أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مازن كم الماز - لماذا لا سادة و لا آلهة ؟















المزيد.....

لماذا لا سادة و لا آلهة ؟


مازن كم الماز

الحوار المتمدن-العدد: 3000 - 2010 / 5 / 10 - 08:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم كان هذا بالتحديد شعار الأناركية التي تقوم على رفض أية أشكال للتراتبية الهرمية , للفرض أو للحكم من أعلى , و التي تعتقد أنه من الممكن تنظيم الحياة الاجتماعية بين البشر دون وجود قوة فوقهم تأمرهم وتنهاهم و تفرض عليهم القيام بما هو صحيح رغم أنه من المنطقي جدا أن نتساءل عن هذا السلوك "الصحيح" الذي يجب فرضه على معظم البشر و بالتالي عن مدى صحته هو نفسه أساسا ؟ باختصار لأن من يعتقد أنه لا يمكن للبشر أن يعيشوا دون سوط أو سجون أو قوة مراقبة و تأديب فمن باب أولى ألا يكون من الممكن عنده بقاء الكون و استمراره دون مثل هذه القوة الآمرة الناهية على المستوى الكوني , و هي هنا الله . إن البحث عن "دولة ديمقراطية" لا يقل سذاجة و لا تهافتا من البحث عن إله "ديمقراطي" , أو محاولة "دمقرطة" الإله , و قد يبدو هذا منطقيا اليوم فقط لأننا مثل جماعة المؤمنين نستمع صباح مساء لهذه الآيات من كتاب البرجوازية المقدس أو مثل التلاميذ الذي يساقون إلى "المدرسة" التي يفترض أن تعلمهم كيف يعيشون , و تلقى عليهم محاضرات يقال لهم أنها الحقيقة المطلقة , و يطلب إليهم التنافس في حفظها عن ظهر قلب و أن يصفقوا لمن يرددها بحرفية أكثر من غيره , و هكذا إذا لم تكن من التلاميذ الكسولين الذين يستمتعون برمي الأساتذة بقطع الورق و يستطيعون دون غيرهم اكتشاف درجة التكرار الممل في هذه المحاضرات و أن ترى البقع في بدلة الأستاذ المكوية بعناية فلن تحظى بهذا الكشف . هذا تماما هو مأزق أشخاص مثل الراحل عبد الوهاب المسيري الذي انتقد شخصية مثل سوزان سونتاغ لأنها سحاقية ( الحداثة و ما بعد الحداثة , المسيري و د. فتحي التريكي , دار الفكر , ص 13 ) . مأزق الراحل المسيري و الكثيرون من التلاميذ النجباء لمدرسة الأخلاق السائدة أنهم لا يستطيعون إدراك النفاق الذي يشكل جوهر الوصفة الأخلاقية السائدة , ما لا لم يفهمه المسيري أن أمثال سونتاغ فقط هم القادرون ليس فقط على اكتشاف كم هي مملة هذه المدرسة التي يفترض أن تعلمنا , بل و أنهم وحدهم من يستطيع الصراخ في وجه أساتذتها الأغبياء و مديرها المقزز , أن أولئك الخارجين , كل وفق طريقته , على وصفة النفاق الأخلاقي السائدة هم القادرون على أن يتحدثوا عن الأخلاق الحقيقية و أن ينتقدوا كل ما هو غير أخلاقي في أفعالنا و أفعال القوى السائدة التي لا يجرؤ الآخرون على انتقادها . سوزان سونتاغ كانت هي الأمريكية البيضاء التي تمكنت من أن تقول عام 1963 "الحقيقة أن موزارت , باسكال , بوليان ألجبرا , شكسبير , الحكومة البرلمانية , الكنائس , نيوتن , انعتاق المرأة , كانت , ماركس و باليه البولشوي لم تتمكن من تخليص ( أو إصلاح ) هذه الحضارة التي فرضت على العالم . إن الجنس الأبيض هو سرطان التاريخ الإنساني" ( 1 ) , و أنها تمكنت من أن تكتب في صحيفة النيويوركر في الرابع و العشرين من سبتمبر أيلول 2001 بعد أيام فقط من هجمات 11 سبتمبر وسط المارشات العسكرية التي كانت تذيعها ماكينة إعلام المحافظين الجدد بهستيريا , كانت , و لعلها الوحيدة , القادرة على أن تقول على خلفية قرع طبول الحرب و الشتائم التي تلصق عادة بالخصم ككلشيهات مكررة : "أين هو التعبير أن هذا لم يكن هجوما "جبانا" على "الحضارة" أو "الحرية" أو "الإنسانية" أو "العالم الحر" بل هجوما على القوة التي نصبت نفسها بنفسها قوة عظمى للعالم , شن كنتيجة لتحالفات و مواقف أمريكية معينة ؟ كم من المواطنين يعرفون بالقصف الأمريكي المستمر للعراق ؟ إذا كان يجب استخدام كلمة "جبان" فمن الملائم أكثر استخدامها لأولئك الذين يمارسون القتل من خارج مجال الرد , و هم محلقين في السماء , من أولئك الذين يقتلون أنفسهم لقتل الآخرين . فيما يتعلق بالشجاعة ( و هي فضيلة محايدة أخلاقيا ) : أيا كان الذي يقال عن منفذي مجزرة الثلاثاء , فهم لم يكونوا جبناء" . ( 2 )
