أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الرواية : مَهوى 10















المزيد.....

الرواية : مَهوى 10


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 2996 - 2010 / 5 / 5 - 17:07
المحور: الادب والفن
    


ثمة ، في الحديقة السرّية ، كانَ يضوع عبقٌ طاغ لزهرة ياسمين ناصعة ، مُخمّسَة ومُتجليَة ـ كنجم المُعجزة ؛ كرؤيا البشارة . رأيتني في غرفة الغرام ، الغافيَة بَعْدُ في العطر المُسكر للمَعبودة المُستلقيَة بإعياء على سرير مَرَضها . معها كنتُ إذاً ، حينما أطلتْ الوصيفة خلل درفة باب الحجرة ، لتعلن بخوف خبَرَ مَقدم سيّدها . إلى تلك الجهة ألتفتُّ ، بعدما اختفتْ الخادم ، مُنتظراً أن أسمَعَ حَمْحَمَة المُضيف ، المألوفة . وإذا بوقع طرقات عصا ما ، هوَ ما تناهى هناك ، أعقبها ظهورُ رأس مكتس بقبعة الإنكشاريّ ، المَشنوعة .
" ولكنّ هذا ، يا زوجي الحبيب ، ليسَ يوم جمعة " ، اتجهتْ المرأة بدورها نحوَ القادم ، بكلمتها المَنطوقة بنبرَة تهكم وازدراء . وقال لها الرجلُ بصرامة ، فيما يَرمقني من جانب : " إنها الليلة الأولى ، المَنشودة ، بعد إنقضاء مهلة الألف يوم زائد يوم واحد ، التي اشترطتها أنت لعقد النكاح "
" آه ، أجل تذكرتُ . والآن ، على الرْجليْن أن يُفترعا إلى مداهما القصيّ ، المَطلوب ، لكي تدخل أنتَ بالسلامة " ، أجابته ياسمينة بالنبرة نفسها . عندئذ كانت نظرات الأنكشاريّ ما فتأت تتساءل عن سبب ما يُجيز لي ، أنا الرجلُ الغريب ، المكوثَ بقرب زوجته في ليلة الدخلة . على أنّ هذه ، بحركتها التالية ، الغريبة ، عليها كانَ أن تجذبَ عينيّ كلّ من الرجليْن ، الغريمَيْن ، إلى جهة السرير . إذاك كانت الملاءاتُ الحريرية ، الرهيفة ، تنحَسرُ ببطء عن التفصيل الأعلى للبدن الناعم ، الليّن ، المُكتسي بفضيحة عريه ، الساطعة .
" قمْ فاقض غرَضكَ ، أيها الزوجُ الشرعيّ "
قالتها ياسمينة بمجون ، وهيَ تتناهضُ بخفة وبقفزة واحدة من سريرها ، ثم أضافتْ على الأثر " فدَع عنكَ لجاجة المُساءلة عن وجود الحكيم ؛ عمن اعتادَ أن يُداوي امرأتكَ بالشيء الذي كانَ منه أصل الداء " . أربع عيون مأخوذة ، مَذهولة ، كانت في هذه اللحظة مَمْسوسة برؤيا جَسَد المرأة البَهيّ ، المُكتنز بإعجاز الآيات الربانية . إذاك كانت هيَ تخطرُ أمام أعيننا بخطو مُتمهّل يُتيح للرَدفيْن ، العظيمَيْن ، أن يَترَنحا بارتجاج مثير على أرضية مُحتفية ببساط يرطنُ حُسْنه مفردات العَجَم ؛ أن يترنحا كوقع صاعقة مزدوَجَة اللهب .
حينما انحنتْ الحبيبة بعجيزتها نحوَ مدخنة الموقد ، فإنّ الطرقَ على صناجة قلبي ، المُتسارع الإيقاع ، كانَ عليه أن يوقظ العالمَ من اغفاءة فجر ملول ، ثقيل : ثمة بين شقيْ مَقدس الأست ، كانت زهيْرَة رمان تتفتحُ رويداً ، لتعاود الإتغلاق ثانية ً مع الحركة التالية ، الدّؤوبة ، للجذع المُندفع إلى الأعلى ؛ إلى الفجوة المُتوارية خلف آجرّ حائط المدخنة .

