أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احسان طالب - في الطريق إلى العمرة















المزيد.....

في الطريق إلى العمرة


احسان طالب

الحوار المتمدن-العدد: 3003 - 2010 / 5 / 13 - 16:14
المحور: الادب والفن
    



وقف جمال عند عتبة الخمسين من عمره وهو يأمل ويرجو, يدعو, يتمنى الذهاب إلى الديار المقدسة لأداء العمرة في أيام الصيف ، حيث تميل الأسعار في ذروة الحر إلى الانخفاض ما يساعد على الوفاء بمصاريف الرحلة المقدسة، وهو لا يفكر حاليا بتأدية فريضة الحج فمهمة كهذه يلزمها إعداد واستعداد نفسي وإيماني ومصاريفها ثقيلة بعيدة خارج حدود الممكن. لم يكن تأمين مبلغ ثمانية آلاف ليرة سورية أمرا سهلا، فالرجل يعول أسرة براتب شهري لا يتجاوز الثمانية آلاف، صحيح انه يتلقى مساعدات معقولة من عائلته ومن بعض أهل الخير ، إلا أن علاج ابنته المقعدة وتأمين الدواء اللازم بصورة مستمرة لها يتطلب عنتا شديدا وتقتيرا مدروسا، فالدين مذلة في النهار وقلق في اليل لا يحب اللجوء إليه ولو مضطرا.
- غدا سأذهب يا سمية لدفع الاشتراك للمطوف وتحديد موعد السفر إلى العمرة، ادعى لي أن يتم الأمر على خير، بتعرفي كم تعذبنا طول السنة الماضية حتى استطعنا ادخار المبلغ، ولولا ما الله رزقنا بابن الحلال الذي أعطاني ثلاثة آلاف في المستشفى عندما شاهد حالتي وأنا أحمل ابنتنا خلود على ظهري حتى أو صلها إلى غرفة العلاج، ما كنت قادر على جمع بقية المبلغ .
- والله انك شاطر يا جمال يعني تأمين مبلغ كبير مثل ثمانية آلاف ليرة ماهو شغلة بسيطة لكن الله وفقك وعفا عليك عرفت كيف تدبر رأسك.
- ادعي لي يا سمية خاصة بعد صلاة الصبح، ما بتعرفي كم أنا مشتاق للمس روضة النبي ( ص ) روحي فداه، والله ومالك علي يمين لو خيروني بين رؤية أبي المرحوم وبين رؤية الروضة الشريفة لاخترت الروضة بدون تفكير .

- تسلم لي ما أكبر إيمانك تقبرني إن شاء الله ما أكبر قلبك .
- اختلطت دموع الحب بدموع الفرح وتعانق الاثنان طويلا يوحدهما صفاء قلبيهما وطمأنينة الإيمان
- كانت الدموع تغطي وجه جمال والغصة تملأ حلقه، فالخوف والقلق لم يغادرا مخيلته، فالحلم كبير جدا والصعوبة بالغة للوصول إلى الديار المقدسة – طول بالك يا حبيبي، الله ما راح يضيعك، يكفي بكاء والله قطعت لي قلبي كلها كم ساعة وتذهب إلى المكتب وتحجز نام الآن والصباح رباح ، نام يا قلبي.
- لم ينم جمال بعد صلاة الفجر وبقي صاحيا ينتظر التاسعة موعد بدأ الدوام في مكتب السفر.
- ولاد الحرام كثر يا جمال انتبه جيدا على المبلغ، سمعت أن نشالين يندسون بين الزحام ويسرقون جيوب الحجاج.
- هل تظنينني أبله، أنا واعي تماما ولن يستطيع أحد مد يده على جيبي، الله يسامحك يا سمية ألا تثقين بزوجك، أنا رجال!
- هل نسيت كيف سرق منك الراتب وأنت واقف في الدور من أجل دفع فاتورة الكهرباء
- صحيح أنك قليلة ذوق في هذه الساعة بالذات تذكريني بالحادثة، أنا بحاجة لدعمك الله يوفقك
- خائفة عليك، الله وحده يعلم كيف تدبرنا أحوالنا ذلك الشهر، بس والله أنك تملأ العين" لك تقبرني شو رجال"، لا تنسى تحضر الدواء لخلود لو تأخرنا يوم ثاني تصيبها النوبات، الله معك لا تنسى قراءة آية الكرسي عشر مرات، الشيخة فاطمة قالت أنها تيسر الأمور وتجلب الرزق.
ابتسم الاثنان وغادر جما ل الدار على وقع ضحكات سمية وكلماتها العذبة.

- هذه أوراقك كاملة انتبه لها جيدا لا بديل لها في حال ضاعت منك. يظهر أنك درويش لا تنسى تحمل معك أكلك في الطريق، أما في الديار المطهرة لا تخاف ستجد من يطعمك. كلمات قالها محاسب المكتب لجمال وهو يعطيه الأوراق ويحدد له مكان وموعد السفر. اختلطت مشاعر الفرحة بمشاعر الآسى : ما كان هناك من داعي ليقول لي أنك درويش ، لم أطلب منه المساعدة، ما من أحد يموت من الجوع الله لا ينسى أحد، صحيح أنه إنسان فظ ، قال أكل قال، وهل يفكر المشتاق بالطعام عندما يلاقي الحبيب، خاطب جمال نفسه بتلك الكلمات وسرح في هيام طويل مع أحلامه الوردية وارتسمت على وجهه ابتسامة سعيدة وطمأنينة غامرة.

