أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد قانصو - الخصوصية بين الإحترام والإقتحام ..















المزيد.....

الخصوصية بين الإحترام والإقتحام ..


محمد قانصو

الحوار المتمدن-العدد: 2999 - 2010 / 5 / 8 - 10:22
المحور: حقوق الانسان
    


درس جميل تعلّمناه يوم كنا صغاراً على مقاعد الدراسة , ولم نكن ندرك مغزاه حينها , قصة على لسان بطتين وسلحفاة (1) حريةً باحتلال حيّزٍ في الذاكرة , ويحفظها الذهن الطفولي ليجد لها العقل النقدي حضوراَ على صفحة الواقع المعاش ..
حكاية سلحفاة مسكينة كانت تجاور بطتين قرب غدير جفَّ ماؤه يوماَ , فقررت البطتان الرحيل طلباً للماء , وعزَّ عليهما ترك الجارة وحيدة , فحملتاها على عود تقاسمتا طرفيه , وقبضت صديقتنا على وسطه , ثم انطلقت رحلة السفر بعد تحذير الجارتين الملحّ للسلحفاة بأن لا تفتح فمها وإن سمعت الناس يتعجّبون ويتقوّلون ويحللون ..
لكنَّ السلحفاة لم تقو على الصبر أمام دهشة الناس وتعجّبهم , أو قل أمام ضيق أعينهم وحشريتهم وطفوّليتهم , وبعد أن امتلأ صدرها غيظاً من سيل ما سمعت , صرخت بأعلى صوتها :فقأ الله أعينكم أيها الناس " فسقطت إلى الأرض وماتت ..
السلحفاة الشهيدة نموذج كنائي يوّصف لنا أفة متراكمة يرزح تحت ثقلها مجتمعنا العربي والإسلامي الكبير , ولا غرو إن سَمعتَنا نتمنى الرحيل عن هذا العالم، لنرتمي في أي مكان على سطح البسيطة يشعر فيه واحدنا بأنه محترم الخصوصية , مالك لحقوق القول أو الفعل , أو الحركة والسكون , حرُّ فيما يملك أو يترك , طليق فيما يختار أو يفضّل , مستقل في انتقاء مأكله ومشربه , وملبسه ومسكنه, ومعتقده ومبدأه, صاحب الكلمة الفصل في اختيارات قلبه وعقله ولسانه , منفرد في تفضيل ألوانه وألحانه , مخيّر في مصير زواجه وتعداد أولاده !.
قرأت في قواميس الديموقراطيات الحديثة ما يطرب السمع عن الحرية الشخصية واحترام الخصوصية وقلّبت في صفحات الإسلام متباركاً بآيات الوحي السماوي الرحيمة فوجدت :" لا إكراه في الدين (2) " وقرأت :" كل نفس بما كسبت رهينة (3) " , وأخذ بمجامع عقلي قول الحقَّ تقدست أسماؤه :" لَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ(4) ".
وقادني التتّبع إلى آياتِ عظيمة اعتبرها المفسرون والعلماء خطوطاً عامة للمنهج التربوي الإسلامي فهي واضحة الدلالة على ترسيم الحدود الشخصية والحقوق الفردية في جوانب شتى أذكر بعضها على سبيل الإستدلال لا الحصر :
* حرية الإعتقاد :
( قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين (5) ).
* ضمان الملكية الفردية :
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (6) ).
* إحترام خصوصية المكان والزمان :
(يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحد فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم (7) ).
* إحترام خصوصية الناس المعنوية وحفظ الكرامات :
(يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون (8) ).
(يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم (9)) .
وبموازاة النداء القرآني للكفِّ عن الفضول, واقتحام الخصوصيات وحشر الأنوف فيما لا يعنيها ، تأتي السنة النبوية الشريفة لتنبّه إلى مرجوحية التطّفل, فقد ورد أنَّ " من ساء كلامه كثر ملامه", وأنَّ:"من تدّخل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه " , وأنَّ :" من راقب الناس مات همّا ".
تبقى الإشارة إلى أنَّ اقتحام الخصوصية يشكل مبرّراً لظاهرة التنكّر والإستياء التي يعيشها الكثيرون اتجاه عقلية الفضول المستفحلة في المجتمعات الشرقية , وعليه يصبح طبيعياَ الكلام الغزلي عن الحياة الإجتماعية الغربية , ففي الوقت الذي يختنق الشرقي في بيته وحيّه ومكان عمله , وتصيبه الأعين بشزرها والهمسات بخطرها ، يتنفس المواطن الغربي الحرية , فلا أعين تراقبه ولا أيد تشير عليه ولا أصابع تعدّ عليه أنفاسه . وهذا الفارق من شأنه أن يكوّن محرّضاَ ودافعا للتمرّد على البيئة الإجتماعية الشرقية ويثير نحوها الشعور بالكراهية والإنتقاص , ويدفع نحو رفضها بشكل كلّي حتى بما تحويه من قيم سامية وروابط متينة ونقاط قوة , فيهتز عندها مفهوم الإنتماء الترابطي بالأسرة والعائلة, وتنفصم العروة الإجتماعية التي يعتبرها علماء التربية والإجتماع عاملاَ من عوامل الرقابة وضبط السلوك, وهذا أمر بمنتهى الخطورة ينبغي التنبّه له ولتداعياته السلبية .
لذا فإنَّ من الضروري إدخال فقرة احترام الخصوصية الفردية في مناهج التربية المدرسية , ووضعها في سلم الأهمية نفسه الذي يحتله احترام الملكية , كما ينبغي تعميم المعرفة بأهمية هذا الأمر في الأواسط الشعبية عبر الإستعانة برجال الدين والتربية والإجتماع , كما لا بدّ من توفير البدائل العملية التي تمكّن الفرد الإستفادة من أوقات فراغه واستغلال هذه الأوقات في الانتاج الفكري أو العملاني, وذلك بإقامة دورات تدريبية وورش عمل توجيهية مفيدة بدل أن تهدر الساعات الطوال في الجاسوسية والتوثب على حدود الآخرين, واقتحام خصوصياتهم وتقييد حرياتهم ..

