي محاربة التشيع " الفارسي " والنزعة الإنفصالية الكردية .. !!
وهذه هي مشكلة العراق ، العراق الوطن بالمعنى المجرد " الحقيقي " للوطنية ، ثلاثة أرباعه مستبعدين من دائرة الوعي الاجتماعي القومي ، ما الذي يريده " العروبيون " منهم ..؟؟
يريدون منهم إقراراً بعروبة العراق ، وإذعاناً للمذهبية " السنية " من قبل شيعته العرب .. !
العروبيون ، الأقلية القليلة في العراق ، مدعومين من الحكومات العربية ، حكومات الكنتونات الهشة الواقعة تحت نير الهيمنة للولايات المتحدة ، باتوا يدركون حجمهم الحقيقي في ساحة العراق السياسية مؤخراً وبوضوح ، فأدركوا حقيقة المأزق الذي يعيشوه متأخرين ... !
لقد صحا عروبيو العراق بعد الانتخابات الأخيرة في 2010 من حلمهم القديم بأن العراق هو العراق الذي عاشوا فيه طيلة الأربعين سنة الماضية ، عراق العروبة وتاريخ العرب والمسلمين الذي عرفوه من ألف عام ..!
احتلال الولايات المتحدة للعراق في العام 2003 وعلى الرغم من كونه ذو أهداف تضع نصب عينها المصلحة الأمريكية ، لكن ، للتاريخ كلمة الفصل التي سيلقيها في آخر سنين العقد القادم ، احتلال أميركا للعراق أدى إلى " تحطيم " دولة العراق القديم ذو الأربعين سنة ، وابتدأ الشيعة ُ و الأكراد فيه بعد ذلك بنسف " العراق التاريخي العروبي " بتمزيق صفحات تاريخه التي تزيد على الألف عام لتعيد صياغة " الوطن " من جديد ، الصياغة الطبيعية وليست القسرية التي كانت عليه .!
كيف آل للفكر العروبي " قسر " غالبية سكان العراق طيلة هذه السنوات ؟
من المغالطة الاعتقاد بذلك كما يبدو لأول وهلة ، كيف يمكن لشعب ٍ يعيش على ارض ٍ ألف عام ، يتألف من أطياف متعددة متلونة مذهبيا ً وقومياً ، كيف يمكنه " الإذعان " لمظلة القومية العروبية السنية الحاكمة .. التي هي أقلية ؟؟
ربما تتمكن الأقلية حكم أغلبية فترة محدودة من الزمن ، لكن ، كيف يمكنها أن تشيد عاصمتها في مثل هكذا بلد ؟
وهنا نقع مباشرة على التفسير ، فالعراق ليس بلداً فتحه العرب فحسب ، العراق عاصمة الخلافة الإسلامية في أوج عظمتها وازدهارها ، وسقوط بغداد على يد المغول قبل اقل من عشرة قرون كان انتكاسة كبرى للأمة ..
لذا ، فمن الطبيعي أن يشكل مشهد سقوط العاصمة بغداد بيد الاحتلال الأمريكي في نيسان من العام 2003 استعادة للوعي بهذه النكبة التاريخية المزلزلة ، لكن ما حدث بعد ذلك ، أصاب الوعي العروبي بالاضطراب ، إذ اكتشف أنه لم يفقد حلم الوحدة العربية فحسب ، و إنما هو يسير نحو تبديل الهوية التي تتمحور حول المذاهب السنية ، وهكذا ، أضحت إيران في الوعي الجمعي العروبي أكثر خطراً من إسرائيل .. !
إيران وطرح البديل الإيديولوجي للعروبة

