أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - روايات عبدالستار ناصر بين توظيف السيرة الذاتية وتحفيز المفارقة















المزيد.....


روايات عبدالستار ناصر بين توظيف السيرة الذاتية وتحفيز المفارقة


صباح هرمز الشاني

الحوار المتمدن-العدد: 3004 - 2010 / 5 / 14 - 22:45
المحور: الادب والفن
    


قرات العديد من مذكرات رجالات السياسة والادب، ولكنني لم اقرأ مذكرات ترتقي بجرأتها الى مستوى مذكرات القاص والروائي العراقي المعروف عبدالستار ناصر الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2001 تحت عنوان (حياتي في قصصي)، وامنح لنفسي الشجاعة التي اكتسبتها منه لاقول، بانني استمتعت بقراءتها اكثر مما استمتعت بقراءة مذكرات غابريل غارسيا ماركيز مثلا، او بابلو نيرودا، وحتى ويليام تنسي وكازانزاكي، وارسكين كلوديل.
واذا كانت وظيفة الادب والفن تاتي بالدرجة الاولى في المتعة والفائدة فان هذه المذكرات زودتني بوظيفة ثالثة، اسمى من المفردتين السالفتي الذكر، وهي انها قد اعادتني الى الوراء لستين سنة لتعمدني ثانية، مرة في حضرة كنيسة مار يوسف بكركوك وعلى يدي الكاهن يوسف زورا عندما كنت طفلا، وفي هذه المرة على يدي والد عبدالستار، ناصر الجدوع، ووالدته حفيظة فارس، وحضرة زقاق الطاطران.
تكشف هذه المذكرات الجزء الخفي من حياة المؤلف وحياة عائلته واصدقائه، وحبيباته ومن عاش معه دون خوف او مواربة، اذ بدأ كتابتها عام 1985 وانتهى منها عام 2000، ويعترف بانه سعيد جدا ان تمضي حياته وتجاربه الى القراء وان يراها على رفوف الذاكرة بين اصابعهم التي تحرك الصفحات وهي تدري انها بذلك تحرك ايامه واعوام طفولته وصباه ومغامراته وشبابه وشيخوخته التي يرفض الاعتراف بها ابدا.
ويهدي مذكراته هذه الى امه حفيظة فارس التي يكشف عن علاقاتها بالاعتذار منها وانحناء راسه امامها وحدها التي احتملت اخطائه وذنوبه، ولا رجاء له بعد رحيلها سوى طلب المغفرة منها.
في طفولته كانت تطارده ثلاث صفات: هي الفقر والجمال والخوف، ومن طرف آخر كان هناك ثلاثة اشياء جعلته يتمسك بالحياة هي الكتابة والنساء والسفر، وهذه الصفات هي التي صنعته وهو متمرد حد الجنون. اذ من بين افراد عائلته وحده اول من كسر الزجاج الذي كتبوا خلفه (ان القناعة كنز لايفنى) ويصف والده بانه رجلا بلا مواقف.
كان اجمل ابناء محلته، لذلك فقد طارده العشرات، الا ان هذا ساعده على تأليف اول رواية له في حياته، كما ان امه كانت اجمل نساء بغداد، على حد قوله، فهي لهيب يمشي على قدمين جمرة اشتهاء تحرق ما بين الفخذين.
قلت في بداية مقالي هذا، انني لم اقرا مذكرات ترتقي بجرأتها الى مستوى مذكرات عبدالستار ناصر، ولان الرواية اكثر من اي جنس ادبي آخر بحاجة الى مثل هذا العنصر لتكوين فضائها الواسع، والمؤلف مادامت حياته كلها مغامرات، ويتحلى بعنصر الجرأة، فلم يبق امامه عقبة في سبك سيرة حياته في رواياته، سوى عقبة كيفية توظيف هذا العنصر، ومسعى هذا المقال هو الوصول الى هذه الكيفية في روايتيه: (على فراش الموز) الصادرة عام 2006 و(قشور الباذنجان) الصادرة عام 2007.
