أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سلمان الحبيب - التضامن الاجتماعي بين الأعراف والإحساس الإنساني!















المزيد.....

التضامن الاجتماعي بين الأعراف والإحساس الإنساني!


سلمان الحبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3002 - 2010 / 5 / 12 - 00:19
المحور: حقوق الانسان
    


لا يمكننا أن نتخيل مجتمعاتنا العربية متحررة من قيود المجتمع فيما يتعلق بالالتزامات الاجتماعية الشكلية المعقّدة التي تفرضها الأعراف فنجد الفرد ملتزماً في مناسبات متسلسلة لا تنتهي في الأفراح والأحزان والزيارات التي تحتاج إلى جدولة يغيب فيها الإنسان عن نفسه ليعيش في شبكة المجتمع الذي لا يرحم ظروفه ولا يراعي إمكانياته .
ولا تخلو تلك المناسبات والزيارات من تبادل الهدايا الفاخرة ومن الأطعمة الدسمة التي تجمع صنوف الطيبات التي تربّي الأجسام وتمحو العقول وهي أطعمة مبالغ فيها بشكل خيالي حيث تستحضر موائد السلاطين وموائد السندباد حين يلبي له المارد ما يتمنى . وهي أطعمة يستعرض فيها أصحاب المناسبات الكرم العربي الأصيل الذي يتباهون به أمام الآخرين حيث يصبحون أسطورة المجتمع وحديثه بهذا الكرم الحاتميّ في حين نجد مجتمعات أخرى تئن من الفقر الذي وصلت به تحت الصفر وتتمنى لو أنها ظفرتْ برائحة ذلك الطعام أو بالفتات الذي يتساقط من الأيدي .ومن الجدير بالذكر أننا نجد في مجتمعٍ كالذي أعيش فيه، حينما يتوفى فرد في العائلة ،يتم دعوة الأقارب والجيران على وجبتي الغداء والعشاء طيلة فترة القراءة على الميت والتي تمتد من ثلاثة أيام إلى خمسة ،حتى بتنا لا نعرف أنحن في عرس أم وفاة ؟!وليس هذا فحسب بل نجد أنّ من لا يقوم بالدعوة من أهل المتوفّى يعد من البخلاء البغيضين لذا فهم يتنافسون على إبراز صورة ترضي الآخرين وتجعلهم الأحسن في نظر المجتمع وفي ذلك فليتنافس المتنافسون !! .
حياتنا مليئة بالغرائب التي تستدعي الوقوف والتأمل والتي تجعلنا آلة مسخرة تديرها أعراف المجتمع وتقاليده بحيث لا نتجاوزها وإلا كنا مارقين منشقين كصعاليك العصر الجاهلي .
إننا نعيش حالة من التعقيد الاجتماعي الذي نؤدي فيه التزامات لا حصر لها بشكل يومي ولكننا للأسف الشديد لا نؤدي ذلك بسبب الإحساس الإنساني الذي يربطنا بل بسبب الأعراف الاجتماعية التي فرضت علينا ذلك ، فنحن لا نريد أن يعتب علينا المجتمع ولا نريد حديثاً من الآخرين يسئ في حقنا ، إننا نزور فلاناً و نقدّم هدية لفلان ونكرم الآخرين في مناسبات متعددة و نتواصل ونذهب لمناسبات مختلفة كي نكون في وضع مقبول لا يعتب فيه الآخرون علينا ، وبهذا فنحن لا نعيش لأنفسنا بل نعيش لأعراف المجتمع ولإرضاء الناس الذين لا نريد أن نسمع منهم كلمة عتاب أو استنقاص وازدراء وهذا أدى بنا إلى نتائج عدة وهي :
1- صعوبة التغيير والجمود لأن سلطة المجتمع على أفراده كبيرة جداً بحيث لا يستطيع أن يقرر الفرد ما يجده هو وما يرتضيه لنفسه .
2- قتل الذاتية وشعور الفرد بأنه ملتزم بشبكة معقدة من الأعمال والأعباء الاجتماعية التي تدفن فرديته بحيث يشعر أنه لا يعيش لنفسه ولا يستطيع أن يحقق ذاته في شيء أو أن يشعر باستقلاليته فهو قد أصبح ملكاً للمجتمع ولا يستطيع الفكاك منه أو التخلص من سلطته .
3- ضعف الإنتاجية ، لأنّ الفرد أصبح ملتزماً ببروتوكولات الواجب الاجتماعي ونسي تعمير الأرض والأداء الفعّال الذي يحقّق للفرد السمو والارتقاء وهذا ما أدّى بالمجتمعات العربية للتخلف بالإضافة إلى أسباب أخرى .
4- الاهتمام بالمظاهر والتنافس من أجل إبراز التفوق في شكليات اجتماعية بينما نجد أن المضمون فارغ من محتواه الحقيقي الذي هو الإحساس بالإنسان والتفاعل الصادق معه .