لقد صحا كل القوميين العرب من حقنة " الأفيون " الناصرية على وقع زلزال ٍ شديد في تموز من العام 2006 ، إذ تمكن ما يقارب الـــ 800 مقاتل فقط من حزب الله ، حسب تقديرات إسرائيلية ، من صد قوة عسكرية جبارة قوامها خمسة آلاف مقاتل إسرائيلي تدعمهم أعتى آلات تدمير و أكثر منظومات الاتصال والتجسس دقة في العالم .. !
لقد تغير التاريخ حقاً ، وصبغة الممانعة أصبحت صبغة " ثقافية " وليست سياسية وطنية في عموم العالم العربي ، فالخطر لم يعد في إسرائيل ، ولا الولايات المتحدة ، الخطر الحقيقي الذي يتهدد الأمة ، حسب الوعي الذي روج له الإعلام العربي ، هو .. إيران .. لأنها باتت تطرح بديلاً أيديولوجيا سياسيا ً جديداً محل الفكرة القومية ..
فعلى الرغم من توقع الكثير أن الإعلام المسيس لعب دوراً في خلط الأوراق المذهبية لاحتواء أي إمكانية في توحد عربي إيراني في مواجهة إسرائيل ، لكن ، من يدرس مسار تطور المشهد التاريخي للصراع العربي الإسرائيلي يجد أن العرب في تاريخهم كله لم يتفوقوا .. ولن يتفوقوا على إسرائيل ، وآمنوا بان سيادة إسرائيل عليهم " قدر ٌ من الله محتوم ُ " ، لكن الفرس ، أعدائهم التاريخيين ، في هزيمتهم سترد ُ الأمة ُ الإعتبار َ لذاتها ، وحصل هذا بالفعل في الحرب العراقية الإيرانية التي أنهكت إيران الخميني و أجبرتها على " تجرع السم الزعاف " ..!
لذا ، ترسخ الإنتصار تجاه الفرس من جانب ، فيما بقيت الهزيمة راسخة في الذهن القومي العروبي تجاه إسرائيل منذ النكبة وحرب حزيران 1967 ، و أصبحت سيادة إسرائيل مسألة مسلم ٌ فيها لدى الوعي العربي إلا من فئة قليلة من الحركات الفلسطينية واللبنانية ، فبعد الثورة الإيرانية والحرب مع العراق ، ظهر " العدو القابل للهزيمة " في الوعي الجمعي العربي .. وهم " الفرس المجوس " كما كانت الدعاية الإعلامية القومية تروج وقتذاك ..
لهذا السبب ، فكارثة إحتلال العراق عززت روح الهزيمة تجاه الحضارة الغربية وفكرة سيادة إسرائيل على الأمة من جانب ، واعتبار إيران الصفوية الجديدة كما تروج الدعاية الإسلاموية اليوم هي العدو الذي تحتاج الأمة لهزيمته لرد الإعتبار التاريخي لها من جانب آخر .. !
الذي قلب الموازين هو " حزب الله " ، الميليشيا المدعومة ِ من إيران ، إذ اعتبر الوعي العربي انتكاسة الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان " هزيمة " للأمة الإسلامية العربية .. !
بل ، ويروج الإعلام العروبي صورة الدمار في لبنان على إنها " وجه " الهزيمة التي مني بها حزب الله في لبنان .. !

لقد أصبحت روح الهزيمة في 1967 جزءاً من هوية الإنتماء العربي ، كما " تحتفل " بها قنوات الجزيرة والعربية كل عام حتى اليوم بعد هزائم إسرائيل المتعاقبة المتلاحقة ، وبات حزب الله وحماس كيانات واجب ٌ استئصالها من الجسد العربي الإسلامي ، ومحاكمة خلية حزب الله في مصر دليلٌ على ذلك " ولا ينبئك مثل ُ خبير " .. !

الشعب اليهودي والمهمة المقدسة .. !

كذلك إسرائيل ، لم تتفوق يوماً على العرب بإمكانيات إسرائيلية ، و الانتصارات الإسرائيلية في حروبها الثلاث مع العرب لم تكن إلا " مسرحيات " لعب تواطؤ الحكومات العربية مع بريطانيا و الولايات المتحدة الدور الأبرز فيها بدءاً من النكبة في 1948 ووصولاً إلى حرب 1973 .. !!
فإذا لم يتفوق العرب ، ولم تكن لدى إسرائيل قدرة واقعية حقيقية ، ما حقيقة الصراع العربي الإسرائيلي إذن ؟
إنه ُ الفوضى الخلاقة نفسها ، الشرق الأوسط المتوتر ، الخلاّق المقوي لعصب الدولار الأميركي بسياسة البترو- دولار ..!!
فالمعادلة السياسية تنقلب على الإقتصاد الأمريكي الإنكلوسكسوني لو تحقق السلام في الشرق الأوسط !
فإسرائيل عندما تكون آمنة من جيرانها العرب ، وعندما يصبح العرب آمنين من سطوة ونزعة إسرائيل التوسعية في تحقيق أحلامها التلمودية المقدسة ، عندئذ ٍ ، ستسير قافلة السياسة في الشرق الأوسط باتجاه آخر لا يتطلب تواجداً للقوات الأجنبية في المنطقة ..
وعدم وجود قوات في الجزيرة العربية تحديداً يعني :
قدرة الحكومات العربية والخليجية خصوصاً على فك ارتباطها بالدولار بسهولة ، فلا خشية من إنقلابات عسكرية تنفذها المخابرات المركزية الأمريكية ، وفك الارتباط البترولي العربي بالدولار يعني انهيار أسطورة الدولار الدولية وفقدان الولايات المتحدة لمكانتها الاقتصادية في العالم ، أي ، زوال الإمبراطورية الأمريكية من الوجود ..!!
فالتوتر في المنطقة لا يخدم إلا الولايات المتحدة والغرب ، فهو ليس في خدمة إسرائيل ولا العرب ، ولهذا السبب ، ضعف الدور الإسرائيلي والعربي على حدٍ سواء في احتلال مكانة دولية مناسبة أسوة باليابان وكوريا و حتى الهند وماليزيا ، ربما تكون لإسرائيل بعض النجاحات على الصعيد الاقتصادي ، لكن ، طبيعة تكوين مجتمعها شبه العسكرية وانشغاله بمعايشة الصراع مع العرب على كافة الصعد يجعلنا نفهم لماذا تمكنت إيران من التحول إلى " أخطبوط " تأريخي ثيوقراطي جعل كلاً من إسرائيل والعرب يخشيانه على حد ٍ سواء ..؟؟
فإيران ليست نازية إمامية تهدد الإسلام وإسرائيل قدر ما هي أمة ٌ تخطت مشاكل حاضرها واستغلت انشغال الغرب والعرب وإسرائيل عنها بالعراق طيلة الثلاثين سنة ً الماضية .. !
إيران دولة حدث فيها نمو وتطور طبيعي فيما " تأخرت " المنطقة بالصراع العربي الإسرائيلي المحرك والمخطط له وراء الكواليس من قبل دوائر الاستخبارات الغربية التي استطاعت تأخير العرب وجعل اليهود المستقدمين للمهمة المقدسة في ارض الميعاد يعيشون في فزع دائم ٍ من إحاطتهم بالأعداء ، لينقلب سحر ( التوتر الخلاق ) على الساحر الأمريكي بعد إسقاط العدو التاريخي اللدود للنظام الإيراني في العراق ، نظام صدام حسين ، الذي كان مثل سد ياجوج و مأجوج ، ما أن انهار حتى تمدد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط انطلاقاً من العراق وسوريا ولبنان بشكل ٍ غير مسبوق ليصل إلى اليمن والصومال والسودان بل ويهدد الحدود الجنوبية للعربية السعودية .. إضافة للرعب الذي يبثه في الخليج من تحطيم دبي وابتلاع البحرين وقطر و افتراس الكويت !

