أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غازي الصوراني - هل انتهت الفلسفة















المزيد.....



هل انتهت الفلسفة


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 2997 - 2010 / 5 / 6 - 23:26
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


 

ورقة مقدمة إلى ندوة يوتوبيا المعرفة – التجمع الشبابي من أجل المعرفة

 بعنوان : "هل انتهت الفلسفة ؟"

     (فندق الفصول الأربعة –غزة -29/4/2010)

 

يقترن فهم الفلسفة عادة بأنها لصيقة أو متساوية مع البحث عن الحقيقة، بهذه المقولة يصبح السؤال عن نهاية الفلسفة نافلاً .

ولأنْ يحيَا المرءُ دون تفلسف هو حقًا- كما يقول ديكارت - كمن يظل مُغمضًا عينيه لا يحاول أن يفتحهما : والتلذذ برؤية كل ما يستكشفه البصر لا يمكن أن يقارَنَ بالرضى الذي يُنال من معرفة الأشياء التي تنكشف لنا بالفلسفة.

سؤال هذه الندوة وعنوانها هو : هل انتهت الفلسفة ؟ وهو سؤال أعتبره مدخلاً – ضمن مداخل عديدة - صوب خلق أو توليد أساليب جديدة للتفكير لم نتقنها بعد ، علاوة على أن السؤال هو في حد ذاته دعوة للتفكير، لكنه في الجوهر دعوة للتفكيك في بنية المفاهيم الفلسفية السائدة، وصولاً إلى عتبات الرؤى الفلسفة المتعددة، تمهيداً لتعددية معرفية تؤسس لأرضية فكرية يفتقد إليها كافة الأحزاب والقوى السياسية المعارضة التي تسعى إلى التغيير في لحظة موسومة بغياب الرؤى أو الأفكار التوحيدية التنويرية العقلانية على المستويين الوطني والقومي ، وهما مستويان مأزومان مهزومان كما هو حال أنظمتنا العربية.

وأبدا الجواب على سؤال : هل انتهت الفلسفة ؟بسؤال ما معنى الفلسفة ؟ إنها البحث عن الحكمة والمعرفة ، فهل توقف هذا الفعل البحثي وهل يمكن للبشرية انهاء العلاقة مع الفلسفة ؟ بل هل يمكن للإنسان الفرد ممارسة هذه القطيعة مع الحكمة والمعرفة ؟ الجواب قطعاً لا يمكن ..

كان "السؤال" وما يزال الطريق إلى الحكمة والفهم والمعرفة، منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا . وإذا كان عصرنا اليوم يتميز بشيء فلربما بكثرة الأسئلة وتنوع ميادينها.

أرسطو ، كان هو أول من جعل من "السؤال" قضية فلسفية في كتاباته المنطقية، وبعد ذلك

بقي "السؤال" والسؤال عن "السؤال" طوال ما يزيد عن خمسة عشر قرنا عند حدود التساؤلات العامة والتصاريح العمومية إلى أن حل القرن التاسع عشر بنهضته المنطقية.

إذَّاك حاول هؤلاء الفلاسفة الحديثون، من جديد، اخضاع علاقة القضية بالسؤال إلى الفحص التأملي.

في ماهية السؤال ؟ يحدد "ديكارت" ، على هذا الصعيد، ثلاثة شروط لأهلية "السؤال" كتمهيد للمعرفة:

أولاً : ينبغي أن يكون في كل سؤال شيء غير معروف.

وثانياً : أن يكون هذا المجهول معروفاً على نحو معين أو إلى حد معين.

وثالثاً: أن هذا المجهول لا يمكنه أن يصبح معروفاً إلا بواسطة ما هو معروف.

إذن فإننا نرى أن كل من يسأل يعرف ويجهل بآن . لو لم يعرف شيئاً على الاطلاق لما استطاع السؤال. ولو عرف كل شيء لما احتاجه . أن السؤال ينطلق من المعرفة ويعود إليها.

إن الوظيفة الجوهرية لكل فكر أو فلسفة هي الكشف عن معضلة الواقع عبر نقدها نقدا واعيا ينفذ إلى مكنوناتها، لمعرفة قوانينها ..ومن ثم العمل على إزاحة المعضلة وتغيير الواقع من هنا فالحديث عن نهاية الفلسفة، هو حديث عن نهاية الفكر ، ونهاية الوظيفة الجوهرية المرتبطة باستشراف المستقبل أو تحليل الواقع وتغييره، وفي هذا السياق ، نقول ، إن الحديث عن نهاية الفلسفة قد لازم تاريخها منذ بدايتها ، ويتواجد جنبا الى جنب مع الحديث عن البدايات ، إذن فكل حديث عن النهاية هو بداية لشيء ما ، وكل حديث عن البداية هو نهاية لأمر آخر .

أليس المفكر هو من يهوى صناعة السؤال وحرفة الاستفهام؟ كذلك فن صناعة السؤال يستلزم الإحاطة بالكثير من الأجوبة. وهذه الاحاطة آمل أن تكون متوفرة بالمعنى النسبي لدى أصدقائي في التجمع الشبابي من أجل المعرفة، فبقدر  ما يتملك المرء من أجوبة، كذلك يكون " قدر " الأسئلة التي يطرحها.

وقد يبدو للبعض أن سؤال الندوة : هل انتهت الفلسفة ؟سؤالا أقرب إلى المنطق العدمي[1]، لكنه أيضاً سؤال استفساري في ظروف المأزق العربي الراهن، يسعى إلى مزيد من المعرفة أو هو سؤال يعكس ظروف الحضارة الرأسمالية والعولمة وفلاسفتها –اصحاب مدرسة ما بعد الحداثة- في ضوء ما وصلت إليه المعرفة والعلوم الحديثة لاغراض تخدم النظام الرأسمالي .. فهل تتطابق ظروف الغرب الرأسمالي وتحولاته الفكرية على بلدان العالم الثالث عموماً وعلينا في المشرق العربي خصوصاً ، أم إننا بحاجة إلى العودة إلى الفلسفة وإنتاجها الحداثي والتنويري العقلاني وامتلاك المعرفة بدلاً من سؤال النهاية ، خاصة واننا في البلدان العربية نعيش حالة غير مسبوقة من الانحطاط بالمعنى السوسيولوجي ، قد تحيل هذه المجتمعات إلى إعادة مفهوم الرعية في سياق تراكم الاستبداد والفقر والتخلف والتبعية في بلادنا التي يمكن ان تتحول مجتمعاتها إلى نوع من تراث العبيد .

ليست النهاية توقفا لمسار الفلسفة ، فعبارة "نهاية الفلسفة" تعني اكتمال الميتافيزيقا وليس كمالها. بالإضافة إلى ذلك، فكلمة النهاية تحيل –في الألمانية- على كلمة المكان، حيث تصبح نهاية الفلسفة هو ذلك المكان الذي يتجمع فيه كل تاريخها. فاكتمال الميتافيزيقا، تجعل الفلسفة تتخذ نهايتها وتحتل مكانها في عصر يشهد انتصار عالم تقنوي، تسود فيه نظرة علمية للإنسانية كما هي فاعلة في الوسط الاجتماعي

يُتَدَاول مفهوم "نهاية الفلسفة" أو "موت الفلسفة" على أنه من مبتكرات الخطاب البنيوي المعاصر وتحديدا في أعمال ميشيل فوكو وجيل دولوز وهذا لا يمثل الصواب ولا يكسب هذا المفهوم الحديث أية مصداقية، ذلك إن الخلفية التاريخية لهذا المفهوم انما تعود في صياغته الاولى الى "كارل ماركس" في المخطوطات الاقتصادية – الفلسفية (1844) التي عكف على كتابتها في باريس لاسيما كتاب "بؤس الفلسفة" عام 1847 والذي كرسه في الرد على برودون وتقديم نقد وافٍ لعالم النظرية الفلسفية في علم الاقتصاد البرجوازي.

أضف إلى ذلك الملاحظات الفلسفية المهمة التي كتبها ماركس في نقد فيورباخ" والتي اعتمد عليها إنجلس في وضع مؤلفه النقدي المهم "فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الالمانية" والذي يشير فيه إنجلس إلى تصفية الحساب مع الوجدان الفلسفي السابق.

الا ان ماركس يحدد تصوره عن نهاية الفلسفة بعبارة صريحة يقول فيها: "بضرورة نفي الفلسفة بوصفها فلسفة" ووفقا لهكذا تصور، فأن الماركسية تنظر الى الفلسفة على انها مجمل النشاط الفكري الذي قطعته المثالية في بناء نماذج تصورية متعالية على الحقيقة الواقعية او التاريخ الانساني الملموس وبذلك فإن المثالية هي  فلسفة بعيدة عن الفهم الجدي لعلاقة الانسان بالعالم ، لأنها تقدم صورة غير واقعية عن الافكار والاشياء، فهي تكرس وعيا زائفا لا يتناسب مع روح العلم والحقائق الموضوعية .

وفي هذا السياق ، فإن ماركس لا ينظر "للفكر" بوصفه سابقا على الوجود، فهو يعتبر الفكر هو لحظة للوجود، وليس ثمة فكر قائم على شروط عقلية او ميتافيزيقية مسبقة ، وهو قبل كل شيء لا يقبل في الفكر الفلسفي ان يكون معبرا عن الروح الفردية الضيقة او النزعات اليوتوبية.

ولعل مقولته المعروفة في ملاحظاته عن فورباخ التي تجمل عمل الفلاسفة بتفسير العالم أو تأمله بينما المهمة هي تغييره.. تلخص الموقف الماركسي من الفلسفة وذلك بالمعنى الذي تكون فيه الفلسفة تطويرا وتقدما من التأمل والفهم إلى التغيير، وهي مقولة تحمل في طياتها تغيراَ جوهريا في فهم الفلسفة.. بدلا من كونها تكتفي بالفهم والوقوف عند حدود التفسير الى كونها (أداة) للتغيير... إن الاستنتاج الذي توصل اليه ماركس شخصيا في عمليات فهمه وتفسيره لهيغل، ومن ثم نقده وتطويره واستخراج الجدليةالمادية من الرحم الهيغلي ودفعها  علميا نحو كونها حاصلة على النضج الفلسفي المطلوب لقلبها رأسا على عقب وايقافها على قدميها بعد ذلك.

واخيرا، هل يمكن اعتبار نهاية الفلسفة هي نهاية لكل تفكير نظري؟

بالطبع، ان القول بنهاية الفلسفة –من وجهة نظر ماركسية- هو مفهوم يشمل على نهاية الفلسفة التأملية الخالصة او نهاية الميتافيزيقيا بصورة عامة. وان القول بنهاية الفلسفة انما يعكس مدى ثراء فكر ماركس وقابليته على استقراء مستقبل الفلسفة.. وبالتالي فان "نهاية الفلسفة" داخل فكر ماركس انما هو دعوة الى تخطي الفلسفة بالمفهوم المثالي القديم لصالح فكر ما بعد الفلسفة وهو فكر مستقبلي قائم على تغيير الخطاب الفلسفي وتعزيزه بـ(البراكسيس) النظري أو الممارسة لكي تكون ما بعد الفلسفة، فلسفة جديدة قائمة على نبذ الفلسفة المثالية، والتخلص من اوهامها المرضية وأنفاسها الميتافيزيقية التي اثبت التاريخ بؤسها ونضوبها وعدم صلاحيتها لروح العصر.

أما بالنسبة لمقولة "ما بعد الحداثة " وباقي " المابعديات "، فإن من المفيد العودة إلى ما يسمى "بداية النهايات" عام 1968 وانطلاق الحركة الثورية الطلابية الواسعة في فرنسا وأوروبا وأمريكا ، حيث قام المفكر "ألان تورين" باصدار كتابه "ما بعد المجتمع الصناعي" ، وفي تلك المرحلة كانت البنيوية تلفظ أخر أنفاسها في فرنسا ، ومن ثم بدأ الحديث عن " ما بعد البنيوية" والمعروف أن خلاصة أفكار البنيوية أنها تسعى لإيجاد الشيفرة الأساسية بعيداً عن كل ما كان يؤثر في مفكري القرن الثامن عشر. ومن هنا طرحوا مشكلة اللغة والحقيقة. فعلينا الاعتماد على البنية اللغوية في البحث.

وليس التاريخ وحده يجب أن يخضع لهذا بل كل العلوم التطبيقية والاجتماعية. فالبحث عن البنية هو أساس الحداثة. فعلى سبيل المثال بحث هربرت مركوز عن البنية في المجتمع فوجد أنها التكنولوجيا. فقوة التكنولوجيا هي التي تحرر الإنسان، باعتبارها تضع بين يديه الوسائل الحقيقية لتمكينه من تحقيق ذاته. وهذا ما يوافق عليه هابرماس، باعتبار أن التكنولوجيا استمرار للتنوير الذي يصرّ أنه أساس الحداثة، لاعتماده العقل بدلاً من الخرافة والعقائد الغيبية. وهابرماس نفسه يرى أن الحداثة التي تمثل البنيوية ذروتها، ليست سوى استمرار لعصر التنوير.

لو عدنا إلى كتاب تورين لرأينا أن “ما بعد” تعني بالضبط نهاية عهد وبداية عهد جديد، نهاية مجتمع وبداية مجتمع. وإذا كان المجتمع السابق معروفاً فإن معالم المجتمع القادم غير معروفة ولا يمكن رصدها بالدقة... وبالفعل لم نستطع أن نتلمس حتى الآن المعالم التي تشير إليها “ما بعد” إنها السقوط في المجهول.

