أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمانة القروي - قصة قصيرة بعنوان الزنابق البيضاء















المزيد.....

قصة قصيرة بعنوان الزنابق البيضاء


جمانة القروي

الحوار المتمدن-العدد: 3009 - 2010 / 5 / 19 - 04:02
المحور: الادب والفن
    


الزنابق البيضاء
د. جمانة القروي

هاهو الشتاء يلملم اذيال ثوبه الابيض ليرحل تاركا بعضا من حفنات الازهار القليلة التي تحدت بصمت وقوة صقيع الارض فخرجت رغما عنه مستندة على سيقانها الغضة الخضراء والتي بالكاد تقف عليها ملوحة برؤسها البنفسجة والبيضاء للناظر اليها بخجل. وقف بعيدا عن الجمع المحتشد في مقبرة المدينة، وهو يرتدي تلك البدلة السوداء التي قدمتها له كهدية في احدى المناسبات الخاصة. حمل بيديه اربعة من الزنابق البيضاء،متبعا بذلك قولها بأن العدد الزوجي يمثل الحزن !! امتار قليلة هي التي تفصله عن الحشد،لم يرغب ان يراه احدهم، بالرغم من انه على يقين تام بان لا احد بينهم يعرفه..لم يقوَ على رؤية الصندوق الخشبي الابيــــض المزين بالذهبي والفضي وهو مسجى قرب تلك الحفرة العميقة التي سينزل اليها بعد حين، لينهال التراب عليه وعلى من بداخله. تناهي اليه صوت الكاهن الحزين وهو يتلو صلواته تارة على شكل كلمات واخرى على شكـــــل اناشيد .. وقع نظره على الورود التي غطت الجزء الاعلى من الصندوق بالوانها، واشكالها المختلفـــة....حاول جمع شتاته وشظاياه، في فضاء الذكريات،انهمرت دموعه بصمت..!! لم يتسنَ لــــه ابدا نسيان تلك العينين الخضراوتين الضاحكتين دائما، حتى وهما تبكيان، وذلك البريق العجيب الذي اسره ..على الرغم من البعد عنهما لسنوات إلا انهما كانتا تطاردانه، فمضى يبحث عنهما في كل امراة عرفها!!...
منذ اكثر من سبع اعوام التقاها لاول مرة، ضحكتها المميزة ومرحها الطفولي هو مالفت انتباهه اليها... في ذلك اليوم الخريفي من شهر اكتوبر حيث الشوارع ملئى باوراق الاشجارالصفراء والحمراء والارجوانيـــة.الريح الباردة تعوي، كان يريد الوصول الى موعده بأي ثمن مهما كان، عليه توقفت اشياء كثيرة مهمة مرتبطة بمستقبله ..الا ان المطر اخذ يصب مدرارا وكأن السماء قد خزنته منذ سنوات طويلـــة .. كغيره من الناس لم يجد بد سوى الاحتماء باي سقف مهما كان، ليتجنب الرعد والبرق وزخات المطر التي تحول الى حصى من الماء المتجمد.. دخل اول مقهى صادفـــــــه!!.. في ركن منعزل نهايــــة المقهى وجد طاولة كانت الوحيدة الفارغـــــة، اتجـــه اليها مسرعا كأن القدر يناديـــــه اليها !! .. مازال الكاهن يرتل صلواتــــــــــه!!.. لاحــــت منه نظرة الى الجمع الذي يقـــــف قرب ذلك النعش، عددهم تجاوز عدد اصابع اليدين ربما!!.. بينهم شابان في عيونهما ذبول وندى دمع، اكتسى وجههما حزيـــن عميــق وبدا عليهما الالم واللوعة.. تعلقت في يدي احدهما باقة كبيرة من الزنابق البيضاء ..!!" هل اطلب منك شيئا؟ اذا اردت ان تهديني يوما ما وفي اي مناسبة كانت، حتى وان جئت الى قبري زنابــــق بيضاء، هذا اقصى ما اريده منك.!! لا اريد غير هذا اللـــون ولا غير تلك الـــورود ".!! سمع نبرات صوتها الحزينة آتية اليه من بعيد، من عمق الحفرة التي ستحتضنها بعد دقائق!!.. لم تكن ببعيدة عنه، لاتزال تحتفظ بذات الابتسامة الصافية العذبة والتي كانت تخفي فيها المها وحزنها".!!