الخطأ التاريخي الفادح : إسقاط نظام صدام حسين

عندما نقرأ التاريخ عادة ما نكتشف الأخطاء التي وقع فيها القادة وصانعي القرار من خلال متابعة سير الأحداث ، فسير الأحداث في سنوات ٍ تلي قراراً معيناً لقيادة ما ، هو الذي يكشف لنا نجاعة أو فشل هذا الإجراء أو ذاك .. مثل الخطأ التاريخي الذي ارتكبه هتلر ونابليون على حدٍ سواء في محاولة غزو روسيا ... أو قرار الرئيس العراقي صدام بغزو الكويت ، فمثل هذا التقييم لن يشعر به القادة في حينه مالم تمر عليه السنوات فيكون الحكم عندئذ للتاريخ ..
كذلك هو احتلال العراق ، لا تزال الحكومات الأمريكية تأخذها العزة بالإثم وتحاول جاهدة ترقيع توترها الخلاق بين إسرائيل والعرب الذي حرر المارد الشيعي الأسود من قمقمه بسياسة " الفوضى الخلاقة " الجديدة والممثلة بإشعال الحرائق المذهبية والسياسية من المغرب العربي إلى أسوار الصين في انتظار أي فرصة سانحة لتدمير النظام الإيراني والصيني من الداخل .. !!
مالم يستطع استيعابه الغرب حتى اللحظة ، وهو في الحقيقة كابوس واقعي يتصوره الغرب مجرد حلم عابر ، وهو أن إيران ليست نظاماً .. إيران إمبراطوريــة إسلامية جديدة مصبوغة بنكهة قومية آرية إيرانية ( وليست فارسية ) وبرداء تأريخي شيعي صفوي .. !
فالنظام ، أي ُ نظام حكم ٍ في العالم ، إنما يكون منظويا ً تحت راية إمبراطورية ٍ من الإمبراطوريات العالمية المعاصرة ، التي تسمى بلغة سياستنا الحديثة ( الدول العظمى ) :
أميركا ، أوربا ، روسيا ، الصين .... إضافة لدول كبرى ناشئة جديدة مثل ألمانيا البرازيل و " الإمبراطورية الجنينية" الناشئة " إيران " ..
إيران ببساطة لا تتبع لأي إمبراطورية عالمية ، بل إن نظماً مثل سوريا والعراق المحتل وليبيا والسودان ، وقوى فاعلة مثل حزب الله وحماس وجيش المهدي و الحوثيين ، تتكئ عليها وتلقى دعمها .. !
متى أصبحت إيران بهذا المستوى من المكانة السياسية الإستخبارية الإقتصادية العسكرية بالمنظور الإستراتيجي العالمي الكوني .. ؟؟
من اليوم الذي سقط فيه تمثال ُ صدام حسين في التاسع من نيسان 2003 .. ، الدبابات والأساطيل الأمريكية هي التي صنعت إمبراطورية فارس الجديدة من دون قصد ، ولهذا السبب ، يرى الكثير من القوميين العروبيين في العالم العربي أن هناك مؤامرة أمريكية إيرانية للسيطرة على المنطقة ..!
لكن الحق يقال ، سياسة أميركا العبثية تجاه الشعب العربي والفلسطيني خصوصاً الذي أعطته دور الضحية وتجاه الشعب اليهودي الذي أناطت به دور الجلاد في مسرحيتها خدمة للـ" بترودولار " هو الذي شغلها عن تقدير الحجم الحقيقي لإرادة الشعب الإيراني في 1979 الذي نصب الخميني حاكماً ورمزاً أبدياً مقدساً للشعب في إيران ، فاضطرت السياسة الأمريكية اليوم إلى احترام رمز الخميني والطعن برمزية الفقيه الحاكم فقط ، وفي الفترة بعد 2003 عندما لم تقدر الطاقة والإمكانيات المخبؤة للنظام الحاكم في إيران على صناعة إمبراطورية جديدة كبرى .. !
ذات يوم , صرحت " جولدامائير " :
لن نغفر للعرب إنهم حولونا إلى قتلة .. !
في الحقيقة ، العرب لم يحولوا بني عمومتهم اليهود إلى قتلة ، أميركا هي التي " أخرجت " هذا الفيلم الهوليودي التاريخي في الشرق الأوسط : القاتل والمقتول الذي يريد الثأر ، ليستمر القاتل ُ بالقتل ويستمر المقتول طالبا بثأره .. وهكذا .. تبقى المصلحة الأمريكية محفوظة !