إنها نقطة وقوف حرجة للمفكرين: وراءهم عصر انصرم وأمامهم عصر مجهول. إن “ما بعد” النهاية، ولذا سمعنا بنهاية التاريخ ونهاية الإنسان ونهاية الشعر ونهاية الفلسفة ونهاية الأخلاق ونهاية القيم ونهاية الأيديولوجيات ونهاية المكان ونهاية الذاكرة ونهاية القومية... وهكذا... لكنهم لا يحددون البديل ، كل ذلك في إطار نظري أو فلسفي تحت عنوان "ما بعد الحداثة".

في هذا الجانب نقول : ليس من باب المغالاة أن نقول أن تاريخ الفلسفة بوجه عام ، انما هو قصه تصور معين هو تصور الضرورة، فالعقل الفلسفي كان وما زال يفهم ذاته "عقلاً" على "عقل" الضرورة ، وبالتالي فإن الفلسفة العقلانية بكل مدارسها تنكر على القضايا الميتافيزيقية ضرورتها، لأن هذه الفلسفة لا تعترف بغير الضرورة المنطقية.

إن الإعلان الخطابي لنهاية الفلسفة عندما تفاعلت الفلسفة بشكل مباشر مع "ما بعد الحداثة".

فلاسفة ما بعد الحرب الفرنسيون رفضوا عموماً فكرة نهاية الفلسفة ، جيل دولوز، وفيليكس جواتاري، أعلنا أن " مستقبل الفلسفة لم يكن أبداً مشكلة بالنسبة لنا، وبشكل أكثر صراحة، قرر جاك ديريدا لا أعتقد أبداً فيما يسمى بسهولة اليوم موت الفلسفة .

أجرت فلسفة " ما بعد الحداثة " عملية تدمير شامل للاعتقادات الغربية الراسخة. المعرفة اعتبرت محل شك، ولم يعد دور الفلسفة أن تعمل على الوصول إليها.

من الحكمة ملاحظة، أنه، بمجرد استدعاء مقولة "نهاية الفلسفة" ، لا يمكن حصر المناقشة (كما كان الأمر) في الاهتمامات الفلسفية .

ولعل ماجلبته الحداثة ومابعدها الى الفلسفة اليوم هو تكريس اكبر عمليات هدم معرفي بذريعة  افراغ حمولة العقل من اوهامه (الميتافيزيقية)و(التاريخية) و (الوضعية) لصالح آفاق ومسطحات اخرىتقوم على لعبة (الاوهام ) و (التمثيل المعرفي) انطلاقا من فكرة لاتخلو من بصمات (نيتشه)القائلة بضعف منطق (الحقيقة) وخلو العالم من (النسقية العقلانية) او (السببية التامة )التي تؤهله لان يكون عالما (انساني ) .

ولعل غاية ما توصلت اليها نظم المعرفة اليوم وبعد ارهاصات ومحاولات اولية هي تلك الفكرة القائلة (بموت الفلسفة) كما نجدها في كامل نضوجها لدى (مشيل فوكو )و(جيل دولوز) وهي امتدا لميتا ت اخرى مثل (موت الله)و(موت الانسان) و(موت المؤلف) وبالتالي (موت الفلسفة) تلك (الميتات الناضجة التي حولت نهايات القرن العشرين الى نهايات معرفية كبرى ،ومراجعات سلبية وانتحارات (تصورية)اسفرت الى رفع الحد الفاصل بين(المعرفة)و(الوهم).

ان هدف هذه المحاولة انما هي فحص وتتبع الأنساق المعرفية الكبرى في اللعبة الفلسفية اليوم التي افضت الى مقولة (موت الفلسفة) وما اذا كانت الفلسفة قد ماتت حقا؟ام ان موت الفلسفة ماهو الا طورا من اطوار تخطيها والذهاب الى (ما بعدها)؟ وكيف يمكن للخطاب الفلسفي المعاصر ان يحيا هو الاخر داخل مشهد الموت الفلسفي المعاصر؟ وهل تعد الفلسفة اليوم منظومة خاوية من الافكار والتصورات ام هي العامل الأساسي في صناعة موت (الاخرين) والحد من طغيانهم الوجودي في ضوء الاشكاليات الكبرى للوجود والعدم .

من هنا ، ففن ما بعد الحداثة ، فن يعبر دون حياء ، عن الرغبات العارمة للشباب ، ويدعو ، لأن تكون الحياة ، والمجتمع حيويان ، يتصفان ، بامتلاك هذه الروح ، التي هي قريبة من الصرعات، والمودات ، التي تتبدل ، وتتغير ، تبعاً لأذواق الشباب والمراهقين ، وهم في الوقت نفسه ، يساهمون ، في صنعه ، وتلقيه ، والاهتمام به ، والدعوة إليه ؛ كونهم جزءاً أساسياً ، من المجتمع الاستهلاكي المعاصر ، والثقافة ، والمعرفة العدمية[2] المعاصرة ، التي يعيشها الإنسان المعاصر ، والتي تتطلب منه ، أن يكون حاضراً ، لصنع وجوده ، وذاته على مقاييسه ، وليس على مقاييس الآخر .

إن ما تقدم ، يعني أن التمسك الجدلي الواعي بصيرورة الحداثة وتواصلها وامتدادها في اللحظة الراهنة ، هو أحد أهم المخارج لإشكاليات الفلسفة المعاصرة ، فإذا أوجزنا الحداثة قلنا إنها الموقف من عصر التنوير. بعضهم يرى أن عصر التنوير لايزال مستمراً، من أمثال هابرماس، وبعضهم يرى أن عصر التنوير لا يصلح ليكون منطلقاً للحداثة، بل الحداثة هي مواجهة الظروف الجديدة ليس بعقل القرن الثامن عشر، بل بذهنية التحليل العميق. ولهذا اعتُبر القرن العشرون قرن التحليل، أي قرن الحداثة. وحجتهم في ذلك أن الحداثة هي إبعاد كل ما يؤثر في العقل أثناء تحليل الأمور الإنسانية إذ تعامل كأنها أشياء مادية نقاربها بعيداً عن هوانا.

 

لقد كان لإجابة جميع فلسفات العوالم القديمة (أي السابقة على الحداثة الرأسمالية) طابع ميتافيزيقي صريح. فكانت هذه الفلسفات تؤكد أن هناك نظاماً يحكم الكون ويفرض نفسه على الطبيعة والمجتمعات والأفراد.

نشأت الحداثة عندما تخلى الفكر الفلسفي عن هذا الإرث.

انطلقت الحداثة، إذن، عندما أعلن الإنسان انعتاقه من تحكم النظام الكوني .

إن مقولة تجاوز هيمنة الميتافيزيقيا تعني، إذن، تأكيد الفصل بين الطبيعة والمجتمع، وبالتالي رفض إدماج المجالات المحكومة من خلال قوانين الطبيعة (والتي على العلوم الطبيعية أن تكتشفها) والمجال الذي تحكمه "قوانين المجتمع".

ليس هناك تعريف آخر للحداثة في رأيي – غير هذه القطيعة الفلسفية لا تغلق في نمط نهائي، بل هي ، على العكس من ذلك ، في تطور متواصل ينفتح على المجهول الذي تدفع حدوده إلى الأبعد دون إمكان بلوغها أبداً . فالحداثة لا نهاية لها. بيد أنها ترتدي أشكالاً متتالية طبقاً لإجاباتها على التحديات التي يواجهها المجتمع في لحظة تاريخية معينة.

إن القول بأن الإنسان يصنع تاريخه – وإن كان هذا القول بمثابة شهادة ميلاد الحداثة وتحديد مجال تساؤل الفكر الاجتماعي ، إلا أن حركة التاريخ ليست بمثابة التنقل على خط مستقيم، بل إنها تتكون من لحظات متتالية ، بعضها تقدم خطوات في اتجاه معين ، وبعضها توقف عند نقطة معينة، بل رِدات إلى الوراء أو انغلاق على مآزق. كم هو حال شعوبنا العربية، فهناك نقاط تقاطع تفرض الخيار بين احتمالات متباينة حتى صار "الخط العام" للتاريخ غير معروف مسبقاً.

يقال كثيراً في أيامنا إن الحداثة أصبحت مفهوماً تخطاه التاريخ . هذا القول لا معنى له من حيث المبدأ. فإذا كان تعريف الحداثة هو أن (الإنسان) يصنع تاريخه، فإن هذه المقولة هي غير قابلة للتجاوز بالمرة، إلا أن مراحل الأزمات الكبرى – ونحن نجتاز حالياً مرحلة من هذا النوع – تتسم دائماً بميل إلى الردة نحو الماضي ، أي ما قبل الحداثة .

إن المقولة التي تُعرف بها الحداثة – أي أن الإنسان يصنع تاريخه – لا تقول إن البشرية – بكليتها أو بجزئياتها – تمارس في كل لحظة من تاريخها عقلانية كاملة تتفق مع مقتضيات منطق مشروع مجتمعي تتجلى من خلاله "ضروريات التاريخ".

لقد اقترن التطور نحو الدمج بين خطاب ما بعد الحداثة وأيديولوجيا الليبرالية المعولمة مع تطور آخر تم على أرضية واقع النظام الرأسمالي نفسه. فانتقل النظام الرأسمالي من مرحلة الإزدهار الذي ساد خلال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية إلى مرحلة أزمته الراهنة. (كما تآكل أيضاً النمط السوفيتي في الشرق ونمط الدولة الوطنية والتحديث في العالم الثالث). وعندما انهارت دولة الرفاهية في الغرب وظهرت مرة أخرى ظواهر التفاوت المتزايد في توزيع الدخول وانتشار البطالة والتهميش الاجتماعي والفقر، انهارت معها أوهام الحداثة في شكلها السابق.

إن جميع النواقص والإنزلاقات المذكورة هنا تدفع الفكر الاجتماعي في اتجاه واحد، ألا وهو التكيف مع مقتضيات سيادة الاقتصاد السياسي الليبرالي الخاص بمرحلتنا . ففي مقابل الإذعان لقوانين السوق والمساهمة في هجوم الفوضوية اليمينية المعادية للدولة من حيث المبدأ، تغذي مذاهب ما بعد الحداثة وهماً وتعد باحتمال التوصل إلى مجتمع قائم على الوفاق العام ومتحرر من الصراع الأيديولوجي. فليس من الغريب أن عدداً من مفكري ما بعد الحداثة قد أعلنوا "نهاية الأيديولوجيات". بل أحياناً "نهاية التاريخ" أعتقد أن هذه الأطروحات الساذجة لا تقنع عدا من كان مقتنعاً من البداية. وأشارك هنا حكم الفيلسوف اليوناني كستوريارديس الذي يرى في مثل هذه الأفكار " تصاعد التفاهة". فهي تبدو لي وسائل أيديولوجية رخيصة وظيفتها خدمة غدارة الأزمة، لا غير. فهذه الأفكار لا تطرح لنفسها تساؤلات حول الرأسمالية، لكنها تقبل وجودها بصفتها أمراً واقعاً دون فتح النقاش حول حاضرها ومستقبلها.

وبما أن شجب النهاية اتهام للبداية التي صدرت عنها، فقد كان على الفكر الأوروبي أن يعود إلى قراءة المشروع الحداثي بمنظور جديد، يتضمن أكثر من اقتراح : اقتراح يطالب بالاحتفاظ بالمشروع الحداثي، بعد نقده وتطويره وتوسيعه، وممثلة الأكبر الألماني هابرماس مع غيره، واتجاه آخر يرى أن الحداثة الأولى قد تفجرت وانتهى عهدها إلى غير رجعة، ومن أصوات هذا الاتجاه الفرنسي ليوتار مع غيره. وإلى الاتجاه الثاني تنتمي إشكالية ما بعد الحداثة في شكلها الأخير، التي تطلق آلة مفهومية ندد بالعقل والتنوير والتقدم والمثفف الحديث وصولاً إلى "نهاية التاريخ" التي تعلن أنه لا جديد قادم.

ان أزمة النظام الرأسمالي، ليست أزمة “رأسمال” فحسب ، بل هي  أزمة ايديولوجية أي البحث عن نظرية تمنحه الشرعية. لأن أي نظام اجتماعي، ليس بقادر على الاستمرار لمدة طويلة من غير ايديولوجية فعالة تؤمن له استمرارية عملية الإنتاج في داخله، وتجعل عملية الإنتاج قادرة على التنامي ذاتيا بحيث تحول دون حدوث “ثورة”.

في ظل انتشار مفاهيم أو فلسفات ما بعد الحداثة في إطار الفوضى الفكرية الراهنة، بعد انهيار المنظومة الاشتراكية يبدو كما لو أن سنوات المجد الذي كان ينعم به اليسار قد ولت بلا رجعة، وكأن هذا اليسار، لم يعد يجد ما يبشر الناس به، لا أمل في مستقبل زاهر سيطرق الأبواب. ارتباطاً أو انعكاساً لبشاعة العولمة الرأسمالية من ناحية وشوق المضطهدين للخلاص من واقعهم المهان من ناحية ثانية.

