أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - مَنْ تُرَى يُقنِعُ الدِّيك!















المزيد.....



مَنْ تُرَى يُقنِعُ الدِّيك!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 3008 - 2010 / 5 / 18 - 06:00
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


رزنامة الأسبوع 10-16 مايو 2010
الاثنين
حسناً فعل، مؤخَّراً، صديقنا د. بابكر احمد الحسن، رئيس الهيئة النقابيَّة لأساتذة جامعة الخرطوم، بتوثيقه لبيانات ومذكرات ورؤى هذا الكيان الموقر، بين دفتي كتاب من 162 صفحة من القطع المتوسِّط؛ وقد أهداني نسخة منه، فتوفرت عليه بشغف، خلال الأسبوع الماضي، فوجدته جامعاً، مانعاً، مُعْلِماً، يغني عن أيِّ تسامع، أو أيِّ مسعى آخر للاستزادة من المشافهات حمَّالة الأوجه، مِمَّا درجنا عليه ضمن نهجنا غير المحمود، بل تقليدنا المرذول، بتاتاً، في العمل العام.
لم تنشأ الهيئة من (فراغ)، وإنْ نشأت بسبب (الفراغ) الذي خلفه، لسنوات طوال، حلُّ نقابة الأساتذة في عقابيل انقلاب يونيو 1989م، وإنما من احتياج ملحٍّ لدى هذه الشريحة المتميِّزة لتداول الهمِّ الأكاديمي والمطلبي، من جهة، وللمشاركة بالرأي، من منصَّة مستقلة، في القضايا الوطنيَّة، من جهة أخرى، الأمر الذي لم تعوِّضهم عنه، بل ولم يكن متصوَّراً، أصلاً، أن تعوِّضهم عنه (نقابة المُنشأة)! ولعلَّ أكمل صورة للمفارقة، هنا، اتفاق رأي د. إبراهيم غندور، مدير الجامعة عام 2005م، والذي هو، في ذات الوقت، رئيس اتحاد (عمَّال) السودان، مع رأي الأساتذة الذي حمله له ممثلا مجلسهم، حول أهميَّة قيام هذه الهيئة، حتى لقد صرَّح الرَّجل، إعلاميَّاً، بأن ثمَّة تعديلات أجريت على قانون النقابات، بما يكفل شرعيَّة تكوين الهيئة!
منذ ذلك الحين، وعلى مدى السنوات الماضية، ظلت هذه الهيئة تحت التكوين القانوني، دون أن يتمَّ تسجيلها رسميَّاً؛ وقد طرقت، لأجل ذلك، كلَّ الأبواب الإداريَّة والقضائيَّة، بلا جدوى. سوى أنها لم تقف، خلال تلك المدَّة، مكتوفة الأيدي، تنتظر أن يتكرَّم عليها أحدٌ بـ (جواز مرور) إلى (شرعيَّة) ما، وإنما أمسكت بقضاياها من قرونها، عن علم واقتدار، فكان لها رأي في كلِّ مسألة، وصوت في كلِّ منبر، حتى حصدت ثقة الغالبيَّة العظمى من الأساتذة، فتداعوا إليها، والتفوا حولها، واستعصموا بها، وأضحت أمراً واقعاً يستحيل تحاشيه بإغماض العين، أو تفادي رؤيته بأصابع اليد!
قيمة الكتاب في أن د. بابكر عكف بدأب وحدب معروفين عنه على تجميع وتهوية كلِّ الوثائق الخاصَّة بمسيرة هذا الكيان، مذ بدأ كتجمُّع للأساتذة، حتى صارت له لجنة تمهيديَّة ترفع ذكره في المنتديات، وتنطق بلسانه في المنابر، وهي، بالحقِّ تجربة جديرة بالتأمُّل، وقيمة الكتاب الحقيقيَّة في أنه يتيح هذا التأمُّل، لمن شاء، وبشكل وثيق.

الثلاثاء
أعجب لبعض (المتنطعين!) يذيعون في الناس، هذه الأيَّام، نظريَّة مفادها أن مَن قاطع الانتخابات مخطئ، لأن الانتخابات، متى أعلن عن قيامها، لزم الجميع التسابق لخوضها، وأداء (جزيتها) عن يدٍ وهم صاغرون! فالانتخابات، عند هؤلاء، (فريضة) لا يجوز (تغييبها) تحت أيِّ ظرف، وفي كلِّ الأحوال، حتى لو كانت مغرقة في (المظهريَّة) و(الشَّكلانيَّة)؛ أو كانت قوانينها (قاصرة)، أو كانت (ضماناتها) معدومة؛ أو كانت غير متسقة مع (المعايير الدَّوليَّة)؛ أو كانت أجهزة (إدارتها) غير محايدة، أو كانت سبل حَمْلها على (عدم الانحياز) مسدودة؛ أو كانت مفتقرة إلى (الحدِّ الأدنى) من (النزاهة)، و(الشفافية)، و(العدالة)؛ أو كانت عمليَّاتها، عموماً، معطوبة، من (ألِفِها) إلى (يائِها)، بهدف إكساب (النظام) القائم (شرعيَّة) غير مستحقة .. وهنا مربط الفرس!