الشعب اليهودي الشرقي بلاشعوره الجمعي ، الغربي بوعيه الحضاري الفردي ، مثل حصان طروادة في المنطقة ، يمثل ُ جندياً مغسول الدماغ لأداء " المهمة المقدسة " للحضارة الإنكلوسكسونية الغربية في فرض نفوذها وسيطرتها على المنطقة التي تضمن سيطرتها الإقتصادية ، فالغرب الذي تقوده هندسة السلوك المسيطرة على العقل السياسي الأمريكي استغل " العقيدة " في نفوس الشعب الإسرائيلي الذي صدق حقيقة المهمة المقدسة في ارض إسرائيل ، بل ويروج الإعلام الغربي أن اليهود هم الحاكمين المسيطرين على أميركا لتحفيز الأمة الإسرائيلية بتنفيذ دورها المقدس على أتم وجه .. بما يتفق مع التلمود البابلي .. !
وزوال حلم الوحدة العربية يوم سقطت بغداد في مطلع القرن الحادي والعشرين ، يعيد بنا التاريخ إلى القرن الثالث عشر الميلادي عندما سقطت بغداد بيد المغول ، إذ ظهرت بعد ذلك الدول المغولية الإسلامية و الصفوية والإمبراطورية العثمانية الإسلامية التي لم تتمكن أي قوة في التاريخ من إزالتها إلا بعد تطور التكنولوجيا التي تسلحت بها الحضارة الغربية المعاصرة فأحالتها إلى ركام ٍ اتاتوركي غير فاعل في قضايا الأمة بنهاية الحرب العالمية الأولى مطلع القرن العشرين ..
لكن ، هل أدركت مراكز صنع القرار في بيكنكهام والبيت الابيض ذلك ؟
أم أن الوقت َ ما زال مُـبـْـكراً على هؤلاء كي يقرؤوا التاريخ بعنايــة ؟
في الحقيقة ، يبدو أنهم أدركوا ذلك بالفعل ، إذ لجأوا إلى " حيلة " جديدة لإحتواء الإمبراطورية الفارسية العصرية وذلك برفع شأن تركيا ، مستعيدين لسيناريو الصراع العثماني الصفوي التاريخي القديم ..
فمن الواضح أن منهدسي التوترات الخلاقة في بيكنكهام و الإليزيه والبيت الابيض قطعوا الأمل في تحقيق إسرائيل للتوازن الإستراتيجي المطلوب مع هذه الإمبراطورية الجديدة ، بعد جنوب لبنان وغزة تحديداً ، فاعتمدوا على تركيا ، ولكن ، هل ستعود تركيا إلى احتلال مكانة الدولة العثمانية في قيادة الأمة فتكون لها القدرة على احتواء النفوذ والمد الإمبراطوري الفارسي .. ؟
في الحقيقة ، دهاقنة الرأسمالية العصرية فهموا التاريخ ، لكنهم لا يزالون الأبعد عن استيعابه كاملاً والتحكم فيه من ثم مرة ً أخرى ...
فتركيا العلمانية ، والشعب التركي الهارب من سمة " الشعب الشرقي " المتطلع إلى الفوز بالهوية " الغربية " عبر بوابة الإتحاد الأوربي لن يستطيع تأدية مثل هذه المهمة ، فمثلما أخذت تركيا دورها في قيادة الأمة أربعة قرون ، فهي لن تستطيع استعادة قوة " الخلافة " التي خسرتها الأمة ، كل الأمة للأبد ..
فهل أن التاريخ يسير باتجاه إيران لقيادة العالم الإسلامي ردحاً جديداً من الزمن ..؟
فبما أن العرب خارج التاريخ غرقى بروح الهزيمة والتسليم بسيادة إسرائيل ، يبدو أن إسرائيل هي الأخرى بشعبها اليهودي الممثل لدور القاتل في المسرحية الهوليودية المسماة بالشرق الأوسط تسير في طريق التسليم والإنابة للإمبراطورية الفارسية الإسلامية الجديدة ، فمثلما تأصلت هزيمة النكبة و هزيمة 1967 في وعي العرب ، يبدو أن إسرائيل وشعبها في الطريق إلى الانكفاء بروح الهزيمة والتسليم بالحجم الحقيقي لإسرائيل في الشرق الأوسط بعد تموز 2006 ، هزيمة واحدة جديدة لإسرائيل قد تكون كفيلة بأن تجعل صناع قرارها ليأخذوا بزمام المبادرة للاصطلاح مع ( الجمهورية الإسلامية ) كما يفعل العرب مع إسرائيل اليوم بالتفاوض من موقع أدنى لا يكافئها قوة ..
عند ذلك سيتغير التاريخ ، ستبدأ صفحة جديدة مع الإمبراطورية الشيعية الجديدة ، سيضطر شعب إسرائيل إلى تقديم استقالته من " المهمة المقدسة " التي كلفته بها الحضارة الإنكلوسكسونية ، فصحيح أن الغرب لديه القدرة على " تدمير " إيران ، وفي نفس الوقت هو سبب بقاء إسرائيل على قيد الحياة حتى اليوم ، لكن ، شعب إسرائيل ، سيحسبها في نهاية الأمر بصورة صحيحة :
ستكون دولتهم هي الفداء الذي سيصلب ُ على مذبح الحريـــة ، فتموت ُ إسرائيل لينعم الإنكلوسكسون بعالمهم الأبدي المقدس .. !

