أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - صباح ابراهيم - من ذكريات الماضي ..... مقتل نوري السعيد














المزيد.....

من ذكريات الماضي ..... مقتل نوري السعيد


صباح ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 2996 - 2010 / 5 / 5 - 02:36
المحور: سيرة ذاتية
    


جئت في منتصف تموز عام 1958 مع والدتي من البصرة لزيارة شقيقتي الكبرى الساكنة في بغداد . كان عمري انذاك اثنا عشر سنة .
استيقضت صبيحة يوم 14 تموز 1958 على صوت شقيقتي وهي تنادينا لوحود حالة غير طبيعية في الشارع وكان مسكنها مقابل حديقة الملك غازي ( حديقة الامة) حاليا.
نظرنا من البلكونة المطلة على الشارع ، راينا جماهير من الشعب تركب سيارات نقل وتهتف وجموع الناس تركض بالشارع بشكل غير معتاد. لم نكن نعرف مالذي يحدث وما سبب هياج الناس . فتحنا المذياع ، واذا باصوات حماسية تقرأ بيانات بقيام ثورة ضد الحكم الملكي ، وتطالب الشعب بمؤازة هذه الثورة الفتية . وتعقبها اناشيد وطنية حماسية وموسيقى لمارشات عسكرية .

في عصر ذلك اليوم وبينما كنت اتمشى في الشارع المتجه من ساحة الطيران الى القصر الابيض قرب مدارس الشرطة ، لاحظت تجمع عدد من الناس ، فدفعني حب الفضول لارى سبب تجمع الناس ، اندفعت باتجاههم وحشرت جسمي الصغير بين الكبار محاولا الوصول الى الامام لارى بوضوح مالذي يتطلع اليه الناس وقد كانوا بهئية دائرة حول شئ ما .
تقدمت مندفعا بين سيقان الرجال الواقفين حتى وصلت الى المقدمة ، واذ بي ارى ولاول مرة في حياتي ثلاث جثث لرجال محترقين وقد تفحمت اجساهم بلون اسود قاتم. وقد كانت مفاجاءة كبيرة لي ان ارى جثث متفحمة راقدة على الارض جنب بعضها ، ويبدوا انها لرجال العهد الملكي ، قتلوا واحرقوا في احداث الثورة . ولم اعرف من هم .
فجلست القرفصاء بجانب احدى الجثث مدققا النظر بها بدافع الفضول ، وانا في حالة من الخوف الشديد ، وفجأءة تحركت واحدة من الجثة المتفحمة ، وانقلب صاحبها الى الجنب بعد ان كان راقدا على ظهره . كان منظرا مرعبا ومخيفا بالنسبة لي ، واعتقدت ان الميت قد دبت فيه الروح وتحرك . فصرخت صرخة رعب من اعماق نفسي ونهضت واقفا لالوذ بالفرار، وقبل ان انطلق راكضا ، دفعني الفضول ثانية لالقي نظرة اخرى على الميت الحي . فوجدت ان احد الواقفين قد سحب الجثة بسلك مربوط في معصمها وانقلبت على جنبها .
لقد سبب لي تلك الحادثة صدمة نفسية مرعبة وانا في ذلك السن الصغير ، بقت آثارها لمدة ليست بقليلة. حيث كنت احلم بها في منامي.