إنَّ كلَّ مَن حباه الله شيئاً من البصيرة لا بُدَّ يدرك أنَّ مثل هذه الانتخابات (محسومة) النتيجة، قبل أنْ تبدأ، وأنَّ المعارضة، إنْ قاطعتها، (خسِرت) ما كانت تعلم، مسبقاً، أنه ليس ثمَّة سبيل، أصلاً، إلى (كسبه) عن طريقها، و(كسِبت) ما لم يكن ليجوز لها أن (تخسره) من صدقيَّة تمسُّكها المبدئي بـ (شروط الحدِّ الأدنى) للانتخابات النزيهة؛ وإنْ لم تقاطعها (أكسبت) حزب السُّلطة (شرعيَّة مجَّانيَّة) لطالما لهث وراءها السَّنوات الطوال بلا طائل؛ و(خسِرت) منطقها في (تكبيله) بسلاسل (عدم الشَّرعيَّة)، حيث (ستتكبَّل) هي، بدلاً منه، بسلاسل يقينها القبْلي من أنَّ العمليَّة، برمتها، ستكون (مزوَّرة)، وستكون (مضروبة)، وستكون (مدخولة)، من (ساسها) لـ (راسها)، بشتى صنوف (التدخُّلات السُّلطويَّة)، و(الصَّفقات الأجنبيَّة)، وأنَّ (المشاركة) فيها لن ينجم عنها سوى (قطع لسانها)، من لحظة إعلان النتائج فصاعداً، عن الجري بحديث (عدم الشرعيَّة)!
مع ذلك فإن أولئك (المتنطعين) ما زالوا، حتف أنف كلِّ هذه البدهيَّات، يهزُّون رأس حماقتهم، ولا يرون، في مناظيرهم الحولاء، غير أن المعارضة مرغمة، وأرجلها فوق رقبتها، على خوض هكذا انتخابات، وملزمة (أبَّاً جَزَم) بعدم مقاطعتها، وإلا أصبحت هذه المعارضة، في شرعتهم، محض (أمِّيَّة) لا تحسن فكَّ حرف واحد في السِّياسة، أو التمييز بين (عصا) التكتيك وبين (واو) الاستراتيجيَّة (الضَّكر)!
حسناً! دَعْ عنك حالة القوى السِّياسيَّة التي قرَّرت المقاطعة، كالحزب الشِّيوعي، مثلاً، والذي إنْ أخطأ في أيِّ شئ آخر، فإنَّ عنزين لن تنتطحا على صحَّة قراره المدجَّج بحيثيَّات قويَّة الوثوق، وبمنطق شديد التماسك، مِمَّا تضمَّنه بيان مكتبه السِّياسي الصَّادر في 3/4/2010م، والذي لا يجوز، على أيَّة حال، إلا بالكثير من قلة الحياء، وصفه، من فوق أحد منابره هو ذاته، بـ (الأميَّة السِّياسيَّة!)؛ وخذ عندك، فقط، نموذجاً واحداً من أبرز القوى التي صدَّقت أنها (انتخابات حقيقيَّة)، فخاضتها، ملتزمة بكلِّ إجراءاتها، وعبر مراحلها كافة، حتى نهايتها، فماذا كانت النتيجة؟! شطبت المحكمة العليا، مثلاً، ثمانية وثلاثين طعناً للحزب الاتحادي الديموقراطي في صحَّة انتخاب والي نهر النيل، خلال مرحلتي الاقتراع وفرز الأصوات. وقد استغرب الأستاذ علي السَّيِّد المحامي الآليَّة المتبعة لدى المحكمة العليا في الطعون، قائلاً إنها تستند إلى رأي المفوَّضيَّة التي درجت على مداراة الحقائق لإخفاء الأخطاء والتجاوزات المصاحبة لعملها، بما يقدح في مخرجات قرار المحكمة. وانتقد هذا الحكم، أيضاً، الأستاذ حاتم السِّر، مرشَّح الحزب لرئاسة الجمهوريَّة، مؤكداً تفجيره حالة من الاستياء وسط الجماهير التي قالت كلمتها في (التزوير)، وقدَّمت الأدلة والبراهين، وكانت تنتظر كلمة القضاء المرشِّدة للحياة السِّياسيَّة، المصحِّحة لمسارها، والمنقذة لها من الانحراف، على حدِّ تعبيره؛ كما استغرب رفض المحكمة لطعونهم بحُجَّة تجاوزها للقيد الزَّمني، مع أنها قبلتها في بادئ الأمر، مضيفاً أن الانتخابات المزوَّرة ستبقى عديمة (الشَّرعيَّة)، وأن اللجُّؤ إلى تحريك الشَّارع بات من الوسائل الممكنة لانتزاع الحقوق المسلوبة (الأحداث، 12/5/10).
لم ترتفع الشكوى من التغييب التام لعدالة العمليَّة الديموقراطيَّة، لأوَّل مرَّة، في الانتخابات العامَّة وحدها، بل ما أكثر ما جأرت بها حناجر النقابيين من غير الموالين للحكومة وحزبها، في كل موسم شهد انتخاباً لقيادة نقابة طوال السَّنوات الماضية، أو حتى اتحاد طلبة في أغلبها. ولعلَّ أسطع مثال على ذلك أن كتلة التحالف الديموقراطي التي خاضت انتخابات اتحاد المحامين لعام 2005م، طعنت في إجراءات ونتائج تلك الانتخابات؛ سوى أن أربع سنوات حسوماً تصرَّمت، حتى أزف موعد الانتخابات التالية في 2009م، وانتهت ولاية، وابتدأت ولاية، وأضحت الولاية (الجديدة) نفسها (قديمة)، بينما ذلك الطعن ما زال يراوح مكانه إلى كتابة هذه السُّطور!