" هوَ ذا أنيسي في الألف ليلة وليلة ، المَعلومة ، التي قضيتها أنا هنا ، في حجرتي "
اتجهتْ ياسمينة إلى رجلها بالقول ويدها تقبضُ على الذكر المُصنع . مُتعام عن وجودي كلياً ، طفقَ الأنكشاريّ يتطلع إلى المرأة بعينين كبيرَتيْن ، دَهشتيْن ، يتماهى فيهما حنقٌ مُتطاير الشرر . ثمّ ما عتمَ أن تحرّكَ يدوره إلى جهته امرأته ، فانتزعَ من يدها آلة متعتها فرماها أرضاً بكلّ قوة يده ، العسكرية . وإذا بياسمينة تنهارُ أرضاً فتنكبّ بلوعة فوق الآلة تلك ، لتلمّ أشلاءها وتصلح من شأنها : " يا كافرَ النعمة ، كيفَ جازَ لكَ أن تعطبَ واسطة القدّوس ؟ "
" بل هوَ وثنُ الكفر نفسه ، يا جاهلة "
" إنه هوَ ، أيها المأفون ، من زرَعَ روحَ الله في رحم امرأتكَ "
" أتريدينني أن أصدّقَ بأنّ شيئاً مُصنعاً من الخشب ، جعلك تحبلين بمن سَيُصْبحُ في المَهْد صَبيّا ؟ "
" ولكنكم تصدّقون أساطيرَ الأولين ، الأكثر عجباً : فلمَ تكذبونَ آلاء هذا الأيْر المُصَنّع من الخشب ؛ طالما أنه من المادة عينها صنع الله عصا موسى ، التي كانت تتحوّل تارة إلى أفعى عملاقة وإلى سدّ هائل يَمنع مياه البحر ، تارة أخرى ؟ "
" إنه وثنٌ ، وثن .. "
" بل هوَ قدّوسٌ ، قدّوس .. " ، هتفت الفتاة باصرار ويدها تعاودُ الاحتفاء بالذكر المُصنع . عندئذ شئتُ أن أتدخلَ ، في سرعة وحَسم . إذ حَدَث ما كنتُ على خشية منه ، مذ مبتدأ المُجادلة هذه ؛ حينما أرتفعَ بصري إلى السقف لأجدَ صَدْعاً فيه ، مُبيناً ، آخذاً بالاتساع في اضطراد . فما كانَ مني إلا أن صحتُ بالزوجَيْن ، المُتخاصمَيْن : " كفى ، كفى . إنّ البناء فوقنا سينهارُ ؛ إنه مَسنودٌ ، لو علمتم ، بأركان السرّ الأعظم ، الأربعة " .

مُرهقاً ، أفقتُ من برهة النوم ، الطارئة ، فوجَدْتني أرمي بصري إلى فوق ؛ إلى السقف ، الخشبيّ ، المُكتملة تفاصيل نقوشه الرائعة . آنذاك حَسْب ، جازَ لي أن أتنفس بعمق مُفرخاً روعي . أستعدتُ بلمحة ، خاطفة ، أجزاءَ المنام المُنقضي للتوّ ، لأشيّعَ من ثمّ خاتمته مُستعيذا بالله من الشيطان الرجيم . نعم . كانَ هذا ، ولا ريب ، حلماً أبقَ به وحيٌ شيطانيّ ـ كذلكَ كنتُ أتفكر بيقين . ولكنني الآن ، وأنا على أبواب خريف العمر أستعيدُ بكلمات تذكرتي أثالَ ربيعه ؛ الآنَ ، أنظرُ إلى ذلكَ الحلم بشكل مُغاير . إنه كانَ علامة من لدن العناية العليا ، الأزلية ؛ مانحة العلامات والإشارات لحيوات البشر ، الفانين . فقد أرادتْ العناية أن تمنحني أولاً إشارة من ياسمينة ، بمبتدأ حركة عريها وآلة متعتها ؛ إشارة إلى الآتي ، إلى خبَر خطبتها ، الذي أنبأتُ به هذا الصباح . أما الحلم ، فكانَ عليه ، بالمقابل ، أن يُحيلني مُجدداً إلى هاجس المأزق ؛ الذي أضحى شاغلي الأساس هنا ، في دارة الشاملي : لغز القتل المُتواشج مع لغز الكتاب .
" ماذا يعني هذا كله ؟ "
رحتُ أتساءلُ بقلق ، فيما بصري ما فتأ مُحلقاً في فضاء سقف الغرفة ، الزاهي . حينما استرددتُ عينيّ ، لحظتُ ثمة ، على الخوان القريب من السرير ، طبقاً خزفياً قد عُمّرَ بالفاكهة . لم أكن أفطرتُ بعد ؛ فتناولتُ ثمرة موز ورحتُ أقضمها بلذة. عندئذ ، كانَ ذلك المنامَ قد جعلني أتفكر ملياً في حركة ياسمينة ، الموصوفة ، هناك في حجرتها . لعلني ظلمتها ، حينما تهيأ لي أنها كانت تهزأ فيّ ، أو بأحسن الأحوال ، كانت تدعوني إلى ممارسة لعبة مًتعتها معاً . بَيْدَ أنني ، في منقلب تفكيري ، رجّحتُ أنّ البنتَ ، المَتعوسة بقدَرها ، إنما شاءت بصرخة عريها أن تقول لي : هاكَ جَسَدي ، إنه لكَ وحدكَ .
إنها صرخة نجدة إذاً ، تدعوني إلى تخليصها من خيبتها بخطيب صلف ، مفروض عليها بدالة مركزه وسطوته حسب . أما حركتها التالية ـ بعرض الذكر المصنوع ، الوثنيّ ـ فكأنما أرادت أن تقول لي : إنكَ تحبني ، بل وتعبدني ، أليسَ كذلك ؟ إلا أنكَ في خصام مع كرامتكَ ، عندما تتذكر على الدوام ما علمته عني من تقصيك ، هنا وهناك ، في دارنا . أجل . أنكَ كنتَ تحلم بدرّة ما ثقبتْ ومطيّة لغيركَ ما رُكبتْ . فهاكَ إذاً بغيتكَ ، المُستحيلة ؛ ما دامتْ إبنة كبير أعيان الشام ، وسليلة الأشراف المُباركين ، تمارسُ يومياً فعالَ الجواري ؛ هيَ الأسيرة ُ عمراً ضمن أسوار الحَرَمْلك ولا ترى من الذكور غير الخصيان والخدم الشائخين .