لنبدأ من الصفحة (21) من سيرته، وهو يتحدث عن الذين طاردوه في طفولته لجمال وجهه، وكيف انه وظف هذا الجزء من حياته في روايته (على فراش الموز) في الصفحة (30، 87، 88، 89، 90، 95) مختصرا شخصية الذين طاردوه من المهووسين الاغنياء والعاطلين عن الابداع بأحط النموذج الاوروبي المتمثل بشواذ اللواط والصعلكة.
السيرة: (اعترف طاردودني العشرات ممن يتوهمون جمالا بلا ذكاء، طاردودني المهووسون الاغنياء، ورغبني العاطلون عن الابداع باسم شهرة ومجد اكبر من حجمي آنذاك.... من يكون هذا الاحمق الذي أراد ان يعطيني نصف دينار يساومني به على شيء ما كنت افهمه يومذاك؟ من يكون هذا الابلة الذي يغمز ويلمز ويحرك اطرافه صوب الليل ويتطرف بحركاته ليلا صوب بلاهة ما كنت اصدقها ابدا؟...) ص21-22.
الرواية: (ما غازلني غير صعلوك بائس، وكان يظنني طوع اليدين، كدت ارميه بالحجارة بين عينيه، لكن قانون روما لايشبه قانون بغداد، واكتفيت بزجره بكلام لايفهمه طبعا، اذا به يتعلق بي اكثر)، ص30، وفي الصفحة 87 يلاحقه الى بلد بعيد عن بوخارست، وفي الصفحة 95 يعرف اسمه وهو (ماركو) والفرق بينه وبين ابن اخته (مديحة)...صابر (انهما على جانب كبير من الوساخة والجرب، لا فرق بينهما، غير ان الثاني اكثر وساخة مما يبدو عليه، فهذا يشتغل على خداع المئات من البشر وماركو يشتغل ضد نفسه فقط).
وابن اخته هذا (صار شيخا في الحضرة القادرية، لايعرف القراءة ولا الضمير ولا الكتابة، كذاب ومرابي وحشاش وابن كلب حقيقي لايفهم تفسير اي شيء، يعرف متى يحتال على العجائز والمساكين بعد ان يهز رأسه كما الدراويش داخل المقام الكيلاني)، ص95-96.
وفي الصفحة 154 من سيرته وهو يتحدث عن فوضى عائلته تحت خيمة الاب الكثير السفرات، ينسب هذه الصفة الى شخصه في رواية (على شجر الموز)، في ص 23، ويمنحها نفس الاهداف التي كان يسافر والده من اجلها وهي النساء.
السيرة: (كانت حياة عائلتي تحت خيمة السيد الاب) الذي يسافر الى طهران واستنبول دون سؤال او اعتراض من احد، هكذا على حين غفلة نسمعه يقول: غدا اسافر.. ويسافر فعلا لا يمنعه طفل مريض ولا زوجة في الشهر التاسع من حملها... هناك في طهران او انقرة مع امرأء لاشك انها اجمل من امهاتنا واطول قامة واعلى شانا من عشيقاته المبعثرات على امتداد اخطائه ورغباته المتناثرة شرقا وغربا).
الرواية: (لم اعبأ يوما بما تفعله عائلتي، انا الذي اختار الهروب غربا والتشرد شمالا بحجة الدراسة، ربما سرقني عشق النساء واعطاني تاشيرة اقامة في المنافي. لا ادري كم جسدا انثوي نام على مخدتي، كم فخذ تزحلق هنا وكم ساق رقصت هناك على فراش الموز).
اما في صفحة 108، من سيرته، لطعم العمبة والصمون وكيس الشامية والحمص بدرهم واحد في سينما الفردوس، ينقلب في رواية (على فراش الموز) في الصفحة (34) الى مغازلة فتاة احبها في هذا الدار.
السيرة: (من يتذكر سينما الفرودس، ساحة الوصي التي صارت فيما بعد – النهضة- فلمان في آن واحد، عربي واجنبي، ذاك التعبير كان يسحبني من دشداشتي وانا طفل في الثامنة من عمري، لاامنع نفسي الان من البكاء على طعم الصمون وكيس الشامية والحمص بدرهم واحد كان يكفي ان تاخذ به من السعادة نصف ما تاخذ اليوم بالف دينار).
