أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - راندا شوقى الحمامصى - التحوُّل الروحاني: المفهوم والتطبيق















المزيد.....

التحوُّل الروحاني: المفهوم والتطبيق


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 2998 - 2010 / 5 / 7 - 01:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن مداخلة العلاج النفسي، رغم أهميتها، ستُثْمر في أحسن حالاتها تغييراً في سلوكنا، إلا أنه ليس بمقدورها أن تُحدِث التحوّل الروحاني المنشود. فأفضل ما يمكننا تحقيقه منها، في المستوى الجسماني والنفسي، إرضاء غرائزنا وانفعالاتنا وضبطها، وهو ما يعني شعورنا بالأمان نفسياً لأن حاجات غرائزنا مُستجابة، وانفعالات الغضب والحزن والقلق والخوف قد خفت وأمكن السيطِرة عليها، وتعزّزت قدرتنا على إشباع رغباتنا من جهة، وتحقق كل ذلك دون المساس بحقوق الآخرين ومشاعرهم من جهة أخرى. فأفضل ما تقدمه السيكولوجية لنا إذن مساعدتنا في جعل عالمنا عالماً إنسانياً "humanistic world". أما السيكولوجية الروحانية فإنها ترمي إلى رفع مستوى الحالة عن كونها سيكولوجية عضوية حيوية "biopsychological" إلى خلْقٍ روحاني جديد في الإنسان، وبالتالي تأسيس مدنية روحانية. ومع أن الشخص الروحاني هو الذي يتسامى فوق المرتبة البيولوجية والسيكولوجية (الجسمانية والنفسية)، نجد أن السيكولوجية الروحانية لا تتجاهل هذه المرتبة الخاصة بجوانب الحياة ولا تقلل من قيمتها، بل إنها ترتفع بها وتسمو إلى عالم الروحانية، عالم التنوير والمعرفة والحقيقة، عالم المحبة والوحدة والتعاون والإرادة والمسؤولية والخدمة. فالتحوّل الروحاني من شأنه أن يفتح الآفاق أمام الإنسان حتى يعيش في إطار القيم المطلقة للصدق (الحقيقة) والوحدة والخدمة. ولذلك فإن كل واحد منا إذا أراد أن يكون نفساً متكاملةً عليه أن يبحث عن حقيقة ما حوله وما يتصل به، وأن يكون صادقاً أميناً جديراً بالثقة ولا يكذب على نفسه أو على الآخرين. فمقدرة الإنسان على خداع نفسه مقدرة هائلة، ولذلك فإن مجهوداتنا في اكتساب المعرفة الذاتية والبحث عن الحقيقة يجب أن تكون بنفس القدر من تلك القوة الهائلة أو تزيد.
والحال نفسه ينسحب على الوحدة. وحيث إن الوحدة هي ثمار المحبة، والمحبة ضرورية للحفاظ على الحياة، فلا خيار أمامنا سوى أن نكون رسلاً للوحدة. ففي كل كلمة وكل عمل ومع كل هدف يجب أن نشير إلى شيء واحد لا غير وهو تأسيس مستويات أعلى من الوحدة بين جميع المخلوقات دون استثناء، وبدونها ستكتنف حياتنا، أفراداً وجماعات، صعوبات جمّة. وحتى نكون رسلاً أُمناء للوحدة علينا أن نتعلم كيف يكون ارتباطنا بالآخرين بأشكال لا تحيد عن العدل المطلوب، وهو ما يدعونا بالتالي إلى ضرورة السعي الجادّ في تحقيق المساواة في كلّ علاقاتنا.
وأخيراً فإن عملية التحول الروحاني تتطلّب منا خدمة بعضنا البعض بكل سرور وإقبال، حتى أن علينا أن نكون على قدْر من النّضج يجعلنا نفضِّل الغير على أنفسنا، ليس من منطلق كونه عملاً جيداً أو أخلاقياً، بل من الإيقان بأن خير الفرد يكمن في خير الكل في سياق عالم موحّد. في وضع كهذا من العلاقات الإنسانية المتبادَلة لا مكان للمنافسة والتعصب والظلم. فالخدمة، بما تعنيه الكلمة من إحساس في أوسع مداه، ستتربّع على رأس كل شيء في حياتنا الفردية والجماعية على السواء.
فالتحوّل الروحاني إنما هو عملية مستمرة من الموت وبعث الحياة من جديد، إذا جاز لنا التعبير، في مستويات أعلى من الوعي والإدراك والعمل. فهو يدعو إلى قتل جموح شهواتنا والترفُّع عن الشؤون المادية ونبذ الظنون والأوهام إلى مستوى أعلى لا يُفقِدنا الشعور بالسرور حتى في الأزمات الطارئة المفاجئة. فالموت، الذي يهابه الناس، إنما هو عنصر ملازم وحاضر دوماً في الحياة. ففي مستهلّ حياتنا نمر بميتاتٍ عدة، وعالم اليوم غافل عن حقيقة الموت ويتنكّر له، ولا نُدخِل عادة في حساباتنا تجارب نعتبرها أقل درجة من الموت في حياتنا اليومية. نرى الأطفال يكبرون