الاقتدار الإمبراطوري والبدائل المتاحة

البرنامج النووي الإيراني يسير بتقادم ، وإيران لا تقتصر بنفوذها عبر المد الثقافي والسياسي الشيعي و الجهادي المقاوم للاحتلال في المناطق الإسلامية الساخنة فقط ، إنما تسعى لمد أذرع أخرى في آسيا الوسطى ممثلة بمحاولة جمع ثقافي اقتصادي للدول الناطقة بالفارسية ( طاجكستان ، أفغانستان ) وكذلك في إفريقيا و أميركا اللاتينية عبر اتفاقيات التعاون الاقتصادية والعسكرية ، وقد نجحت إلى حدٍ كبير في تأسيس بدايات لنفوذ محدود في مناطق كثيرة من العالم ، لكن ، ومن خلال متابعة طبيعة البرنامج النووي الإيراني ، فإن " التكنولوجيا النووية " هي الهدف الأساس للبرنامج كي تتحول إلى دولة قادرة على تصديرها لدول ضعيفة في أميركا اللاتينية و إفريقيا لا تمتلكها ..!
وبهذا ، الطريقة التي تتعامل بها إيران مع عالم مستقبلي ترسمه هي طريقة غريبة وبعيدة عن فهم الكثير من المطلعين على الشؤون السياسية ، لكن ، مع ذلك ، الدول العظمى تفهم أن إيران تسعى إلى تصدير التكنولوجيا النووية إلى دول أخرى يمكنها أن تشكل تهديدا مباشرا لدول عظمى ، خصوصاً في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة ، وبالتالي تعاد صياغة الخريطة الجيوسياسية الدولية من جديد ..!
فهل إن " ملالي " قم بالفعل لديهم مثل هذه العقلية الشطرنجية المعقدة ؟
الرئيس الإيراني نجاد شدد في غير مرة أن " الجمهورية الإسلامية ستكون لديها القدرة على تصدير التكنولوجيا النووية لدول أخرى " بل الأكثر من هذا عرض على الدول العربية المساعدة في بناء مفاعلات نووية ..!
مالذي ستفيده إيران من نهوض دول مغمورة بالتكنولوجيا النووية ؟
ما ستحققه هو " الحلم " بدولة الوعد الإلهي التي ستملأ الأرض قسطا ً وعدلاً كما ملئت ظلما ً وجورا ً .. الدولة التي سيقودها المهدي المنتظر ( الإمام ) و ( الخليفة ) في نفس الوقت !
فالإمبراطورية المهدوية الشيعية اُممية كلية ، ولا نستغرب ميول المحافظين الإيرانيين إلى تشعيب علاقاتهم و تحالفاتهم بمناطق مختلفة من العالم ، فهم يسيرون على مسارات العقيدة الإمامية في ذروة تجلياتها ، مع ذلك ، لا يزال أمام الجمهورية الإسلامية طريق ٌ طويل لبناء مثل هذا المشروع العملاق الذي أرهق الشعب الإيراني كثيراً فخرج إلى الشوارع في 2009 منفساً لاحتقاناته وشعوره بالحيف الذي ألم به جراء تبني البلاد مثل هكذا منهج ما بعد ثوري .. المنهج الإمبراطوري الشيعي الإسلامي ( فوق القومي ) ..