ففي ظل تراجع وانحسار اليسار العالمي، في البلدان الرأسمالية الغربية خصوصاً ، كان من الطبيعي ، أن يقع هذا اليسار، في أزمة خانقة، حيث وقع القسم الاكبر منه في غواية فلسفة الليبرالية الجديدة و فلاسفة ما بعد الحداثة بذريعة تبنيهم قيم الرفض، النفي، والتمرد، ومع ذلك فإنهم قد أزاحوا عن الثورة أي طابع غائيّ، فلقد شاؤوا أن يكونوا لاهيجليين إلى أقصى حد ممكن، وابتغوا إنقاذ الإنسان أو ما يمكن إنقاذه، مما يعتبرونه جحيم العقل، وإسمنت الحداثة، وذلك من دون أن يجعلوا لهذا الجحيم أو الإسمنت بديلاً عدا التمرّد المجاني:  والأمثلة أو الشواهد على ذلك كثيرة من خلال مواقف العديد من الفلاسفة ، حيث  يعتقد مشيل فوكو أننا لم يعد بوسعنا أن نغير الكثير، ومع ذلك فلا بد من أن نفعل شيئاً ما؛ وينكر دريدا فكرة أن للثورة مساءاً أخيرا سنسهر احتفالاً به؛ ولا يراهن "بودريار" على أكثر مما يسميه بالمتفردات (حركات معزولة أو ضمن دوائر متفردة ، لن تستطيع سوى إزعاج العولمة الرأسمالية واستبدادها) ؛في حين أن "ألبير كامي" قد مجّد الإنسان المتمرد والذي لا قضية له في مواجهة العبث سوى التمرد المجاني؛ وأخيرًا، تأتي حركة العولمة البديلة اليوم، والتي التحق بها كل من ديريدا وبودريار قبل وفاتهما، لترفع شعار "عالم آخر ممكن"، لكن من دون أي تحديد لهذا العالم الآخر. الأمر الذي يستدعي إعادة إحياء وتجديد اليسار الماركسي القادر وحده على الدعوة إلى التغيير الثوري لكل انظمة الاضطهاد والظلم والاستغلال .

في ضوء ذلك لا بد لنا من الإقرار بصعوبة تحديد مفهوم كلمة "نهاية" ،حيث أن هذا التحديد يكمن في فصل هذا المفهوم عن مفهوم الغاية ، إذ إن كلمة نهاية ، في الفلسفة ، استعملت في غالب الأحيان مقرونة بكلمة غاية وكأن النهاية لا تكون إلا بتحقيق الغاية والوصول إليها، من هنا فلو تحقق هدف الفلاسفة في الحق والخير والجمال والحرية والعدالة ... إلخ لأمكننا القول بنهاية الفلسفة المتعلقة بهذه الأهداف، لكي تبدأ دورة جديدة من الأسئلة الكبرى والأهداف أو الغايات الكبرى.

من هنا كانت الحاجة أولاً للكلام عن النهاية المرتبطة بتحقيق الغاية ، كما استعملها الكثير من المدارس الفلسفية والتيارات ، قبل الحديث عن مفهوم النهاية بمعنى التلاشي والزوال دون بلوغ هدف معين بالضرورة . اذن النهاية كمفهوم مقترن بالغاية : إذا كانت الغاية هي الهدف الذي يكمن وراء ظاهرة معينة أو الوظيفة التي تفسر عضواً معيناً ذلك " أن الطبيعة لا تفعل شيئاً عبثاً"، فالنهاية، كما استعملها الكثير من الفلاسفة ، تصبح تحقيق الهدف الأخير أو الغاية القصوى أي بلوغ المرحلة الأخيرة من التطور حيث ليس بعد مزيد لمستزيد .

بهذا المعنى تصبح نهاية الفلسفة في كمالها أي في تمامها وبلوغها آخر مراحل نموها وتطورها، وهو في تقديري مآل لن تبلغه الفلسفة طالما ظل الوجود البشري قائما .

 في إطار الحديث عن الفلسفة ومفاهيمها، من المفيد ان نستعرض سريعاً المباحث أو العناوين الكبرى الرئيسية التي تناولتها الفلسفة :  أ.  الميتافيزيقا (ما بعد الطبيعة) :  وجود عالم يقوم فيما وراء عالمنا المحسوس وهو عصي على الإدراك الحسي.  ب المنطق : هو علم يدرس الاستدلال من حيث الصحة والفساد. ج.  نظرية المعرفة ( الابستيمولوجيا): تتناول نظرية المعرفة مسائل أساسية أربع هي : (1)أصل المعرفة البشرية ومصدرها. (2) طبيعة المعرفة البشرية. (3) صدق المعرفة أي كيف تتميز المعرفة الصادقة عن المعرفة الكاذبة. (4) حدود المعرفة البشرية.

د‌.   فلسفة الأخلاق.     هـ.  فلسفة الجمال.  و. فلسفة العلم : وهي دراسة وتحليل العلوم من حيث طبيعتها ومنهجها ومفاهيمها.  ز. فلسفة الدين: تعني فلسفة الدين بدراسة ما تنطوي عليه المعتقدات الدينية.

وللفلسفة مباحث أخرى كفلسفة التاريخ وفلسفة القانون وفلسفة السياسة وفلسفة التربية وغيرها.

الخطوط الكبرى لتاريخ الفلسفة : يمكن أن نقسم تاريخ الفلسفة إلى العصور الآتية :

(أ‌)    العصر الإغريقي : ويمتد من القرن السادس قبل الميلاد وحتى وفاة أرسطو (ولد عام 384ق.م – 322 ق.م).

(ب‌)  العصر الهليني : الذي يمتد من وفاة أرسطو حتى نهاية الأفلوطينية المحدثة 322 ق.م – 500م وقد انصب جل اهتمام الفلسفة في هذه الفترة على المسائل الأخلاقية والعملية.

(ت‌)  العصر الوسيط: ويبدأ من القديس أوغسطين 354-430 في القرن الخامس وحتى القرن الخامس عشر. وقد انشغلت الفلسفة في هذا العصر بالمسائل الدينية عبر السيطرة المطلقة للكنيسة في هذه المرحلة ، التي بدأت في التراجع ومن ثم اليقظة على يد روجر بيكون (1220 - 1292) الذي هاجم لاهونيي عصره، وحاول المزج بين الدين والعلم والعمل ، ويعتبر رائد العلم التجريبي الحديث ، ثم تواصلت يقظة أوروبا على يد مارتن لوثر (1483-1546) وهو وجاليلو (1564 - 1642) وميكا نيللي (1469 - 1527). فلاسفة الإسلام ابتداء من الكندي (ت873) وانتهاء بابن رشد 1126-1198 رافداً من روافده.

(ث‌)  عصر النهضة وتطور الفلسفة الأوروبية والتنوير حتى نهاية القرن الثامن عشر ولادة هذا العصر لم تكن عملية سهلة، قرون من المعاناة وتحولات ثورية في الاقتصاد والتجارة والزراعة والمدن كانت بمثابة التجسيد لفكر النهضة والإصلاح الديني والتنوير.

ففي هذا العصر انتقلت أوروبا الغربية من مجتمع الطبيعة المحكوم بنظرية الحق الإلهي إلى المجتمع المدني ، مجتمع الديمقراطية والثورة العلمية الكبرى التي أحدثت زلزالاً في الفكر الأوروبي.

أن الفكر الذي ساد في المرحلة السابقة ( الإقطاعية ) لم يهتم ببحث المسائل المطروحة ، ذلك أن "المفكرين" لم يتطلعوا إلى البحث عن الحقيقة بل عن وسائل البرهان على صحة العقائد الدينية خدمة لمصالح الملوك والنبلاء الإقطاعيين.

كان لابد لهذه الفلسفة القائمة على مثل هذه الأسس أن تسير في درب الانحطاط في ظروف بدأ فيها يتعزز العلم.

ففي هذه المرحلة الانتقالية ، نلاحظ تطوراً ونمواً للمدن وظهور التجار والصناعيين وأصحاب البنوك ، والاكتشافات التكنيكية المغازل الآلية – دواليب المياه – الأفران العالية والبارود والطباعة في أواسط القرن الخامس عشر .

وظهور مجموعات من المثقفين البرجوازيين قطعوا كل صلة لهم بالكنيسة واللاهوت الديني ، وقد سمي هؤلاء بأصحاب النزعة الإنسانية " HUMANISM ".

المرحلة التاريخية الثانية أو تطور الفلسفة الأوروبية في عصر الثورات البرجوازية أواخر القرن السادس عشر ونهاية القرن الثامن عشر:

رفع فلاسفة هذا العصر رغم الاختلافات بين مذاهبهم شعار "العلم" من أجل تدعيم سيطرة الإنسان على الطبيعة ،وأصبحت التجربة هي الصيغة الأساسية للاختراعات والأبحاث العلمية التطبيقية في هذا العصر وأبرزها:

• صياغة القوانين الأساسية للميكانيك الكلاسيكي بما فيها قانون الجاذبية الذي وضعه نيوتن (1643 – 1727) .

• تطوير علوم الرياضيات والهندسة والفيزياء والأحياء_ ديكارت ولايبنتز

• اكتشاف الدورة الدموية- هارفي - " تأكيد اكتشاف ابن النفيس"

• قوانين الميكانيك وتعريف مفهوم العنصر الكيميائي_ بويل.

• ميزان الحرارة الزئبقي والضغط الجوي_ تورشيللي ( أحد تلامذة جاليليو)

ابرز فلاسفة هذه المرحلة :

- فرنسيس بيكون ( 1561 م. _ 1626 م. ) : "أول من حاول إقامة منهج علمي جديد يرتكز إلى الفهم المادي للطبيعة وظواهرها"، فالغرض من التعلم عنده زيادة سيطرة الإنسان على الطبيعة وهذا لا يمكن تحقيقه إلاَ عن طريق التعليم الذي يكشف العلل الخفية للأشياء.

 - رينيه ديكارت ( 1596 م. _ 1650 م. ): وهو فيلسوف فرنسي وعالم رياضيات وفيزيائي وعالم فسيولوجيا، كان "ديكارت" في مبحث المعرفة مؤسس المذهب العقلاني ، هذا المذهب الذي يرتكز عنده على مبدأ الشك المنهجي أو الشك العقلي "الشك الذي يرمي إلى تحرير العقل من المسبقات وسائر السلطات المرجعية" ومن سلطة السلف.

- توماس هوبز ( 1588 م. _ 1679 م. ): رفض هوبز في مذهبه في القانون والدولة نظريات الأصل الإلهي للمجتمع .

- باروخ سبينوزا (1632م. – 1677م. ) : أكد على أن الفلسفة يجب أن تعزز سيطرة الإنسان على الطبيعة..

- جون لــوك ( 1632م. – 1704م. ) : ن كبار فلاسفة المادية الإنجليزية، يرجع جميع ظروف المعرفة إلى الإدراك الحسي للعالم الخارجي... فالتجربة بالنسبة له هي المصدر الوحيد لكافة الأفكار..!

- جون ستيوارت مل (1632-1704)، قال بأن جميع أشكال المعرفة تعود إلى الإدراك الحسي المادي للعالم الخارجي .

عصر التنويـــر الفرنسي والفلسفة الألمانية في القرن الثامن عشر :  يتميز هذا العصر بوضع أنسقة فلسفية متكاملة عن العالم واستخدام المناهج العلمية في البحث.

أولاً : التنوير الفرنسي : شهدت فرنسا قبيل الثورة البورجوازية الفرنسية (1789) حركة فكرية واسعة وقوية عرفت "بحـركة التنوير" ، وضع رجالها نصب أعينهم مهمة نقد ركائز الإيديولوجية الإقطاعية، والنضال من أجل إشاعة روح التسامح الديني وحرية الفكر والبحث العلمي والفلسفي وإعلاء شأن العقل، من أبرزهم :

- شارل مونتسكيو (1689-1755) : يرى أن الضمانة الأساسية للحرية في المؤسسات الدستورية التي تحد من العسف وتكبحه.

- فرانسوا فولتير ( 1694م. 1778م. ) : عاش كل حياته مناضلاً ضد الكنيسة والتعصب الديني وضد الأنظمة الملكية وطغيانها؛ رفض فولتير جميع تعاليم الديانات _الإيجابية_ في صفات الله لكونها تفتقر إلى البرهان.

- جان جاك روسو ( 1712 1778 ) : ناضل روسو ليس فقط ضد السلطة الإقطاعية بل كان مستوعباً لتناقضات المجتمع الفرنسي أكثر من غيره؛ فقد وقف مع وجهة نظر البرجوازية الصغيرة "الراديكالية" والفلاحين والحرفيين .

- ديني ديدرو ( 1713 - 1784 ): من أبرز وجوه الماديين الفرنسيين على الإطلاق.. ينطلق في أفكاره من القول بأزلية الطبيعة وخلودها فليست الطبيعة مخلوقة لأحد ولا يوجد سواها أو خارجها شيء مطلق؛

- ثانياً : الفلسفة الألمانية :

عمانويل كانط ( 1724 - 1804 ): في مؤلفاته انطلق من نظريته عن "الأشياء في ذاتها" عارض مزاعم الإقطاع الألماني في "أن الشعب لم ينضج بعد للحرية؛ مبيناً أن التسليم بصحة هذا المبدأ يعني أن الحرية لن تأتي في يوم من الأيام.

جورج ويلهلم فريدريك هيجل (1770 - 1831 ) : تكمن مأثرته التاريخية العظيمة في أنه كان أول من نظر إلى العالم الطبيعي والتاريخي والروحي بوصفه عملية؛ أي في حركة دائمة وفي تغير وتطور. لقد صاغت فلسفة "هيجل" بشكل منظم النظرة "الديالكيتكية" إلى العالم . .

إلى جانب هؤلاء، برز العديد من الفلاسفة في ألمانيا وأوروبا وأمريكا ، في القرن التاسع عشر ، وهو القرن الذي تميز بالانصراف إلى الواقع المحسوس ذاته تحت تأثير العلم الطبيعي، وظهور الفلسفة الماركسية (ماركس 1818 – 1883 ) التي توصلت إلى النتيجة القائلة بحتمية الثورة الاجتماعية وضرورة توحيد حركة الطبقة العاملة.