سحاقية فقط بمنطق المسيري , شاذة بمنطق الأخلاق السائدة , يمكنها أن تقول هذا بشجاعة نادرة , على نفس المنوال , حرامي و متشرد مثل جان جينيه كان أحسن من سيفهم معاناة الفلسطينيون في مخيماتهم من سائر المفكرين الفرنسيين و الأوروبيين , هذا لم يكن مصادفة , فقد كان جينيه فلسطينيا لأنه قبل كل شيء كان إنسانا , و كان إنسانا لأنه كان قادرا على أن يفلت من شباك النفاق الأخلاقي و السياسي السائد , يمكن العودة إلى ... أميات نجيب سرور مثلا للتأكد من صحة هذه القضية , و تحديد من كان المختل , الشاذ أخلاقيا , و إنسانيا , نجيب سرور أم محمد حسنين هيكل , أو في المحصلة الأخيرة , نجيب سرور أم عبد الناصر . ليس من الضروري أن تكون سحاقيا كي تستطيع أن تكتسب هذه البصيرة و تلك القدرة على البوح بما هو ممنوع و محرم , يكفي أن تكون قادرا على الكفر بالوصفة الأخلاقية السائدة , بأخلاق و فكر و خطاب السلطة السائدة لتكتسب شيئا من هذه الحرية . لقد صممت الأخلاق السائدة لتدافع عن القوى المهيمنة , و عن الجنس المهيمن , و عن القومية المهيمنة , و قبل أن يتحدث أي مفكر برجوازي عن قدسية الملكية الخاصة كان الأنبياء يفعلون ذلك قبل البرجوازية بآلاف السنين , و ليست الجرائم المشخصة وفق تلك الوصفات السائدة إلا جرائم ضد سيادة أو هيمنة الطبقة السائدة , الجنس المهيمن , الشعب المهيمن . كم تناقش رجال الدين الإسلامي مثلا في شرط حد السارق , كم درهم أو دينار , و كم قطعت من الأيدي نتيجة هذه الآراء المتضاربة , لكن أيا من هؤلاء مثلا لم يجرم في يوم من الأيام , ما عدا حفنة محدودة من شركاء سونتاغ و جينيه في الفكر كأبي ذر الغفاري مثلا , أكبر حالة للسرقة و أشنعها في ماضينا و تاريخنا و حاضرنا : سرقة الأئمة و السلاطين و الخلفاء لخيرات مجتمع بأكمله و لم يطالب أيا منهم بإيقاع حد السرقة على أي من هؤلاء اللصوص , أبعد من هذا , هناك من يملك ما يكفي من الوقاحة اليوم ليكفر من يسيء إلى أي من هؤلاء السلاطين و ليصدر فتاويه بالقتل و التعذيب في الدنيا و الآخرة بحق من يتجرأ أن "يتطاول" على أي من هؤلاء , طالما كان بعض رجال الدين , الإسلامي هنا , يصرون أن الإنسان عبد لرب واحد فقط , و لما كنا لا نعرف القصر الذي يوجد فيه هذا الرب السيد و لا يوجد اتصال متاح به مباشرة فتصورنا أن هذا سيعني أن المؤمن , المسلم , هو عمليا عبد لسيد مبني للمجهول , أو عبد مع وقف التنفيذ , لكن ما أن ينطق المرء بالشهادتين حتى يصبح في حقيقة الأمر عبدا لعدد يكاد لا ينتهي من السادة , تبدأ بصنوف غريبة من الكائنات تسمى بأسماء مختلفة و بشتى أنواع البشر منذ عهد "سيدنا آدم" وصولا إلى كل من عاش في فترة البعثة و انتشار الإسلام حتى لو كان لصا أو محتالا أو قاتلا و انتهاء بأي شخص ذا لحية طويلة ينسب لنفسه الحق في فعل ما يعتقد و يشاء و أو ما يؤمر به بالعباد , قائمة لا تنتهي من السادة , و يصبح على الفور تحت سوط الأخلاق السائدة و قدسية الملكية الخاصة لا محالة . لكي نفهم هذه الوصفة السائدة من الأخلاق التي وضعها هؤلاء السادة و التي علينا التقيد بها بصورة حرفية علينا أن نأخذ مثلا واحدا , ابن تيمية مثلا , هذا الشخص لم يتزوج في حياته و لا تسرى بامرأة ( 3 ) , هذا يعني أنه في الحالة الطبيعية يجب استخدام ابن تيمية كنموذج للشخص الشاذ جنسيا أو إنسانيا , لا أن يكون هو من يحدد لنا الشاذ جنسيا أو إنسانيا , في أحسن الأحوال فإن ممارسة العادة السرية لا تمنح أيا كان القدرة على فهم ناهيك عن الحكم على الحب الإنساني , ناهيك عن معرفة أدق تفاصيل الحياة الإنسانية و الحكم عليها . بينما الاكتفاء بقراءة نصوص ما تمنح الإنسان فقط فكرة فصامية عن الواقع لصالح القوى السائدة , التي وضعت تلك النصوص أو سخرتها لصالح هيمنتها . هكذا مثلا لن تجد الردود المنطقية أو "الصحيحة" أو الفعلية للمشاكل العويصة التي تواجه الفلسفة أو الحركة الماركسية مثلا , في آراء و كتابات الأمناء العامين للأحزاب الشيوعية أو "العمالية" و لا في مناظرات مكاتبها السياسية و لا كراسات منظريها الرسميين , بل في آراء العمال العاديين في معاملهم أو آراء الفقراء البسطاء في تجمعاتهم . لنعود إلى الأناركية , و لنحاول أن نشرح أكثر شعارها عن عالم بلا سادة و لا آلهة لنلجأ إلى نقيض الأناركية المطلق : العبودية , فللعبودية درجات , مثلا ابن تيمية يسخر من إيمان المرجئة و حتى يكفرهم ( و يفعل ذلك كل السلفيين بالمناسبة ) , فالإيمان يعني العبودية و حتى يكون صحيحا يجب أن يعني عبودية كاملة غير منقوصة , فالمرجئي يعترف أنه عبد لكنه يتوقف عند هذه النقطة , إنه يعرف أنه عبد لرب ما و هذه المعرفة تساوي الإيمان عنده , ابن تيمية لا يعجبه هذا , فالعبودية تعني الالتزام الكامل دون أي زيادة أو نقصان بوصفات و طقوس و عبادات محددة تقدم للإنسان , ليس هذا فحسب , بل عليه أن يؤديها و هو يشعر بالخوف من الرب الذي يلتزم بأوامره و نواهيه و بالحب تجاهه أيضا , هكذا يصبح الإنسان بما في ذلك مشاعره و أحاسيسه الداخلية مجرد آلة يجب أن تتصرف في كل مرة و كل موقف بالشكل المطلوب المحدد مسبقا بعناية , يشبه هذا ما كان يفعله فدائيو صدام عندما كانت مهمتهم بينما كان زعيمهم يخطب أن يتأكدوا من أن الناس جميعا يصفقون بقوة و حماسة مناسبتين , بخوف و حب في نفس الوقت , تماما كما كان ابن تيمية يرغب.........