هل انتهى عصر الإسلام السني القومي الذي بدأه عمر بن الخطاب بمبدأ خليفة رسول الله ليبدأ العصر الإسلامي الشيعي على يد روح الله الخميني بمبدأ الولي الفقيه وينتهي بمبدأ مجلس شورى الفقهاء المطلق .. ؟

لا توجد مقارنة بين الخليفة والولي الفقيه ، فرمز الخليفة في الوعي الجمعي الإسلامي عميق وفعّـال ، فهولاكو خان وبعد أسره للخليفة المستعصم آخر ملوك بني العباس أرعبته أسطورة الخليفة ولم يجرؤ على قتله بالسيف كما كان يفعل ، إنما لفه في سجادة وداسته الخيل حتى لا ينزل دمه على الأرض فتصيبه لعنة " الخليفة " .. !!
مع ذلك ، رمزية " الخليفة " وهالاتها الأسطورية المقدسة تكاد ان لا تسمع أصدائها من باطن الوعي الجمعي للأمة ، هذه الرمزية التي تجاوزها الخميني بمعاونة الشعب الإيراني في رسم الثيوقراطية في إيران رغم قوة رمز الإمام في الفكر الشيعي ، بل اكتسب الخميني نفسه صفة " الإمام " خصوصاً بعد موته .. !

إيران وميراث استراتيجية الإثني عشر قرنا المقدســـة
( الوعد الإلهي بدولة العدل العالمية الكبرى )

