أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - القرآن وبنو إسرائيل 1-4













المزيد.....

القرآن وبنو إسرائيل 1-4


كامل النجار

الحوار المتمدن-العدد: 2997 - 2010 / 5 / 6 - 12:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هنالك حقد أعمى في الإسلام على اليهود والكفار وعلى المرأة عامةً، ولكي نفهم أسباب هذا الحقد علينا أن نرجع إلى القرآن ونتفحص آياته وندرس ما يقف خلف تلك الآيات ويؤجج نيران ذلك الحقد الذي ظل يستعر فينا منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام. وقد قرأت أغلب كتب التراث الإسلامي عن أسباب النزول، ووجدت بها قصصاً خرافية لا تصلح لمدارس الروضة في الدول العلمانية، ولكنها تمثل عين الحقيقة للمسلمين، وتُعتبر من "ثوابت" هذه الأمة، وكلها تبريرات واهية لهذا الحقد الأعمى.
ومن المؤكد أنه لا يُخفى على القاريء المطلع أن محمداً قد "استلف" محتوى معظم آيات القرآن من العهد القديم ومن الفُرق المسيحية التي كانت منتشرة في الجزيرة العربية وأرض الشام، مثل "المريمية" و "الأبيونية"، ورغم أن أعداد المسيحيين في الجزيرة كانت تفوق أعداد اليهود أضعافاً مضاعفة، فإن حجر الأساس في دعوة محمد كان مبنياً على كسب اليهود، ولذلك ذكرهم في أكثر من عشرين سورة وذكر موسى في أكثر من ثلاثين سورة، وأكثر ما مائة آية، ولم يذكر المسيحيين إلا نادراً، كأنما القرآن قد جاء لبني إسرائيل. الهدف الأول لمحمد كان إقناع اليهود بدعوته لأن اقتناع اليهود بالدعوة كان سوف يُثبت نبوته نسبةً للمكانة الرفيعة التي كان اليهود يحتلونها في الحجاز بعلمهم وبسيطرتهم على الصياغة، والزراعة والتمويل، وبكونهم أصحاب أقدم ديانة سماوية. وقد أظهر محمد إعجابه باليهود بتقليدهم في أشياء كثيرة، منها الطريقة التي كان يصفف بها شعر رأسه، وتعيين اثني عشر نقيباً لجيوشه فيما بعد، في إشارة ظاهرة للاثني عشر نقيباً الذين ذكرتهم التوراة، ثم ذكرهم محمد في قرآنه حين قال (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا فيهم اثني عشر نقيباً) (المائدة 12).
وقد كان محمد يأمل أن يجتذب اليهود إلى دعوته إذا أظهر لهم علمه عن أنبيائهم، وأظهر أؤلئك الأنبياء في صورة جميلة، وصلى نحو قبلتهم في القدس وصام عاشوراء. وكان في البدء يتودد إليهم بآياته القرآنية ولكن عندما فشل في اجتذابهم بدأ بمهاجمتهم بآيات أخرى قبل أن يهاجمهم عسكرياً ويقضي عليهم فعلياً. وكان موقفه من اليهود متذبذباً، يقرظهم في بعض الأيام، ويصب جام غضبه عليهم في أيامٍ أخرى. وبسبب هذا التذبذب في موقفه من اليهود نجد أن آيات القرآن التي تتحدث عن بني إسرائيل مرتبكة في تسلسلها التاريخي وفي محتواها. ويمكننا أن نقبل هذا التخبط من البشر ولكن لا يمكن أن نقبله من إله في السماء خلق البشر ثم أصبح يتصرف مثلهم.
أول سورة تحدث فيها عن بني إسرائيل كانت سورة الأعراف المكية، التي رقم تسلسلها حسب الظهور هو 39، و"نزلت"حوالي سنة تسعة من بدء الرسالة وهو ما زال بمكة، والسبب في تأخير الحديث عن اليهود كان راجعاً إلى أن اليهود كانوا بيثرب ومحمد كان بمكة يحاول كسب تأييد قريش، ولما واجهته قريش بالرفض، ولقي نفس الرفض من قبيلة ثقيف بالطائف عندما التجأ إليهم، بدأ الحديث عن اليهود في محاولة لكسب تأييدهم وربما النزوح إليهم في يثرب. يقول في أول آية عن اليهود على لسان موسى: (حقيق عليّ أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينةٍ من ربكم فارسل معي بني إسرائيل) (الأعراف 105). وهذه الآية من الآيات القلائل التي يظهر فيها تأثير الإنجيل على محمد، فالقاريء للإنجيل يجد آيات عديدة تبدأ ب "والحقيقة أقول لكم" ومحمد هنا قال (حقيق عليّ أن لا أقول)، كأنما المتحدث ورقة بن نوفل. ولأن محمداً لم يكن ملماً إلماماً كاملاً بتاريخ اليهود، نجد اضطراباً في الآيات عندما يردد قصة فرعون وموسى في مصر.
