أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نضال شاكر البيابي - انتظار المخلص..وأسئلة حائرة















المزيد.....

انتظار المخلص..وأسئلة حائرة


نضال شاكر البيابي

الحوار المتمدن-العدد: 2998 - 2010 / 5 / 7 - 09:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إذا كانت مهمة العقل السعي إلى المعرفة، وسبر أغوار الظواهر ومحاولة فهمها والتنبؤ بها، لخلق أنماط تنظيمية للحياة تتخذ أشكالا اقتصادية وسياسية ودينية وأخلاقية للوصول إلى غاية واحدة، هي الحياة الأفضل.فهل الخرافة والأسطورة نتاج طبيعي لعجز الإنسان البدائي على تعليل وتفسير الظواهر التي تخرج عن إطار خبراته وتجاربه ، أم أنها نتاج وجداني وإفراز لحالة الخوف من المجهول الذي لايخضع لقاعدة ما.فإذا كان مصدر الرعب لدى الإنسان هو كل شيء يخرج عن دائرة العقل والمنطق الصوري مثل ما لا يمكن قياسه أو التحكم به كالموت مثلا. فهل فكرة المخلص هي نتاج للبيئة التي تقتات على الأسطورة ، أم أنها إفراز لحالة اليأس والرفض لواقع عصي على التغيير الموضوعي والطموح لعالم أفضل؟!
ففكرة انتظار المخلص تكاد تتحول إلى غريزة فطرية مترسبة في أعماق الثقافات الإنسانية القديمة ، فكل الثقافات الإنسانية تحمل جذورا راسخة في بنيتها الأساسية عن فكرة المنتظر الموعود، الذي سيحقق أمالها وطموحاتها وينتشلها من مستنقعات الشقاء والألم إلى الجنان المفترضة ، حيث تسود قيم العدل والمساواة بعد استئصال الطبقية وقيم الاستبداد والمستبدين..! ونجد لهذه الفكرة إرهاصات عقدية وفكرية وأدبية زاخرة بها الثقافات القديمة وليس الأمر محصورا بالثقافات الدينية فحسب ،بل هي ممتدة للثقافات الوثنية أيضا.مثلما نجد ذلك في الثقافات اليونانية و الهندوسية وكذلك في ثقافة المصريين القدماء. وقلما تجد ثقافة قديمة تخلو من إشارات عن فكرة المخلص..والمنجم الفرنسي اليهودي نوستراداموس (1503ــــ1566) له إشارة صريحة لفكرة المخلص من خلال نبوءاته في كتابه الشهير"المئويات" الذي تنبأ بخروج الإسماعيلي العربي الذي سيقيم دولة العدالة وذلك بعد أن يخوض حربا عالمية ضد قوى الشر بكل صوره لكي ينشر العدل والسلام في الأرض..!، وقد أفاد نوستراداموس من اطلاعه على الثقافتين اليهودية والإسلامية، لبلورة فكرة الملخص لتكون متماهية مع النصوص الدينية في كلا الديانتين. والقراءة المتأنية للديانات السماوية وحتى غير السماوية كالبوذية مثلا،نجدها تكاد تكون متفقة على العنوان ،عنوان المنقذ والمخلص ،فبينما المسيح واليهود ينتظرون عودة ،وظهور،المسيح الموعود ،نجد المسلمين ينتظرون المهدي المنتظر من آل النبي الأكرم مع السيد المسيح،والبوذيون ينتظرون عودة بوذا، والزرادشتيون ينتظرون عودة بهرام شاه،وهكذا دواليك،الكل في حالة انتظار..!
والفيلسوف الانجليزي برتراند راسل يرى بأن العالم في انتظار مصلح يوحد العالم تحت علم واحد وشعار واحد..! وبرنارد شو ألمح لذلك في مسرحيته :"الإنسان والسوبرمان" وآنشتاين اعتقد بأن اليوم الذي سيسود فيه العالم كله الصلح والصفاء ،ويكون الناس متحابين ومتآخين ليس ببعيد..! لكن بالمقابل نجد للماديين رأيا مغايرا تماما، فهم يرون أن كل ما ذكر في الثقافات والديانات عن فكرة المخلص إنما هي خرافات وأساطير أفرزتها حالة التخلف والإحباط لدى الشعوب