وهكذا ، فإن المارد الشيعي في إيران والعراق ولبنان واليمن على مفترق طرق :
الأول : طريق تنامي الفكر والعقيدة في مسار " خلق " الإمام من بين الملالي ، ليصبح الفقيه الأقدس والمولى العظيم الذي سينتصر على الحضارة الغربية ..!
الثاني : وهو حال لم تظهر شخصية دينية قادرة على احتواء الحضارة الغربية ، فتبقى الدولة الشيعية محكومة بالفقيه أو مجلس شورى الفقهاء ..
فهل سيظهر الفقيه الذي سيتحول إلى " الإمام الخليفة المقدس " على غرار الخميني ؟
وما هي المنجزات التي ستؤهله ليحقق ذلك ؟
الفكر الشيعي العام ، في العراق خصوصاً ( وليس الفكر السياسي للجمهورية الإسلامية ) ورغم تمظهره بالابتعاد عن قضية فلسطين ربما بسبب تصادمه مع الفكر السلفي في الوقت الراهن ، لكن المسار التاريخي المحدد مسبقاً في العقيدة الإمامية تحديداً هو ان " الإمام المهدي " هو الذي سيصلي بالناس إماماً في بيت المقدس بعد تحريره من " اليهود " ..!
فرغم أن العامة من شيعة العراق لا يؤمنون بتحرير القدس حالياً بسبب محاربتهم من قبل الفكر السلفي ، لكن ، الشيعة الراديكاليين ( الثوريين ) في إيران والعراق ممثلين " بجيش المهدي " باتوا شبه متيقنين أن الذي سيصلي بالناس إماماً ، كائنا من يكون ، هو منتظرهم الثاني عشر الموعود ، إلى درجة أن حسن نصر الله ومقتدى الصدر في نظرهم من أقوى المرشحين لبلوغ هذا المقام ..!!
بالتالي ، فإن الفكر الشيعي في خطوطه العقائدية العريضة يستبطن عوامل قيام إمبراطورية إسلامية جديدة بنكهة فارسية صفوية إمامية ، بشرط ، أن تكون الظروف مؤاتية لهزيمة الحضارة الغربية بالمدد الإلهي ..!
فالفكرة السائدة لدى هؤلاء أن أميركا ستغرقها فيضانات وتدمرها زلازل ( بأمر الله ) ، وربما الأزمة المالية هي هذه الزلازل الاقتصادية التي ستطيح بها حسب قناعاتهم ، وبالتالي ، تفرد إيران بالشرق الأوسط بمساعدة " عصائب أهل العراق " و " أبدال الشام " و " نجباء مصر " كما تروي ذلك " تنبؤات " الإمامية سيؤدي إلى خلق الإمبراطورية الإسلامية الجديدة من مراكش إلى بنغلادش!
هذه ببساطة " استراتيجية التمدد الإمبراطوري المقدس " ، و أكثر الحالمين بها والمطبقين لحيثيياتها هو الرئيس الحالي "نجاد " أكثر حتى من المرشد الأعلى علي خامنئي ..!!
فالعقيدة الإمامية في جوهرها منذ العهد البويهي قبل ما يزيد على الإثني عشر قرنا أسست هذه الاستراتيجية في بناء حضارة كونية عالمية إسلامية ، لكنها كانت في صدام مع "رمزية " الخليفة ، والتي تداعت شيئاً فشيئاً حتى قتلها ( كمال باشا أتاتورك ) برصاصة في الجبين في العام 1924 ، لذا ، التاريخ سيكتب :
أتاتورك وجورج بوش الابن اشتركا في " كسر " القمقم الذي حبس فيه المارد الشيعي ثلاثة عشر قرنا ً ..
أتاتورك بنسفه لرمزية الخلافة ، الند القوي لرمزية " الإمام " ، وبوش الذي اسقط آخر قلاع العروبة في بغداد ، الند القوي للتمدد الإستراتيجي الإيراني الإمبراطوري المنساب على فلسفة قيام دولة الوعد الإلهي المتأصلة في الفكر الإمامي منذ العهد البويهي ، هذه الاستراتيجية تقع اليوم نصب عيني احمدي نجاد ، ولا يعني خيالها الجامح أنها " نظرية " قليلة القدر ، سيما وهي مبنية على فلسفة حضارية انتهازية تغتنم فرصة " انهيار " إمبراطورية فرعونية قائمة تتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية ، لتمد اذرعها وتسور بناءها بدولة إسلامية كونية كبرى ، إذ سبق لاحمدي نجاد ان صرح مطلع هذا العام :
الولايات المتحدة أهم عائق يمنع ظهور المهدي المنتظر ..!
فانهيار أميركا فقط يؤدي إلى تحرك المهدي ، و بالأصح ، بروز قائد مغمور مثل نجاد أو نصر الله أو سواهما ليتبنى مشروع " التحرير الكبير " و تأسيس دولة ما بعد الخلافة الإسلامية ..!
هل ستنهار أميركا على حين غرة ؟
رغم أن هذا الاحتمال بعيد ، لكنه وراد كما حدث مع الاتحاد السوفييتي ...
هل ستقاوم إسرائيل العرب والمسلمين دون إسناد من أميركا ؟
رغم أن جيش الدفاع الإسرائيلي يرفع شعار " أحداً لن يعيش بعدنا " باستخدام الأسلحة النووية ، لكن عقيدة البقاء في الجيل الجديد من العسكريين في إسرائيل أقوى من عقيدة الموت والإرهاب التي كانت تتحلى بها " الهاغانا " في القرن الماضي ، فقد أظهرت ذلك إنكسارات إسرائيل المتكررة في مطلع القرن الجديد ، وبالتالي قد تدخل إسرائيل في تسوية مع " المهدي " تسلمه بموجبها المسجد الأقصى على الأقل ، وهو احتمال كبير جدا..!
وعليه ، الحضارة الغربية برمتها أسهمت عبر سلاسل من تراكم الأخطاء في السماح لتنامي المارد الشيعي الإمامي بهذا الشكل منذ نهاية الحرب العالمية الأولى و إسقاط الخلافة العثمانية ، وتحويل بلاد فارس إلى " إيران " الهوية الآرية الكبرى " المتحضرة " في عهد رضا شاه ومن ثم تحويل ابنه إلى " شاهٍ شاه " عمل على إرهاب العرب وكسر أنوفهم إلى درجة أن لم تكن إذاعة من إذاعات دول الخليج تسمي الخليج بغير مسمى الخليج الفارسي ..!
إذ تحالف شاهٍ شاه مع إسرائيل التي قلنا عنها بأنها أمعنت في قتل " رجولة " العرب التي أكملها الشاه فأنتج الجيل الجديد من الملوك " الخصيان " للدول اليعربية ، ليرث الخميني هذا الميراث الكبير من روح القومية الإيرانية المتعالية على العرب ، وهو أهم رصيد يسهم في إدامة وتجديد الثورة الإسلامية في إيران ، وهكذا .. فإن من حق الشيعة أن يحلموا بمدد إلهي يسقط أميركا لتخلو لهم الساحة ، فالمدد الإلهي فيما يبدو سخـّــر الحضارة الغربية منذ أن خذلت الشريف حسين في مكة لكي تقصي العرب السنة من التاريخ فيتحرر المارد الشيعي ليحول مآسي كربلاء إلى بروق ورعود مدوية في الخريطة الجيوسياسية الدولية ..!
في النهاية نتساءل :
أين مكمن الإخلال من جانب الغرب في معادلة التاريخ ؟
ولماذا بات " العرب " ضحية ، كيف أوصل العرب أنفسهم لهذه " المازوخية " أو " الماسوشية "...؟
الجواب للسؤال الأول بسيط :
كذب بريطانيا ونكثها لوعودها التي قطعتها للثورة العربية ، فللتأريخ لعنة بطيئة الوصول ، ويبدو أنها قريباً ستسقط فوق رأس الحضارة الغربية التي باتت منشغلة في معالجة " إيران " فيما تتغول الصين و نمور آسيا في أقصى شرق الكوكب ... !!
أما جواب السؤال الثاني فهو ابسط :
أكبر خطأ تاريخي وقعت فيه الأمة هو " خيانتها " لتركيـــا العثمانية الإسلامية ، ومع من ؟
مع بريطانيا والولايات المتحدة والغرب كله ، فالهوية الإسلامية نزعتها الأمة وتبنت " تحت هويات" قومية ومن ثم وطنية بتحريض من أوربا وإسرائيل ، وبصراحة ، لم يعد هناك من سبيل للمعالجة ، المشكلة وبعد مئة عام ٍ تقريباً أصبحت اكبر من أن يوجد لها العرب حلولاً عملية عاجلة ..
الأولى أن يبقون متفرجين للنهاية التي سيصل لها الفناء التاريخي للهوية القومية ، هم بحاجة إلى ان يروا بأم عيونهم ويلمسوا بأيديهم كيف تؤدي أخطاء الآباء إلى تعاسة الأبناء ، كي لا يورث الأبناء نفس الأخطاء ..!
حينها ستتعلم أجيال جديدة بأن الأمة الإسلامية فوق الوطنية والقومية ، هذا ما يحتاج منا الأبناء أن يتعلموه ، علـّهم يغيرون عالمهم إلى الأفضل فلا يرون الجحيم الذي نحن فيه اليوم ..
فهل كانت أخطاء سياسة بريطانيا و أميركا خلال مئة عام هي السبب ، أم هي إرادة الله ؟
ليس هناك أي فرق في الجواب ما دامت النتيجة واحدة : العرب " السنة " خارج التأريخ ..