  ومن أبرز فلاسفة هذا القرن (19) الفيلسوف شوبنهور (1788-1860) العالم عنده ارادة القوة ، ثم أوجست كونت (1798-1857) وهو مؤسس الفلسفة الوضعية وصاحب مصطلح "علم الاجتماع"، ثم  هربرت سبنسر (1820-1903) وهو عالم اجتماع ومن مؤسسي المذهب الوضعي ، وموضوعه البرهنة على الطبيعة الطبيعية والأبدية للرأسمالية، ثم الفيلسوف الأكثر تشاؤماً فريدريك نيتشه ( 1844 – 1900)

أما القرن العشرين، فهو -حسب العديد من الفلاسفة والمفكرين- عصر التحليل المنطقي للغة الفلسفة والعلم على الأكثر، وانتشار الفلسفة البرجماتية، ومن أهم فلاسفتها وليم جيمس (1842-1910) وهو فيلسوف مثالي امريكي من أبرز الدعاة والمنظرين المؤسسين للفلسفة الذرائعية أو البرجماتية . ثم الفيلسوف جورج سنتيانا (1863-1952) فيلسوف أمريكي من أنصار الواقعية النقدية ومن أهم فلاسفة البرجماتية ، وضع في كتابه "السيطرة والسلطات" نظرية تفسر تطور المجتمع بغريزة حفظ الذات والسعي الدائم للمنافع المادية ، أما في السياسة فقد كان مناهضاً للديمقراطية مؤيداً لسلطة النخبة الرأسمالية . ثم جون ديوي (1859-1952) فيلسوف أمريكي ترك أثره الواضح على الفلسفة وعلم الاجتماع عموماً وعلوم التربية والتعليم خصوصاً، وهو مؤسس مدرسة شيكاغو الذرائعية ، ويعتبر من أهم المدافعين عن الليبرالية البرجوازية والفردية وحرية السوق .

وفي هذا القرن ، تكرست وانتشرت الفلسفة الوضعية المنطقية§ التي أسسها كل من أوجست كونت و سبنسر ،  إلى جانب الفلسفتين الوجودية والماركسية في إطار الصراع بين النظاميين الرأسمالي والاشتراكي، والمعروف أن الفلسفة الوجودية انقسمت إلى الوجودية المؤمنة التي عبر عنها الفيلسوف الدانمركي سورين كيركجورد (1813-1855) ، والألماني كارل ياسبرز (1883-1965)، والوجودية الإلحادية التي عبر عنها الألماني مارتن هيدجير (1889-1976) ويعتبره البعض من أهم فلاسفة القرن العشرين ، فقد حاول هيدجير في كتابه "الوجود والزمان" أن يحدد علاقة الوجود بالإنسان إنطلاقاً من الإنسان ، فهو لم يعترف أبداً إلا بالوجود كمصدر وحيد لكل الحقائق عبر الإنسان بالطبع ، شاركه في فلسفته هذه، الفرنسي جان بول سارتر (1905-1980)،

 

 

عصر العولمة أواخر القرن العشرين : (الفلسفات البنيوية* والتفكيكية* وما بعد الحداثة والليبرالية الجديدة إلى جانب الفلسفة الماركسية بعد  انهيار المنظومة الاشتراكية وانتشار ظاهرة فوضى الأفكار ).

إن الثورة الإعلامية والتكنولوجية أثرت بالفعل على تصورات الفكر الفلسفي في الغرب، حيث أحالت قسماً من مشروعه المستقبلي إلى واقع ملموس، ومعاش فعلا ..، وهذا يعني أن الفكر الفلسفي يظل فكراً مستقبلياً قادر دوماً على تقديم الرؤى والتصورات الجديدة.

وبما أن الفلسفة الغربية هي التي أنتجت ما هو راهن من تسريع تطوري للحياة والأشياء. فخلقت فضاء منجزا وأصبح عليها الانتقال إلى فضاءات أخرى ، في عالم محكوم بتطورات علمية وثقافية متسارعة وغير مسبوقة ،من هنا بدأ الحديث عن ما بعد الحداثة، وما بعد العولمة، بذريعة الاهتمام بالمستقبل .

لقد أدت التطورات المسارعة على جميع الصعد على طرح أسئلة حادة ودقيقة شغلت الفكر الفلسفي مثلا ما هو مصير الفلسفة ؟ وإذا ما اختفت ملكة التفكير الفلسفي هل سيتحول الفرد مع تطور العولمة –في بلدان العالم وبدرجات متفاوتة- إلى مجرد سلعة استهلاكية ؟

وفي هذا الجانب تحديدا ، لا بد لي من ان اشير الى ما يمكن تسميته بـ الحقيقة الفكرية المركزية لعصر العولمة التي تتلخص في تزايد مضطرد ومتسارع للمعرفة بصورة غير مسبوقة ، (نحن نعرف أكثر من آباءنا ، وأولادنا سوف يعرفون أكثر مما نعرف) ، وهذه الزيادة في المعرفة ستجعل من ظهور نوع جديد من الفلسفة أمراً ممكنا ، وهذا لا يعني أبداً نهاية الفلسفة ، بل تطورها وتجددها بما يتوافق مع معطيات هذا العصر ويتخطاها إلى آفاق أكبر ، قد تؤدي إلى تراجع عصر الشك الابستمولوجي أو نهايته لحساب اليقين الابستمولوجي أو "الحياة الواقعية" للمعرفة .

وبسبب النمو الشديد للمعارف والعلوم اليقينية ، الموضوعية ، والكونية ، لم تعد إمكانية المعرفة سؤالا مركزيا في الفلسفة ، وقد نتفق على انه من المستحيل سيكولوجيا في هذا العصر أن نأخذ مشروع ديكارت بالشكل الذي نظر إليه هو ، إذ أن الصور التقليدية للشك الديكارتي لا يمكن أن يكون لها معنى بالنسبة لنا في عصر العولمة أو عصر التراكمات المذهلة للمعرفة اليقينية ، ويمكن أن نفسر مفاهيم "ما بعد الحداثة" بأبعادها الميتافيزيقية نوعا من الشك المعاصر إذا صح التعبير ، إلى جانب فروع داعمه مثل "التفكيك" و"ما بعد البنيوية" وبعض تنويعات أو انحرافات البرجماتية صوب الميتافيزيقا والعنصرية (كما نلاحظ عند ما يسمى بالمحافظين الجدد) .. فإذا كنا نعني بالحداثة فترة العقلانية والذكاء الممنهج التي بدأت مع عصر النهضة ثم عصر الأنوار ، إذن نحن اليوم لسنا في عصر "ما بعد الحداثة" ، بل يمكن القول أننا في عصر "ما بعد الشك" أو عصر اليقين المعرفي او ما بعد الابستمولوجي ، وفي سياق صيرورة الحداثة وتواصلها في اللحظة المعاصرة، فالحداثة لا نهاية لها، "كما يقول بحق الفيلسوف الألماني المعاصر هابرماس".

الحديث عن نهاية الفلسفة ذكَرنا بالحديث عن اعلان نهاية التاريخ وفق طرح فرنسيس فوكوياما، وهي طروحات مستحدثة لا جديد فيها ، فقد سبق لهيجل أن أعلن بأن التاريخ قد أنهى تحققه ووصل محطته الأخيرة عند نقطة تشييد الدولة البروسية، لكن حركة التطور أثبتت خطأ استنتاجات هيجل ، فالتاريخ الإنساني لن يتوقف إلى بانتهاء الوجود البشري.

 إلا أن إعلان فوكوياما يأخذ طابعا آخر ويتغذى من غرور مختلف، وما هو سوى إعلان آيديولوجي آخر يرى العالم من خلال تصوره وأوهامه، أي من خلال آيديولوجيته بالتحديد، وهذا شكل من أشكال التفكير الآيديولوجي يقفل التاريخ ويتغاضى عن أن العالم متغير وتتغير تبعا لذلك صورته في الذهن البشري، ويعلن أن نموذجه هو التطور العقائدي الأخير للجنس البشري . ولكنه من جانب آخر يعبر عن صلف العقل السياسي الأمريكي وآيدولوجيته العنصرية التوسعية التعبوية بكونه لم يعد يخضع للقوانين التاريخية، بل يمثل أمة "صانعة" للتاريخ والمستقبل، باختصار إنه يمثل الأمة السوبرمانية ويعد تتويجا عمليا لأفكار الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه.

إن وثنية نيتشه هي وثنيه يعاد إنتاجها داخل العقل السياسي الأمريكي بحسبانها وثنية الإنسان الأمريكي المحارب ، المستند إلى منطق الفائدة أو المصلحة كما حددته الفلسفة البرجماتية ، وبهذا فإن الفكر الأمريكي هو فكر السيطرة والقوة الأحادية وإرادتها التي تحكم على الأفكار إنطلاقاً من فائدتها وليس من صدقها ، ذلك هو جوهر النظام الرأسمالي عموماً ، وجوهر النظام الإمبريالي الامريكي خصوصاً ، الذي بات يعتبر نفسه نوعاً من "الأمة السوبرمانية" " التي من حقها تحديد نظام القيم عبر صيغة " من ليس معنا فهو ضدنا" وفق أفكار المحافظين الجدد التي وضعها معالمها "ليوشتراوس" الذي يمثل الخلفية الفلسفية والسياسية لتيار اليمين المتطرف في الولايات المتحدة، إن هذا النظام القيمي حدد علاقة الولايات المتحدة بشعوب العالم عموماً و شعوب البلدان الفقيرة خصوصاً من أجل الاستحواذ على مواردها واستغلالها عبر الشرائح الطبقية البيروقراطية والكمبرادورية الحاكمة في البلدان الفقيرة ".

ولعل اللحظة التاريخية من فوكو و دريدا، أو مفاهيم التفكيك وما بعد الفلسفة إلى جانب تيارات ما بعد الحداثة التي طلعت علينا في مرحلة تسارع مفاهيمي، وولادة قيصرية للتقنيات التفسيرية البنيوية وازمة المنهج في الفكر الغربي المعاصر  تحفزنا -في اللحظة الراهنة - لإعادة النظر بالمفهوم الفلسفي الشامل للفلسفة، بعد أن تم اهمال أو تجاوز الحقبة الكبرى من الفلسفة الحديثة والمعاصرة ومعنى الوجود سواء كان أزلياً أو نتاجاً للفكر أو الروح ، وبالتالي الإجابة –من موقع الرؤية المثالية أو الرؤية المادية- على الأسئلة الكبرى المرتبطة بالعقل والحرية والطبيعة والمجتمع.

إن هذا التسارع المفاهيمي ، إلى جانب تسارع مظاهر العولمة وأدواتها ، دفع البعض إلى اعتبار(الفلسفة ) مقولة قديمة،قد ذهب اوانها وجف بريقها، ولم يعد مجديا الشهادة لها بالحياة ،لاسيما بعد أعلن (ميشيل فوكو) عن أهمية البحث عن فلسفة جديدة تستطيع أن تملأ فراغ الفلسفات الكبرى، الديكارتية والهيغلية والكانطية والوجودية والماركسية، خاصة بعد كتابه "الكلمات والاشياء" الذي أثار ضجة حين صدوره ، تكمن في أنه ينسف فكرة الاستمرارية في الانتقال من مرحلة إلى أخرى ، حيث ساد لدى المفكرين والفلاسفة منذ عصر النهضة إلى اليوم اعتقاداً راسخاً ، وموضوعياً ، بالنسبة لتواصل أو تشابك مراحل التطور الفكري أو المعرفي منذ عصر النهضة أو الحداثة حتى اللحظة الراهنة، إلا أن "كتاب "فوكو" جاء ليؤكد بأن حقبة لها خلفياتها الخفية التي تفسرها وتشكل – في نفس الوقت – انقطاعاً كاملاً مع الحقبة التي سبقتها" [3].

ان هذا التصور الذي يعده البعض نهائيا ،حول واقع الفلسفة اليوم ،انما هو طور آخر من أطوار الفلسفة كان لابد له ان يظهر الى الوجود- بوصفه عرضا لما كانت الفلسفة الكلاسيكية متخمة به من مشكلات زائفة وتصورات متعالية على واقعيتها، ونقاط ضعف متحركة كانت تتناسل وتتوالى شيئا فشيئا، وبفعل االمعطيات الجديدة للحداثة الفلسفية والثورات المتسارعة للعلوم الانسانية الاخرى، فان خواءا فلسفيا كان لابد لنا ان نلاحظه ونعثر عليه ، أو يدفع البعض إلى طرح السؤال أو تأكيد مفهوم ملتبس حول " نهاية الفلسفة" .

بالطبع أنا لا اعترض، بل على العكس ، أرى في هذا السؤال أو التساؤل نوعاً من المشروعية المعرفية القائمة على الشك الفلسفي، ومعناه إنكار القضايا التي اتفق المفكرون من قبل على قبولها وتصديقها، والشك الفلسفي عندي هو أكثر أنواع الشك أهمية، لأنه يتصل أساساً بنظرية المعرفة سواء أدرك السائل ذلك أم لم يدركه، ولكن حالة الإدراك تمكن صاحبها من التمييز الحاسم بين الشك المنهجي والشك المطلق أو بين الشك كمنهج وأداة للوصول إلى اليقين، والشك كمذهب مقيم ، فالشك المنهجي يرى أو ينطلق من أن المعرفة الموضوعية ممكنة ، إذ أن الشيء في ذاته المستقل عنا وعن معرفتنا هو شيء يمكن معرفته، وأن في العقل قدرة على الوصول إلى اليقين النسبي أو الحقيقة النسبية ولا أقول الحقيقة المطلقة أو الصوفية التي دعا إليها القديس أوغسطين في القرن الخامس والإمام أبو حامد الغزالي في القرن الثاني عشر الميلادي .