إننا لا نفعل ما نفعله في مناسباتنا المتعدّدة بدافع إنساني بل بدافع الفرض الاجتماعي الذي يمثّل مقصلة لفرديتنا وإنسانيتنا ولو كنّا نشعر ببعضنا وأصبحنا متكافلين بدافع الإنسانية لكنّا أعظم أمة ولاستطعنا أن نهزم جيشاً صغيراً تحكّم في بلادنا العربية والإسلامية في حين أنه لا يمثّل سوى حبة رمل صغيرة بالنسبة لعددنا الكبير ، ولكننا مجتمع ينطبق عليه قول الشاعر :
فما أكثر الإخوان حين تعدّهم / ولكنهم في النائبات قليل ُ
نحن ينقصنا التضامن الاجتماعي الذي يستجيب للإحساس الإنساني لذا فليس عددنا سوى أرقام تحتاج إلى أن تنضم انضماماَ يجمعها دون أن نرتضي لأنفسنا تكافلاً عرفياً لا نحصد منه سوى الأعباء الشكلية التي تخلو من مضمون حقيقي على أرض الواقع ، ومن العجيب أننا نضحك على الغربي الذي يشعر بالوحدة إلى درجة أنه اتخذ الحيوان صديقاً له وأنيساً يخفف وطء إحساسه بالوحشة ، في حين أننا لم نحصد من التزاماتنا غير الوحشةالتي تفوق وحشة ذلك الغربي بالإضافة إلى الشعور بالرفض الداخلي الذي تنكره فرديتنا فنحن نجد أنفسنا أكثر تفككاً وتباعداً رغم هذه الالتزامات والتجمعات التي تفرضها أعرافنا الاجتماعية فنحن نفعل ذلك فعلاً طقوسياً استجابة لنداء واجب تفرضه أعرافنا الاجتماعية التي تسيطر علينا وهو نداء شكلي يفرض عملاً شكلياً لا نحصد منه إلا التنافر وتصدق فيه الآية القائلة : ( تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ) .
5- الشعور بالإنهاك الجسدي والنفسي حيث يصبح الفرد مستهلكاً كلياً ونجد في داخله نداء استغاثة يزلزل كيانه ولكن من يجيب ؟! .
6- عدم القدرة على التحكم في الوقت وتنظيمه ، بل أصبح الوقت هو الذي يتحكم في الأفراد وهو الذي ينظمهم بأمر الأعراف والواجب الاجتماعي .
7- زيادة الأعباء المادية في زمن أصبح الحصول على المادة أمراً شاقاً حيث يكافح الشاب ليل نهار في حرب دائمة من أجل لقمة العيش إلا أنه يجد أمواله تُصرف لتلك الالتزامات الاجتماعية لا من أجل أن يجد حياة هانئة كريمة يشعر من خلالها بالاستقرار والاطمئنان الذي سعى بكل مشقة ليحظى بهما .
من هنا فنحن لا نبحث عن تلاحم وترابط يفرضه المجتمع بقلوب متنافرة ونفوس مليئة بالسخط والغضب والنفور بل نبحث عن ترابط إنساني يتماشى مع الواقع بإمكانياته وبشكله المقبول الذي لا يمكن أن نصفه بأي حال من الأحوال بأنه نفاق اجتماعي .
إننا بهذا التلاحم البعيد عن الشكليات الفارغة نكون كالبنيان المرصوص الذي يحقق إنسانيتنا الحقيقية ، ولا يتحقّق هذا التضامن إلا من خلال الإحساس بفرديتنا ومن خلال إعطاء تلك الفردية الحق الكافي الذي يمكنها من أن تكون فاعلة في المجتمع وأن تؤدي دوراً حقيقياً بدافع إنساني خالص دون أن نكرّس أنفسنا وأوقاتنا لمناسبات والتزامات اجتماعيةبدافع الواجب الاجتماعي الذي فرض علينا سلطته وأصبحنا نعمل من خلاله حساباً لأقوال الآخرين ونظرتهم لنا ،ففقدنا بذلك إحساسنا بأنفسنا في غمرة هذه التراكمات التي غرقنا في لججها العاتية .
إننا بحاجة إلى أن نبدأ من فهمنا لأنفسنا وأن نعطيها حقها الكافي الذي تشعر فيه هذه النفس بأنها مكرمة عزيزة وبالتالي نستطيع أن نكرّم الآخر لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه فمن لا يشعر بإنسانيته لن يستطيع أن يحقق للآخر إنسانيته .

* سلمان عبد الله الحبيب ( أديب وناقد وباحث )



#سلمان_الحبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سلمان الحبيب - التضامن الاجتماعي بين الأعراف والإحساس الإنساني!