وحسب القصة القرآنية فقد امتنع فرعون عن إرسال بني إسرائيل مع موسى، وزاد في تسخيره لهم، فكان رد بني إسرائيل لموسى (قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) (الأعراف 120). ونفهم من هذه الآية أن الله ربما يهلك فرعون عدوهم اللدود ويستخلفهم في أرضه (مصر). وعندما أصر فرعون على رفضه خروج بني إسرائيل، سأل موسى ربه أن ينزل العذاب على المصريين، فأنزل عليهم القمل والجراد والفياضانات، وقال القرآن: (ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشف عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل) (الأعراف 134). ونفهم من هذا أن بني إسرائيل كانوا مستعبدين في مصر ضد رغباتهم وأن فرعون ما كان يسمح لهم بالخروج من مصر إلى أن أرسل الله عليهم العذاب، وحتى بعد العذاب نكث فرعون بوعده وطارد بني إسرائيل حتى البحر. وسنرى بعد قليل أن القرآن يناقض نفسه في هذا الخصوص.
ويبدوا أن إله القرآن أخذته الشفقة على بني إسرائيل فأغرق فرعون وجنوده وقال: (وأورثنا القوم الذين كانوا يُستضعفون مشارقَ الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحُسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون) (137). ولا نستطيع أن نحدد من هذه الآية أي أرض قصد الله أن يورثها بني إسرائيل، هل هي أرض مصر أم أرض كنعان في فلسطين؟ يقول المفسرون إن الأرض التي بارك فيها هي أرض فلسطين (أرض كنعان).
فبعد أن رثى لحالهم عندما كانوا مستضعفين في مصر، وأورثهم مشارق الأرض ومغاربها في فلسطين، قال: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قومٍ يعكفون على أصنامٍ لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون) (138).
هذه الآية منقولة بتحريف من التوراة التي اتهمت بعض قبائل بني إسرائيل بعبادة أصنام القبائل التي كانت بأرض كنعان وقتها، وهذا حدث بعد أن انتهت مدة التيه بالصحراء ودخل بنو إسرائيل الأرض الموعودة. ولكن محمد جعلها في بداية التيه بعد أن عبروا البحر وذهب موسى لميعاد ربه في طور سيناء. ومن المستبعد أن يرتد كل اليهود ويطلبوا من موسى أن يصنع لهم صنماً بعد أن رءوا المعجزات التي فعلها الإله من أجلهم وبعد أن شق لهم البحر وعبروا بأمان وأغرق فرعون وجنوده. ولكن محمد أتى بهذه الآية ليقول إن اليهود قومٌ جاحدون للمعروف، فبعد أن أخرجهم الله من مصر وشق لهم البحر، تنكروا له وطلبوا من نبيهم أن يصنع لهم تمثالاً ليعبدوه. فمحمد كان يعرف أن المنافس الوحيد له في الجزيرة العربية هم اليهود أصحاب أقدم دين سماوي، ولذلك أراد أن يمهد الأرض لقتالهم فيما بعد إذا لم يتبعوه.
حسب الرواية القرآنية فإن جميع بني إسرائيل طلبوا من السامري أن يصنع لهم عجلاً فصنع لهم عجلاً له خوار، وعبدوه، حتى رجع موسى. والقرآن يقول لنا في نفس سورة الأعراف: (إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضبٌ من ربهم وذلةٌ في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين) (الأعراف 152). ولكنه قال لنا في الآية 137 من نفس السورة (لقد تمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل) فكيف يتم كلمته الحسنى عليهم وفي نفس الوقت تكون لهم الذلة في الحياة الدنيا؟ هذا تناقض بسيط إذا ما قُورن بتناقضات القرآن في أمور أخرى كثيرة.