الرواية: (ايام كنت اعيش في زقاق الطاطران، كنت احب صبية حسناء من بنات المحلة تمكنت من اخذها الى سينما الفردوس – فلمان في آن واحد- عربي وامريكي) وكنت احس بخوف عجيب وانا اشاهد بطل الفيلم يفعل المعجزات، يقتل ويطير ويطارد شلة من المجرمين، حتى انني نسيت ان اغازل تلك الصبية في ظلمة القاعة... نظرت اليها خفية وانا اخجل من كمية الجثث التي رايتها على الشاشة ولم اصدق ان الحسناء الصغيرة نامت على كتفي... ولا ادري كيف تجرأت على مد اصابعي الى فخذيها كنت ارتجف شبقا وانا ابحث في زوايا عن تلك المتعة التي سمعت عنها من اقراني ولم اعشها ذات يوم).
ويغير العلاقة التي تربط امه بمعلم مادة اللغة العربية في سيرته، الى معلم مادة الرياضة في رواية (على فراش الموز) وان جاء ذكره فيها بشكل عابر (موبقات اللغة العربية) ص 17، ويوظفه باتجاه استهزاء اطفال المدرسة منه.
السيرة: (لم انتبه في البداية الى نوع الاسئلة التي يرميها معلم العربية بالعشرات امام طفولتي وبراءتي...)
- كيف حال ماما يا عبدالستار؟
قلت له: بخير
- ما هو لون الثوب التي تلبسه ماما تحت العباءة؟
قلت بفرح عجيب: انها تلبس الاسود يا استاذ
- قصير ثوبها ام طويل؟
قلت: والله لا اتذكر يا استاذ، سأراه اليوم عندما اعود
- هل تسالك عني يا عبدالستار؟
قلت باحترام وعفوية: انها لاتسالني ابدا.
وفي تلك اللحظة الحرجة من الاسئلة اعطاني المعلم العفيف الطاهر ورقة ملصوقه من الجوانب كلها وقال: خذ هذه الورقة واعطها الى ماما...
وفي الطريق فتحت الشريط اللاصق عنها وقرأت الورقة بأول دهشة اصابتني في ضمير طفولتي: ارجو ان تأتي الى بيتي غدا في الثامنة والنصف صباحا، البيت فارغ لاتخافي، زوجتي ذهبت الى النجف لزيارة القبور.
في اليوم التالي لم يحضر المعلم الى المدرسة حتى الساعة الحادية عشرة، لابد انه انتظر امي كثيرا، ما ان دخل الصف حتى سحبني من يدي وراح يسألني بشيء من العصبية: يبدو انك لم تسلم الورقة الى ماما...؟
- قلت بقليل من الخوف: استاذ ماما لاتعرف القراءة والكتابة واعطيت الورقة الى بابا..
نظرت الى معلم العربية ولا ادري لماذا شعرت بأنه تبول في بنطلونه قبل ان يسالني: ماذا قال بابا؟
قلت له بشيء من خبث الطفولة: بابا قال بانه سيقتل هذا الكلب ولن يسمع به احد).
الرواية: (لم اعبأ بما رايته هناك مع انني اعرف جرائم القصاب ومعلم اللغة العربية، فقد اخذني حلمي الى بحر شاسع لم اكن قد رايته بعد الى بلاد بعيدة.. ليس من شبه بيني وبين اطفال الزقاق، كنت اعيش بينهم ولا ادري غير اصابع بلهاء تلعب خلف ظهر معلم الرياضة وهي تستخف به وتهزأ من سرواله وهو يركض امامنا ويصرخ، وكم ارعبتني تلك الاصابع وانا اراها تدخل في كل شيء، في ثقوب الجدران، في المؤخرات... ولا احد يمنعها، او يجرؤ على بترها...) ص16.