الحمّام ، المُخصص لقاعة الضيافة ، كان مُلبّس الجدران بالرخام المُثلث الألوان ، والمُتسلسل مداميكه من الأصفر للزهريّ فالرماديّ . أما أرضيته فقد أبلطتْ بقطع الفسيفساء ، البراقة ، و المتناثر فوقها الأجرانُ المَرمرية والطاسات الفضية ، فيما إنزوتْ في الركن خزانة خشبية ، أنيقة ، خاصّة بالفوَط والملابس ، النظيفة . أخذتُ أنضو عني ملبسَ منامتي ، وكانت ملطخة ببقع طرية من شهوة المنام . فأنا كنتُ إذاً أغتسلَ بنيّة التطهّر من الجنابة . في مَسغبَة جوّ الحمّام الدافيء ، المُنعش ، أينعَ مُجدداً قضيبُ الشهوة مُنتعظاً ومُستثاراً . نعم . كنتُ أستجلبُ هذه المرّة مَشهَدَ بدَن ياسمينة ، في واقع الحال والحلم سواءً بسواء ؛ أستجلبه عارياً ، مَدغوماً بعري بدني . إنّ شعور الغيرَة ، الجارف ، قد خمَدَ عندئذ ، وما عدتُ لأبالي اللحظة سوى بأمر واحد حسب : أنني أتعشق هذه المَعبودة ، كما هوَ عشق المجذوب في زاوية الطريقة ، والذي يَنشدُ التقرّب من خالقه بالتماهي فيه حدّ الذوبان ؛ وحدّ أن يهذي بشطح العبارة المعروفة : " إذا أبصَرْتني أبصَرْته ، وإذا أبصرته أبصرتنا " . ولكن ، لا . إنّ هذا الحبّ لن يكونَ مصيره في زاوية صوفية ؛ ولن أكون ذلكَ الدرويش ، البائس ، الدائب في آناء الليل والنهار على حركة هزّ رأسه وتمتمة شفتيه . فياسمينة لن تتنكرَ لي ، وعلى الرغم من صدى الزغرودة النسَوية ، المُباركة ، التي تناهتْ لسَمعي قبل نحو الساعة من جناح الحريم ، فكرّبتْ رقادي وأسلمَتْ عينيّ من ثمّ للنوم .
" دستور ، أيها الآغا "
باغتني نداءُ المُضيف ، المُتأتي من وراء صفق باب الحمّام ، المُوارب . وما عتمَ أن دخلَ عليّ ، مُعتذراً ثانية ً . مُحرَجاً ، كنتُ قد تناولتُ الفوطة بلمحة ، لكي أسترَ مرأى ذكري ، الما فتأ على انتصابه ، المُبين . أجل ، كنتُ خجلاً فضلاً عن ذلك من حقيقة ، أنّ انتعاظي هذا ، كانَ نتيجة استحضار حرمات مُضيفي وأنا في داره ؛ وأنا " أدوسُ على بساطه " ـ كما اعتدنا القولَ . على أنّ لساني ، كانَ ذرباً والحمد لله . فإنني رحتُ أرحبُ بالزعيم بعبارات احتفاء ، مُنمّقة ؛ عبارت ، كنتُ أعرف ولا غرو مدى تأثير وقعها في سَمَع الآخرين . من ناحية أخرى ، وجدتني سعيداً برغبته في الإختلاء معي ، مُجدداً ؛ لأنّ هذا كانَ مُرادي ، ومنذ لحظة أفاقتي من الحلم .
أضحى الرجلُ عارياً إذاً ، فمددتُ إليه كرسياً لجلوسه ، واطئاً ، فبادر للقعود عليه . كانَ الآنَ بمقابلي ، وقد تهدّل كرشه العظيم فأخفى الجزء السفليّ من بدنه . على الأثر ، تبادلنا حكّ الجلد بالكيس ، ثمّ بالليفة المُصبّنة العَطرَة ، مع بضع صبّات من الماء الحار لكلّ مرّة . بعد انتهائنا من طقس الأغتسال ، قمنا معاً إلى جهة الخزانة تلك ، فتناول كلّ منا فوطة مناسبة ، ليتوجّه بعدئذ إلى الناحية الأخرى من الحمّام ؛ أينَ المصطبة الحجرية ، العالية نوعاً ، والتي كسيَتْ بدكة خشبية مُظهّرة بالبسط ومَسنودة بالوسادات الثخينة . هناك أستلقيتُ بمواجهة الزعيم من جديد . وكنتُ أنتظرُ أن يُبادرني أولاً بما جدّ من أمر أبنته . إلا أنّ الصمتَ الذي أعقبَ ذلك ، شاءَ أن يُبترَ بتراً وعلى حين بغتة بصدى وقع انفجارات ، كانت من الشدّة أنها بَدَتْ كأنما هيَ قنابر تتساقط فوقَ المنزل .