وبعد أن قص على الأعراب واليهود قصة خروج بني إسرائيل من مصر وأظهر أنه يعرف بعض تاريخ اليهود والتوراة, حاول محمد أن يستميل اليهود إلى دعوته فقال في نفس السورة: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويُحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) (الأعراف 157).
وهذا الادعاء بوجود اسم محمد مكتوباً في التوراة والإنجيل كان فرية كبيرة من محمد إذ لا وجود لمثل هذه النبوة لا في التوراة ولا في الإنجيل. الإنجيل الذي كان مكتوباً بالآرامية ذكر المخلص الذي سوف يأتي لبني إسرائيل آخر الزمان، وكلمة المخلص أو البرقليط، تعني "المحمود الخصال" وترجمها من كان يُدرّس محمد إلى "محمد" أو "احمد"، وكلاهما خطأ. ولو صدق اليهود واتبعوا هذا النبي الأمي، ما هو المعروف الذي كان سيأمرهم به والقرآن نسخة من التوراة التي أتى بها موسى؟ وماذا كان سيحرّم عليهم لو اتبعوه وموسى كان قد حرّم عليهم الدم ولحم الخنزير والخمر ولحم الجمل ونكاح الأمهات والأخوات والميسر والسحر والربا؟ فليس هناك ما هو حرام في الإسلام وحلال في اليهودية حتى يُحرّمه لهم محمد، كما ليس هناك ما هو حلال في القرآن وحرام في اليهودية ما عدا لحم الجمل. ولا نعلم ما هي الأغلال التي كانت على بني إسرائيل بعد أن خرجوا من مصر، وكان محمد سوف يزيلها عنهم لو اتبعوه. كل الآية عبارة عن ادعاءات جوفاء لا تدعمها أي حقائق.
ثم زاد محمد من تقريظ اليهود آملاً أن يعترفوا به، فقال في نفس السورة: (ومن قوم موسى أمةٌ يهدون بالحق وبه يعدلون) (159). فواضح في هذه المرحلة أنه لم يستطع أن يقرر هل هم قوم جاحدون لمعجزات الله وطلبوا أن يصنع لهم موسى صنماً، وبالتالي سوف يجحدون معروف محمد عليهم، أم هم أمة تهدي بالحق وتعدل. وطبعاً كان من صالحه أن يقول إنهم أمة تهدي إلى الحق، حتى إذا آمنوا به يتقوى موقفه بهم.
ويبدو أن بعض اليهود الذين زاروا مكة في تلك الحقبة بغرض التجارة قد سمعوا بعض قرآن محمد واستهزءوا به، فأراد محمد أن يقلل من قيمة هؤلاء النفر من اليهود المستهزئين به، فقال في سورة الأعراف،: (فبدّل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يظلمون) (162). وهذه مقدمة لما كان محمد ينوي أن يفعله ببني إسرائيل إنْ لم يصدقوا أنه الرسول المرتقب. وأظن أن الإنذار لليهود ظاهر في هذا الآية: استهزئوا بقرآن محمد وسوف يصيبكم الرجز كما أصاب السابقين منكم الذين استهزءوا بالتوراة وغيروا فيها؟
وما زلنا في سورة الأعراف، ويبدو أن محمداً قد ساوره الشك في اتباع اليهود له، فقال: (فلما عتوا عما نُهوا عنه قلنا لهم كونوا قِردةً خاسئين) (الأعراف 166). ويبدو أن محمد، في ساعة غضب، قد أحرق مراكبه التي توصله لليهود، فقال إن الذين عتوا من اليهود مسخهم الله قردة خاسئين. ولا بد أن هذه الآية كانت القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لليهود، فيستحيل عليهم بعد هذا أن يؤمنوا بمحمد.
وزاد محمد من الضغط على اليهود، وهو ما زال بمكة وأغلب اليهود كانوا بيثرب، فقال لهم في نفس السورة: (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب) (الأعراف 167). ولا نعلم لماذا بعد أن قال إن فيهم أمة يدعون إلى الخير ويعدلون، يطلب من ربه أن يبعث عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة. فلا بد أن أحداً من اليهود الذين كانوا يزورون مكة بغرض التجارة قد رفض التعاون مع محمد أو رفض أن يسلفه بعض المال. ولكن يبدو أن رب السماء لم يُستجب لهذا الطلب من محمد لأن بني إسرائيل الآن هم الذين يسومون الآخرين سوء العذاب والقيامة على الأبواب، وقد ظهرت علاماتها، كما يقول شيوخ الإسلام.
