أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - القرآن وبنو إسرائيل 2-4















المزيد.....

القرآن وبنو إسرائيل 2-4


كامل النجار

الحوار المتمدن-العدد: 3001 - 2010 / 5 / 11 - 01:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


السورة رقم 50 حسب ترتيب "النزول" والتي جاءت بمكة هي سورة "الإسراء" التي كان اسمها سورة "بني إسرائيل" (عن الشعبي عن عبد الله قال: كنا جلوساً مع عمر بن الخطاب فتذاكرنا فضائل القرآن فقال رجل: خاتمة بني إسرائيل ،يعني سورة الإسراء، هي آية العز: قل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك) (كنز العمال للمتقي الهندي، طبعة 1989، حديث رقم 4060). فواضح أن محمداً كان مغرماً باليهود لدرجة أنه سمى سورة كاملة باسمهم.
يقول في هذه السورة: (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدًى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا) (الإسراء 2). وهذه الآية حتماً ليست من عند الله لأنه يقول لبني إسرائيل: لا تتخذوا من دوني وكيلا. والوكيل هو الشخص الذي ينوب عن شخص آخر كلّفه أن يقوم بعمل ما بالإنابة عنه. فمثلاً الأب يكون وكيل ابنته في الزواج، فكيف يطلب الله ألا يتخذ بنو إسرائيل وكيلاً غيره؟ فهل الإنسان يوكّل الله أن يقوم بعمل إنابةً عنه؟ أليس المتحدث هو محمد الذي هو وكيل الله في الأرض، كما زعم، ويقوم بهداية الناس بالإنابة عن الله؟ وما دام قد أعطى موسى الكتاب وجعله هدّى لبني إسرائيل، لماذا إذاً طلب من محمد أن يُدخل بني إسرائيل في الإسلام؟ ألا يكفيهم الهدى الذي أعطاهم؟ هل أعطاهم هدًى ناقصاً وأراد أن يكمله؟
و محمد لم يكن ملماً بتاريخ بني إسرائيل ويظهر هذا في الآية الرابعة من نفس سورة الإسراء حين يقول: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنَ في الأرض مرتين ولتعلُنَ علواً كبيرا. فإذا جاء وعد أُولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أُولي بأسٍ شديدٍ فجاسوا خلال الديارِ وكان وعداً مفعولا. ثم رددنا لكم الكرةَ عليهم وأمددناكم بأموالٍ وبنينَ وجعلناكم أكثر نفيرا) (4-6).
قد اختلط الأمر على مؤلف القرآن، فيقول إنه قضى لبني إسرائيل، و(إذا قضى أمراً أن يقول له كن فيكون). فهو قرر لبني إسرائيل إنهم سوف يفسدون في الأرض مرتين، فإذا جاء موعد أولى المرتين اللتين يفسد فيهما بنو إسرائيل، فسوف يرسل الله عباداً له أشداء يجوسون خلال بيوت بني إسرائيل يقتلون ويخربون. فالله كان قد قرر في الكتاب قبل أن يُخلقوا، أنهم سوف يفسدون في الأرض مرتين، وهذه هي المرة الأولى. فلماذا يرسل من يدمر بيوتهم لأنهم نفذوا مشيئة الله؟ ثم لماذا بعد كل هذا الفساد يرد الله الكرة إلى بني إسرائيل فيغلبون هؤلاء العباد، ويمدهم الله بالمال والبنين، فكيف يجازيهم بالمال والبنين وهم قد أفسدوا في الأرض؟ وعلى العموم رب القرآن يقول (وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا). فالفساد هو مشيئة الله التي يأمر بها عباده المترفين، ولذلك قال له موسى احتجاجاً (أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) (الأعراف 155). فلماذا يعاقب به الناس؟ ثم قال لهم بعد الإفساد في الأرض مرتين، سوف يعلون علواً كبيراً، ولكنه أخبرنا في سورة سابقة أنه يسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة. فكيف يكون بنو إسرائيل عالين علواً كبيراً وفي نفس الوقت هناك من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة؟
محمد كان يجهل تاريخ بني إسرائيل، فتاريخهم مليء بالمعارك بينهم وبين القبائل التي كانت تسكن أرض كنعان، وقد كان النصر حليف بني إسرائيل مرات عديدة، كما كانت الهزيمة قد حلّت بهم مرات كثيرة. وهذه كانت طبيعة المجتمعات في ذلك الوقت. ثم كيف يمدهم الله بأموال وهو يطلب أن يستلف المال منهم، كما قال في سورة المائدة المدنية: (ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وبعثنا فيهم اثني عشر نقيباً وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً) (المائدة 12). فهو هنا يريد أن يقترض منهم قرضاً حسناً بدل أن يمدهم بالمال، وقد ذكرت كتب التراث أن محمداً كان يستلف من اليهود ويرهن عندهم درعه، فهل المتحدث هنا هو الله أم محمد؟. يبدو واضحاً هنا أن محمد كان طامعاً في أموال اليهود وأراد أن يستميلهم لدينه أو على الأقل للاعتراف به رسولاً وتسليفه المال اللازم لغزواته.