ولنا الحق ازاء التباس مشهد عصرنا الفكري ان نعتبر سؤ الفهم طريقا موازيا للفهم  أو أن نطرح سؤال " هل انتهت الفلسفة ؟ "

فالمقصود بنهاية الفلسفة انها وصلت الى الموضع الذي فيه يتجمع تاريخها كله في اقصى امكانياته .بهذا تكون قد تمت  أو بلغت النهاية كما هو الحال عند العديد من الفلاسفة (هيجل ، هدجر، وغيرهما ).

ووفقا لهذا الفهم فان خطاب النهايات يؤشر نوعا من التمام (للمسألة الفلسفية –الميتافيزيقية) وان هيدجر يرى ان مهمة الفلسفة كونها بحثا في (التعليل الغائي )للمقولات او التجارب او الافكار كان قد وصل تمامه تماما كما نقول على عَدَّاء في الملعب انه قد بلغ المضمار بغض النظر اذا ما كان فائزا ام خاسرا.

العولمة وخطاب النهايات

 إذا كان من المبرر موضوعياً وثقافياً الحديث عن خطاب النهايات في داخل النسق الفكري الغربي, فإن هذا المبرر بكل صوره وأنماطه ينعدم كلياً, ويفتقد لشروطه في مجالنا العربي، لأننا وببساطة شديدة نعيش في زمان ثقافي وتاريخي يختلف كلياً وجذرياً ولا يقبل القياس والمقارنة, وطبيعة الزمان الثقافي والتاريخي داخل النسق الغربي.

هو الفرق الذي يظهر واضحاً ما بين زمان المجتمعات التي تعيش مرحلة ما قبل التقدم كحال مجتمعاتنا العربية والإسلامية, ومجتمعات أخرى تنتمي إلى دول العالم الثالث, وبين المجتمعات التي تعيش مرحلة ما بعد التقدم كحال مجتمعات الغرب, فنحن مازلنا في مرحلة ما يسمى بزمن الما قبليات, ما قبل التقدم, وما قبل الحداثة, وما قبل المدنية إلى غير ذلك من القائمة التي تطول, بينما خطاب النهايات يبشر بمرحلة ما يسمى بزمن الما بعديات, ما بعد التقدم, وما بعد الحداثة, وما بعد المدنية, وهنا أيضاً القائمة تطول.

 والمثقفون عندنا هم أكثر من يدرك هذه المفارقة التي لا تكاد تغيب عن أذهانهم, مع ذلك هم أكثر من يتحدث عن خطاب النهايات, كما لو أن هذا الخطاب ينتمي إلى مجالنا العربي والإسلامي وهو ليس كذلك بالطبع, الأمر الذي يكشف عن ازدواجية أو اختلاط الزمان الثقافي والتاريخي عند هؤلاء المثقفين بوعي أو بدون وعي, أو كأنهم ينتمون إلى زمنين مختلفين, زمن يعيشونه ذهنياً وينتمي إلى مجال الغرب الثقافي والتاريخي, وزمن يعيشونه حسياً وينتمي إلى مجالنا الثقافي والتاريخي.

ولعل في تقدير البعض أن هذا التباين في الأزمنة بين العوالم المختلفة, قد تغير أو تبدل في عصر العولمة التي جعلت العالم يعيش مكرهاً على إيقاع زمن واحد, بعد أن أصبح العالم متداخلاً ومترابطاً بين أجزائه وعناصره المتباعدة والمتناثرة من قبل, وتحول إلى ما يشبه قرية كونية, بفضل تقنيات العولمة, والتطورات المذهلة في تكنولوجيا الإعلام وشبكات الاتصال وثورة المعلومات.

لكن السؤال، هل نحن حقاً إزاء فتح كوني مع العولمة, أم أنه فتح كوني لمن يتحكم بالعولمة وآلياتها وهو الغرب! ولماذا نتعامل مع العولمة بهذا السكون, وبهذه الأحادية, التي تفترض صورة ونمطاً ومسلكاً أحادياً وثابتاً ونهائياً للعولمة, وهي ليست كذلك قطعاً.

 فالعولمة في أوروبا ليست هي العولمة في بلادنا العربية أو  في أفريقيا, والعولمة في الصين ليست هي العولمة في اليابان, في حركتها وتموجاتها ومفاعيلها, والعولمة اليوم ليست هي العولمة بعد ربع قرن، مع تزايد الاختلافات بين البلدان المتقدمة والمتخلفة ، فهل تستمر في الركون إلى العولمة والخضوع لها, والإندغام فيها, وكأنها فرضت علينا سطوتها وإكراهاتها، أم نبحث ونبدأ العمل للخروج من قيود العولمة وهيمنتها وليس الخروج عليها .

 

يبدو أن المفكرين الغربيين وجدوا جاذبية خاصة في مقولة النهايات, التي تحولت عندهم إلى مقولة مفضلة.

وتعد هذه المقولة بهذا القدر من التواتر, من المقولات الحديثة, والتي تنتمي بشكل أساسي إلى العقود الأخيرة من القرن العشرين,( نهاية أو سقوط الايديولوجيا ، نهاية التاريخ ، نهاية الفلسفة ) وعرفت بها الثقافة الأوروبية, وكأن هذه المقولة هي أقرب إلى روح الثقافة الأوروبية وطبيعة تطورها التاريخي, ولها علاقة بأنماط التحولات الشاملة والعميقة التي شهدتها وتشهدها الحضارة الغربية.

 وعند الغربيين لا تستعمل مقولة النهايات بنسق موحد من جهة الفهم والمعنى, فهناك تعدد واختلاف من هذه الجهة, فقد تعني هذه المقولة عند البعض, بمعنى الوصول إلى حالة من العجز والتوقف والانسداد النهائي, وإلى هذا المعنى ذهب صاحب كتاب: (نهاية العلم.. مواجهة حدود المعرفة في غسق العصر العلمي), الكاتب الأمريكي جون هورجن, الذي اعتبر أن العلم وصل إلى ثلاث انسدادات وصلت به إلى نهايته, وهذه الإنسدادات في نظره هي:

أولاً: أنه لم يعد هناك اكتشافات كبرى تحدث على صعيد العلم.

ثانياً: إن العلم المعاصر تحول إلى عمليات رياضية معقدة لا يفهمها, ولا يهتم بها معظم البشر على الإطلاق.

ثالثاً: إن بعض ما يبحث عنه أهل العلم اليوم, أو يزعمون ذلك لن يصلوا إليه أبداً.

وهي عند البعض الآخر تأتي بمعنى الاكتمال النهائي الذي ليس بعده شيء, فيتوقف عند هذا الحد من الاكتمال. وإلى هذا المعنى ذهب الفلاسفة المحدثون حين أطلقوا مقولة نهاية الفلسفة, وكانوا يقصدون بهذه المقولة أن الفلسفة أكملت ذاتها بذاتها, واستنفدت جل إمكانياتها الذاتية, أي أنه لم يعد في الإمكان التفلسف على ما جرت عليه العادة.

وعند آخرين قد تعني هذه المقولة, الوصول إلى نقطة الحسم, ونهاية النزاع, وبقاء الأصلح, واكتمال الاختيار, وهذا ما ذهب إليه صاحب مقولة نهاية التاريخ, فرنسيس فوكوياما, الذي وجد في سقوط الماركسية, وتفكك الاتحاد السوفيتي, نهاية للتاريخ على مستوى صراع الأفكار, حيث لم يعد التاريخ ساحة لصراع الأفكار بعد سقوط الماركسية, وانتصار الديموقراطية الليبرالية الغربية المتفوقة، ( وقد تراجع عن فكرته في أكتوبر 2009 مع تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية ).

وفي نظر البعض أيضاً, تعني هذه المقولة نهاية طور وبداية طور جديد, أو ضرورة البحث عن طور جديد بعد نهاية الطور السابق عليه, فالذين قالوا بنهاية الحداثة, اعتبروا أن الحداثة هي مقولة زمن القرن العشرين, كما كانت النهضة هي مقولة القرن السادس عشر, ومقولة التنوير في القرن الثامن عشر, وتحدثوا عن ما بعد الحداثة بوصفها مقولة القرن الحادي والعشرين.

 

وهكذا تتعدد المعاني وتختلف المقاصد لمقولة النهايات عند الغربيين, حيث نجد أن العديد منهم قد تحدث عن عصر العولمة باعتباره عصر النهايات والمابعديات ومنفيات "بلا" :

 

ثلاثية النهايات والمابعديات ومنفيات "بلا"

 

نهايات

منفيات "بلا"

ما بعديات

نهاية المكان

نهاية المسافة

نهاية التاريخ

نهاية الجغرافيا

نهاية الدولة

نهاية القومية

نهاية المدينة

نهاية المدرسة

نهاية المدرس

نهاية الكتاب

نهاية المؤلف

نهاية الورق

نهاية الفيزياء

نهاية المكتبة

نهاية المتحف

نهاية الميتافيزيقا

نهاية الأيديولوجيا

نهاية الأضداد

نهاية العمل

نهاية الطبقة المتوسطة

نهاية الوسطاء

نهاية الذاكرة

مصانع بلا عمال

تعليم بلا معلمين

أفلام بلا ممثلين

برمجة بلا مبرمجين

مركبات بلا سائقين

مدرسة بلا أسوار

مجتمع بلا نقد

أقلام بلا أحبار

هواتف بلا أرقام

كتابة بلا أقلام

مكاتب بلا جدران

مكتبات بلا رفوف

موظفون بلا مكاتب

رواية بلا نهاية

سياسة بلا نواب

ترحال بلا انتقال

حضور بلا وجود

جيرة بلا قرب

جنس بلا رفقة

ما بعد الصناعة

ما بعد الحداثة

ما بعد الفوردية

ما بعد التيلورية

ما بعد الكينزية

ما بعد الكولونيالية

ما بعد السياسة

ما بعد الكتابة

ما بعد الرمز

ما بعد البترول

ما بعد الإنسانية

ما بعد عصر المعلومات

 

 

المثقفون العرب وخطاب النهايات:

لقد وجد بعض المثقفين العرب دهشة في خطاب النهايات, بوصفه خطاباً يحمل نعياً من جهة, وحلماً من جهة أخرى.

وغالباً ما يحدث أن يبدأ بعضا من المثقفين عندنا بواكير حياتهم ثورييين أو حالمين وينتهون في أواخر حياتهم إما خداما للسلطة أو انتهازيين لمن يدفع أكثر أو يائسين من واقعهم ناعين له, وكأن حركة التاريخ في مجالنا العربي والإسلامي تسير نحو نكوص وأفول تجعل من الانتهازية أو النعي خطاباً مفضلاً عند هذا البعض .

وهناك من يحلم نعياً ويحول نعيه حلماً،لكن خطاب النهايات يحمل نعياً لما هو كائن, ويحمل حلماً لما ينبغي أن يكون.

ومن وجه آخر, ينتمي خطاب النهايات زمناً ومعرفة وتاريخاً إلى النسق الفكري الغربي, وهو خطاب غربي بامتياز, ويتصل هذا الخطاب الباحث عن النهايات بطبيعة التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة والمتعاظمة في داخل الغرب, والمؤثرة بقوة على مجريات الحياة, وعلى حركة التطور والتقدم هناك.

فمن نهاية المؤلف ونهاية المنهج ونهاية الكتاب ونهاية المثقف, إلى نهاية العلم ونهاية الفلسفة ونهاية الجغرافيا ونهاية التاريخ ونهاية العلوم الاجتماعية, وصولاً إلى نهاية الإنسان ونهاية الدولة ونهاية الأرض.. إلى غير ذلك من قضايا وعناوين, وما زالت تصدر ولن تتوقف أيضاً.

إلا أن السؤال الأهم في هذا السياق هو الذي يتمحور حول دور المفكر أو المثقف العربي خصوصاً ، في دينامية التطور المعرفي، في اللحظة الراهنة التي تتسم بالتحولات الكبرى والتطورات المتسارعة .. التي تكشف عن عمق همجية وبربرية النظام الرأسمالي، وهذا ما يفرض على المثقف العربي ان يتبنى رؤية وافكارا فلسفية وسياسية تسهم في انضاج وتفعيل الحراك الاجتماعي والوطني والقومي ضد نظام العولمة الراسمالي وحليفه الصهيوني في بلادنا من جهة وضد ثقافة التخلف والتبعية والخضوع من جهة ثانية ، فاذا  اتفقنا – كما افترض – ان الفلسفة هي الوسيط المنطقي بين العلم والثورة، فهي ايضاً –وهذا هو المهم- نشاط فكري واعي وطليعي يقوم به المثقفين عموماً والمثقف العضوي خصوصاً من أجل تغيير وتجاوز هذا الواقع المأزوم،ذلك أننا –عبر الوعي بالمسائل الفلسفية- نبتغي المساهمة في نشر ثقافة الحوار كواحدة من وسائل شعوبنا لمعالجة قضايانا الرئيسية في التحرر والديمقراطية و التنمية، وامتلاك سبل التقدم والحرية.        

على أي حال لست معنياً بخلق إشكالية حول علاقة الثقافة بالوعي المشوه او المنقوص - لدى هذا الفرد او ذاك ممن يطلق عليه صفة المثقف -   بقدر ما أدعو إلى مراجعة المفاهيم وتأملها بالمعنى التجريدي المعرفي، وتفكيكها وإعادة بنائها أو تكوينها بما يوفر إمكانية التعمق في المفهوم وإعادة صياغته في الواقع المعاصر ، وهو أمر لن يتم تحققه ما لم يدرك هذا المثقف كافة تفاصيل واقعه المعاش .