" ما الأمر ، يا عصمان أفندي ؟ ما هذه الأصوات ، خارجاً ؟ "
سألَ الزعيمُ كبيرَ الخدم ، وكان هذا قد شرَعَ لتوّه بوضع القهوة والحلوى على مقعد صغير في متناول اليد . أستقامَ الرجلُ فوراً ، ثمّ أجابَ سيّده : " إنّ دخانَ النيران ، المُتصاعد ، والمُترائي من على سطح الدار ، يؤكدُ أن القنابرَ تتفجّرُ ثمة ، في المنطقة الواقعة خلف الأسواق ؛ ربما في باب الجابيَة أو في درب الأروام " . حينئذ ألتقتْ عينا المُضيف مع عينيّ . كانَ قلقا ، ولا غرو . بَيْدَ أنه لم يشأ التكلمَ ، حتى فرَغ العجوز من خدمتنا وانصرَف . إذاك توحّه إليّ الزعيمُ وهوَ يحك لحيته الخفيفة ، الرمادية ، بحركة تفصح عن انشغال خاطره ، فسألني : " أتعتقدُ أنّ الوزيرَ وراءَ هذه الحَركة ، الحَمقاء ؟ "
" لا يا سيّدي ، لا أعتقدُ ذلك . إنه مُلتزمٌ بكلمته لسعادة القبجي ؛ بحسب ما أكدَهُ هذا لكلّ من شمّو آغا والقاروط "
" لقد سبقَ للمارق أن تبرأ من هجوم الأورطات على منزلي ، وأنحى باللائمة على آغا يقيني " ، قالها وهوَ يشدّ على نواجذ فكيْه بما يوحي بعدم اقتناعه . هدأ صوتُ القنابر من بعد ، وما لبث الهدوء أن أستعاد أنفاسه . الكبيرُ وبدوره ظهرتْ عليه علامات الأرتياح ، فنظر في عينيّ ملياً .
" أتعرف أنّ قوّاص آغا ، سيُصبح صهري ، أخيراً ؟ " ، قالها بلهجة مزهوّة . عند ذلك ، ما كانَ مني إلا أن اتصنعَ الحبورَ ، فأهتف به مُهنئاً : " مَبروك ، أيها الكبير " ، ثم أضفتُ مُتبرأ من الاهتمام : " وإذاً فإنّ الآغا وافقَ ، ولا ريب ، على شروط ... " ، قلتها وسكتّ فجأة . آه ، يا لسوء لسان المَرء . فقد كنتُ سأنطق اسم " ياسمينة " في حضرة والدها . فماذا كانَ سيفكرُ فيّ حينذاك ؟ ولكنه ، على الأرجح ، لم ينتبه للأمر . ورغبة مني في صرف نظره ، نهائياً ، عن هفوتي تلك ، فقد بادرتُ لسؤاله : " أعذرني ، يا سيّدي . لقد وعدتني أنتَ بتوضيح بعض اللبْس ، المُتعلق بمصرَع الوصيف " . تكدّرَ الزعيمُ قليلاً ؛ فهوَ لم يكن ، بطبيعة الحال ، يتوقع مني أن أعرّج على هذا الموضوع . ولكنه قال لي بتسامح : " أجل . وأنا عندَ وَعدي ، يا آغا "
" إذا شئنا معرفة خفايا جرم ما ، فيجب علينا ، قبل كل شيء ، أن نعرف دافعَ القاتل ، الحقيقيّ . فما هيَ ، بحَسَب شبهتكم ، مصلحة الوصيف في سرقة الكناش وبيعه للقاروط ؟ "