وهكذا دواليك .. عشرون عاماً تداولت، خلالها، الحكم، حتى الآن، في بريطانيا الصليبيَّة، الاستعماريَّة، الإمبرياليَّة، غازية البلدان، وناهبة الثروات، ومضطهدة الشعوب، وبنت الأيِّ شئ يخطر على بالك، ثلاثة من أحزابها، المحافظين والعمَّال والديموقراطيين الأحرار، وتوالى على 10 داوننج ستريتها ثلاثة رؤساء وزارة عاقبهم الناخبون، واحدهم تلو الآخر، كلاً بما يستحق على ما فعل، في انتخابات لم يرمها أحد، رغم كلِّ ما فيها من عرج طبقيٍّ مشهود، بـ (تزوير) بطاقاتها في الخفاء، أو (تبديل) صناديقها بليل؛ من (ثاتشرهم) التي ألانت (حديديَّتها) نفس هذه الصناديق، إلى (بليرهم) الذي وصفته صحافتهم بأنه (كلب بوش)، على عينك يا تاجر، فما مسح بها (بلاط) صاحبة الجلالة، ولا جعلها عبرة لمن يعتبر؛ إلى (براونهم) المنصرف، بأمر الناخبين، أواسط الأسبوع الفائت، والذي غادر المبنى العتيق، تاركاً الباب مفتوحاً، على مصراعيه، لخلفه، ثمَّ مضى مبتعداً، في هدوء، أمام أنظار العالم كله، ماشياً على قدميه، مصطحباً زوجته وطفليه، يتمتم بكلِّ ما علمه أبوه القسُّ الكاثوليكي من أدب الاعتذار الكنسي عمَّا ارتكب من أخطاء، بينما الحُرَّاس، شاكي السِّلاح، يرمقونه بطرفٍ عسكريٍّ محايدٍ، دون أن ينفجر أحدهم صارخاً فجأة: بأبي أنت وأمي!
غير أن ذات هذه الأعوام العشرين مرَّت على السودان، والنظام الإنقلابي هو نفس النظام، وحكومته هي نفس الحكومة، وقادة (نقاباته) هم نفس قادة (النقابات)، أما حزبه الحاكم فهو نفس النخبة المسنودة بفيالق الأجهزة القمعيَّة، وترسانات القوانين الظالمة. وحتى حين جادت السِّياسة بمتغيِّراتها، كونها لا تعرف، بطبيعتها، سلاسة الانزلاق، أبد الدَّهر، على القضبان المتوازيَّة، وأطلت اتفاقيَّة السَّلام بشروط تحوُّلها الديموقراطي، وإصلاحها القانوني، وانتخاباتها (النزيهة)، أحنوا رؤوسهم للعاصفة حتى مرَّت، أو هكذا حسبوها، فانقلبوا على الاتفاقيَّة يمزِّقونها شرَّ ممزَّق، أو يحيلون بنودها، في أفضل الأحوال، إلى ممارسات (شكليَّة)، محض حالة من (السِّيولة) ترقرقت، بالكاد، فوق (قشور) القضايا، دون أن تنفذ إلى (لبابها)، قط، حتى انقضت الفترة الانتقاليَّة، أو كادت، فلا أرضاً قطعوا، للديموقراطيَّة، ولا ظهراً أبقوا! كلُّ ما هنالك أنهم تشبَّثوا، ردحاً من الزَّمن، بكراسي الشُّموليَّة، حتى إذا حزب الأمر، وصار لا بُدَّ من إجراء انتخابات، أجروها بنفس شروط (الشُّموليَّة) التي جعلت من المستحيل على الآخرين منافستهم من فوق منصَّات متكافئة، فتيسَّرت عودتهم بما يأملون أن يكون، هذه المرَّة، باسم (الديموقراطيَّة)! الخمرة (القديمة) نفسها، لكن في جرار (جديدة)! يتغيَّر مناخ الأرض ولا يتغيَّرون؛ وحتى إن تغيَّروا، فلا تتغيَّر منهم سوى الوجوه والأسماء، أو قل يتبادلون المواقع والمنافع، بعضهم يُخلي لبعض يتوارثون!
(الشكلانيَّة)، إذن، هي جوهر الأزمة في تجربتنا (الديموقراطيَّة)، وضمناً في (انتخاباتها)، سواء كان ذلك بقرينة انعدام المحتوى الاجتماعي فيها، أو بقرينة قيامها على محض (قشور الفنيَّات) التي يسهل على السُّلطة ركلها في أيِّ وقت؛ ومع ذلك يهرق (المتنطعون) أحبارهم في دعوتنا لقبولها، كونهم، في الحقيقة، أوَّل (المُخذلين)، وآخرُ (الناصحين)، لكن، مَنْ، ترى، يقنع (الدِّيك) .. مَنْ؟!

الأربعاء
ليت أحداً من الزملاء في قيادة اتحاد المحامين السودانيين يحيطنا علماً بالكيفيَّة، والطريقة، والسَّند القانوني الذي اتخذوا به قرارهم بالتدخُّل، باسم الاتحاد مجتمعاً، في قضيَّة (سوق المواسير) بالفاشر، وطبيعة العمل الموكل إلى الزملاء الذين انتدبوا لهذه المهمَّة، ومن سيمثلون؛ فمبلغ علمنا، وفوق كلِّ ذي علم عليم، أن المحامي يعمل إما في الاتهام أو الدِّفاع؛ وأن المحاماة مهنة مستقلة يمارسها المحامي من مكتب خاص؛ وأن مدخله الوحيد إلى أيَّة قضيَّة هو اختيار الموكل له، أو انتدابه من قبل الدَّولة للدِّفاع عن المتهم المُعسِر؛ وأن المرجعيَّة الرئيسة لهذا الأداء المهني هي قانون المحاماة وميثاق أخلاقيَّات المهنة!