عبثت رياح الشوق بسفينة الذكريات..!! "إيكون هاذان الشابان ولديها " سال نفسه؟؟.. كثيرا ما حدثته عنهما إلا ان الفرصة لم تسنح له ليتعرف عليهما عن قرب. ملئت جدران بيتها بصورهما وهما صغيرين !!.. ردد الكاهن صلواته والحشد من بعده، مع اختناق اصوات البعض وحشرجة الاخر منهم وهم يتلون الصلاة !! .. راها مقبلة عليه من بعيد لتقف بمواجهتــــه تماما...جاءت اليه بذات الفستان البنفسجي،الذي يضفي عليهـــــا القا غريبا..حتى الاقراط التي اهداها اليها يوم عيد ميلادها الاخير قبل فراقهما كانت تزين اذنيها الصغرتيين،ملئت انفه رائحة عطرها الاخاذة التي عشقها!!.. تقدمت نحوه وقد ارتسمت على وجهها تلك الابتسامة التي مكثت لوقت طويل تاسره.. مدت له يدها مصافحة، متسائلــــة :
-" هل جئت معهم لوداعي ؟ شكرا لك.. فانا لم ارغب بالرحيــــل دون لقاءك!! منذ زمن طويل لم ارك، ولم اسمع صوتك" !! استدركت بذات الصوت الملئ بالاسى.. "صحيـــــح كيف تسنى لك نسيان هاتفي اليومي المتكرر؟؟ ولهفتي عليك.. وحبي الذي كنت اغدقه عليك دون حساب.. هل البعد عني اراحك واشعرك بالســــعادة ؟؟" نظراليها، لم تتغير، بدت له اجمل..تردد صدى كلماتها في عقله و بصوت منكسر اجابها:
-" لا ياحبيبتي .. ابدا !! انت كنت جزءا مهمـــــا في حياتي .. وابتعادك عنــــي اشقاني كثيرا، احسست بوحدتي وبخواء ايامي عندما رحلت من حياتي "!!
-" لماذا اذن لم تحاول ان تكلمني .. ان تقول ولو كلمة واحدة، ام ان تنقلك كنحلة من زهرة لاخرى ألهاك؟ وهل اتعبك التجوال بين اجساد وقلوب النساء ؟؟" صوتها مازال يحمل في ثناياه تلك النبرة الحنونة المسامحــــة ..!!
-" رغبت بالعودة اليك.. لكني في اللحظة الاخيرة اتراجع خوفا من ان تعتبري ذلك ضعـــاً مني، او ربما... "!! قاطعته وهي تمسك بيديه :
-"لا عليك فقد مر وقت طويل على ذلك، وقد سامحتك على كل شئ، وعلى كل ما قلته لي في لقاءنا الاخير... فانا آلان اتذكره واضحك !! رغم انه حينئذ المني واحزنني كثيرا.."!! عادت لمرحها وهي تذكره بذلك اليوم رغم الاسى الذي اكتسى به بريق عينيها ..!!" يومئذ كنت ترعد وتزبد وتكيل لي التهم وتصرخ بكل ما اوتيت من قوة، كنت تعرف جيدا بانك مخطئ وظالــــم لذلك ارتفـــع وعلا صوتــــك "!! ..كثيرا ما كنا نتخاصم ونغضب من بعضنا، لكنك ما ان تهدا حتى تكلمني فأنسى كل شئ، اظنك تذكر كم من المرات المتني وطعنتني في ظهري، الا اني كنت دائما اغفر لك !!. أخر مرة طفح الكيل..فكانت القطيعة.. !كم تمنيت ان تعاود الاتصال بي، لكنك لم تفعل ..!!
- " اتعرفين باني لم ابرح سريري لايام بعد انقطاعك، حينها اصبح صوتك كحمامــــة تحوم حولي، اسمع بوضوح حركة جناحيها لكنهــــــا تبقى محلقة بعيدا عني" ..
- منذ سبع سنوات عرفتك.. اتذكر ذلك اليوم الخريفي الممطر.!!
-"كيف لي ان انساه.. لا ارغب بنكأ جراحي حاولت جاهدا عدم نبش الماضي،مبحرا بسفينة النسيان بعيدا، لكنها كانت دائما ترسو على شاطئك .. لم تغبِ ابدا عن مخيلتي نظرتك الفضولية تلك حينما التقت عيوننا لاول مرة.. كنت اتوقف عندهما طويلا لابحث فيهما عن سر هزيمتي "!!...صوت الكاهن وتراتيله الحزينة يتناهى اليه مرة اخرى. لكن ضحكتها الصاخبة جذبته اليها مرة اخرى وهي تذكره :
-" يومها كيف اقتنصت الفرصة فما ان غادرت صديقتي مكانها حتى رايتك تجلس فيه وتعرفني بنفسك "..