ويستمر في سورة الإسراء فيقول عن بني إسرائيل: (فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعاً) (103). فهنا رجع مؤلف القرآن إلى مصر وفرعون الذي أراد أن يستفز، أي يطرد، بني إسرائيل من مصر، فإذا كان فرعون قد أراد أن يطردهم من مصر، لماذا تدخل الله وأرسل موسى ليخرجهم منها، ألم يكن الأفضل أن يترك فرعون يستفزهم من الأرض ثم يختبرهم الله بعد أن يخرجوا من مصر؟
وفي الآية اللاحقة يقول: (وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا) (الإسراء 104). فمن بعد أن أغرق فرعون ومن معه، قال لبني إسرائيل اسكنوا الأرض، أي أرض مصر. مرة أخرى نحن في حيرة من أمرنا. هل أعطى رب القرآن بني إسرائيل مصر أم أرض كنعان؟ وقد سبق أن قال لبني إسرائيل في سورة البقرة، أن يسكنوا مصر، عندما طلبوا منه الطعام الذي كانوا قد اعتادوا عليه في مصر من فول وعدس وثوم، فقال: (إذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يُخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرَ فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة) (البقرة 61). فموسى كان متأكداً أن الله أعطى بني إسرائيل أرض مصر بعد أن أغرق فرعون، فقال لهم "اهبطوا مصر" إن أرادوا أكل الفول والعدس.
وبعد سورة الإسراء جاءت سورة يونس المكية، ورقمها 51، فقال فيها لموسى: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين) (يونس 87). فإذا كان فرعون قد استعبد بني إسرائيل وجعلهم عبيداً عنده يزرعون الأرض ويقيمون في أكشاك أو ما شابهها في الحقول، كيف يوحي الله لموسى وأخيه أن يبنوا بيوتا لبني إسرائيل (الذين كان عددهم حسب العهد القديم يزيد على ثلاثمائة ألف) ويجعلوا أبوابها نحو القبلة؟ هل كان موسى حاكما على مصر يسمح أو لا يسمح ببناء بيوت لبني إسرائيل؟ لأن محمداً جاء من بيئة لم تعرف الحكومات المركزية، أعتقد أن مصر كانت مثل مكة، كل من أراد أن يبني بيتاً بناه. مع أن كلمة فرعون تعني ملك، فمصر في ذلك الوقت كانت لها حكومات مركزية مستقرة وكل شيء كان يُخطط بواسطة الحكومة، كما حدث عندما أعلن أخناتون دينه الجديد الذي يدعو إلى الوحدانية، وبني "Akhet Aton" "تل العمارنة" عاصمة جديدة لحكمه بتخطيط جميل ومنتظم، كما تدل الآثار. ولكن رب القرآن هنا يطلب من موسى وهارون أن يبنوا لبني إسرائيل بيوتاً ويجعلوا أبوابها متجهة نحو القبلة (القدس). يا ترى من أين لموسى الإمكانات لبناء بيوتٍ لثلاثمائة ألف أو يزيد؟ وهل يسمح له فرعون؟
ثم ينتقل مؤلف القرآن فيقول لنا: (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدقٍ ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العِلمُ إنّ ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) (يونس 93). هذه الآية لا تفيد القاريء أو السامع أي شيء، خاصةً إذا كان القاريء يريد أن يعرف عن الله شيئاً. لقد بوأ بني إسرائيل مبوأ صدقٍ، ما هو مبوأ الصدق هذا؟ ولماذا بوأهم إياه وهو يقول إنه جعل منهم القردة والخنازير؟ وبعد أن كان بنو إسرائيل متفقين، لماذا أعطاهم العلم الذي جعلهم يختلفون (فما اختلفوا حتى جاءهم العلم)؟ والغرض من وراء هذه الآية كان محاولة شق صف اليهود واستمالة بعضهم ليعترفوا به، فهو يقول هم أصلاً مختلفون في العلم الذي جاءهم، وهذا الاختلاف قد يقود بعضهم للاعتراف به، على أساس أنّ عدو عدوي صديقي.