مازن كم الماز

( 1 ) و ( 2 ) //en.wikipedia.org/wiki/Susan_Sontag
( 3 ) ترجمة المؤلف شيخ الاسلام ابن تيمية , كتاب الإيمان لابن تيمية , دار الكتاب العربي لبنان 2005



#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تضامنا مع نضال العمال اليونانيين !
- لا رأسمالية بلا أزمة بيان الأول من أيار
- سجال حول المواطنة
- نحو يسار عربي جديد
- بين الديمقراطية و الليبرالية
- ما بعد أمريكا
- أوجه الشبه بين ستالين و بوش
- الحراس أو العسكر من وحي مزرعة الحيوانات لجورج أورويل
- القصة الأخرى لكتاب لينين مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية
- الصراع الطبقي في سوريا
- وجه الشبه بين مبارك و الأسد و أمريكا والله
- عن موت أو نهاية المثقف
- كلمة عن الانتخابات العراقية البرلمانية القادمة
- سمات السلوك الانتحاري
- المراجعة المطلوبة هي باتجاه الشعب - تعليق على ما كتبه محمد س ...
- الدين كحالة جنون
- عندما تكلم ليبرمان
- تعليق على ما قاله مفتي سوريا
- الفقراء و القتل
- تعليق على رسالة مفتوحة إلى القضاء اللبناني المنشورة في جريدة ...


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مازن كم الماز - لماذا لا سادة و لا آلهة ؟