#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مورفين ٌ .. و ابتسامة
- سقوطُ بغداد : مدرسة ُ الحرب الجديدة وكلمة ٌ أخرى سيقولها الت ...
- لماذا نعتقد ؟ .. الإيديولوجيا من منظور عصبي
- العقل والدين Mind And Religin
- العقل ُ : آلة ُ بناء ِ الحضارة
- الوعي والزمن
- الباراسايكولوجي بين نظريتي الكم و النسبية
- نظرية - عربية - في علم الاقتصاد
- كيف أدرك الشرق الوعي الكلي ؟
- الآلة الواعية .. بين الوهم ِ والحقيقة
- الروبوت الواعي المفكر_فكرة الوعي الآلي
- تركيب هيكل الاقتصاد العالمي التبادلي حتى العام 2012
- مراقب العقل ( الضمير )
- دراسات قدرات الدماغ الخفية( الباراسايكولوجي) في الإتحاد السو ...
- الباراسايكولوجي والطاقة الفراغية الكمية_Parapsychology & Qua ...
- الباراسايكولوجي والطاقة Energy and Parapsychology
- الطاقة Energy .. رؤية علمية معاصرة
- أزمة الطاقة Energy crisis ..العلاقة الجوهرية مع تخلف الفيزيا ...
- عاشوراء - بابل ، وعاشوراء كربلاء ، اخوة من أم واحدة !
- ثلاثة خطوات إستراتيجية لإنقاذ العراق - 3


المزيد.....




- حادثة طعن دامية في حي سكني بأمريكا تسفر عن 4 قتلى و7 جرحى
- صواريخ -حزب الله- تضرب صباحا مستوطنتين إسرائيليتن وتسهتدف مس ...
- عباس يمنح الثقة للتشكيلة الجديدة للحكومة
- من شولا كوهين إلى إم كامل، كيف تجمع إسرائيل معلوماتها من لبن ...
- فيديو:البحرية الكولومبية تصادر 3 أطنان من الكوكايين في البحر ...
- شجار جماعي عنيف في مطار باريس إثر ترحيل ناشط كردي إلى تركيا ...
- شاهد: محققون على متن سفينة دالي التي أسقطت جسر بالتيمور
- لافروف: لن يكون من الضروري الاعتراف بشرعية زيلينسكي كرئيس بع ...
- القاهرة.. مائدة إفطار تضم آلاف المصريين
- زيلينسكي: قواتنا ليست جاهزة للدفاع عن نفسها ضد أي هجوم روسي ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وليد مهدي - سياسة بريطانيا و أميركا : تراكمات أخطاء حررت المارد الشيعي من القمقم