أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - صباح ابراهيم - من ذكريات الماضي ..... في قاطع الجيش الشعبي















المزيد.....

من ذكريات الماضي ..... في قاطع الجيش الشعبي


صباح ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 2995 - 2010 / 5 / 4 - 00:23
المحور: سيرة ذاتية
    


بعد اشتداد المعارك بين العراق وايران في مجزرة قادسية صدام المشؤومة ، تكبد الجيش العراقي الكثير من الخسائر البشرية وفي الاسلحة والمعدات والذخائر.
وبدات الكفة تميل في السنوات الاخيرة لصالح الايرانيين ، بعد خسائرنا في معارك المحمرة ونهر جاسم الطاهري والفاو.
وبعد ان استنزفت الحرب الكثير من شباب العراق من الجيش والجيش الاحتياطي الملتحق بموجب دعوات الاحتياط . اما استشهادا او جرحى ومعوفين او اسرى بمئات الالاف . لجأ القائد الضرورة الى ما اسماه بالاحتياطي المضموم .ليدعم بها قواته المسلحة المقاتلة في جبهات القتال المنتشرة من الفاو جنوبا وعلى امتداد الحدود الشرقية للعراق وصولا الي منطقة وجسرابرهيم الخليل في اقصى الشمال على الحدود التركية .
اصدر القائد الملهم المهيب الركن اوامره الى المنظمات الحزبية لتجنيد الرفاق المنتمين لحزب البعث للتطوع للقتال في جبهات الحرب .
وبعد ان نفذ مخزون الرفاق اما قتلا او الوقوع بالاسرلدى الايرانيين لعدم توفر الخبرة القتالية لديهم كونهم عمالا او موظفين وليسوا محترفين لفن القتال والحروب، ومن اعمار كبيرة خارج سن العسكرية. لجأ القائد المحنك الى الاحتياطي الشعبي .
اصدر اوامره التي لاتناقش بل تنفذ فورا. ان تقوم المنظمات الحزبية المنتشرة في كل حي ومدينة ومحافظة ان يجبروا المواطنين قسرا على الالتحاق بقواطع الجيش الشعبي او حتى القاء القبض عليهم وسوقهم لمعسكرات التدريب ودون استثناء او اعتبارلسن او مرض او اعالة او وحيد اهله ولغاية سن ستين سنة و سوقهم كقطعان الغنم الى مجزرة القادسية دون مراعاة لضروفهم مهما كانت.

بدات الفرق الحزبية لاعداد قواطع متطوعي الجيش الشعبي المساقون قسرا الى الموت . نصبوا المفارز التفتيشية في كل مكان وبدؤا بالقاء القبض على الرجال وسوقهم لمعسكرات التدريب . وحتى اخذهم عنوة من داخل بيوتهم ، حتى كان الرجال يبيتون عند اقاربهم كي لا يجدهم البعثيون داخل بيوتهم .
ومن الحوادث التي اذكرها ، ان احدى الفرق الحزبية المتخفية بملابس مدنية ، ذهب بعض من رفاقها الى ( المسطر) اي سوق العمال الاجراء الوقتيين الذين يعملون باليومية في اعمال البناء . وطلبوا عدد من العمال لتنفيذ مشروع بناء كبير ويحتاجون لاكبر عدد من العمال , وجلبوا معهم شاحنات . فتدافع العمال كل منهم يريد ان يركب الشاحنات قبل غيره ليرتزق بعمل . وما كان من الحزبيين الا ان ساقوهم للمنظمة الحزبية واحتجزوهم فيها ، حتى اخذوا هوياتهم ووزعوا عليهم الملابس العسكرية وساقوهم لمعسكر النهروان رغما عن انوفهم للتدريب ومنها يساقون للجبهة كمقاتلين متطوعين في صفوف الجيش الشعبي .

في عام 1986 كنت اعمل موظفا في احدى دوائر الدولة وبمنصب فني مهم ، حيث كانت دائرتي تعمل لخدمة واسناد المجهود الحربي من خلال صيانة وتصليح وادامة وقيادة المعدات الهندسية التي تقوم بحفر الخنادق للجيش واقامة السواتر الترابية الفاصلة بين الجيش والعدو الايراني . وكذلك نصب وصيانة وتشغيل مضخات الماء الضخمة التي كانت تغرق الارض الحرام بالماء كي تمنع وتعيق تقدم العدو نحو اراضينا.
طلب المدير العام للشركة من ضابط امن الدائرة ان يجمع كل موظف اداري او فني مهما كان منصبه او عمله ومن لم يلتحق بالخدمة العسكرية او بقواطع الجيش الشعبي سابقا . وكنت من بينهم ، وتم سوقنا بسيارة الى قاطع الجيش الشعبي وكنا عشرين مهندسا وفنيا باختصاصات مختلفة . وفي مقر قاطع او جعفر المنصور في بغداد اعطونا الملابس العسكرية وارادوا الحاقنا فورا بمعسكر التدريب في النهروان ودون علم عوائلنا . توسلنا عند المسؤولين ان يمهلونا 24 ساعة فقط كي نبلغ عوائلنا ونجلب بعض حوائجنا من الملابس وادوات الحلاقة والحاجات الشخصية . فتم ذلك على مضض.
في اليوم التالي نقلنا الى معسكر النهروان ، حيث التدريب كان مركزا على المشي بطابور نظامي ، الى الامام سر ، الى الوراء در، الى اليمين در، مكانك قف .وكأننا نتدرب لنقوم يأستعراض عسكري اما العدو في الجبهة. بقينا اسبوعين لم نتدرب سوى على استعمال بندقية الكلاشنكوف الروسية، واطلقنا عشرة طلقات للتدريب لم اصب الهدف سوى باطلاقتين من عشرة. علما اني لم اخدم في العسكرية لكوني من دافعي البدل النقدي .
بعد انتهاء التدريب قمنا بمسيرة التحمل للسير حاملين كافة معداتنا القتالية مع السلاح واعتمار الخوذة للسيرلمسافة ستة كيلو مترات مشيا على الاقدام .