ثم يغادروننا، والأصدقاء ينتقلون إلى أماكن بعيدة، نفقد عزيزاً علينا، أو ندخل في تجربة طلاق، نعاني من الفشل ونَبْذ الآخرين لنا، نقرأ في الصحف اليومية أخبار القتل، ونسمع بالآلاف الذين أُبيدوا بسبب حروب إقليمية لا تدخل في باب "المنطق" الإنساني. كل ذلك نماذج للموت تبرز في حياتنا ولا نأبه لها كثيراً، إلا أننا نعاني من تبِعاتها وتبِعات تجاهلنا لها، فنلجأ إلى إغلاق قلوبنا وعقولنا. هذه هي أقصى نتائج خوفنا من الموت وثمرة الإعتقاد بأن الحياة تنتهي في هذه الأرض. فبانغلاق عقولنا وقلوبنا لن يبقى مجال للمحبة أن تنمو أغصانها، ولا للحقيقة أن تُشرق أنوارها، أو للخدمة أن تأخذ طريقها. في تلك الظروف يتعاظم اللُّهاث وراء السلطة والنفوذ ويترعرع حكم الظلم والإستبداد.
حين تقرأ هذه الكلمات قد تأخذك رهبة الموقف، وفي الوقت نفسه قد تعترض على التحوّل الروحاني بحجة أنه مطلب شاقٌّ جداً يصعب تحقيقه في واقع الحياة. نعم إنه مطلب صعب وشاق لأنه يتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة والإنتظام والإنضباط وعدم الإنجراف وراء المشتهيات النفسية التي تشدّنا إليها مغريات الدنيا في كل وقت. فالشجاعة مطلوبة لأن الرحلة موحشة ومخيفة؛ في كل منعطف فيها نزوة مخفية تبرز فجأة وتشدك إليها بقوة؛ ورغبة تأتيك من اللاوعي وتدعوك للجنوح نحو المحرمات؛ وهناك صعوبات ومشاكل لا حلّ لها سوف تلازمك. في كل ذلك تلزمنا الشجاعة التي نكتسبها من إيماننا بالهدف وتشجيع الذين من حولنا. فبهذه الطريقة من العلاقة المتبادلة في توفُّر الشجاعة وعوامل الحفز والتشجيع يجب أن يكون الأمر ضمن نطاق الأسرة، وبين مجموعة الأصدقاء، والشركاء العاملين. فلو نظرنا إلى المعالجة النفسية ذاتها لوجدنا أن العلاقة المشجِّعة التي تنشأ وتنمو مع المعالِج هي التي تبعث فينا الشجاعة والإقدام. لقد تمّ التطرّق إلى الإنتظام والإنضباط ودوره في جميع إنجازاتنا، ويكفي أن نذكر هنا أن أي إنجاز بشري خلاّق لا يمكن تحقيقه إلا في ظل ضبط النفس والإنضباط.
وأخيراً ضرورة الإنقطاع وعدم التعلُّق بالشؤون المادية، وهو ما يمكن أن يكون الأكثر أهمية. نميل في حياتنا إلى التركيز على نيل استحسان الآخرين. ففي مجتمع قائم على الزيف والتقليد وروح التنافس والجري وراء كل بِدعة قائمة مقبولة، سيشعر الذين يختارون طريق التحوّل الروحاني أنهم غرباء في مجتمعهم، عليهم في تلك الحالة ألا يلتفتوا إلى استحسان الآخرين أو تهكّمهم، ولا يجوز أن يدخل هذا في اعتبارهم. ولا يعني هذا انعزالهم عن المشاركة في النشاطات الحيوية في المجتمع، بل بالعكس فإن الإنقطاع عن الشؤون الدنيوية المادية يمنحهم الحرية الضرورية لأن يتصرفوا بطريقة تجعل أسلوب حياتهم مقنِعاً للغير، وأن يمنحوا الآخرين محبتهم غير المشروطة، ويخدموهم خدمة لا تنتهي بتوقُّع مكافأة أو انتظار مثلها.
وبالإختصار، فحتى نفوز بالتحول الروحاني فإننا بحاجة إلى التركيز على: كيف يمكن لنا أن نحقق حياة تتصف بفضائل الصدق والوحدة والخدمة. وحتى نضع أنفسنا في بداية الطريق علينا أن نُبقي أبواب قلوبنا وعقولنا مشرعة أمام المسائل الروحانية على الدوام. علينا أن نربي أطفالنا ونُنشِئهم في ظل فضائل الصدق والوحدة والخدمة. فكل الآباء يغرسون في نفوس أولادهم قِيَماً محددة، وفي صلب هذه القِيَم يجب أن يكون الصدق والوحدة والخدمة. فجيل ينشأ ويترعرع في ظل هذه الفضائل لا شك أنه سيؤسس عالماً يختلف عن عالمنا الذي أقمناه.
ومع ذلك فإن هذه القيم، مثل باقي القيم الإنسانية الأخرى، تحتاج إلى احتضان وتغذية ورعاية دائمة طيلة لحظات عمرنا. من هنا تكتسب العبادات الدينية الروحانية أهميتها الخاصة في هذا المجال، ومن بين أهمها الصلاة والدعاء والتأمل والتفكُّر ثم الصيام والإنضباط الذاتي والقيام على الخدمة والتضحية من أجل الآخرين. من كتاب-( سيكولوجية الروحانيّة-من نفس منقسمة إلى نفس متكاملة- د. حسين ب. دانش.تعريب-د.نبيل مصطفى ، أ. مصطفى صبري-مكتبة مدبولي –القاهرة)