وتتحول حادثة رفع الوالد على اكتاف اولاده الستة لسيرته، ص17، لفياض ماء الزقاق لئلا تتبلل ثيابه الى اصلاح المجاري لتصبح نظيفة وصالحة لاستقبال المياه الغزيرة في رواية (قشور الباذنجان) ص11.
السيرة: (اذكر ذات ليلة شتائية غزيرة المطر، حالة البيت الذي كنا نسكن فيه، حينما غرقت محلة (الطاطران) في نهر قذر ممزوج بالفضلات كيف ان ابي اراد الذهاب الى مكان عمله في الصباح فما استطاع الخروج من البيت. كان اطرف ما فعلناه – نحن اولاد الستة- اننا رفعنا ابي على اكتافنا حتى آخر الزقاق ورجعنا مبللين متسسخين، لكنني منذ رفع ابي على كتفي وانا افكر بالفروق الجسيمة بين محلة طاطران الفقيرة وبقية المحلات الزاهية النظيفة الغنية).
الرواية: (اذكر في مساء ماطر ونحن في محلة سوق حمادة ان فاض ماء الزقاق عندما عاد ابي الى البيت وهو يرفع بنطلونه الى ما فوق ركبتيه معنى هذا ان نرفع والدي صباح اليوم التالي على اكتافنا نحن اولاده الستة ليذهب الى مقر عمله دون ان يتبلل في الصباح كان ابي كما في المظاهرات مرفوعا على اعناقنا حتى نهاية الزقاق، وتكرر الامر ثلاثة ايام حتى نشف الماء. قررنا ان نكتشف سر تلك المجاري التي تغلق في وجه المطر الغزير... وبدأنا نعمل من ثلاث ساعات في اليوم الواحد... وسحبنا اكثر من خمسة براميل من الاوساخ المتراكمة عند المجرى. بعد ذلك صارت المجاري نظيفة وصالحة لاستقبال المياه الغزيرة، لكن المضحك في الحكاية هو اننا بعد ايام قليلة وعندما امطرت السماء بغزارة مرة اخرى – شعرنا بالضجر، فقد كان منظر الماء بين البيوت ومنظر الناس وهي ترفع ملابسها لئلا تتبلل قد غاب عن المحلة وعن انظارنا.. يا لها من متعة خسرناها؟!).

واذا كان في سيرة حياته ص39، ياتي على ذكر عبارة (الخوف العربي) للمقارنة بين الدول الاوروبية والعربية، فانه في (قشور الباذنجان) يحدد هوية الدولة العربية التي تمارس هذا الخوف، ص61.
السيرة: (لاخوف يا سادتي سوى الخوف العربي، اكرر
لاخوف في هذا العالم الشاسع سوى الخوف العربي، يهاجمنا ويعرينا من ملابسنا الداخلية، بل ويدخل فينا ويحتل جميع مساماتنا وشرايين افئدتنا...).
الرواية: (على الحدود نزلنا من الباص وهذه المرة على ارض الشام، فختم من نوع آخر مع احساس مختلف اراه على وجه حيران لكن الجندرمة تتشابه في كل شبر من دنيانا العربية المسكوبة من نار وعار، الخوف بذرة لاتنمو جيدا اذا لم تكن التربة عربية، من اب عربي وام خانعة ذليلة، الخوف ممنوع من النمو في باريس ولا في ستوكهولم ولا في النمسا كلها، الخوف عربي وهو ابن بار يفكرولايعترض على سيادة الاب وسطوته ولا يعرف ان يقول لا...).
وفي سيرة حياته ص157، يوظف حدث زواج والده من المرأة الايرانية، اي خيانة زوجته حفيظة ونجمة وقبلهما سنية، الى في (على فراش الموز) ص126، خيانة ابنه بخطوبة الفتاة التي احبها لنفسه.
السيرة: (ولعل اغرب ما بما فوجئت به ايام طفولتي حياتي ان تلك المومس التي تكرر الذهاب اليها في بيتها الجميل على سفح بعيد في اطراف طهران.. تلك المراة التي تجاوزت الخمسين والتي تغازل ابي امام عيني، اغرب ما فوجئت بعد عامين او ثلاثة اعوام انها كانت زوجته على سنة الله ورسوله).