ثم بعد ذلك جاءت سورة طه المكية، وترتيبها في "النزول" 45، فقال إله القرآن لموسى وهارون: (فأتياه فقولا إنّا رسولا ربك فارسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآيةٍ من ربك والسلام على من اتبع الهدى) (47).
فبعد أن تحدث في السورة السابقة عن شق البحر لهم وإخراجهم من مصر وطلبهم من موسى أن يصنع لهم صنماً، ثم توريثهم فلسطين، وجعلهم قردةً خاسئين، رجع في سورة طه التي جاءت بعد الأعراف، فقال لموسى وهارون إذهبا إلى فرعون وقولا له. فاضطراب التسلسل القصصي والتاريخي في هذه السور لا يحتاج إلى تبيان.
ثم في الآية 80 من سورة طه، يقول: (يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزّلنا عليكم المن والسلوى) (طه 80). ولكن رب موسى لم يواعد كل بني إسرائيل بالجانب الأيمن من الطور، وإنما واعد موسى فقط، ثم فيما بعد أخبره أن يختار وفداً من قومه يأتي معه، حسب الرواية القرآنية (واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا) (الأعراف 155). فالقرآن يفقد الانضباط في سرد الوقائع المزعومة.
ثم خاطب بعد ذلك بني إسرائيل فقال لهم: (كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى) (طه 81). وكالعادة استعمل مؤلف القرآن غريب التعبير والكلمات، فقال (لا تطغوا فيه) أي لا تطغوا في الرزق. والطغيان هو تجاوز المعقول، فما هو الضرر لو طغوا في طيبات ما رزقهم؟ اختلف المفسرون في ذلك، فقال بعضهم: أي لا تحملكم السعة والعافية أن تعصوا. وقال آخرون: إن المعنى ألا تكفروا النعمة ولا تنسوا شكر الله، وقيل لا تستبدلوا بها شيئاً آخر، وقيل: لا تدخروا الطعام لأكثر من يوم وليلة (القرطبي). فهل فهم العرب ما قاله القرآن؟ وما فائدة آيات مثل هذه في إقناع عرب مكة أن محمداً جاء ليدعو إلى عبادة إله واحدٍ في السماء، وأنه رسول الله؟ ثم أن هذا إنذار غريب من نوعه لبني إسرائيل الذين يقول لهم أن يأكلوا من طيبات ما رزقهم، ولكن إذا أسرفوا في الأكل فسوف يغضب عليهم، ومن غضب عليه الله فقد هوى في نار جهنم. فيبدو أن نية الغضب عليهم والانتقام منهم كانت مبيتة منذ البداية، لأننا لا نرى سبباً لغضب الله عليهم إذا أسرفوا في الأكل، فكثير من المسلمين الآن يسرفون في الأكل، وجميعهم يسرف في رمضان، ولا يغضب عليهم الله.
ورجع مؤلف القرآن في رواية بني إسرائيل إلى خروجهم من مصر وطلبهم من السامري أن يصنع لهم صنماً، فقال لموسى الذي كان قد ذهب إلى لقائه بالجبل: (فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري) (طه 85). ولا نعلم لماذا أتى الله بكل تلك المعجزات ليقنع فرعون بالسماح لبني إسرائيل بمغادرة مصر، وشق البحر لهم، ثم يقول لموسى إنه قد قرر أن يختبر قومه فسلط عليهم السامري ليضلهم. لماذا لم يختبر إيمانهم قبل أن يخرجهم من مصر بدل أن يضيّع مجهوده ومجهود موسى في إخراجهم ثم يتضح له أنهم لا يستحقون ذلك المجهود؟ ولماذا أصلاً احتاج أن يختبرهم وهم لم يطلبوا منه أن يخرجهم من مصر. هو قرر من تلقاء نفسه أن يرسل موسى ليخرجهم، فلماذا يفتنهم؟ الغرض من وراء هذه الآيات هو أن محمداً كان يعرف درجة الاحترام الذي كان الأوس والخزرج يكنونه ليهود يثرب، فأراد أن يخلخل ذلك الاحترام تدريجياً حتى يسهل عليه فيما بعد القضاء على اليهود حتى تخلو له جزيرة العرب، فبدأ بمحاولة تشكيك الأوس والخزرج في قوة إيمان اليهود بربهم.
