أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سعد سامي نادر - يوميات هولندية- 1 (إرثٌ وحقيبة )















المزيد.....

يوميات هولندية- 1 (إرثٌ وحقيبة )


سعد سامي نادر

الحوار المتمدن-العدد: 3006 - 2010 / 5 / 16 - 16:27
المحور: سيرة ذاتية
    



ـــــــــــــــــــــ
" أمير مثلك لا يهزم بالخوف". صدى همسات صديق ظلّ حبيس روحي وصمتي وواصل دويه في إحباط عزيمتي في إكمال أوراق الهجرة. صداها أعاد لي مأساة أمير حقيقي كان قد همهم مع نفسه يوما لكن! بعد فوات الأوان: "هناك ثمّة شيءٌ من العفن في مملكة الدانمارك ". ما تداركه "هملت" الأمير بالسيف، أدركه السيف قبله، وانتهت تراجيديا طموح أمير وسيف ومملكة ولاذ "هملت" بصمته الابدي!.
أمير على شاكلتي، مسالمٌ حتى العظم بلا سيف ودون طموح، يعشق متع الحياة، ما عسا أن يفعل وسط مستنقع بلا روح ولا حتى نبض حياة، يغلفه العفن ويلفّ جوانبه الخوف والموت ؟؟.
وسط هذا القهر شيّدت مملكتي. إمارة صغيرة على قدر طموح أميرها. ورثت قسما منها من كرم الأهل، وتكفلت بتوسيع الباقي منها فيما بعد. تبدأ قصة ميراثي الأميري هذا عند طفولتي، فقبلَ أن ينهمر عليّ الكثير منه، استلمت وأنا طفل في السادسة أول غيثه، شطرنج صغير صُنعتْ أحجاره من لـُب الخبز مع السكر وفوارغ بكر خياطة خشبية نحتت بيد اخي الاكبر الذي كان موهوبا بالرسم. بأول وأمتع هدية حَصلتْ عليها طفولتي السعيدة ، تمكنت أن أحقق أول انجازي الذهني حين تغلبت على معلمي الاول أخي الأكبر، وأنا لم أدخل الابتدائية بعد. حقا، كم كان خفيفا وثمينا وممتعا هذا الكنز!.
رغم ما رافق طفولتي وشبابي من أحداث وهزّات ومتغيّرات دراماتيكية سريعة وعنيفة حدثت لعائلتي، لكنـّا حصلنا على بعض من فسح أمل وسنوات راحة قليلة جدا كنت خلالها وسط عائلة رصينة متكاتفة رائعة. كان الكل فيها مولعا بالقراءة وصولا لجدتي العجوز. وسط حيوية وجو مكتنز بالمعرفة واكداس من الكتب، ما كان عليّ سوى إنتقاء وقطف ما بوسعي استيعابه من بطون هذه الكتب المتنوعة والمتوفرة حولي: كتب تأريخ وأدب وفلسفية وسينما ومسرح وروايات وقصص ودواوين شعر. وكمستمع جيد سريع الحفظ والاستيعاب، كنت ألملم من حولي ما يثير اهتمامي من لمحات لأفكار وأحاديث وقراءات شعرية وحوارات فكرية وجدل فلسفي كان يدور باستمرار أمامي ويشغل فكري وبالي. وأعترف الآن، ان فهمي حينها كان بالكاد يستطيع هضم بعضا منها. يضاف الى كل ذلك، كان هناك راديو لا يستأذن سامعيه أبداً ولا تغادره على مدار الساعة، الأخبار ولا الموسيقى.
رغم المصائب المتلاحقة ومرارات الحياة، فان روح الألفة والمحبة التي شدتنا سوية لبعضنا، كانت بلا حدود وليس لها مثيل. فيض من عواطف متآخية متناغمة مع بعض، نتاج ما يتمتع به الجميع من معرفة وحس انساني مرهف ودراية وادراك وذكاء في معالجة مشاكل وتعقيدات تحديات مجمل ما رافق حياتنا من نكد وقهر. وبرغم تذمر الجميع من الوضع السياسي، أعتقد جازماً ان متانة هذه الرابطة التي جمعتنا وشدّتنا لبعضنا طوال السنين، هي ذاتها كانت كفيلة باخماد واجهاض أيّة فكرة أو نزعة شخصية لخلاص احدنا دون الآخر والهرب من جو الخنق الفكري والعفن السياسي آنذاك. وأصبح ارتباطنا ببعض أشبه بزواج كاثوليكي ابدي بلا انفصال وكان سببا مباشرا في قنوطنا واستسلامنا "الكافكوي" لإملاءات قدرنا الوطني.