وهو هنا يقول إنه سوف يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون، بينما الآية السابقة في سورة النمل تقول: (إنّ هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون) (النمل 76). فإذا كان القرآن قد قص عليهم أكثر الذي هم فيه مختلفون، فلا حاجة لله يوم القيامة ليحكم بينهم فيما اختلفوا فيه، فقد أخبرهم به في القرآن. والذي يقرأ القرآن لا يجد فيه آية واحدة تقص على بني إسرائيل ما كانوا فيه يختلفون، ناهيك عن (أكثر الذي كانوا فيه يختلفون). مرة أخرى يرمي مؤلف القرآن بالادعاءات غير المسنودة بأي دليل.
ثم جاءت سورة هود، ورقهما 52، فقال فيها: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمةً أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) (هود 17). محمد هنا يعترف أن كتاب موسى كان إماماً ورحمةً للناس، فلماذا احتاج الله أن يبعث محمداً بالقرآن؟ فمحمد ما زال يتودد لليهود، بكتبهم ورسلهم طمعاً في الاعتراف به رسولاً من عند الله. فهو كان يعتقد أنه لو اعترف بكتابهم فسوف يعترفون بكتابه الذي يبدو أن محمداً نفسه كان يشك فيه، فقال له مؤلف القرآن (فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك).
ثم يأتي محمد بآية غريبة المحتوى: (ولقد آتينا موسى الكتاب فاختُلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقُضي بينهم وأنهم لفي شكٍ منه مريب) (هود 110). لم يقل أحدٌ إن اليهود اختلفوا في التوراة ولكن محمد يقول إن اليهود لفي شك منه، وهذه مجرد فرية، واليهود متفقون على توراتهم، وإن اختلفوا فربما في المشنة وكتب التراث الأخرى التي توازي كتب الحديث عند المسلمين. ورغم أن الضمير في الآية واضح أنه يرجع إلى كتاب موسى، فإن المفسرين قالوا إن الضمير هنا يرجع إلى القرآن ومحمد. وإذا كان الله هو الذي أنزل على اليهود كتابهم، وكان يعلم أنهم سوف يختلفون فيه، لأنه يعلم المستقبل، لماذا سبقت منه الكلمة بأن لا يقضي بنهم في الدنيا، فاضطر أن يقول (لولا كلمة سبقت من ربك)؟ ويخيل إليّ أن الغرض من هذه الآية هو أن محمداً كان يعرف أنه يأخذ أغلب آياته من قصص التوراة التي يقصها عليه ورقة بن نوفل أو بعض المعارف من اليهود، فأراد أن يحتاط لنفسه فيما إذا ظهرت منه آيات تختلف عن التوراة، فيمكنه أن يقول إن كتاب موسى نفسه مختلف فيه من اليهود أنفسهم ولذلك لا غرابة أن تأتي آيات قرآنية مختلفة عن آيات التوراة.