الرواية: (... اشترط جعفر شقيقي على ابي الزواج من صبية حسناء من بنات الحاج حبيب عبد علي، كانت في الخامسة عشرة من عمرها، فما كان من ابي سوى الذهاب الى بيت الحاج حتى يخطب ابنته لابنه البكر جعفر الذي عاد لتوه من بريطانيا، وعند خروج ابي من بيت الحاج كانت الخطوبة قد تمت دون اية اعتراض او سؤال ولم يصدق جعفر حتى يوم مماته ان ابي خطب فضة لنفسه بدلا من ان يحظى بها ابنه الاول.
لاغرابة في الامر اذا قلت ان فضة بنت الحاج حبيب عبد علي هي امي، وكان بمكنها ان تكون زوجة اخي، دون تلك النزوة التي سلبت ابي كل ارادته ونصف عقله).
وفي صفحة 195، من (على فراش الموز) يعود ليتذكر خيانة والده لشقيقه: (احب المرأة التي تضع يدها على فمها حين تضحك انها تشبه امي، ولا ادري لماذا كانت تخفي اسنانها ام انها ترى في الضحك نعمة ستأتي بعدها نقمة من السماء؟ هناك في حياتي حب عظيم لتلك السيدة، ليس بسبب انها انجبتني وانما وحدها التي تعرف أعصابي وتفهم بماذا افكر، حينها وحدها التي تضع يدها فورا على فمها اذا ما ضحكت الشرقاوية التي خدعها ابي وتزوجها دون حق وكان ينبغي ان يخطبها لابنه جعفر، لكن رقتها وحسنها وانوثتها ايقظت انانيته الفاجرة، فسرقها من اقرب الناس اليه، عائلة تلفانة انانية اول صفاتها).
وفي الصفحة 102، من سيرته، يغير حادثة ضربه من قبل والده بسبب لعب الورق مع اطفال المحلة، الى ركوب ابنة خالته من الخلف في (على فراش الموز) ص146.
السيرة: (اتذكر يوم رآني ابي مع اطفال الطاطران نلعب الورق على طريقة الجمع والطرح بين الارقام، كيف رفعني بين يديه مثل خروف وربطني على عمود خشبي من اعمدة البيت اليهودي المجمد...).
الرواية: (لم يكن قاسيا معي سوى مرة واحدة يوم شدني على جذع النخلة بحبل متين وعافني دون ماء ولا طعام اكثر من يوم واحد بعد ان رآني عاريا مع ابنة خالتي وهي عارية ايضا ونحن نلعب (عريس وعروسة) وقد اخبرونا ان تلك اللعبة تقتضي ركوب العروسة من الخلف وان تفعل معها ما تشاء، لكن ابنة خالتي كانت تصرخ (يمه يمه) بعد ان طال ركوبي عليها، فجاء ابي وراى بنفسه مدى غبائي في ركوب العروس).
ويوظف الفوضى المبثوثة في البيت في سيرته ص150، في كونه اكثر بيوت بغداد نفورا ونضالا وفجورا وكرما وفقرا واحساسا بالوطنية وانفلات الطقوس وابعدها مسافة عن النظام والتقوى والمسؤلية، الى الرحيل في (على فراش الموز).
السيرة: (كيف يتذكر ابي اسماء بناته واولاده وقد صار راس هذا يشبه رأس ذاك، والحذاء الذي يقذفه، عبدالواحد في وجه اخته فاطمة يشبه الحذاء الذي اغفله حسن فوق راس نورية، ساعة ان فرض عليها ان تجلس كما التمثال في حضرته عندما يتكلم).
الرواية: (الحياة تمشي بالمقلوب، الحذاء في مكان الراس، والراس في منطقة الحذاء، ورغم ذلك كله لم يكن من شيءاسمه الخوف، مهمة البقاء حيا برغم الَظروف العصيبة هي كل ما كنا نفكر فيه، عائلة تلفانة، واذا كان رب البيت في الدف ناقرا فما هي شيمة اهل البيت؟ لا احد يرقص في البيت، كنا نرقص داخل رؤوسنا ونضحك من فرط البلاهة. لماذا امنع نفسي من الرحيل وقد فاحت رائحة اللحم الحرام، رائحة شيء يشبه الدعارة، تفوح في ممرات الزقاق...).