الشيخ محمد قانصو
كاتب وباحث إسلامي
[email protected]


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عبد الله بن المقفع / كتاب كليلة ودمنة
(2) آية 256 / سورة البقرة
(3) آية 38 / سورة المدثر
(4) آية 120 / سورة البقرة
(5) آية 1 ـ 6 / سورة الكافرون
(6) آية 32 / سورة الأعراف
(7) آية 27 / سورة النور
(8) آية 11/ سورة الحجرات
(9) آية 12 / سورة الحجرات



#محمد_قانصو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنتخب وعيك
- هل المهر حبرٌ على ورق ؟!..
- قراءة في مشروع قانون لحماية النساء من العنف الأسري ..
- التخطيط الأسري في المجتمع الإسلامي
- مسرحية العريفي
- شلال الضوء
- الحب من منظور إسلامي
- الحوار
- عقوبة الإعدام .. رؤية إسلامية
- نعم ولا واخواتهما
- الإسلام والآخر
- يا التقاء الفرقدين !..
- آحادية الفكر صنمية العصر
- مكانة المرأة وموقعها في الإسلام
- الاسلام وثقافة الحياة
- النعجة الشاردة
- العصبية والتعصب


المزيد.....




- الأمم المتحدة تطالب بإيصال المساعدات برّاً لأكثر من مليون شخ ...
- -الأونروا- تعلن عن استشهاد 13750 طفلا في العدوان الصهيوني عل ...
- اليابان تعلن اعتزامها استئناف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئي ...
- الأمم المتحدة: أكثر من 1.1 مليون شخص في غزة يواجهون انعدام ا ...
- -الأونروا-: الحرب الإسرائيلية على غزة تسببت بمقتل 13750 طفلا ...
- آلاف الأردنيين يتظاهرون بمحيط السفارة الإسرائيلية تنديدا بال ...
- مشاهد لإعدام الاحتلال مدنيين فلسطينيين أثناء محاولتهم العودة ...
- محكمة العدل الدولية تصدر-إجراءات إضافية- ضد إسرائيل جراء الم ...
- انتقاد أممي لتقييد إسرائيل عمل الأونروا ودول تدفع مساهماتها ...
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بإدخال المساعدات لغزة دون معوقات


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد قانصو - الخصوصية بين الإحترام والإقتحام ..