ثم جاءت سورة غافر، ورقم "نزولها" 60، ويقول فيها عن موسى: (فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال) (غافر 25). ومؤلف القرآن هنا أخطأ في التاريخ خطأً لا يُغتفر، ففرعون كان قد علم من كهنته أن مولوداً جديداً في بني إسرائيل سوف ينهي حكمه، ولذلك أمر بقتل صبيان اليهود وإحياء بناتهم، وكان هذا قبل أن يولد موسى، ولذلك أوحى الله لأم موسى أن تضعه في التابوت وتلقي به في اليم. فقتل الصبيان كان سابقاً لهذه الآية بعشرات السنين. ونحن الآن نتحدث عن الفترة التي جاء فيها موسى رسولاً، فلماذا يقول مستشاروا فرعون: اقتلوا أبناءهم واستحيوا نساءهم، وهي سياسة كانت مطبقة منذ عشرات السنين؟
وتستمر سورة غافر: (ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب. هدًى وذكرى لأُولي الألباب) (غافر 53، 54). وهذه الآيات الغرض منها فقط هو التودد إلى يهود يثرب، لأنه لا جديد فيها حتى "ينزلها" الله مرة أخرى، ولو أنه اعترف أن كتاب موسى هو هدًى وذكرى لأولي الألباب، وما دام الأمر كذلك فلا حاجة لكتاب جديد هو صورة طبق الأصل من كتاب موسى.
السورة رقم 62 هي سورة "الشورى" المكية التي يقول فيها: (الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حُجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير) (الشورى 15). يحاول محمد هنا أن يتقرب إلى اليهود ويتصالح معهم، لأن قريش في ذلك الوقت كانت قد فرضت عليه وعلى عشيرته حصاراً اقتصادياً فأراد أن يتقرب إلى اليهود علهم يتاجرون معه أو يعترفون به فيعترف معهم عرب مكة، فيقول لهم: لا حُجة بيننا وبينكم وربنا وربكم واحد. ولكن هذه المصالحة لا تدوم طويلاً. ونحن نسأل هنا: إذا كان لا حجة بينهم، وربهم ورب اليهود واحد، والقرآن قال إن كتاب موسى هدّى لأولي الألباب، لماذا لم يترك محمد اليهود في دينهم، ولماذا يقول القرآن إن الله جعل منهم القردة والخنازير؟
بعد سورة الشورى جاءت سورة الدخان المكية، ورقمها 64 حسب ترتيب "النزول". يقول فيها: (ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين. من فرعون إنه كان عالياً من المسرفين. ولقد اخترناهم عن عِلمٍ على العالمين) (الدخان 30-32). فرغم أنه قال في السور السابقة إن فرعون أراد أن يستفزهم من الأرض ويخرجهم من مصر، يقول لنا هنا إنه نجى بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون، مما يعني أن فرعون كان يستعبدهم ويحتفظ بهم ضد إرادتهم. ثم أن الله اختارهم عن علم على بقية الخلق، فجعلهم شعب الله المختار. ولكن يبدو أن عِلم هذا الإله عِلمٌ بشري لا يعرف ما يحدث في المستقبل لأن الله قد غضب على شعبه المختار وأمر رسوله أن يقتل منهم من يشاء ويطرد الباقين من جزيرة العرب. وبعد ذلك غضب على شعبه المختار وجعل منهم القردة والخنازير، فكيف يقول إنه اختارهم عن علم؟ يبدو أن علمه مثل علم شيوخ الوهابية الذين ما زالوا يصرون أن الشمس تدور حول الأرض.
ثم أتت سورة "الجاثية" والتي هي رقم 65، وقال فيها: (ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحُكم والنبوةَ ورزقناهم من الطيباتِ وفضلناهم على العالمين) (الجاثية 16). ولأن محمداً كان لا يزال بمكة تحت الحصار القرشي، ولم يخالط يهود يثرب، كان أمله معقوداً على استمالتهم عندما يهاجر إلى يثرب، ولذلك كرر هنا أن الله اختار بني إسرائيل وفضلهم على العالمين بعد أن جعل فيهم النبوة والكتاب.