والجراة الموظفة في الروايتين بالاعتماد على السيرة الذاتية، لاتمثل حسناتها في اضفاء الجمالية على العمل الفني فحسب، وانما تسهم ايضا باضافة عنصر جديد على هذه الجمالية وهو المفارقة، والمفارقات التي حفزها المؤلف في روايتيه (على فراش الموز) و (قشور الباذنجان) بالاضافة الى سيرته الذاتية، لاتربت على كتف المتلقي بخفة، وانما تحضه على ابتسامة باهتة، ثم سرعان ما تصفعه بقوة، لتتحول هذه الابتسامة الى الم داخلي حقيقي، يوقظه على ما يجري حوله من زيف وما يحدث في محيطه من دجل وكذب ورياء. ولعل ادل نموذج على هذه المفارقة هي علاقة معلم المادة العربية بحفيظة فارس، فالمفارقة لاتكمن في الصلة التي تربطهما بالاخر ولا باعطاء الرسالة الى الاب بدلا من الام، وانما بمعرفة المعلم بان الاب سيقتله، وذلك بعد ان يصفه بالكلب ولن يسمع به احد.
واذا كانت هذه الجملة تدعو المتلقي الى ابتسامة فان الجملة التي تليها وهو يسال المعلم بخبث:
- استاذ اي كلب هذا الذي يريد ان يقتله ابي؟
تنزل صفعة قوية على وجه المتلقي وتثير انتباهه ووعيه الى الانحدار الذي رضي المعلم ان ينزلق اليه، والسقوط الذي اختاره لنفسه. ولم يكتف الطفل عبدالستار ناصر الانتقام منه الى هذا الحد، سيما وقد قطع من عمره اكثر من ثلاثة اعوام وهو يفكر بالمزيد، فاكسبه في سيرته صورة مخنث يبغضها اكبر المائعين، وهو يتبرج كالنساء ويمشط شعر رأسه امام التلاميذ ويستخدم الملقط في شعرة زائد، في حاجبيه او لحيته، وحاول مرة احراق داره وعندما فشلت تغوط على سطحه، وبين شهر وآخر كان يكسر واحدة من زجاجات بيته. ولعل معلم الرياضة الوارد ذكره في رواية (على فراش الموز) ص17، هو نفس معلم العربية الذي ينتقم منه فيها وذلك من خلال اصابع اطفال زقاق وهي تلعب خلف ظهره وتستخف به وتهزا من سرواله وهو يركض امامهم.
والمفارقة الثانية التي تأتي في سيرته الذاتية، تكمن في تحديه للمهووسين الذين طاردوه في صغره، بتأليف اول رواية له بعنوان (تلك الشمس كنت احبها) والتي تحكي مطاردة قذرة لغلام جميل وعلى حد قوله: (لم تكن غير صفعة صغيرة وباسلوب فني – لهذا الجانب المرهق من طفولتي).
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بالحاح، هو انه كيف استطاع هذا الطفل الصغير ان يخرج من وسط محلة الطاطران الموبوء دون انحراف، لا وبدلا منه ان يسلك اصعب الطرق، وهو اختيار درب الادب الشاق الطويل؟!
ترى...هل اراد في اختياره هذا، ان يبرهن للذين طاردوه بانه ارفع شأنا منهم؟
اعتقد انه في هذه السطور يجيب على هذا السؤال:
(علمتني الطاطران اشياء كثيرة، لايمكن للذاكرة ان تجمعها بين اليدين، علمتني وانا طفل بلا هدايا ولا نعيم ولا نقود ان الاشتراكية مجرد حلم طريف يتكرر عاما بعد عام، وان عدد اللصوص اكثر من عدد البيوت، علمتني ان من يعمل بشكل انساني اصيل سيبقى طول عمره انسانا اصيلا يزاحمه الجوع والفقر والكرامة، غريب امرها تلك المحلة العجوز كيف علمتني ان (السافل) و (المحنط) هو الذي يتمتع بالحياة ولا شيء يوقف متعته الا اذا نافسه من هو اسفل منه و اكثر انحطاطا ايضا...) ص138.