الخميس
وددت لو انَّ صديقي د. عبد الله علي إبراهيم تريَّث هوناً قبل أن يفتي بأن (المعايير العالميَّة) للانتخابات هي ذات (الممارسات الأمريكيَّة)، حذوك النعل بالنعل، أو كما ذهب إلى شئ من هذا المعنى، في سخريَّته غير المبرَّرة من المصطلح، ضمن كلمته (جاتنا كلمة يابلد)، تعليقاً على ما أوردت تقارير المراقبين الأجانب للانتخابات السودانيَّة (الأحداث ـ سودانايل، 20/4/10).
(المعايير الدَّوليَّة للانتخابات)، في الواقع، مثلها مثل (المعايير الدوليَّة لحقوق الانسان)، ولـ (المحاكمة العادلة)، ولـ (معاملة السجناء والمعتقلين)، وغيرها، ليست (غربيَّة)، أو (أمريكيَّة)، أو مِمَّا تصحُّ نسبته إلى جغرافية وطنيَّة بعينها، وإنما هي بعض المنتوج الإيجابي لعالم ما بعد الحرب الثانية الذي ما انفكت حراكاته المدنيَّة تنداح لصالح الشعوب والمستضعفين، حتى لتكاد تطبق، الآن، على خناق أمريكا ذاتها، بدءاً من هزيمة النازيَّة والفاشيَّة، وتأسيس الأمم المتحدة، وإعلاء رايات السَّلام والديموقراطيَّة، وتصفية النظام الاستعماري القديم، وإصدار الإعلان العالمي لحقوق الانسان، وحتى اللحظة التاريخيَّة الرَّاهنة التي تحتدم فيها الحراكات المناهضة للعولمة الرَّأسماليَّة، ومنظمة التجارة العالميَّة، ونهب ثروات البلدان النامية، وشنِّ الحروب العدوانيَّة، مباشرة أو بالوكالة، ومن أجل العدالة الدَّوليَّة، وحماية البيئة، ومحاربة الإيدز، والمخدِّرات، والاتجار في البشر، وما إلى ذلك من الغايات النبيلة.
في هذا الإطار تفجَّرت (ثورة المعايير الدَّوليَّة) التي تستمدُّ وقودها القانوني الدَّولي من صميم الشِّرعة الدَّوليَّة لحقوق الانسان، القائمة، بالأساس، في (الاعلان العالمي لحقوق الانسان، 1948م)، والعهدين الدَّوليين لـ (لحقوق الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة، 1966م)، و(الحقوق المدنيَّة والسِّياسيَّة، 1966م)، والبروتوكولين الاختياريين الاضافيين. ويمكن، بالطبع، إضافة ما لا حصر له من المواثيق والمعاهدات والاتفاقيَّات الدوليَّة التي تعتبر تنويعاً تفصيليَّاً من هذه المعايير على مجالات مخصوصة، كالدِّيموقراطيَّة والانتخابات، أو على مجموعات بعينها، كالنساء، والأطفال، واللاجئين، والمشردين IDPs، والأسرى، والمساجين، والمعتقلين .. الخ. وهي كلها معايير متواثق عليها في (مواثيق دوليَّة) شاركت فيها، أو انضمَّت إليها، غالبيَّة بلدان العالم.
أما الانتخابات، على نحو مخصوص، فهي من لوازم النظام الدِّيموقراطي التي عني بها القانون الدَّولي، واندرجت ضمن أجندة التعاون الدَّولي. وترتكز معايير الأمم المتحدة بشأنها على عُمَد رئيسة، وهي: (حقُّ المشاركة)، و(حقُّ التصويت والترشيح) و(حقُّ المساواة في تولي الوظائف العامَّة)، مِمَّا يستتبع توّفر (الإرادة السِّياسيَّة) الكافية، خصوصاً في ما يتصل بضمان (حُرِّيَّة التعبير)، و(حقِّ تبادل المعلومات ونشرها)، بالإضافة إلى (سلطة قضائية مستقلة). وفي 1991م أكدت الجمعيَّة العامَّة للأمم المتحدة على ضرورة إجراء الانتخابات الدوريَّة لحماية حقوق ومصالح المحكومين.
ثمَّ في يونيو 1993م، وفي خطوة أكثر تطوُّراً، انعقد مؤتمر فيينا العالمي حول حقوق الإنسان، والذي يعتبره خبراء القانون الدَّولي الرَّافعة الحقيقيَّة التي تجاوزت بحقوق الانسان محدوديَّة المحليَّة والاقليميَّة إلى العالميَّة. وفي الإعلان والبرنامج الصَّادرين عن ذلك المؤتمر جرى التشديد، بوجه خاص، على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لبناء ودعم المؤسسات ذات الصِّلة بحقوق الإنسان، وتعزيز المجتمع المدني التعدُّدي، ومساعدة الحكومات على إجراء انتخابات (حُرَّة) و(نزيهة).