وهنا أدعو إلى إعمال الفكر أو العقل للوصول إلى المفهوم الواضح للثقافة ارتباطاً بخصوصية الواقع وبالتفاعل معه، رغم تباين الاجتهادات في تعريفاتها، فعلى سبيل المثال، الفيلسوف الأمريكي "جون ديوي" عرفها بجملة واحدة "بأنها حصيلة التفاعل بين الإنسان وبيئته"، لكن علي اومليل يتجاوز هذا التعميم في تعريفه للثقافة بقوله "الثقافة رؤية ومبدأ للسياسات: كيف تكون سياستنا في التربية والتعليم منتجة لرأسمال بشري مندمج ومنافس في عالم اليوم؟ ولهوية ليست من ماضي ولّى، بل جواز سفر لدخول آفاق المستقبل؟ ما هي رؤيتنا لبناء اقتصاد اجتماعي ومنافس معاً، وكيف نبني منظومة قيم تحفز على المبادرة والابتكار، والإنتاج وتخطيط المستقبل؟ كيف نربي على احترام الكرامة الإنسانية؟ ذلك هو مفهوم الثقافة الذي يتوجب أن نأخذ به.

على أي حال يمكن القول أن الثقافة هي جملة ما يبدعه الإنسان والمجتمع على صعيد العلم والفن ومجالات الحياة الأخرى، المادية والروحية، من اجل استخدامها  للإجابة على الأسئلة الكبرى التي طرحها علي اومليل للإسهام في حل مشكلات التقدم والتطور، وهنا تتجلى خصوصية الواقع –واقعنا العربي- التاريخية والراهنة وتفاعلها مع المفهوم العام المعاصر للثقافة بكل أبعادها ومكوناتها العلمية، الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية في اللحظة الراهنة من تطور البشرية.

أنا شخصياً انحاز إلى هذا التعريف للثقافة، لأنه يتناولها كمجموعة من الأنماط السلوكية والفكرية والتربوية بمضامينها المستقبلية التي تؤطر أعمال الإنسان في علاقاته الثلاثية مع الطبيعة والمجتمع وما وراء الطبيعة، من خلال التواصل الدؤوب مع مسار التنوير والحداثة والنهضة والتقدم العلمي، عبر الحوار الموضوعي الجريء .


وأولى ميزات الحوار الجريء أن يجري فيه طرح المشكلات الحقيقية، والأسئلة الموضوعية، والوقفة النقدية الصارمة للأخطاء، والبحث عن الحلول الواقعية والفاعلة لقضايانا السياسية والمجتمعية وفق رؤية تحررية وديمقراطية انطلاقاً من التزامنا بثوابتنا وأهدافنا الوطنية والقومية في الصراع ضد الوجود الصهيوني وحليفه الإمبريالي في بلادنا، وعلى هذا الأساس من وضوح الرؤية إلى جانب قوة الالتزام بالثوابت الوطنية والديمقراطية الداخلية ، فإن مساحة واسعة من التوافق والتقاطع بين كافة القوى الوطنية ، السياسية والإسلامية، يمكن توفيرها والعمل المشترك من خلالها وفق مفهومي الوحدة والصراع الديمقراطي الداخلي الملتزم باحترام التعددية السياسية والفكرية وحرية الرأي والمعتقد، وكل ذلك بالاستناد إلى الحوار الموضوعي والعقلاني الذي ينبذ ويتجنب سلوك الكراهية والخصومة والإثارة أو الرغبة في السيطرة أو الهيمنة الأحادية غير المشروعة لهذا الفصيل أو ذاك، لأن أفضل ما يمكن أن يحققه رأي أو فكرة ما، هو تحريك العقل وإثارة الحوار بين الناس، وحفز التفكير للمساهمة في حل المشكلات.وإضافة خبرة إنسانية جديدة.

فالحوار لا يوفر فرصة معرفة الآخر فحسب، بل يؤمِّن معرفة الذات أيضاً بالمعنى التنظيمي والفردي، فالفكر الجاد يعدُّ أفكاره حواراً مع المجتمع وبحثاً عن الإجابات والاستنتاجات المحكمة التي تعمل من أجل تحقيق الأهداف الكبرى ، وتلك هي قيمة الحوار الديمقراطي وفق قواعد الاختلاف ، بما يؤدي إلى الارتقاء بالفرد وبالمجتمع في آن واحد معا ، ويحول أو يحرم الاقتتال الداخلي وكل اشكال الاستبداد والقمع .

  وفي هذا السياق ، أود الاشارة الى تيارات الفكر العربي الأساسية والمؤثرة و الفاعلة في الساحة الثقافية بداية القرن العشرين التي تطورت وازدهرت عبر الحوار القائم على احترام الرأي والرأي الاخر  ( الإسلامية والماركسية، والقومية). انبثق عن هذه التيارات، تيار تحديثي ( ليبرالي ) مثله (لطفي السيد) وتيار راديكالي علماني مثله ( سلامة موسى) ومعلوم أن (سلامة موسى) كان توجهه (اشتراكي- فابي) أي أنه مزيج بين ما هو ليبرالي واشتراكي وماركسي.

ونظرا لأن هذه التيارات التحديثية افتقدت الموقف النقدي والمتفحص من الغرب ” فقد بقيت مجرد شذرات لا تعكس إشكاليات الواقع في مجالها النظري ولا تستوعبه" رغم ما قدمه العديد من المفكرين التقدميين العرب من رؤى نقدية ضد الهيمنة الرأسمالية وضد مظاهر التخلف والتبعية والدعوة الصريحة إلى تغير هذا الواقع المهزوم وتجاوزه (محمود العالم ، فؤاد مرسي ، سمير أمين ، فوزي منصور، مهدي عامل ، حسين مروة ، عبدالله العروي، أدونيس ، وغيرهم) حيث أكدوا جميعاً على مجابهة النظام الرأسمالي وإلغاء كل أشكال التبعية له ، انطلاقاً من أن التغيير يجب أن يكون ثورياً بالمعنى الثقافي الجذري الشامل ، وهذا يفرض طرح المشكلات بصيغ جديدة ، ضمن سياق جديد ، أي أنه يفترض الوعي أولاً ، إذ لا يمكن أن يكون التغيير الثوري تحريراً من قيود الخارج والداخل ، الا إذا كانت الأحزاب أو الجماعات التي تقوم به قد تغيرت هي نفسها وتحررت من تلك القيود ، فهذا الوعي ضروري، ويجب أن يسبق التغيير الثوري، بدون ذلك لا يكون التغيير إلا تحريكا للمستنقع لن يؤدي الى امتلاك مفاهيم التطور الحداثي واستخدام ادواته باتجاه التحرر و النهوض  والتقدم . فالعقل الغربي – كما يقول جورج طرابيشي – اصبح متفوقا وعالمي الحضارة حين تبنى ومارس مفاهيم الحداثة وعقلانيتها وعلومها ، بعد ان مارس نقدا ذاتيا موضوعيا وقاسيا لتراثه ، وبعد ان قطع معرفيا· مع كل مظاهر التخلف في ذلك التراث ، ما يعني بوضوح أننا – كعرب – لن نستطيع ان نباشر مهمة التحديث وصولا الى النهضة ورحابتها العقلانية و العلمية والنقدية ما لم نمارس العملية النقدية نفسها التي أخضع الغرب نفسه لها ، اذ أننا لن نستطيع ان نخوض معركة الحداثة ونحن عراة من النقد الحقيقي.

فإذا كنا نتفق على أن الخطابات المعرفية لفلسفة ما بعد الحداثة   ،تعيش نوعا من العطالة والأزمة الفكرية التي أصابت الفلسفة ، وإذا كان الأمر على هذه الشاكلة في الغرب الرأسمالي ،فإن دلالات هذه الازمة المعرفية في بلداننا العربية تبرز بصورة قاتمة الى حد بعيد ، حيث أننا –كعرب- نعيش الفراغ بعد ان اضعنا زمام المبادرة وفقدنا البوصلة ، ونعاني من الاحتباس النظري والعملي والعطالة في مستوى الخلق والابداع، فسقطنا في الثرثرة واللغو دون ان نقول شيئا مفيدا ، ودون ان نتقدم خطوة الى الأمام سواء على صعيد ابداع المفاهيم الحداثية ، أو على صعيد إثارة المشكلات الحقيقية لثقافتنا، وإيجاد الحلول المناسبة لها، بل تقهقرنا وتراجعنا عما كنا عليه في بداية القرن الماضي ،وفي عقد الستينات والسبعينات، مع بداية تشكل الدولة القطرية المنعتقة من الاستعمار. ان من كان حاله على هذا النحو من التصحر الثقافي، إلى جانب تواصل عملية إنتاج التخلف،فمن الطبيعي ان يشعر بفساد الوجود وتأزم الاوضاع، ويَغْفل عن النمو الهائل والثورة المعرفية الكبيرة التي تحدث اليوم في دنيا العلوم والفلسفات والتطور المنهجي في كافة الشؤون الحياتية.

على أي حال .. مهما اختلفنا او اتفقنا مع هذه الطروحات أو غيرها، فإن فقدان الرؤية المتبصرة يؤدي لا محالة إلى مفاقمة حالة الركود والتخلف والاستسلام للآخر أو للميتافيزيق أو إلى الشك المطلق أي إلى فقدان اليقين في أي شيء مما يعني أن الفكر العربي الحديث غير قادر على تقديم إجابات ناجعة للخروج من واقعه المهزوم.

إذن على الثقافة العربية أن تراجع مسارها، كي تعود للاهتمام بالأسئلة الكبرى، وتقوم بإعادة إنتاج مفاهيمها بأسلوب ومنظور جديدين بالتفاعل الجدلي مع التطورات الفلسفية الراهنة في مسار الحضارة العربية في القرن الحادي والعشرين، حيث أن هذه التطورات ستدفع نحو ظهور اتجاه فلسفي جديد يؤصل لمعرفة فلسفية، تأخذ في الاعتبار التطورات الراهنة سواء التكنولوجية أو الإعلامية، بدون القطيعة مع فلاسفة بارزين أمثال  ماركس و“جيل دولوز” وأدجار موران، وميشيل فوكو والتوسير ودريدا وهابرماس من ناحية وبدون القطيعة أيضاً مع كبار الفلاسفة الأوروبيين أمثال (بيكون، كانط، هوسرل، هايدغر..) كنوع من التأصيل الفلسفي، الذي يمكن استخدامه نظريا ومنهجيا في تطوير واقنا العربي .

وفي هذا الجانب من المفيد الحديث عن الاصولية الغربية المعاصرة ونقد الحداثة والعولمة كما اوردها هاشم صالح[4] الذي يدعونا إلى غربلة الحداثة ونقدها لكي تصبح أكثر إنسانية وعدالة. وهذا ما فعله في الواقع كبار مفكري الغرب من أمثال آلان تورين، أو يورغين هابرماس، وعالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو.. إلخ.

والسؤال المطروح هو التالي: كيف تحولت الحداثة إلى آيديولوجيا قمعية، أو حتى إلى أصولية إطلاقية تريد أن تفرض نفسها على العالم بدون أي نقاش؟ بمعنى آخر: كيف انقلب مشروع التنوير والحداثة الى ضده، ومتى؟ الحقيقة – من وجهة نظري- أن الحداثة لم تنقلب إلى ضدها ، بل أن شرط امتداد وتوسع مفهوم النهضة البورجوازي ارتبط بعملية التراكم الرأسمالي والاستعمار واستغلال ثروات الشعوب المستعمرة .

 

 

يكفي أن نشير إلى الخطوط العريضة :

من المعلوم أن الليبرالية المتطرفة أو الجديدة، التي تسيطر على البشرية اليوم من خلال العولمة الكاسحة، كانت قد بلغت ذروتها في عهد ريغان وتاتشر. وهي تجسّد الرأسمالية في أعلى ذراها صلفاً وغروراً واحتقاراً للعواطف الإنسانية.

ويبدو أن المجتمعات الغربية كانت حتى السبعينات تشتبه في الأغنياء وتنظر إليهم نظرة سلبية عموماً، وتعتبر أن القيم الأخلاقية هي في جهة الفقير أو الإنسان العادي، لكنها في الثلاثين سنة الأخيرة شهدت انقلاباً كاملاً في القيم. فقد أصبح الغني هو رمز النجاح والتفوق والألمعيّة ويجسّد في شخصه كل القيم الإيجابية..

أما القيم الإنسانية والأخلاقية وحتى الثقافية والفكرية، فأصبحت مدعاة للاستهزاء والسخرية في مجتمعات العولمة الحضارية فهل من أجل هذه المجتمعات ناضل فلاسفة التنوير والحداثة؟ هل من أجل هذا المجتمع كتب جان جاك روسو خطابه الشهير عن أصل الظلم واللا مساواة بين البشر؟ وهل يمكن أن يتشكل نظام عالمي جديد في ظل عولمة مجرمة كهذه؟!

 

لقد عجز الفكر العربي المعاصر عن الفلسفة بسبب عوامل عديدة ، فالعرب علي امتداد تاريخهم الحديث قد غلبوا الافكار السياسية والمعتقدات الايديولوجية المتنوعة علي تفكيرهم المعرفي فحادوا عن طرائق العقل، وكانوا وما زالوا يتغّلب الايديولوجي عندهم علي المعرفي.