ثم جاءت سورة الشعراء المكية ورقمها 47، ليقول فيها لموسى وهارون: (فأتيا فرعون فقولا إنّا رسول رب العالمين. أنْ ارسل معنا بني إسرائيل) (الشعراء 16، 17). مرة أخرى رجع لمخاطبة موسى وهارون وإرسالهم إلى فرعون، وهذا تكرار لا يفيد شيئاً ويقود إلى الملل، ولكن التكرار سمة من سمات القرآن، ولذلك كرر نفس قصة موسى وفرعون في أكثر من سبعة سور. فهو بهذا التكرار الممل إما أنه يفترض أن العرب لا يفهمون إلا إذا كرر عليهم نفس القصة مراتٍ عديدة، أو أنه كان ينسى أنه قد روى نفس القصة، فيرويها مرة أخرى.
ويستمر في سورة الشعراء، ويخبرنا ما قاله موسى لفرعون: (وتلك نعمةٌ تُمنّها عليّ أنْ عَبْدّت بني إسرائيل) (الشعراء 22). هذه الآية بلغت من الركاكة في لغتها ومحتواها مستوًى يجعل من الصعب علينا أن نصدق أنها أتت من عند الله لأن موسى يقول لفرعون: تلك نعمة تمن بها عليّ لأنك استعبدت بني إسرائيل. فكيف تكون نعمة وفرعون قد استعبد بني إسرائيل الذين هم قوم موسى، والذين من أجلهم أرسل الله موسى إلى فرعون؟
ويستمر فيقول: (فأخرجناهم من جناتٍ وعيونٍ. وكنوز ومقام كريم. كذلك وأورثناها بني إسرائيل) (الشعراء 57-59). ماذا قصد إله القرآن أن يقول هنا؟ هل أخرج فرعون وقومه من جنات وعيون، أم أخرج السحرة الذين أتى بهم فرعون، أم أخرج بني إسرائيل؟ من الصعب علينا أن نجزم لأن القرآن كان يتحدث عن السحرة الذين جمعهم فرعون، ثم فجأة قال (فأخرجناهم) دون أن يخبرنا لمن يرجع هذا الضمير في الآية ( فأرسل فرعون في المدائن حاشرين. إنْ هؤلاء لشرذمة قليلون. وإنهم لنا لغائظون. وإنا لجميع حذرون) ثم فجأة قال (فأخرجناهم من جنات وعيون). فهل ما زال المتحدث هنا فرعون الذي كان مغتاظاً من موسى وقومه، فقال إنه أخرجهم من جنات وعيون، وهم كانوا عبيداً مسخرين، أم المتحدث هو الله الذي لا يجوز أن يكون بنو إسرائيل له غايظين؟ ثم أورث هذه الجنات والعيون لبني إسرائيل. فهل أورث بني إسرائيل فلسطين أم مصر؟ وكيف يُخرج بني إسرائيل من مصر مع موسى ثم يورثهم إياها. وقد حاول بعض المفسرين تبرير هذا الاضطراب فقالوا قصد بالوراثة هنا الذهب والحُلى التي استعارها بنو إسرائيل من المصريين. كيف يورث بني إسرائيل الحلى التي استلفتها نساؤهم من نساء مصر؟ فهذه الحلى لم تكن ملكه حتى يورثها لبني إسرائيل.
وفي نفس السورة يعترف إله محمد بعلماء بني إسرائيل ويجعلهم المرجع النهائي في الحكم على صحة القرآن، لأنهم لو استهواهم إطراء محمد لهم واعترفوا بالقرآن لأصبح محمد ملكاً رسولاً دون منازع، فيقول عن أعراب مكة: (ألم يكن لهم آيةً أن يعلمه علماءُ بني إسرائيل) (الشعراء 197). فنفس علماء بني إسرائيل هؤلاء هم الذين "استلف" محمد منهم آيات القرآن، فهم كانوا يعلمونه، أي يعلمون القرآن، لأنه صورة طبق الأصل من تعاليم التوراة، ولذلك أراد محمد تأييدهم له في بداية الدعوة. وكالعادة لف المفسرون وداروا هنا، وقالوا إن الله يقصد أن بني إسرائيل قد علموا بنبوة محمد، فجعلوا الضمير في الآية راجع لمحمد بينما الآية كانت تتحدث عن القرآن ولا بد أن يرجع الضمير إلى القرآن.