- يا ليت أنا ولا أنت، يا ليتها رجلي ولا رجلك، حبا بالله خبروني كيف صار الحادث، يا قلبي يا روحي أن شاء الله ما على قلبك شر .
- طولي بالك يا سمية فقط رجلي مكسورة يلزمها تجبير
- كيف صار الحادث
- ما بعرف ما شفت حالي إلا مسدى فوق حمالة وحملني شابان، الله يوفقهم ودأخلوني غرفة الإسعاف بمشفى المواساة، الحمد لله أنه في أولاد حلال، لكن قالوا لي أن ابن الحرام من دهسني لم يتوقف للحظة وهرب، اسكتي لولا مشفى الحكومة كنت بقيت في الشارع! من أين لي دفع تكاليف الحكمة بالمستشفيات الخاصة.
ثلاثة أسابع انقضت وتماثل جمال للشفاء وحمل الصور الشعاعية تقرير المشفى واستند إلى عكاز خشبية وذهب إلى مكتب السفر: السلام عليكم
- وعليكم الله يعطيك
- عفوا أنا ما لي طالب صدقة، سبق لي ودفعت ثمن رحلة عمرة قبل ثلاثة أسابيع ووقع لي حادث ولم أتمكن من الذهاب في الموعد المحدد لآن قدمي كانت مكسورة وداخل الجبيرة .
- ماهو المطلوب منا !
- نظر جمال من تحت نظارته العتيقة وتحلى بالشجاعة والقوة: والله يا سيدنا لو تكرموني وتسجلوني مرة ثانية
- ممكن، هل لديك ثمانية ألاف ليرة؟
- عفوا لقد سبق لي ودفعت المبلغ
تفحص الرجل حاسوبه ثم توجه بالقول:
- وسبق لنا وحجزنا لك ولم تسافر!
- اتصلت بكم وقال لي الرجل سننظر بأمرك إن شاء الله،

- يبدو أنك رجل ضعيف الإيمان يا أخ جمال، الرجل قال لك إن شاء الله، هل تريد مخالفة مشيئة الله، لو كان مكتوب لك السفر والعمرة ما وقف في وجهك عائق لكن إرادة الله فوق الجميع
- لكن يا سيدي الرجل قال لي...
- صحيح أنك إنسان خائب أقول للك مشيئة الله وتقول لي قال الرجل. نظر الرجل من خلف المكتب وتوجه للحضور قائلا بصوت عال : أنظروا إلى أهل النفاق أقول له إن شاء الله فيرد قال لي الرجل. علت الأصوات محتجة على مقالة جمال شتمه بعض الحاضرين، ولولا برهة لهموا بضربة، ألقى جمال نظرة استعطاف أخيرة على لحية الرجل خلف المكتب، فاقترب منه وهمس في أذنه: اذهب من هنا قبل أن يكسر لك الناس قدمك الثانية وعوضك على الله، حقك سقط لكن عند الله لا يضيع شيئ.
ارتمى جمال بين أحضان زوجته سمية والحسرة والألم يعتصرن فؤاده لكن الدموع تأبى أن تخرج وتخفف عنه.
- بتعرفي أكثر شيء قاهرني أن ابن الحرام الذي دعسني تركني بالأرض وابن الحرام الذي كان واقف جنبي بالمستشفى أخد من أدوية خلود وما ردها
- وابن الحرام الثالث الذي حرض الناس عليك ليضربوك
- سأذهب إلى العمرة ولو بعد عشر سنين و..، قطع جمال كلماته على وقع أصوات الجيران ينادونه : يا أبا خلود أسرع لقد سقط الجدار الترابي الخلفي لدارك! اخرجوا كلكم من الدار قبل سقوط السقف فوق رؤسكم !



#احسان_طالب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أنتم أيها السادة
- لا تقتلوه ثانية
- الهوس الديني دليل على فشل الإصلاح القسري
- التسامي فوق عقيدة التكفير
- إصلاحُ فقه النساء والأيديولوجيا الذكوريّة في النصّ الفقهي
- قضية الإنسان ومؤسسة الحوار المتمدن
- هاجر والكلب المريض
- التكوير
- حب أخضر
- سطوة الحزن
- تآزر الإعلام الرسمي والديني في مواجهة المرأة
- نقد المعارضة السورية
- تجديد وإصلاح المعارضة السورية *
- أرجوك لا تتوقف عن حبي
- حوار الثقافات مقابل حوار الأديان
- فتوى زواج الرضيعة تعيد الجدل من جديد
- في الانتظار !
- أنا و الموت يجذبني
- مآخذ منهجية على الليبرالية العربية
- الخيار الوطني لإعلان دمشق


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احسان طالب - في الطريق إلى العمرة