المغلوب على أمرها التي كانت ترزح تحت سيطرة قوى دكتاتورية من الأسياد والبرجوازيين،وعندما يصبح تغيير الواقع ضربا من المستحيل يلجأ المهزوم للعالم المتخيل الميتافيزيقي طلبا للخلاص والانعتاق على يد الإنسان السوبرمان الذي له قدرات خارقة على تغيير الواقع المتأزم والظالم لخلق جنة مفترضة تسودها قيم العدالة التي بدت مغيبة في الواقع الحقيقي. وإن هذا الاعتقاد يحفز على الاستكانة للذل والخضوع للقوى الظالمة والانتظار العبثي للاشيء..! وفي هذا السياق يمكن حمل المسرحية الشهيرة"في انتظار غودو" للكاتب الفرنسي "صامويل بيكيت" ، وهو أحد رواد مسرح العبث وفحوى المسرحية، بل هو روح المسرح العبثي ،انتظار شيء لا وجود له أصلا ولا معنى حقيقي له، وهذا هو العبث الحقيقي.فغودو "المنُتظر" هو المنقذ و الأمل و الفرح والسعادة وهو الذي يقضي أبطال "بيكيت" حياتهم في انتظاره دون جدوى في جو مشحون باليأس ومتشعب بالإحباط إزاء هذا العالم العصي على التغيير..!
ظاهرة المخلص في الكتب السماوية
في التوراة مثلا، في( سفر إشعياء) من العهد القديم، وإشعياء هذا هو أحد كبار أنبياء مملكة إسرائيل الأربعة، وهو الذي تنبأ بولادة السيد المسيح من السيدة العذراء، وأبرز ما في سفر إشعياء انسجامه لحد كبير مع دلالات ومضامين إسلامية،وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة،والاختلاف يكمن في هوية المخلص وليس في العنوان،ومن ذلك :"فيقضي بين الأمم، ويُنصف لشعوب كثيرين"إشعياء 2-4،ويقول الرسول الأكرم "لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد ،لطول الله ذلك اليوم،وبعث رجلا من أهل بيتي،يواطئ اسمه اسمي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما مُلئت ظلما وجورا" وفي نص آخر من (سفر إشعياء)"يقضي بالعدل للمساكين ،ويحكم بالانصاف لبائسي الأرض"إشعياء11-4.
ومفهوم الخلاص في الفكر التوراتي هو إقامة دولة الرب"يوم يوه" التي هي دولة السلام والسعادة والرخاء وإقامة العدل والقسط والانتقام من الآثمين وأعداء اليهود بعد المعركة الفاصلة "هرمجدون" بين الخير والشر ونجد ذلك واضحا في أسفار كثيرة،كسفر إرميا،وعاموس،وهوشع ،وإشعياء،وزكريا ،وغيرها.علما أن يوم الخلاص وفقأ لبروتكولات حاخامات اليهود في الحياة الدنيا . وعلى الجانب المسيحي نجد إشارات بارزة عن عودة المخلص في مكاشفات يوحنا اللاهوتي.
بينما في الفكر الإسلامي بشقيه السني والشيعي يتفقان على العنوان العام، لقضية المهدي الذي بشّر به الرسول الأكرم في قوله" لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد ،لطول الله ذلك اليوم،وبعث رجلا من أهل بيتي،يواطئ اسمه اسمي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما مُلئت ظلما وجورا"،-إلا في حالات شاذة- ، لكنهم يختلفون أشد الاختلاف على التفاصيل من مثل الولادة والغيبة، والتفاصيل تبدو غارقة في التأويل أكثر مما ينبغي بل هي طافحة بالمخاتلة عند كثير من الفقهاء من أبناء المذهب الواحد. وهذا ماجعل الفقيه الإسلامي السيد محمد فضل الله يرفض الخوض في التفاصيل لأنها غيب مكتفيا بالإيمان بما أخبر به الله ورسوله عن قضية الإمام المنتظر من مثل قوله تعالى:" وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ، إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ ، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ " ومثل قول الرسول الأكرم:" ((يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً))دون الخوض في التفاصيل التي يعد الانشغال بها ترفا وتنطعا. فعندما سئل هل غيبة الإمام المهدي كانت بعداً عن الواقع البشري، بمعنى أنه يأكل ويشرب، ويلتقي نوّابه، أم أنه غاب عن عالم الدنيا، بمعنى أن غيبته هي عروج على عالم ما وراء الطبيعة؟ فهل هو حاضر على الأرض؟ أم غائب عن الناس؟ أم هو غائب عن الأرض فضلا عن الناس؟أجاب السيد:" ما هي علاقتنا بهذا الموضوع؟ وما الذي يهمّنا من هذا الكلام؟ ماذا يأكل أو يشرب؟ أساساً إنّ غيبته غيب من غيب الله سبحانه وتعالى، وظهوره غيب من غيب الله سبحانه وتعالى، إنما نحن اعتقدنا بذلك باعتبار الأحاديث الواردة عن النبي(ص): ((يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)) وغيرها (...) فليس من شغلنا ومسؤولياتنا ما هي صورته، وكيف يعيش؟... إنَّ تكليفنا هو أن نعتقد به، لأنه ثبت لدينا ذلك بالطرق القطعية، ثم علينا أن نعمل بتكاليفنا." وللفيلسوف الإسلامي السيد محمد باقر الصدر رؤية خاصة في النظرية المهدوية فهو يرى أن المهدي ليس تجسيدا لعقيدة إسلامية فحسب بل هو عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها الفكرية كنزعة لإلهام فطري يدرك من خلاله أن يوما موعودا للإنسانية على الأرض، يتحقق فيه مغزى الرسالات السماوية وهدفها النهائي وهو سيادة عالم يملؤه الاستقرار والطمأنينة وحتى الجدليات المادية التي رفضت الغيبيات وفسرت التاريخ على ضوء التناقضات نجدها آمنت بيوم موعود تتلاشى في التناقضات ويسوده الوئام والسلام..!
وهذه التجربة النفسية -وفقاً للسيد نفسه- التي مارستها الإنسانية على مر العصور هي من أوسع التجارب النفسية وأكثرها عموما ،والدين يعزز هذا الشعور النفسي العام ،ويحوله إلى إيمان عميق وحاسم ،وليس مجرد تخدير وعزاء للمتدينين ، بل هو مصدر قوة وعطاء،لأن الإيمان بالمهدي يتطلب بالضرورة رفض الظلم والجور وأن لابد من يوم أن تتهاوى في دعائم الظلم مهما تعملق وتجبر فالهزيمة محتومة والأمل الكبير ينبض في كل فرد مظلوم في القدرة على تغيير الميزان وإعادة البناء.
وقد أشار ابن خلدون أيضا –رغم تعصبه ضد الفكرة ذاتها- لهذه العقيدة المتمثلة في إيمان المسلمين بظهورالمهدي :" اعلم أنّ المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممرّ الاَعصار : أنّه لابدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت ، يؤيد الدين ، ويُظهر العدل، ويتبعه المسلمون ، ويستولي على الممالك الإسلامية ، ويسمى المهدي ».وهذا الإيمان العميق بأصل فكرة المخلص وإن اختلفوا في كنهه ،بين الأديان السابقة ومعظم الثقافات القديمة والفلاسفة والمفكرين ورغم تعدد الأديان وتباين المعتقدات واختلاف الأفكار إلا أنهم متفقون على أصل فكرة المخلص فهل يمكن أن يكون هذا الاتفاق محض صدفة أو هو إفراز طبيعي لغريزة فطرية إنسانية تطمح للأفضل ولغير المتحقق؟!



#نضال_شاكر_البيابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شات القنوات الفضائية والحب المحرم
- (المرأة ومجتمع التناقضات)


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نضال شاكر البيابي - انتظار المخلص..وأسئلة حائرة