والسورة التي أتت مباشرةً بعد سورة الشعراء كانت سورة النمل، وترتيبها 48. ويقول فيها: (إنّ هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون) (النمل 76). لماذا يقص القرآن على بني إسرائيل أكثر الذي كانوا فيه يختلفون؟ فهل القرآن نزل لبني إسرائيل أم نزل إلى الأعراب الذين لم يقص عنهم أي شيء حتى الآن؟ إنها رغبة محمد الجامحة في أسلمة اليهود، أو على الأقل تأييدهم له، فبالغ في قصص اليهود. محمد يزعم أنه جاء برسالة جديدة لعرب الجزيرة الذين لم يكن قد جاءهم رسول قبله، وبدل أن يشرح لهم في السور المكية عن ربه ورسالته، يتحدث في أكثر من مائة آية مكية عن بني إسرائيل وكتبهم وما اختلفوا عليه. وتودده إلى اليهود كان متذبذباً، يعلو وينخفض حسب المزاج العام.
وفي سورة القصص التي تلت، وهي رقم 49، يقول: (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين) (القصص 5). مرة أخرى يرجع إلى مصر واضطهاد اليهود بها، ويقول إنه راد أن يمن عليهم ويجعلهم أئمةً للناس. فلماذا إذاً غير رأيه وجعل منهم القردة والخنازير بدل أن يجعلهم أئمة للناس؟ وإذا كانت توراتهم تحمل الهدى وتؤهلهم لأن يكونوا أئمةً للناس، لماذا أرسل محمداً بالقرآن؟
وفي جهل تام بطبيعة الحكم في مصر وبمستوى الحضارة التي كانت سائدة وقتها، يقول القرآن: (وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمتُ لكم من إله غيري فاوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين) (القصص 38). ففرعون الذي يرمز إليه القرآن هو الفرعون أخناتون الذي كان أول من دعا إلى الوحدانية، فليس من المعقول أن يقول لقومه (ما علمت لكم إلهاً غيري)، ثم أن هامان لم يكن في مصر مع فرعون وإنما كان سكرتير الملك في بلاد فارس. وفي مصر في تلك الأيام كان المصريون قد بنوا الإهرامات من الحجارة الكبيرة وجعلوها أعلى بناء كان معروفاً للإنسان وقتها، وقد برعوا في الهندسة وعرفوا قياس الزوايا والمثلثات وغيره، فكيف يقول فرعون لهامان (فاوقد لي يا هامان على الطين) ليبني له صرحاً ليبلغ السماء؟ فلا شك أن فرعون قد عرف وقتها أن البناء الذي يقيمه الإنسان له حدود إذا تعداها انهار، فكيف يقول لهامان ابنِ لي صرحاً لأصل إلى إله موسى، وإله أخناتون الجديد نفسه في السماء البعيدة؟ أكيد لو كان هذا القرآن من إله السماء لتجنب هذه الأخطاء.
وسنكمل في الحلقات القادمة.



#كامل_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في معية القراء
- القرآن ونساء النبي
- في رحاب القراء 4
- تأملات في القرآن المكي 4-4
- في رحاب القراء 3
- تأملات في القرآن المكي 3-4
- في رحاب القراء 2
- تأملات في القرآن المكي 2-4
- في رحاب القراء 1
- تأملات في القرآن المكي 1-4
- تعقيباً على تعليقات القراء على تاريخ القرآن
- تاريخ وماهية القرآن 3 – 3
- تاريخ وماهية القرآن 2 – 3
- تاريخ وماهية القرآن 1- 3
- يقولون ما لا يفعلون
- الإسلام يزرع الجهل والخزعبلات في أتباعه
- المسلمون يحتكرون كل شيء حتى الله
- خرافة العصر الذهبي في صدر الإسلام 3-3
- خرافة العصر الذهبي في صدر الإسلام 2-3
- خرافة العصر الذهبي في صدر الإسلام 1...؟


المزيد.....




- وفاة قيادي بارز في الحركة الإسلامية بالمغرب.. من هو؟!
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - القرآن وبنو إسرائيل 1-4