(الحُريَّة) و(النزاهة)، إذن، من أهمِّ المعايير الدوليَّة للانتخابات؛ وهذا ما ركزت عليه، أيضاً، وثيقة دوليَّة مهمَّة أخرى حول ضمان سلامة الانتخابات، وقد أصدرها الاتحاد البرلماني الدولي، في دورته رقم/154، المنعقدة في باريس، في مارس 1994م. فالانتخابات، بحسب هذه الوثيقة، لا تعتبر (حُرَّة) إلا إذا قامت على حقوق أساسيَّة، أبرزها (حُرِّيَّة الرأي والتعبير)، و(حرية التنظيم) التي لا معنى، بدونها، لـ (حرِّيَّة الرَّأي والتعبير)، فضلاً عن (حرية التجمع السِّلمي)، و(استقلاليَّة السُّلطة القضائيَّة)؛ كما ولا تكون الانتخابات (نزيهة) لمجرَّد قيامها على (الاقتراع العامِّ السِّرِّي)، وإنما لا بُدَّ، أيضاً، من (الاقتراع المتساوي) الذي يؤمِّن لكلِّ ناخب حقَّ التصويت المتكافئ مع الآخرين، بحيث يحتسب لصوته الوزن نفسه المقرر لأصواتهم؛ فضلاً عن ضرورة التزام الجهة المشرفة على الانتخابات بـ (عدم التمييز)، لا بين المرشَّحين، ولا بين الناخبين، في أيٍّ من شروط (التسجيل)، أو (الحملات)، أو (الإعلام)، أو (الاقتراع)، أو (الفرز)؛ حيث لا بُدَّ من أن يُضمن لكلِّ حزب أن يقوم بحملة انتخابيَّة متكافئة مع الأحزاب الأخرى، وبالأخص مع الحزب الذي يشكل الحكومة التي تجري الانتخابات في ظلها؛ وأن يُضمن لكلِّ مرشَّح وكلِّ حزب فرصاً متكافئة في وسائل الإعلام الرَّسميَّة؛ وأن يُضمن لكلِّ فرد وكلِّ حزب الحق المتساوي في حماية القانون للحقوق السِّياسيَّة والانتخابيَّة المقرَّرة، بما في ذلك معالجة وإزالة آثار المخالفات والانتهاكات، بصورة فوريَّة وفعَّالة. وغني عن القول، بالطبع، أن أيَّ إخلال بمبدأ (المساواة) هذا (يُعدم) الانتخابات (نزاهتها).
وثمَّة، إلى ذلك، تأسيسات تشريعيَّة لا بُدَّ لكلِّ دولة من مراعاتها في العمليَّة الانتخابيَّة (الحُرَّة) و(النزيهة)، تمشِّياً مع التزاماتها بموجب القانون الدَّولي؛ وعلى رأس ذلك التأكيد على (الفصل) التام بين (الحزب الحاكم) و(الدَّولة)؛ وتأسيس وتدريب آلية مستقلة، متوازنة، وغير منحازة، لادارة الانتخابات. ومن ذلك، أيضاً، ضرورة وضع إجراءات فعالة، ومحايدة، لتسجيل الناخبين، مع كفالة التطبيق الصَّارم لشروط العمر، والمواطنة، والاقامة، دون أيِّ تمييز؛ وكفالة تمتع الأحزاب والمرشحين بفرص متكافئة في التواصل مع الناخبين، وعرض برامجهم الانتخابية؛ وكفالة وحدة عملية الاقتراع، لمنع التصويت أكثر من مرَّة، أو التصويت من جانب اشخاص ليس لهم الحق فيه؛ وضمان أن تجري عملية التصويت في جوٍّ بعيد عن الغش أو غير ذلك من عدم المشروعيَّة.
تلك هي أعمُّ المبادئ المعياريَّة المتواثق عليها دوليَّاً، والتي، إنْ توفرت في أيِّ انتخابات، يصبح من واجب كلِّ حزب أو مرشَّح خاضها تقبُّل النتيجة التي تسفر عنها.
وهكذا، يا عزيزي عبد الله، يمكنك أن ترى أن (المعايير الدَّوليَّة للانتخابات) ليست (اسم الدَّلع) للممارسات (الأمريكيَّة) التي عرضت، في عمودك المقروء، صورة كاريكاتيريَّة لها، وإنما هي معايير محترمة، بل واجبة المراعاة.

الجمعة
قبل زهاء العام ونصف أوكل الاتحاد الافريقي لجنة تابو مبيكي في أمر التوفيق بين الحاجة الي المحاسبة في دارفور ومعارضة الدعوة لملاحقة البشير قضائياً (رويترز، 30/1/09).
وعلى مدى التسعة أشهر التالية نشط مبيكي ولجنته في أداء مهمتهم، فأصبح تواجدهم في الخرطوم ودارفور شبه دائم، حيث التقوا بمسئولين، وسياسيين، وقانونيين، وناشطين مدنيين، وقادة دارفوريين، ونازحين في المعسكرات، وآخرين كثر.
وقبل حوالي الستة أشهر قدَّم مبيكي تقريره إلى القمَّة الأفريقيَّة في أبوجا، والتي أجازته، بما في ذلك مقترحي "المحاكم المختلطة" و"العدالة الانتقاليَّة" (بي بي سي، 30/10/09)؛ فاستبشرنا خيراً، وقلنا: سيفعلها الرَّجل .. سيعبر بنا!