في ثالث يوم من الثورة ، صحبتني والدتي لزيارة خالتي التي تسكن قرب الباب الشرقي في مركز بغداد . كان زوج خالتي يدخن السكائر، ويشعل السيكارة بقداحة ذات الفتيل القطني التي تعبأ بالبنزين وبتحريك عتلة لحك حجر القدح تنطلق شرارة لتشعل الفتيل المشبع بالبنزين .
يومها لم يكن لزوج خالتي بنزين لاملاء قداحته القديمة ، فقد نفذت قنينة البنزين وهو بحاجة للتدخين ، طلب من ابنه (صباح) ان يذهب الى ( بنزين خانة ) محطة تعبئة الوقود الواقعة قرب ساحة النصر في شارع السعدون لشراء قنينة بنزين حيث كان يباع بالقناني ( بطل ) صغير.
ذهبت مع ابن خالتي لشراء بطل البنزين من البنزين خانة لاننا كنا اولاد خالة وتربطنا صداقة حميمة . انطلقنا باتجاه ساحة التحريرفي الباب الشرقي يحدثني صباح ابن خالتي عن أخر فيلم شاهده عن الهنود الحمر ومغامراتهم مع الرجل الابيض الامريكي .
وصلنا الى ساحة التحرير حيث كانت احدى دبابات الجيش متمركزة فيها والجنود المسلحين حولها لان الجيش كان ينتشر بالشوارع في حالة انذار، في ايام الثورة الاولى . سمعت ضابط الدبابة ينادي جنوده للركوب في الدبابة للانطلاق الى البتاويين لان رئيس وزراء العراق في العهد الملكي والهارب نوري سعيد موجود في البتاويين . انطلق الجنود مع دبابتهم ، ولفتت هذه الحركة السريعة للدبابة انظار الناس ، حيث وصلهم الخبر وانتشر فيما بينهم ، وكل يعلم الاخر بالخبر المثير، لان قيادة الثورة اعنت عن منح مكافاءة مالية لمن يلقي القبض على نوري السعيد حيا او ميتا .
انطلق الناس ، وكنت انا وابن خالتي نركض مع الراكضين .
عبرنا ساحة النصر، واتجهنا مع الجماهير الراكضة الى احد ازقة البتاويين القريبة، حيث وجدنا جمعا من الناس تشكل دائرة حول جثة ملقاة على ظهرها على الارض .
الكل مذهول يشاهد رئيس وزراء العراق السياسي المخضرم الذي شكل العديد من الوزارات وكان له التاثير الكبير لسياسة العراق في المحافل الدولية وهو جثة هامدة ملقاة على الارض . كان لابسا بنطلون بيجامة زرقاء مخططة ، وصدره وبطنه عاريا واثر رصاصة قد ثقبت بطنه حيث قد خرج جزء من احشاءه خارج البطن مغلفه بالشحم الاصفر.
نظرت الى نوري السعيد ، راقدا جثة هامدة بلا حراك ، والناس في حالة من الهياج والحماس . وفجأءة جاء احدهم بمطرقة حديدية فهوى بها على راسه محاولا تهشيمها .
وبعد لحظات مسك شخص آخر احد ساقيه واخذه سحلا على ظهره باتجاه ساحة النصر وقد عاونه آخرون وانطلقوا مسرعين ، وركضت مع الراكضين خلف الجثة المسحوله على قار الشارع الذي تحول الى فقاعات سائلة بسبب حرارة جو شهر تموز البغدادي اللاهب.
وما ان وصلت الجماهير الهائجة مع الجثة المسحولة بالشارع الى ساحة النصر وقرب مطعم علي شيش للدجاج المشوي . وصلت سيارة جيب عسكرية فيها ضابط برتبة كبيرة مسلح برشاشة قصيرة مع جنوده ، فصرخ بجموع الناس ان يتركوا الجثة ، جاء ليتاكد من ان رئيس وزراء العراق نوري السعيد المطلوب من قبل الثورة حيا او ميتا قد قتل فعلا لان وجوده حيا فيه خطر على الثورة .
بعد ان دقق النظر في وجهه وتاكد من شخصيته ، افرغ كل رصاصات مخزن رشاشته على الجثة وسمح للجماهير بسحلها بالشارع وغادر بسيارته العسكرية.

وهنا تم ربط نوري السعيد من قدمه بحبل خلف احدى السيارات وانطلقت تسحله في شوارع بغداد والناس تركض وراء السيارة في هياج وهستيريا .

ولم يكن امامنا بعد هذه المشاهد المخيفة الا ان نعود الي البيت مرعوبين دون ان نجلب بطل البنزين الى زوج خالتي لشعورنا بالخوف والرعب . وبقى تلك الليلة بلا تدخين .



#صباح_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ذكريات الماضي ..... في قاطع الجيش الشعبي
- من ذكريات الماضي ... في البصرة
- الخلايا الجذعية
- ايران هي التي تشكل الحكومة العراقية
- الاخطاء النحوية في القرآن
- غرورالعقل البدوي السلفي
- هل يسكن روح الله في السماء فقط ؟
- الحالة النفسية وأثرها على صحة الانسان
- من يقتل ويضطهد مسيحيي العراق
- حروب الردة في الاسلام
- الكيل بمكيالين ... مروة الشربيني ومذبحة نجع حمادي
- العناصر المشتركة بين المسيحية والاسلام - الجزء الثاني
- العناصر المشتركة بين المسيحية والاسلام
- الاسلام دين مميز
- طالب دكتوراه سعودي يقتل المشرف على أطروحته
- يوسف القرضاوي وكراهيته لشجرة الكريسماس
- حلال على المسلمين وحرام على غيرهم
- حقيقة الادعاء بتحريف الكتاب المقدس
- وحدة العرب وكرة القدم
- هل الكعبة بيت الله ام بيت الاصنام ؟


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - صباح ابراهيم - من ذكريات الماضي ..... مقتل نوري السعيد