- " لون عينيك المذهل، اصبح كسوط الهب قلبي وعقلي ايام القطيعة ".,
-" مهما بلغ حجم المك لم يكن يضاحي ما قاسيته..!! لم ابخل عليك باي شـــئ، كنت اتصرف ضد مصلحتي من اجل مصلحتك.. انفذ رغباتك واطيعك دون وعي مني .. لكنك كنت تبحث دائما عن شئ ما عند اخريات"!! مازالت تقف امامه بشموخها واناقتها، تناقشه كما تعودت ان تفعل معه دائما.."!! سمع كلمات الكاهن تأتيــــه من عمق وادٍ بلا قرار!!.. زفرت بحسرة وهي تستدرك .." لا اعرف لماذا كانت خيانتي تريحك !! وانا التي ضحت بكل شئ من اجلك "..!! بصوت واهن مثل اغصان شجرة تتكسر قال:
- " لم اجد الدفء او الحب او العطاء بسخاء الا معك، كل النساء اللواتي عرفتهن، كنت ابحث فيهن عنك، إلا اني لم اعثـــر عليك ابدا "..!! في داخله مرارة غامضة تبدوعلى كل تفاصيله ..!!فتحت عينيها على وسعهما مستغربة ..
-" ولماذا تبحث عني في الاخريات وانا كنت بين يديك وطوع امرك،ام ان ذلك لم يرضيك؟؟ نقـــص ما يكمن في داخلك !! تســـعى لمن ترفضك..وتسحق من تتفانـــى في حبك..!! حاول ان يصرخ بها كعادته حينما يعجز عن الاجابة او عندما تكون على حق فيما تقوله !!.. شده الى الواقع ذلك النحيب المكتوم من الشابين الذين احتضنا الصندوق الابيض، وقد اعتلت باقة الزنابق البيضاء كل الورود التي غطت النعش .. ماتزال واقفة هناك تستثير في ذاكرته صورة عتيقة منسية مخبأة في اغوار اعماقه..
- " اتذكر يوم واجهتك بخيانتك لي مع وانوار ثم رنا وبعد ذلك نور..!! كيف صعقت، ونفيت، وثرث..وطلبت غلق الموضوع، وهددتني بانها المرة الاخيرة التي تسمح لي بتكذيبك !! كانت صرخاتي الصامتة تنطلق في اعماقــي.. فيهتز لها كياني دون ضجيج، لتنهمر دموعي معلنة عن مدى الاسى والسخط لطريقتك تلك !!.. حقا اما زلت تتبع ذات الاسلوب مع الاخريات ايضا ..؟؟ كانت ماتزال تكلمه بنبرات صوتها الحنون المسامح ابدا.. يومئذ كنت تعتقد اني اسكت مرغمة ضعفا مني! لا.. لم يكن ضعفا .. إنما حباً لم تستطع فهمه ابدا!!..لم تلاحظ يومها اثار الصدمة على ملامحي، ولا تلك المرارة التي اسكتتني، فقررت ان اودعك بصمت لرحيلك الاخيرعن قلبي..!! احس بصوتها يسري في كيانه كطوفان جارف.. توترت نبضات قلبه وازادت سرعتها.. تيبست حنجرته، فانحشرت الكلمات فيها.. اخذ الدمع الحبيس منذ اعوام ينطلق كسيول علها تغسل اثامه تجاه تلك الانسانة التي وهبته كل شئ..!! هكذا اطلق العنان لروحه لتذرف الحزن بلا وجل او حدود ..
بصوت مثقلٍ بالشحن اخذ يعتذر لها، التفت الى حيث كانت تقف إلا انه لم يجدها..!! انتزع نفسه من وطأة الذكريات،سائرااليها بالزنابق البيضاء !!...



#جمانة_القروي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة - القرار..
- مبدعون عراقيون في المنافي ( 5 ) [ الدكتور رشيد الخيون ]
- الفنانة ناهدة الرماح - حب الناس هو النور لعيونها .. وبذاك تل ...
- السمفونية الأخيرة
- مبدعون عراقيون في المنافي الدكتور صلاح نيازي
- مبدعون عراقيون في المنافي ...الحلقة 2
- مبدعون عراقيون في المنافي
- زينب .. رائدة المسرح العراقي
- سنبقى نذكرك يا أرضا رويت بدمائنا وحبنا
- من زوايا الذاكرة ...القميص


المزيد.....




- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمانة القروي - قصة قصيرة بعنوان الزنابق البيضاء