منذ ذلك الحين خفتت حركة مبيكي ولجنته، ولم يعُد يُسمع له حِسَّاً ولا خبراً، إلا لماماً، ويبدو أنه غرق في لجج الصِّراعات، وحزازات الغيرة التقليديَّة المعتادة بين قادة الاتحاد الأفريقي؛ وفي الأثناء تولى أعباء إضافيَّة، وزادت مهامه، وتشبَّح!
وها هي التقارير الصَّحفيَّة تنقل أنه قد اجتمع، بالخميس 13/5/2010م، مع المفوَّضيَّة القوميَّة للانتخابات، حيث اطمأنَّ على ترتيبات الانتخابات التكميليَّة بولايتي الجزيرة وجنوب كردفان، علاوة على إجراءات إعادة الانتخاب بالدَّوائر القوميَّة المؤجَّلة (الأحداث، 14/5/10) .. خسارة!

السبت
في الندوة الأخرى، مساء الاثنين 22/3/2010م، ضمن فعاليَّات مهرجان الجنادريَّة لهذا العام، والتي لا تقلُّ أهميَّة، في تقديرنا، عن ندوة (السلفيَّة) التي عرضنا لها في رزنامة الأسبوع الماضي، حقَّ للدُّكتور نضال الصَّالح أن يلحظ الخلل الواضح يزعج الأعين في العنوان المشبَّع بالنور على خلفيَّة منصَّة قاعة الملك فيصل للمحاضرات بفندق الإنتركونتننتال بالرِّياض: (الرِّواية السُّعوديَّة: قراءة ومقاربات)، فصحَّحه، عندما أعطي الفرصة لتقديم ورقته، إلى (قراءات ومقاربات)، فأراح واستراح! ذلك أن الموضوع، بالفعل، قد جرى تناوله، خلال الندوة، في زهاء سبع وعشرين ورقة، تراوحت ما بين محاضرات النقاد وشهادات الرِّوائيين، وتوزَّعت على جلستين استمرَّتا إلى ما بعد منتصف الليل.
وصولنا متأخِّرين شيئاً، ومغادرتنا قبل نهاية الندوة، فوَّت علينا فرصة المتابعة الدقيقة لتفاصيلها، مِمَّا سعينا لتعويضه عن طريق بعض التقارير الصحفيَّة، ومطبوعات المهرجان الإعلاميَّة اليوميَّة. على أن ما أثير في الندوة كان كافياً لفتح شهيَّتنا كي نهرع، في اليوم التالي، إلى المكتبات، لنقتني بعض العناوين التي رسَّختها الأوراق في الذاكرة. ولعلَّ أكثر ما لزمت ملاحظته لمنظمي الندوة، في مقبل دورات المهرجان، هو أن فرصة العشر دقائق التي خصِّصت لكلِّ ورقة لم تكن كافية، علماً بأن الأوراق لم تكن متاحة سلفاً ضمن مطبوعات المهرجان الكثيرة الفخيمة، وأن كلَّ ورقة من أوراق النقاد، بالأخصِّ، قد شملت دراسة متعمقة لجمهرة من الأعمال الرِّوائيَّة، دَعْ الشهادات الشائقة للمبدعين أنفسهم، والتي تعكس، في الحقيقة، وبحكم طبيعتها، مثلها مثل الأعمال الرِّوائيَّة ذاتها، واقع العلاقات التاريخيَّة والمعاصرة في المجتمع السُّعودي، بكلِّ محمولاتها الاقتصاديَّة السِّياسيَّة، والاجتماعيَّة الثقافيَّة، فتكتسي، من ثمَّ، أهميَّتها وقيمتها المعرفيَّة الاستثنائيَّة، لولا أن مقدِّمي الأوراق والشَّهادات اضطرُّوا، غالباً، لاختصارها، أو حتى لبترها، بسبب ضيق الزَّمن، فيا حبَّذا لو أفرد، ضمن الدَّورات القادمة، محور مخصوص يتخذ، مثلاً، شكل مؤتمر موسميٍّ للرِّواية السُّعوديَّة، شامل لعدد كاف من المحاضرات، والندوات، وورش العمل، وحلقات النقاش، وأن تكون أبرز أوراق هذه الفعاليَّات، إن لم تكن جميعها، مطبوعة مسبقاً، بحيث تتيح استيعاباً أكبر لمساهمات المبدعين والدَّارسين، وتضمن، بالتالي، مشاركات أثرى وأكثر نضجاً عند الحوار والمناقشة.
د. الصَّالح طرق، أيضاً، رءوس عدة مسامير، في وقت واحد، عبر دراسة نقديَّة تطبيقيَّة على عملين: (هند والعسكر، لبدريَّة البشر، 2006م)، و(حالة كذب، لعبد العزيز الصقعبي، 2009م)؛ من ذلك ضرورة التحديد الدقيق لما تعنيه نسبة الرِّواية إلى وطن معين، وعدم عناية المبدع العربي بـ (الشكل)، رغم أنه يمثل الحامل الدَّلالي الكلي للرِّواية، ونقله أسلوب وأدوات الكتابة التي يتنشَّأ عليها إلى حقل الكتابة الروائيَّة، ما يجعلها محض تنويع على الكتابة العربيَّة، بالمفارقة لتكنيك الرِّواية المغاير، الأمر الذي عدَّه الباحث ملمحاً لأزمة الرِّواية العربيَّة عموماً.