وهو مثلما في سيرته ينتقم من معلمه، كذلك فهو ينتقم في رواية (على فراش الموز) من مطارديه في شخصية (ماركو) الذي يمطره بوابل من السباب والشتائم، كالبغل والجرثومة والكلب والحمار).
وتاتي خطوبة والده للفتاة التي احبها ابنه (جعفر) في رواية (على فراش الموز) لنفسه من اغرب المفارقات في النص العربي، وعلى ما اظن انها مستقاة من التراث الاسلامي ، وكل ما فعله هو، ان زاد من مفارقتها بتقسيمها الى مرحلتين متمثلة الاولى بخطوبة الفتاة لنفسه، والثانية ان هذه الفتاة هي حفيظة فارس ام عبدالستار ناصر، ويطلق عليها في الرواية (فضة).
وعلى الرغم من انه يبدو قاسيا مع والده في بعض الحالات وخاصة عندما يتحدث عن سلبياته، الا انه لاينسى ان يذكر ايجابياته، وهذا ما يؤكد انه لم يضمر الحقد تجاهه، مع انه قد غدر باخيه وامه التي تزوجها وهي في سن صغيرة، ولربما يعود هذا الموقف لطول معاشرته معه من جهة، وفهمه لنوازعه ورغباته من جهة اخرى.
يقول في الصفحة 165 من سيرته: (ابي- يشهد الله رجل طيب نقي القلب والسريرة، لاذنوب له مع الحياة- سوى ما اقترفه مع النساء وعلى وجه الخصوص مع زوجاته الاربع سنية ونجمة والطهرانية وامي حفيظة فارس، اما غير تلك الذنوب فهو كريم اليدين، وعلى جانب كبير من الرافة والتسامح والرحمة، يبكي على اي خبر يؤلمه شخصيا، او ايما خبر يوجع او يؤذي اي فرد من الجيران والاصدقاء والاقارب، يغفر بسرعة بل يشعر بالفرح ان ثمة من يساله بالسماح).
اما المفارقة الاغرب في هذه الرواية، وفي صفحة 210 منها تحديدا هي المرأة التي كانت تعطيه مايشاء وهي نائمة اكثر ما تعطيه المومس في صحوها:
(كان عمري آنذاك عشر سنوات فقط عندما تركوني مع زوجة لرجل غائب من اقاربي قيل انها تخاف البقاء وحدها في غياب زوجها، لاسيما وانه يعمل على الطريق الصحراوي مابين دمشق وبغداد في شاحنة نفطية عملاقة، وفي اول ليلة قطعتها مع تلك السيدة شعرت برحيق الانوثة وعطرها، كنت قد رايتها شبه عارية بعد منتصف الليل عندما راح ثوبها البنفسجي الشفاف يتكسر تحت طيات نومها القلقة في تلك الليلة بقيت صاحيا حتى الصباح وانا احدق في ذاك الجسد الطري الابيض... كم مرة لمسته بأصابعي وكم مرة مررت عليه بعضوي الناعم الصغير وكم مرة شربت من مساماته بلساني، لكنها لم تستيقظ برغم ذلك كله، وبعد سنة على تلك الليلة ايقنت انها كانت تدري بكل ما فعلت، بدليل انها صارت تعطيني ما اشاء وهي نائمة اكثر مما تعطيه المومس في صحوها) ص210.