" إنني أدركُ ما يعنيه سؤالك ، يا صديقي : وهوَ أنّ الوصيفَ ، المقبور ، لم يكن بحاجة لكيس صغير من الدراهم الذهبية . أجل ، هذا صحيح . ولكنه ، حينما قايضَ الكتاب بهذا الكيس ، فلكي يخدَعَ القاروط . فلم يكن يريدُ أن يهبَه إياه دونما ثمن ؛ وإلا فإنّ ذلك سيثير الشكوك حول نواياه ، البعيدة " ، قالها الزعيم بتنهدة ثمّ أخلدَ فجأة للسكوت . إذ تصاعدَ وقعُ الأنفجارات مجدداً . على أنه لم يأبه بذلك بعد ، فأردفَ يُكمل حديثه : " إنّ الوصيفَ ، لعلمك يا آغا ، هوَ قريبُ المرحومة زوجتي ، القادين الكبيرة . لديّ أبنة وحيدة حسب ، بينما فقدتُ أخوتها ، الذكور ، واحداً أثر الاخر . كذلك فالوباءُ الأسوَد ، الذي دهم الولاية قبل حوالي العامَيْن ، سبقَ أن أبادَ أسرة أخي ، الوحيد ؛ فلم يبق لي قريبٌ على قيد الحياة . والمرحومة القادين ، أسرتها في الأناضول وكانت صلتها بها مقطوعة منذ أمد بعيد . وبالجملة ، فإنّ الوصيفَ ، الملعون ، فكر بكلّ ذلك جيداً : لقد أرادَ أن يكونَ وارثي ، الوحيد "
" كيفَ ذلك ؟ إنّ كريمتكم حيّة بعدُ ، أطالَ الله عمرها ، وهيَ في وارد الزواج ؛ وممن ، من آمر اليرلية ؟ " ، سألته بدهشة . فهزّ رأسه وكأنما كان يتوقع قولي ، فأجاب من فوره : " ولهذا الأمر ، يا صديقي ، طلبتُ معونتك كعطار وحكيم ، موثوق ومجرّب : كنتُ في ريبة ، وفي قلق شديد ، من أنّ يكونَ المقبورُ قد دسّ سُماً لأبنتي " .



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرواية : مَهوى 9
- الرواية : مَهوى 8
- الرواية : مَهوى 7
- الرواية : مَهوى 6
- الرواية : مَهوى 5
- الرواية : مَهوى 4
- الرواية : مَهوى 3
- الرواية 2
- الرواية : مَهوى
- الأولى والآخرة : مَرقى 13
- الأولى والآخرة : مَرقى 12
- الأولى والآخرة : مَرقى 11
- الأولى والآخرة : مَرقى 10
- الأولى والآخرة : مَرقى 9
- الأولى والآخرة : مَرقى 8
- الأولى والآخرة : مَرقى 7
- الأولى والآخرة : مَرقى 6
- الأولى والآخرة : مَرقى 5
- الأولى والآخرة : مَرقى 4
- الأولى والآخرة : مَرقى 3


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الرواية : مَهوى 10