من المساهمات اللافتة الأخرى ورقة محمد العباس التي اتخذت من رواية (خاتم، لرجاء عالم، 2001م)، وأعمال أخرى، منطلقاً للبحث في قضيَّة شائكة هي ما أسماه (الجنوسة والإقامة في جسد الآخر)، حيث يشتغل العمل السَّردي على ارتباط صورة الجسد بالسجن، وتعامل الذات الواحدة مع حالتي (ذكوريَّتها) و(أنثويَّتها) المتلازمتين، لكن باتجاهين متعاكسين، نفسيَّا وجسديَّا.
وتناولت ورقة ياسين نصير بعض الرِّوايات، كرواية عبده خال (ترمي بشرر)، الفائزة بجائزة (البوكر) لهذا العام، و(جاهليَّة) لليلى الجهني، و(بنات الرياض) لرجاء الصانع، وغيرها من الأعمال، مركزة على دلالة الفضاء المكاني، باعتبارها ضرباً من الخطاب الروائي يقوم على إبراز (العُزلة) من خلال علاقة الهيمنة التي تفرضها المدينة على مكوِّنات الأمكنة المحيطة.
وبتحليله لروايتي (ثمن الشوكولاتة) و(الحفائر تتنفس)، عَمَدَ د. حسن النعيمي إلى إضاءة إسقاطات اللاوعي الرِّوائي الذكوري، من جانب المبدعين السُّعوديين، على الصورة النمطيَّة للأنثى.
وفي ورقته بعنوان (قراءة في ثلاثِ روايات سعوديَّة)، اختار د. سحمي الهاجري ثلاثة أعمال، هي: (دفء الليالي الشاتية، لعبدالله العريني)، و(حمى القفار، لعلي الحبردي)، و(أنثى العنكبوت، لقماشة العليان)، ليدلل على أن الطفرة الروائيَّة فتحت باباً واسعاً للتغيير.
واستندت ورقة شعيب حليفي، بعنوان (استراتيجيَّة الكتابة، متعة الكتابة، ورمزيَّة التخييل في النصِّ الرِّوائي السُّعودي)، إلى ثلاث روايات لتبحث في مسألة التخييل الروائي من جانب، وفي مسألة العلاقة بين الخصوصيَّة والمرجعيَّة الفنيَّة السرديَّة، من جانب آخر، لتستخلص ما أسمته بـ (استراتيجية الكتابة السعوديَّة)، لجهة علاقاتها الدَّلاليَّة، وأبعادها الرَّمزيَّة، وبنائها الدرامي، وما تكنزه نصوصها من تأويل، وتوظيف لفضاءاتها المتضادة، عبر زمانيَّتين ماديَّة وذهنيَّة، ومواءمتها بين التكثيف الروائي واللغة التشكيليَّة.
وتناول مبارك ربيع، من خلال مبحثه حول (ملامح المجتمع الرِّوائي)، أربعة أعمال، هي (البحريَّات، لأميمة الخميس)، و(وديان الإبريزي، لخالد اليوسف)، و(القاروة، ليوسف المحيميد) و(ما تبقى من أوراق محمد الوطبان، لمحمد الرطيان)، مبرزاً العناصر المشتركة بينها، كالمرأة، والسُّلطة، والآخر.
في جانب شهادات الرِّوائيين السُّعوديين، تحدَّث خالد اليوسف، وعبده خال، وعبد الباسط بدر، ويوسف المحيميد، ومحمد المزيني، وعبد الله العريني وآخرون. على أننا سنكتفي، هنا، بالإشارة إلى طرف من إفادتي خالد اليوسف وعبده خال.
قال اليوسف إن للمكان، في تجربته، عشقاً خاصاً؛ وكشف عن تأثره ببعض الداراسات عن المكان في السَّرد، كإطار، وجوهر، وصورة واقعيَّة، وخياليَّة، وذات أبعاد متميِّزة. وعندما قال "إن (المكان المتعيِّن) لم يتخذ حيِّزه، في الرِّواية السُّعوديَّة، إلا بعد أن تجاوز المجتمع السُّعودي الكثير من التعقيدات الحياتيَّة"، قفزت إلى ذاكرتي، على الفور، محادثة قديمة دارت، ذات نهار بعيد من ثمانينات القرن الماضي، بيني وبين صديقي القاص بشرى الفاضل، حيث سألته، وقتها، لماذا لم يجرِّب كتابة الرِّواية، فأجابني قائلاً: تعيين المكان من أهمِّ شروط الرِّواية، وهو شرط يصطدم، مباشرة، بتعقيدات الحياة السُّودانيَّة، ومستوى الوعي الاجتماعي العام في مجتمعات العرب المسلمين السُّودانيين الذين أعرفهم، إلى حدٍّ، وأستطيع الكتابة عنهم؛ فمجرَّد ذكر مكان محدَّد، مرتبط بحدث شائن، أو بشخصيَّة سلبيَّة، في عمل روائي، من شأنه أن يفتح أبواب جهنم على الكاتب! ثمَّ أردف ضاحكاً: ألا ترى إلى متاعب الطيِّب صالح مع (ود حامد)، وكيف أنه مضطرٌّ لأن يعيد ويكرِّر، المرَّة تلو المرَّة، أنها ليست (ود حامد) المعروفة بنواحي الشَّمال؟!