والمعاصرون اليوم عندنا قد فتحت الاجيال الاولي منهم عيونها واسماعها ومشاعرها وكل جوارحها علي ما يسّمي بـ " النهضة " و " التقدم "، وبعد ان اخذها هذا شمالا وسحبها الاخر يمينا وجدت الاجيال الجديدة نفسها وقد افترستها مشروعات مؤدلجة ومواعظ ملالي وممنوعات ومحرمات شيوخ وخطب سياسية ازحمت بالشعارات والمقدسات والتعليمات، فصمّت الاذان وتعطلت لغة العقل وقفل علي الالسنة واضطهدت المشاعر وكممت الافواه واختنقت الانفاس..

هل كانت الكتابة في موضوعات كالداروينية او المثالية او الماركسية او الوجودية او النسبية او البنيوية.. الخ فلسفة؟ هل نجحت ثقافتنا في اثراء المعرفة الانسانية نظريا وميدانيا لانتاج اعمال مميزة يلتفت اليها العالم؟ حياتنا الفكرية مجرد ندوات ومؤتمرات وشعارات وخطابات .

لماذا لم تشهد حياتنا العربية حتي اليوم اي ثورة نقدية وفكرية حقيقية او اكاديمية منهاجية لدراسة تراثنا ونقده وكشف مستوراته وفضح عوارضه وتعرية مفاسده وتقويم اعوجاجاته الي جانب احترام رجالاته وثمار ابداعاته بعيدا عن النرجسية وعن التقديسية وعن التكفيرية .

متي يتم التخّلص من الوعظية وتوزيع الاحكام المجانية والقاء الاتهامات القاصمة علي الاحرار والمفكرين والنقاد الحقيقيين؟ متي تفرز الحياة العربية النقاوة من المفاسد والبياض من العتمة والنظافة من الاوساخ والعقل من الجهالة والحداثة بعيدا عن اقانيم التخلف..؟؟ وتعالوا نسأل: اين ( الفلاسفة ) العرب اليوم من بحثهم عن حقائق الاشياء وتوليد المعاني وتخصيب التفكير وابداعات الروح والعقل؟

لو كان لديهم فقط حركة نقدية وفكرية وفقهية اجتهادية جريئة وحرة لنفضوا عنهم وعن انفسهم وعقولهم غبار الاختناقات وترسبات الماضويات وعفونة الواقع.

نعم، لو بدأت مشروعات تجديدية وتحديثية في التفكير العربي ، لو كان لدينا فلاسفة حقا لأنتجوا حكماء يتدبرون امر حياتنا الصعبة ولتغير وجه حياتنا العربية واسرعت خطاها نحو ركب التحولات في العالم كله!

أخطر ما في الأمر، هو تفاخر بعض الناس عندنا بعدائهم للفلسفة وحجّتهم أنّ الغزالي أعلن، في نهاية القرن الحادي عشر، من موقع دينيّ، «تهافت الفلاسفة» وبطلان الفلسفة... ويضيف آخرون أنّ كارل ماركس عاب على الفلاسفة «تأويل» العالم فيما المقصود «تحويله» من أجل رفع الظلم وإقامة العدل، وأنّ مارتن هايدغر أعلن، في النصف الثاني من القرن الماضي، من موقع فكريّ، وصول الفلسفة إلى نهاياتها،لأن الفلسفة من وجهة نظره ، حققت كل الانجازات العلمية التي كانت تحتويها ، فأصبحت عملية اندماج الانسان في محيطه الطبيعي مهمة التكنولوجيا لا الفلسفة .

وكذلك فقد أكد ميشال فوكو بأن الفلسفة المتمثلة بالميتافيزيقا قد انتهت مع حلول الحداثة المتميزة بسيطرة الاقتصاد والبيتولوجيا والألسنية والتي تنطلق من تحليلية التناهي ؛ أي تنظر إلى الإنسان ككائن متناه يستعمل لغة لا يتحكم بكل دلالاتها ،ويخضع لقواعد العمل دون أن تكون له السيطرة على الإنتاج ، ولا يوجد إلا بأعضاء بدنه وداخل تشعب أعصابه. إن الميتافيزيقا انتهت لأن الحداثة حين تطرح الإنسان ككائن يعمل تندد بها كفكر مستلب وأيديولوجيا ، وحين تطرح الإنسان ككائن يستعمل لغة معينة فإنها تظهر الميتافيزيقا كحقبة ثقافية Episode culturel  قد مرت ومضت إلى غير رجعة .

أما إذا تحدثنا عن ما يسمى بـ "العالم الثالث" بما في ذلك بلداننا العربية فإننا سنلاحظ بوضوح شديد، أن هناك تناقضاً ، أو هوة كبيرة بين فكر العالم الثالث وواقعه. فهذا العالم لم يشارك حتى في حركة التنوير العالمية، بل كان تابعاً صغيراً جداً لها، ومع ذلك نجده من جهة يتكلم كثيراً عن الحداثة وما بعد الحداثة كما لو كان عنصراً فاعلاً، في حين تراه من الناحية العملية تابعاً ملحقاً ليس له أي مشاركة في التكنولوجيا العصرية، بل إنه لم يشارك حتى في الثورة الصناعية.

إن العالم الثالث تنقصه حتى مقومات المرحلة الصناعية، ومع ذلك يتعاطى أفكاراً متقدمة مذهلة، مما يؤدي به إلى الشعور بمركب نقص يزيد من تعقيده ويورثه أمراضاً تزيد من هزاله. إن هذا العالم لم يستطع أن يقيم المؤسسات المؤهلة لجعل المجتمع يتقدم بسوية متقاربة.

إن القرون برمتها تعيش في هذا العالم، ففي الشارع الواحد تجد آثاراً من التاريخ السابق على الميلاد، كما نجد آثاراً لأحدث المخترعات.

لقد شكلت الحداثة قوام الفكر التنويري العربي في أطيافه المختلفة، منذ بدايته الأولى في منتصف القرن الماضي إلى نهاياته المأساوية بعد حرب حزيران عام 1967.

في شروط ما قبل الحداثة، وهي شروطنا العربية، لا ينشغل الوعي الحديث بصفات الحداثة وتعريفاتها ، بل بالأسباب التي لم تسمح بظهورها . وهو ما يقوده إلى توزيع سؤال الحداثة إلى أسئلة متعددة أخرى تتضمن طبيعة السلطة السياسية ومناهج التعليم ونتائج السيطرة الاستعمارية .. وأمام هذه الأسئلة ، تستظهر "الحداثة العربية المتأخرة" ممارسة إنشائية تستحضر الحداثة الشفهية لتُرحل قضايا الحداثة الحقيقية إلى فضاء مجهول.

ولقد هجس فرانتز فانون بحداثة أخرى، أي بمشروع ثقافي تحرري مختلف، لأنه وعي تباين الأزمنة التاريخية، وأدرك أن " نعمة المركز" لا تحمل إلى سهول "الأطراف" إلا مطراً مسموماً، ذلك أن المركزية الأوروبية، الممجدة للعقل والإنسان، تلحق إنسان "الأطراف" المتخلف بالطبيعة الصماء، التي تقوضها وتنهبها الآلة الحداثية الأوروبية.

لقد سعت قوى الحداثة العربية، قبل هزيمة حزيران، إلى الاقتراب من مواقع الدولة، غير أن الهزيمة قادت إلى سلطات سياسية متماثلة، تتساوى فيها، بنيوياً ، ممارسات الحزب الحاكم وممارسات الأسرة الحاكمة . ومثلما أن إقصاء المجتمع خارج الدولة ، يضع الأخيرة خارج الزمن الحديث، فإن اشتقاق شرعية السلطة من ذاتها يضع المجتمع خارج السياسة.

تقدم السلطة في العالم العربي، في صيغها المختلفة ، صورة تنتمي إلى زمن ما قبل الحداثة، لأنها تدمر في ممارساتها حيز المجتمع وحيز الدولة في آن؛ تدمر الحيز الأول في علاقات القهر والإفقار ، وتحطم الحيز الثاني في تحويله إلى ملكية خاصة خارج القوانين.

تفضي علاقة الطرد المتبادل بين المجتمع والسلطة، في العالم العربي، إلى إشكالية التبعية والدولة التابعة. في أغلب الأحيان، فإن التسلط المعبر عن ضعفها والمكثف له ينتج ويعيد إنتاج التبعية، شرطاً لحماية السلطة وبديلاً عن شرعيتها الداخلية المفقودة.

إن "الحداثة العربية المتأخرة" تخلط بين التملك المعرفي و "الموضة الفكرية" وبين المعرفة الكونية والتسليع الثقافي.

ولعل الفرق بين التملك الموضوعي للمعرفة الكونية واصطياد الأمواج الثقافية، هو الذي أمد الثقافة العربية بمساهمات جليلة، أخذت سمة المشروع العلمي، كما هو حال كتابات عبد الله العروي وسمير أمين ومهدي كامل وفؤاد زكريا وياسين الحافظ وآخرين. وإضافة إلى الحضور العملي المتواتر لمرجعية السوق، فإن الحداثة الرثة تأخذ بمنهج "الأيديولوجيا الثقافية العالمية" ، أو بأوهام "الثقافة العالمية" ، كما لو كان تاريخ الثقافة منعزلاً عن تاريخ المجتمعات البشرية.

 

والحقيقة أن أزمة الفلسفة الغربية تكمن بالأساس في غياب رموزها الكبيرة التي ساهمت في تألقها منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وكذلك غياب المدارس الفلسفية الكبرى مثل البنيوية والوجودية والهجلية، والظاهراتية والماركسية..، التي أنتجت مناهج فكرية وأطر معرفية .. لكن الحراك المعرفي والعلمي والمعلوماتي الراهن سيؤدي بالضرورة إلى إنتاج مدارس فلسفية كبرى، جديدة ومعاصرة، تتواصل مع ما سبقها، معلنة استمرار الفلسفة وصيرورتها بدلاً من الحديث عن نهايتها، وذلك انطلاقاً من وعينا بأن الفلسفة قادرة على العمل المنهجي، والتفاعل مع المستجدات والكشف عن الحقائق، وتحليل الظواهر المعاشة أو الظواهر الذهنية المجردة، إلى جانب دور الفلسفة النقدية ، المادية الجدلية، في الاسهام الفعال ليس فقط في ما يتعلق بالتأمل بل في التغيير الذي بات هدفاً أو حاجة ملحة من حاجات الأغلبية الساحقة من البشر في كوكبنا، إذ أننا ننفق على أن نزوع المضطهدين للتغير والثورة لم ولن يتجاوزها التاريخ، وستظل على جدول أعمال الفكر والفلسفة حتى لحظة انتقالها للحركة والتحقق في إطار صيرورة الصراع أو الاختلاف والتعددية.

في ضوء ما تقدم، تكمن أهمية الفلسفة العقلانية عموماً من أجل التنوير واعمال الفكر في كل الظواهر المحيطة بنا، وهو امر هام ، لكن أهمية الفلسفة الماركسية تكمن في كونها تجمع بين إعمال الفكر والعقل من أجل التغيير والثورة على كل أشكال الاضطهاد والاستغلال والقهر خصوصاً... وهي بالتالي تجيب على كل أسئلتنا إذا ما استخدمنا منهجها المادي الجدلي وطبقناه على واقعنا الفلسطيني بصورة جدلية وواعية... وهو هدف لا بد ان يحمله ويناضل من اجله كل مثقف تقدمي إذ اننا أمام تحديات هائلة .. تحديات الصراع مع العدو الصهيوني وتحديات العولمة الإمبريالية.. وتحديات التحرر والاستقلال وحق العودة والدولة المستقلة كاملة السيادة... تحديات التبعية والتخلف الاجتماعي والاصولي .. تحديات الواقع الفلسطيني والعربي المفكك والمهزوم ... تحديات الاقتصاد والتنمية المستقلة والأمن الغذائي والمياه .. تحديات البطالة والفقر ... تحديات المستقبل الذي تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية والاشتراكية والوحدة العربيـة ... وكل ذلك مرهون بمراكمة وانضاج ومن ثم خوض المعركة الثقافية –بمنطلقاتها ومحدداتها السياسية - انطلاقاً من البنية، كنقطة انطلاق أو ارتكاز من ناحية، وكشرط موضوعي ليس لخوض المعركة الثقافية داخل فصائل وأحزاب اليسار الماركسي في بلداننا العربية، بل أيضاً لضمان التفاعل بين الحزب والجمهور عبر لجان تنظيمية متخصصة – في إطار مراكمة وتشكل الوعي النقيض لكل من الثقافة الغربية الليبرالية ومن ثم إدراك الأسس والآليات المطلوبة في مواجهة التحالف الإمبريالي الصهيوني باعتبار أن تناقضنا معه هو تناقض تناحري ووجودي في آن ، وإدراك ومواجهة واقع التخلف والتبعية والإرتهان من أجل تجاوزه في إطار الصراع السياسي الديمقراطي الداخلي ضد التحالف الطبقي البيروقراطي الكمبرادوري المهيمن راهناً ، بما في ذلك الصراع الديمقراطي مع كافة مكونات التيار الديني السلفي أو ما يسمى بالإسلام السياسي من ناحية ثانية بما يضمن تحقيق الوعي ووضوح الرؤية الفكرية ارتباطاً بثبات الهدف ومرونة الوسائل وحركة الواقع، وهنا يكون الوعي بمثابة الشرط النوعي لبلورة وتطور ما أسماه جرامشي بـ "الكتلة التاريخية" تمهيداً لحرب المواقع.