وسط متانةهذا الجو العائلي الحميم وئدت فكرة الهجرة والانعتاق من هموم وطنية متواصلة بلا أمل، وبقيت قانعاً متنعماً بفضاء المحبة والمعرفة الواسع الذي يحيط بي. فيه عرفت طريقي وأسهل درب لي للوصول الى رقي معرفة وثقافة عامة متنوعة يصعب حصولي عليها بمكان آخر.
أتذكر، حين كان اخي الأكبر مولعا في سماع الموسيقي الكلاسيكية لبتهوفن وموزارت وشوستاكوفتش ودي فالا وغيرهم من عمالقة الموسيقى، ففي بادئ الامر ، ما كان علينا سوى الإنصات لها مجبرين صاغين سماعها كونها تملأ المكان.لكن! تعلمنا بعدها كيف نحلق معه في أجواء عالمه الساحر الراقي. وهكذا عشت وكبرت وتخرجت وسط جو عائلي رصين مثقف حر طافح بالحيوية والحب، يقودني حبي في تقليد واختيار الأفضل والاحسن. ساعد هذا فى تبدل جوهري في نمط تفكيري وذوقي الفني والموسيقي، وسهل عليّ حسن انتقاء توجهاتي الفكرية والثقافية ونَوَّع خياراتي العملية والمهنية. وكان لتنوع هذا الجو المعرفي، ما يكفي ليقدم لي بوضوح إجابات دقيقه ومنطقية لكثير من الأسئلة والاستفسارات المهمة التي شغلت بالي وساهمت في تثبيت أولى قناعاتي الشخصية بأمور فلسفية، كالحقيقة والحياة والموت والانسان والوجود، وكانت بالنسبة لي لا تقل أهميةً عن مفاهيم المساواة والعدالة الاجتماعية وحرية الوطن والمواطن التي أغرقت الجميع بهموم تحدياتها وسموم تشويهاتها عندما كانت في حينها تمثل سيدة أفكار الساعة.
حقيقة الأمر وحتى لا يساء فهمي، إن ميراثي الثمين هذا لم يكن سوى مسلمات حسية خاصة بي رسَّختها بوعي تام ذاكرة مريرة لمجموعة أحداث ومصابات عائلية أليمة. وأعترف أيضا بأني تلقـّفت بعضا من تأثيرات هذا الإرث الغريب بغبطة وسرور، والبعض الآخر بمضض وألم. لكني ببساطة، حصلت على مجمله دون إملاء أو ضغوط من انتماء سياسي، فقد كنت خلافا لأخوتي الكبار، خارج هذه المعمعة المتعبة! حرا في انتقاء ما أريد، مستأنساً وشاكرا في ذات الوقت، تقبل رأسي تلك "الجوهرة" المتعِبة التي جثمت فيه بأمان طوال عقود. جوهرة ما زالت تلهب ايماني بعقلي وتفتح للنور والشمس كل أبوابي، تضئ عتمة روحي ومتاهات عقلي وتوسع سمائي لتبحر آفاقي بلا وهم من سحر العقل الأرحب صوب خفايا وسرّ الكون السرمدي الأحدب .
إرثي، رُقية ساحر مارست سحرها الخفي بدقة وخفة دون أيّما إيهام أو دجل او خديعة. رقية روحي مرآة ثلاثية الأبعاد كوجه الحقيقة، فحين يسايرني الشك بفهم المستور منها ويوهمني تزييف الصورة، لا ترضى حتى أن تقلب شكل الأشياء، ويبقى مفضوحا فيها كل القبح وزيف الفكرة..وهناك في الطرف الأيسر منها شعاع يشرح لي عمق اللون والبعد الآخر للضوء ينير الفكرة.. مكشوف معروف عندي، كم يبعد عنا قرص الشمس ولون "مارس" إله الحرب الأحمر. قل لي بربك "غاليلو" ، هل يوجد بعدا آخر في تأريخ العهر بطول طريق العنف وقهرك؟. أعني غاليلو!، فرقيّتي كمرآتك سطحٌ تجريدٌ أملس، لكنه في الراس يدور!! يتحرك يجمع كلّ الكون وكلّ النور، ويبقى في رأسي يدور ويدور..تلكم إرثي ومتاع الهجرة!!!.



#سعد_سامي_نادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سعد سامي نادر - يوميات هولندية- 1 (إرثٌ وحقيبة )