أما عبده خال، كثير الشَّبه بحبيبنا الشَّاعر الرَّاحل عثمان خالد، فقد وصف الرِّوائيين بأنهم ديكاتوريون قادرون على السَّيطرة على شخوصهم حتى لا تنقلب عليهم، وحتى تطيعهم لينظموا مسارات الحكايات التي يريدونها من خلال حيوات ومصائر هاتيك الشخوص. وقارن خال، في إفادته، بين شخصيَّة جليلة، المرأة الصَّامتة عبر ثلاثمائة صفحة من روايته (ترمي بشرر)، لا تتكلم، قط، بينما الجميع يتكلمون عنها، وبين النساء اللاتي قال عنهن، ضمن إفادته، إنهنَّ "موجودات معنا، الآن، في مكان ما من هذا المبنى، لكننا لا نراهنَّ"! وفي ما بعد قال لنا كثيرون من قدَّامى روَّاد الجنادريَّة إن جرأة كهذي في الطرح لم يكن من الممكن أن نصادفها في السَّنوات الماضية! كانت إشارة الخال صاعقة، بالفعل، إذ نبَّهتنا إلى أننا ظللنا نسمع كلاماً كثيراً، طوال تلك الأمسية، عن مبدعات روائيَّات وعن بطلات روايات، دون أن نرى سيِّدة واحدة معنا في القاعة! وفهمنا، لاحقاً، أنهنَّ كنَّ موجودات في الجوار، خلف حجاب، يشاهدن الندوة، ويسمعن الحديث، عبر دائرة تلفزيونيَّة مغلقة .. (حاضرات) في (الإبداع)، و(مغيَّبات) عن (الحوار)!

الأحد
من أمتع السَّرديات السودانيَّة سلاسة في الحكي، وبساطة في النفاذ إلى الموضوعات، مذكرات المرحوم المهندس مرتضى احمد إبراهيم، الموسومة بـ (الوزير المتمرِّد، مركز الدِّراسات السودانيَّة، القاهرة 1993م)، وبالأخص في الجَّانب المتعلق بشخصيَّة الرئيس الأسبق المرحوم جعفر نميري، فقد سلط عليها كثيراً من الضوء، مِمَّا قد لا تقع عليه عند غيره، ربَّما للصَّداقة التي ربطت بينهما، وشدَّة قربه منه، خلال الفترة التي عمل فيها معه، وزيراً للرِّي، على أيَّام حكومة مايو الأولى.
ومِمَّا روى عنه، في هذه المذكرات، قال: "كنت معه في سيَّارته، والتفَّ حولنا بعض الطلبة والمواطنين يهتفون مطالبين بفكِّ سراح عبد الخالق محجوب .. وغيره من المعتقلين. هاج النميري، وغضب، وأراد أن ينزل لشتمهم، فأمسكت به وقلت له (عيب يا ريِّس)، وأمرت السَّائق بمواصلة السَّير، ثمَّ قلت له إنت رئيس الجميع، الذين معك والذين ضدَّك، وأنت مسئول عن حمايتهم جميعاً، وتوفير الحرِّيَّة والعدالة للصَّديق والعدو. فردَّ عليَّ متسائلاً: (أنا الله؟! أنا حتة عسكري)! فقلت له: (لو إنت حتة عسكري فهذا ليس مكانك إذن)! فسكت، ونظر إليَّ في استغراب" (ص 104).



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَوَاسيرُ الطُّفَيْليَّة!
- حكاية الجَّماعة ديل! (4 4) أَحْلافُ النَّظَائِرِ والنَّقَائ ...
- حكايةُ الجَّماعة .. ديل! (3) هَمُّ الشَّعْبي وهَمُّ الشَّعْب ...
- حكايةُ الجَّماعة .. ديل! (2) إرتِبَاكاتُ حَلْبِ التُّيوسْ!
- حكايةُ الجَّماعة .. ديل (1 2) الاِسْتِكْرَاد!
- مَنْ يَرقُصُ لا يُخفي لحْيَتَه!
- بَرَاقشُ .. الأَفريقيَّة!
- السَّيْطَرَةُ الهجْريَّة!
- رَدُّ التَحيَّة بأَحْسَن منْهَا!
- لَيْلَةُ البَلاَلاَيْكَا!
- الهُبُوطُوميتَر!
- عَودَةُ العَامل والفَلاَّحَة!
- آخرُ مَولُود لشُرطيّ سَابق!
- طَبْعَةُ وَاشنْطُنْ!
- إشكَاليَّةُ القَاوُرْمَة!
- مَنْ يُغطّي النَّارَ بالعَويش؟!
- أيَّامٌ تُديرُ الرَّأس!
- مَحْمُودٌ .. الكَذَّاب!
- يَا وَاحدَاً في كُلّ حَالْ! (2)
- يَا وَاحدَاً في كُلّ حَالْ!


المزيد.....




- ولاية أمريكية تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة
- الملك السعودي يغادر المستشفى
- بعد فتح تحقيق ضد زوجته.. رئيس وزراء إسبانيا يفكر في تقديم اس ...
- بعد هدف يامين جمال الملغى في مرمى الريال.. برشلونة يلجأ إلى ...
- النظر إلى وجهك أثناء مكالمات الفيديو يؤدي إلى الإرهاق العقلي ...
- غالانت: قتلنا نصف قادة حزب الله والنصف الآخر مختبئ
- بايدن يوقع قانون مساعدات كبيرة لأوكرانيا والمساعدات تبدأ بال ...
- موقع أمريكي ينشر تقريرا عن اجتماع لكبار المسؤولين الإسرائيلي ...
- واشنطن.. التربح على حساب أمن العالم
- السفارة الروسية لدى سويسرا: موسكو لن تفاوض برن بشأن أصول روس ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - مَنْ تُرَى يُقنِعُ الدِّيك!