وفي هذا السياق فإن طرح "جرامشي " جاء في فترة ركود الصراع الطبقي عموماً في إيطاليا، وفي جنوبها بشكلٍ خاص ، حيث كانت تتجلى حينذاك ظاهرة التخلف وغياب التبلور الطبقي قياساً بالشمال المتطور ، لذلك تحدث "جرامشي" عن دور المثقف العضوي والحزب الجمعي ، كحامل اجتماعي "بديل " للطبقة غير المتبلورة –كما هو الحال في بلادنا-، وفي هذا المناخ الاجتماعي بلور "جرامشي" فكرته حول تأسيس "الكتلة التاريخية" بهدف خلق تيار شعبي تقدمي يستطيع أن يحقق "الهيمنة الثقافية" ضد أفكار السلطة والطبقة الحاكمة او السائدة آنذاك، وصولاً إلى " حرب المواقع" التي دعا الحزب إلى القيام بدوره الطليعي في تفعيلها ونشر مبادئها وآلياتها عبر النقابات والمدارس والنوادي والجمعيات...الخ بهدف الوصول إلى مراكمة العناصر والمقومات المطلوبة لتحقيق الهيمنة الثقافية من قبل الحزب على المجتمع، ما يعني أن الهيمنة الثقافية – من وجهة نظر غرامشي- تسعى إلى مركسة الحزب ووعي الواقع الاجتماعي الاقتصادي في إيطاليا في آنٍ واحد، ومن ثم بناء ذهنية تفكير على أساس المنهج المادي الجدلي.

إذن المسألة المركزية في طرح غرامشي هي: كيف تصبح أفكار الحزب الماركسي أو الشيوعي متغلغلة بين جماهيره وتحظى بتأييدهم ودعمهم والتحاقهم به. لكن الإشكالية عندنا- في فلسطين والبلدان العربية – تكمن في بعدين، الأول: موضوعي يرتبط بطبيعة التطور الاجتماعي المشوه والعلاقات الطبقية غير المتبلورة، خاصة في صفوف ما يسمى بالشرائح "البرجوازية" التي لن تتحول إلى برجوازية صناعية مستنيرة وعقلانية وواعية لمصالحها في الحفاظ على سوقها الوطنية، كما أن كافة الشرائح الرأسمالية أو الطبقية العليا من "البرجوازية" في الصناعة أو التجارة أو الزراعة أو المصارف والعقارات والمقاولات...الخ، ستظل تحمل طابعاً كمبرادورياً مرتبطاً بالبيروقراطية الحاكمة، ولذلك لا يمكن أن نطلق عليها سوى البرجوازية التابعة أو الرثة، وستظل كذلك طالما بقي التطور الاقتصادي في بلادنا محتجزاً وتابعاً سواء بالمعنى التاريخي أو في ظل مقتضيات العولمة الرأسمالية التي تتجسد عبر دور ووظيفة دولة العدو الصهيوني التي تحولت اليوم إلى ما اسميه بـ"الدولة الإمبريالية الصغرى"، تسهم بدورها في احتجاز التطور العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً بصورة واضحة ومباشرة، إلى جانب دور التراث السلفي السالب وتأثيره المتكيف مع شروط العولمة راهناً ومستقبلاً.

أما البعد الثاني: فهو ينحصر تحديداً في العامل الذاتي أو الحزب الماركسي، حيث نلاحظ في قراءتنا لأوضاع الأحزاب اليسارية العربية والفلسطينية عموماً، سيادة حالة من المتاهة أو الفوضى الفكرية التي تتداخل في بعض جوانبها بالمصالح "الذاتية" أو "الطبقية" الطارئة أو المستحدثة، كما هو الحال في علاقة عدد من أحزاب اليسار ببعض الأنظمة العربية القائمة بما في ذلك السلطة الفلسطينية، وهي علاقة لا يمكن إدراجها إلا ضمن الموقف الانتهازي على الصعيدين الطبقي والسياسي.

وبالتالي فإن حالة التوهان أو الفوضى الفكرية، أو الإنتهازية السياسية والتراجع عن الهوية الفكرية،  لم تكن وليدة الصدفة –فالصدفة لا يستخدمها إلا من كان جاهلاً بأسباب الحدث أو الظاهرة- إذ أن تراجع الجانب النضالي بالمعنى الكفاحي والسياسي الشعبي أو الجماهيري، إلى جانب ضحالة النضال الطبقي الاجتماعي، وغياب الوعي بتفاصيله في واقعنا، أدى كل ذلك إلى غياب الترابط الضروري بين مفهوم التحرر ومفهوم النضال الديمقراطي أو المطلبي، وهذا الأخير شرط –في هذه المرحلة- لتقدم اليسار في نضاله التحرري أو الوطني، سواء في فلسطين أو في أي بلد عربي آخر.

 

أخيراً .. لقد استهدفنا عبر كل ما قدمناه من نصوص مكونة لهذه المحاضرة، ليس فقط للفهم والتأمل العقلاني الفلسفي أو المعرفي فحسب، بقدر ما هي أيضاً دعوة لمزيد من الحركة النضالية والمجتمعية- خاصة في صفوف شاباتنا وشبابنا - على جميع المستويات، بعيداً عن كل أشكال ومظاهر الثبات أو الجمود أو العقائدية من ناحية، والوعي العميق بكل مكونات واقعنا الفلسطيني والعربي بالاستناد إلى رؤية نظرية حداثية عقلانية وديمقراطية تعزز  المشروع التحرري النهضوي العربي  بما يمكننا من الإسهام بصورة واضحة في تطبيق شعاراتنا وسياساتنا على طريق النضال من أجل تغيير هذا المشهد السوداوي الذي نعيشه اليوم .

 

 

 


 

[1] العدمية Nihilism موقف فلسفي يقول إن العالم كله بما في ذلك وجود الإنسان، عديم القيمة وخال من اي مضمون أو معنى حقيقي.

·       من أهم الشخصيات العدمية ديوجين ,والعدمية ترى أن الوجود الإلهي وعدمه سواء ولا يحسن أن يجهد الناس أنفسهم في هذا الموضوع. والمؤرخون يفرقون بين الإلحاد والعدمية من حيث أن الملحد يختار جانب الإلحاد الصريح (سارتر مثلاً)أما العدمي فيرى أن المسألة سواء (يستوي الوجود الإلهي وعدمه).

ينسب الكثيرين العدمية إلى نيتشه ودستوفسكي, مع ان الاثنين لا علاقة لهما بالعدمية فنيتشه صاحب مدرسة الإنسان (السوبر مان),ودستوفسكي مؤسس الوجودية بالأدب.

·    يعد الشاعر والناقد جوتفريد بن 1886-1956م من أبرز العدميين الذين وضحوا معنى العدمية كمذهب أدبي ،إذ قال بأن العدمية ليست مجرد بث اليأس والخضوع في نفوس الناس، بل مواجهة شجاعة وصريحة لحقائق الوجود.

·    وقد رحب هذا الشاعر بالحكومة النازية عندما قامت في الثلاثينيات من هذا القرن على أساس أنها مواجهة حاسمة للوجود الراكد ،إلا أنه عُدَّ عدواً للنازية لأنه قال بأن البشر متساوون أمام العدم والفناء وليس هناك جنس مفضل غيره وقد صودرت جميع أعماله الأدبية عام 1937م.

·        ويعد الكاتب الروماني أميل سيوران(1911-1995) ,من اشهر العدميين المعاصرين. ومن أعماله (لو كان أدم سعيدا).(المياه كلها بلون الغرق).

ويعد الشاعر والفيلسوف (أبو العلاء المعري),اشهر العدميين العرب.

·       برزت العدمية في روايات الواقعية النقدية لجوستاف فلوبير1821-1880م وأنوريه دي بلزاك 1799-1850م وفي أعمال الطبيعة الانطباعية لأميل زولا 1840-1902م في القرن التاسع عشر إلا أن الأديب الفرنسي جوستاف فلوبير هو المعبر الأول عن العدمية في رواياته، ثم أصبحت مذهباً لعدد كبير من الأدباء في القرن التاسع عشر.

الأفكار والمعتقدات

·              إن الإنسان خلق وله إمكانات محدودة وعليه لكي يثبت وجوده، أن يتصرف في حدود هذه الإمكانات، بحيث لا يتحول إلى يائس متقاعس أو حالم مجنون.

·              إن البشر يتصارعون، وهم يدركون جيداً أن العدم في انتظارهم وهذا الصراع فوق طاقتهم البشرية، لذلك يتحول صراعهم إلى عبث لا معنى له.

 

[2] العدم : ضد الوجود : الصيرورة هي الانتقال من حالة إلى أخرى ، وتقابلها الديمومة ، وفي القديم قال هيراقليس (544-483 ق.م) إن كل الاشياء صائره ، وليس بيننها ما يدوم).

§ الوضعية المنطقية أو فلسفة العلم :  فلسفة انتشرت في عشرينات القرن الماضي  انطلاقا من كونها  - من وجهة نظر اصحابها – الاساس الايديولوجي "   للفلسفة العلمية" ، ترى الفلسفة الوضعية المنطقية ان لا يمكن قيام فلسفة علمية اصيلة الا بواسطة التحليل المنطقي للعلم ، ووظيفة هذا التحليل المنطقي هي : اولا : التخلص من الميتافيزيقا ومن الفلسفة بمعناها التقليدي وثانيا : التحقيق في البناء المنطقي للمعرفة العلمية بهدف تحديد " القضايا الاساسية " أو المعنى الذي يمكن تحقيقه تجريبيا للمفاهيم والتأكيدات العلمية .

* البنيوية أساسا منهج بحث مستخدم في عدة تخصصات علمية تقوم على دراسة العلاقات المتبادلة بين العناصر الأساسية المكونة لبنى يمكن ان تكون : عقلية مجردة، لغوية، اجتماعية، ثقافية. بالتالي فإن البنيوية تصف مجموعة نظريات مطبقة في علوم ومجالات مختلفة مثل الإنسانيات والعلوم الاجتماعية والاقتصاد لكن ما يجمع جميع هذه النظريات هو تاكيدها على ان العلاقات البنيوية بين المصطلحات تختلف حسب اللغة/الثقافة وان هذه العلاقات البنيوية بين المكونات والاصطلاحات يمكن كشفها ودراستها. بالتالي تصبح النبيوية مقاربة أو طريقة (منهج) ضمن التخصصات الأكاديمية بشكل عام يستكشف العلاقات الداخلية للعناصر الأساسية في اللغة، الأدب، أوالحقول المختلفة للثقافة بشكل خاص مما يجعلها على صلة وثيقة بالنقد الأدبي وعلم الإنسان الذي يعنى بدراسة الثقافات المختلفة. تتضمن دراسات البنيوية محاولات مستمرة لتركيب "شبكات بنيوية" أو بنى اجتماعية أو لغوية أو عقلية عليا. من خلال هذه الشبكات البنيوية يتم إنتاج ما يسمى "المعنى" meaning من خلال شخص معين أو نظام معين أو ثقافة معينة. يمكن اعتبار البنيوية كاختصاص أكاديمي أو مدرسة فلسفية بدات حوالي 1958 وبلغت ذذروتها في الستينات والسبعينات.

 

* التفكيك في معناه الواسع نقد للميتافيزيقا ، ويتخذ التفكيك مظاهر عديدة ، مرة يبدو موقفا فلسفيا ، وثانية يكون استراتيجية سياسية أو فكرية ، ومرة ثالثة يبدو طريقة في القراءة أو تحليل المفاهيم كمنهج للقراءة والتفسير .

[3] الموسوعة الفلسفية العربية - 743

· القطيعة المعرفية هي التي تتم على مستوى النصوص وفهمها واعادة تأويلها وليس اهمالها بل فهمها على ضوء حاجاتنا لا كما فهمها الاقدمون على ضوء حاجاتهم ، فنحن أمة تراثية (طرابشي ) ملبوسون بالتراث وبالتالي لا نستطيع ان ندخل الحداثة عراة من هذه النصوص ، وبهذا المعنى لا بد ان نكون على معرفة مستمرة بالاعمال الفكرية والفلسفية الحديثة والمعاصرة .

[4]  هاشم صالح – الأصولية الغربية المعاصرة – جريدة الشرق الأوسط – العدد 8508 – 15/ مارس / 2002



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب - التحولات الاجتماعية والطبقية في الضفة الغربية وقطاع غ ...
- كتاب- التحولات الاجتماعية والطبقية في الضفة وغزة-
- وعد بلفور ومسار الصراع العربي الصهيوني
- الحصار والانقسام وآثارهما الاقتصادية والاجتماعية على قطاع غز ...
- الفلسفة وتطورها التاريخي
- حول مفهوم الأخلاق والحزب الثوري
- معظم النظام العربي يلعب دور أساسي في استمرار تقدم المشروع ال ...
- ما الماركسية ؟ الصوراني يدعو كوادر الجبهة للتمسك بالماركسية ...
- حول تطور م.ت.ف من عام 1968 – 1974*
- تطور الرأسمالية منذ القرن الثامن عشر إلى بداية القرن الحادي ...
- ورقة حول : أنفاق رفح وآثارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسي ...
- حول فشل الحوار الوطني
- الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على الاقتصاد العربي
- حول الثقافة ودور المثقف
- حول حوارات اليسار الفلسطيني - هل يمكن لليسار الفلسطيني أن يت ...
- تلخيص كتاب : التطهير العرقي في فلسطين تأليف: إيلان بابيه
- معطيات وأرقام حول الشعب الفلسطيني واللاجئين الفلسطينيين
- حق العودة وخيار الدولة العربية الديمقراطية
- الصراع الداخلي الفلسطيني وأثره على مستقبل الدولة الفلسطينية
- تضامن رفاقي


المزيد.....




- حوار مع الرفيق فتحي فضل الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي الس ...
- أبو شحادة يدعو لمشاركة واسعة في مسير يوم الأرض
- الوقت ينفد في غزة..تح‍ذير أممي من المجاعة، والحراك الشعبي في ...
- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غازي الصوراني - هل انتهت الفلسفة