ونتابع الصلاة والدعاء والتأمل........... المقال القادم



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البعد الروحاني-تفهُّم الماضي
- البعد الروحاني -التكيف في الحياة ومحدودية -العلاج- Life Modi ...
- حتى تُصبح نفساً متكاملة- -البعد الروحاني للوحدة
- مقال أعجبني-ما أجمل تَسامُحهم!-رجال الدين المسلمون والبابا و ...
- حتى تُصبح نفساً متكاملة - تحدِّيات الوحدة والتكامُل
- المخ البشري والروح الإنساني:ديناميكية (حركة) الترقي الروحاني
- المخ (الدماغ)، الوعي، الروحانية
- نحو قواعد عامة للسلوك الإنساني
- المحبة والإتحاد
- من المراهقة إلى النضج
- الحرية وإرادة الإنسان
- أسقام المعرفة في حالةٍ تعالج المصاعب السيكولوجية بالنسبة للف ...
- أسقام المعرفة
- عندما تتجه الأمور نحو الأسوأ-المعاناة أول الطريق نحو الحقيقة ...
- سيكولوجية الروحانيّة وخصائص الإنسان الأساسية
- رؤيا جوهرية نحو سيكولوجية متطورة- المحبة والإرادة و البحث عن ...
- رؤيا جوهرية نحو سيكولوجية متطورة-الغرض من الأحاسيس
- قراءة في كتاب أمتع روحي-سيكولوجيّة الروحانيّة-من نفسٍ منقسمة ...
- قراءة في كتاب أمتع روحي-سيكولوجيّة الروحانيّة-من نفسٍ منقسمة ...
- قراءة في كتاب أمتع روحي -المادية كنهج للحياة


المزيد.....




- رسالة لإسرائيل بأن الرد يمكن ألا يكون عسكريا.. عقوبات أمريكي ...
- رأي.. جيفري ساكس وسيبيل فارس يكتبان لـCNN: أمريكا وبريطانيا ...
- لبنان: جريمة قتل الصراف محمد سرور.. وزير الداخلية يشير إلى و ...
- صاروخ إسرائيلي يقتل عائلة فلسطينية من ثمانية أفراد وهم نيام ...
- - استهدفنا 98 سفينة منذ نوفمبر-.. الحوثيون يدعون أوروبا لسحب ...
- نيبينزيا: روسيا ستعود لطرح فرض عقوبات ضد إسرائيل لعدم التزام ...
- انهيارات وأضرار بالمنازل.. زلزال بقوة 5.6 يضرب شمالي تركيا ( ...
- الجزائر تتصدى.. فيتو واشنطن ضد فلسطين وتحدي إسرائيل لإيران
- وسائل إعلام إسرائيلية: مقتل أبناء وأحفاد إسماعيل هنية أثر عل ...
- الرئيس الكيني يعقد اجتماعا طارئا إثر تحطم مروحية على متنها و ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - راندا شوقى الحمامصى - التحوُّل الروحاني: المفهوم والتطبيق