وهذه المفارقة شأن المفارقات الاخرى تمر بمرحلتين، اي ان الضربة الاخيرة لاتبدا بمعرفة المتلقي تصنع المراة النوم وانما معرفته بتيقن الطفل وبعد سنة على تلك الليلة انها كانت تدري بكل ما يفعل وبقدر ما تتشبع هذه المفارقة شعرية، وتقصد شيئا آخر، عبر كبت المراة الشرقية لمشاعرها خوفا من ظلم التقاليد الاجتماعية فانها تسعى الى اجراء وجه المقارنة بين تحرير المرأة الاوروبية وبين القيود المفروضة عليها في الدول النامية، فبينما في الغرب هي التي تدعو الرجل الى ممارسة الجنس معها، كما في الصفحة 176، عندما تقول كاثي:
- هل تفكر ان تنام الليلة معي، ام تحتاج الى وقت للتفكير؟ او ان تعطيه النقود لقاء ذلك كما في الصفحة 207. وعند الباب اعطيته مائة دولار وهي تبتسم وتقول:
- نقودي في البنك فساعطيك (500) دولار المرة القادمة وربما الف اذا بقيت حتى الصباح.
ولعل هذه المفارقة تاخذ مساحة اوسع عندما تعزز بحادثة الفتاة التي انتحرت نتيجة (ضرطه) افلتت من مؤخرتها مقارنة مع (كاثي) التي لايتحرك رمش من رموشها ولا يصيبها خجل او استياء عندما تضرط في حمامها وغرفتها (حتى انها ضرطت حين كانت تحتي على فراشها).
اما المفارقة الاخيرة فقد جاءت في روايته: (قشور الباذنجان) وتبدأ من اول سطورها وقد جاء الجلاد قبل التاسع من نيسان 2003 الى بيت ياسر عبدالواحد الذي كان سجينا له، طالبا المعذرة منه.
- انا آسف على ما فعلته بك، اعتذاري لايكفي واي تعويض عما جنيت لايكفي ... اريدك ان تسامحني بارك الله فيك، ولك الحق في ان تفعل بي ماتشاء، حتى اذا شئت ان تذبحني) ص9، كما هو معروف عن الجلاد بانه شخص قاس ولا يرحم حتى باقرب الناس اليه، وكان في عهد النظام السابق يدخل معسكرات تدريبية في الخارج بهدف تجريده عن المشاعر الانسانية، وعدم الرأفة بالذين يشرف على تعذيبهم.
فان يتنازل مثل هذا الشخص عن كبرياءه وسطوته لتانيب ما في ضميره لضحيته، ففي هذا الجانب من موقفه تبرز المفارقة ويتطور هذا الجانب اكثر عندما يترك مبلغا من المال له، ومن ثم تزويده بمذكراته وهي اثمن خفاياه واسراره.
واذا كان هذا الموقف قد جاء تمهيدا او مدخلا لبناء المفارقة، كشأن المفارقات الاخرى الموظفة له، اي مرور هذا العنصر بمرحلتين متناقضتين، فأن هذه المفارقة لاتصفع وجه المتلقي الا بعد اطلاعه على مذكرات الجلاد، ليكتشف انه كان يعذب ضحاياه بطيبة قلب ورفق.
وعلى الرغم من ان هذا العنصر يجعل المتلقي متعاطفا مع الجلاد، غير ان المؤلف ينتبه الى هذه الحالة، ويعتبر نفسه وقحا لانه: (اعطى للجلاد الكثير من التبريرات، وكأنه نسي ما جرى من اوجاع حلت في جسده قبل عشرين عاما) ص108.



#صباح_هرمز_الشاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اخر الملائكة - والميتا الواقعية السحرية
- عبور الغبار ... بين .. الاداء العفوي..وإدانة التعصب العنصري*
- سرقة جريئة ومكشوفة ل(المكان الخالي) ل.. بيتر بروك
- قراءة متأنية في المسرح الكردي بعد الانتفاضة... أزمته، نقوده، ...
- دور يوسف عبد المسيح ثروة في إثراء النقد في المسرح العراقي
- الم سهرا الافعال غير المبررة والتزاوج الفني المفتعل
- رواية قشور الباذنجان -بين بناء الشخصية - والنظام السابق والح ...
- رواية بابا سارتر.. بين وصف المكان.. والاسلوب الواقعي الساخر. ...
- من يخرج المسرح في عنكاوا من عنق الزجاجة..؟
- الاخراج.. في اغنية التم


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - روايات عبدالستار ناصر بين توظيف السيرة الذاتية وتحفيز المفارقة