السورة التي أتت بعد الجاثية مباشرةً كانت سورة الأحقاف المكية، ورقمها 66. يقول فيها لعرب مكة: (قل أرأيتم إنْ كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين) (الأحقاف 10). وهذا هو بيت القصيد الذي كان محمد يضمره في قلبه، وهو أن يشهد بنو إسرائيل بصحة القرآن، لكنهم لم يفعلوا. فشهادة شخص واحد من بني إسرائيل بأن القرآن من عند الله كانت تمثل نصراً كبيراً لمحمد وإلهه، فاستعجل إله القرآن وأتى بهذه الآية ليقنع عرب مكة بصحة رسالة محمد لأن واحداً من اليهود قد آمن بالقرآن.
ثم جاءت سورة السجدة، وترتيبها 75، فقال فيها: (ولقد آتينا موسى الكتابَ فلا تكن في مِريةٍ من لقائه وجعلناه هدًى لبني إسرائيل. وجعلنا منهم أئمةً يهدون بأمرنا لَمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون. إنّ ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) (السجدة 23-25). وهنا يكيل إله القرآن المدح لبني إسرائيل الذين جعل منهم أئمة يدعون إلى الله. فما زال الأمل معقوداً على بني إسرائيل أن يخرجوا محمد وعشيرته من تلك العزلة التي فرضتها عليهم قريش. ولكن كعادة القرآن في استعمال الضمير دون أن يسبقه بما يوحي لنا بالشيء أو الشخص الذي يرمز إليه ذلك الضمير، يقول القرآن (فلا تكن في مِريةٍ من لقائه) ولا نعلم من هو المقصود هنا، هل هو الكتاب، أم موسى أم الله أم شخصٌ أو شيء آخر. ذهب المفسرون عدة وجوه في ذلك فقال بعضهم إنه قصد كتاب موسى، وقال آخرون إنه قصد لقاء موسى ليلة الإسراء، بينما قال آخرون المقصود هو ملك الموت. ولكن المهم هنا أن القرآن يمجد بني إسرائل حتى قبيل هجرة محمد من مكة، لأن سورة السجدة من السور التي أتت قبل الهجرة بقليل.
وفي آخر سورة قبل الهجرة، وهي سورة العنكبوتـ ورقمها 85، يقول لنا: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) (العنكبوت 46). وهذه كانت الكعكة التي رماها إلى بني إسرائيل قبل أن يلتحق بهم في يثرب، وكان طامعاً أن يستقبلوه بالأحضان بعد أن يسمعوا هذه الآية التي تقول ما معناه إن التوراة بها آيات الله التي تهدي إلى الحق. وما دام الأمر كذلك فلا يحتاج اليهود إلى آيات جديدة تزيد ما عندهم.
وعندما هاجر محمد إلى يثرب ورفض اليهود، رغم الإطراء، اتباع الدين الجديد، تغيرت لهجة القرآن عندما تحدث عن بني إسرائيل، وسوف نرى ذلك في الحلقة الثالثة



#كامل_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يهود الأندلس
- في استراحة القراء 1
- القرآن وبنو إسرائيل 1-4
- في معية القراء
- القرآن ونساء النبي
- في رحاب القراء 4
- تأملات في القرآن المكي 4-4
- في رحاب القراء 3
- تأملات في القرآن المكي 3-4
- في رحاب القراء 2
- تأملات في القرآن المكي 2-4
- في رحاب القراء 1
- تأملات في القرآن المكي 1-4
- تعقيباً على تعليقات القراء على تاريخ القرآن
- تاريخ وماهية القرآن 3 – 3
- تاريخ وماهية القرآن 2 – 3
- تاريخ وماهية القرآن 1- 3
- يقولون ما لا يفعلون
- الإسلام يزرع الجهل والخزعبلات في أتباعه
- المسلمون يحتكرون كل شيء حتى الله


المزيد.....




- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - القرآن وبنو إسرائيل 2-4