بعد التخرج من دروة التدريب العتيدة . تم نقلنا بحافلات كبيرة وبحدود 450 مقاتل
( متطوع ) ولم حينها نعلم الى اين سنذهب . سارت بنا الحافلات اكثر من ستة ساعات حتى وصلنا حدود مدينة البصرة الجنوبية , وكانت بانتظارنا شاحنات الجيسش الشعبي ( لوريات) نوع هينو ، قسم منها مغطى بجادر ومنها المكشوف لتمزق غطاء الجادر. وامِرنا ان نركب هذه الشاحنات كغنم تساق للذبح . سارت بنا الشاحنات اربعة ساعات في طريق صحراوي وعر غير معبد باتجاه الحدود العراقية السعودية الكويتية . ونحن نتقافز داخل الشاحنات وقوفا بحدود عشرين رجلا في كل شاحنة. كانت الشمس تلفحنا وتحرق وحوهنا والعرق المملح يغطي اجسادنا والغبار يصلينا بذرات رمال الصحراء دون رحمة لتترك فينا ذكريات لا تنسى .

ويعد سير طويل تم توزيع المقاتلين الصناديد على قواعد الجيش الشعبي المنتشرة على طول انبوب نفط الرميلة المتجه الى داخل الاراضي السعودية . وهنا فقط عرفنا ماهي المهمة التي جيئ بنا لاجلها . انها حراسة انبوب نفط الرميلة الذي يبعد مئات الكيلومترات باتجاه معاكس لجبهة القتال المواجهة لايران . وحمدنا الله ان هذه المهمة اهون من مواجهة الموت برصاص العدو وقنابله او الوقوع بالاسر هذا ان عدنا سالمين الى عوائلنا .
كان واجبي ان اكون مسؤولا عن تشغيل بدالة نلفونات القاطع .ولابد ان اكون في خدمة آمر القاطع واسهر يوميا حتى الساعة الثانية صباحا ، بأنتظار انتهاء الامر من ممارسة هواية حب المطالعة والقراءة لانه يحمل شهادة الماجستير بعلوم الفيزياء . ولابد ان اقوم باطفاء محرك المولدة الكهربائية التي تنير الامرية بالكهرباء بعد ان يوعز لي هاتفيا بأنه سينام . ولابد ان اذهب الى نهاية حدود الامرية لاطفاء المولدة والعودة في الظلام الدامس الى خيمتي متخوفا وحذرا من لدغات الافاعي والعقارب السامة التي تخرج من بين الرمال في اي لحظة . ولهذا ابتكرت طريقة فنية لايقاف المولدة عن العمل بمد سلك كهربائي من المولدة والى خيمتي وينتهي بزر ، اضغط عليه ويتوقف المحرك فورا وانا نائم في فراشي داخل الخيمة دون التعرض لمخاطر الافاعي والعقارب ليلا.
تبين لي ان قاطع ابو جعفر المنصورللجيش الشعبي الذي انتمي له، يضم خمسين مقاتلا صنديدا من حملة شهادة الدكتوراه و250 مقاتلا ( متطوعا ) من حملة الماجستير والبكالوريوس ومن مختلف الاختصاصات، اطباء ومهندسين ، كيمياويين وفيزيائيين واساتذة جامعات, وبقية المقاتلين من الفنيين والموظفين كلهم جمعوا من دوائرهم ومصانعهم كرها وقسرا. كان واجبهم حمل بندقية كلاشنكوف وحراسة انبوب النفط المدفون بعمق ستة امتار تحت الارض .
بقينا تسعة اشهر كاملة في الصحراء تحت لهيب الشمس المحرقة نهارا، والجو البارد ليلاً . نعيش بين الافاعي والعقارب السامة التي تنتشر بكثرة في هذه المنطقة الصحراوية ، لم نرَ عدوا ايرانيا واحدا ، ولم نطلق رصاصة واحدة .ولم نسمع دوي المدافع وانفجار القنابل . كان عدونا : العواصف الرملية ، تحمل العطش حتى يصلنا صهريج ماء البئرالمالح الذي يتعطل كل اسبوع ليومين او ثلاثة ، هاجسنا الخوف من لدغات الافاعي والعقارب التي تاوي احيانا الى داخل احذيتنا العسكرية عندما ننزعها ليلا اثناء النوم لنجدها صباحا وقد امتلئت بالزواحف حيث تجد الدف فيها .
كما كان بعضنا يفضل ان لاينزل باجازته لزيارة اهله تخلصا من عذاب الطريق الصحراوي الذي كان يفكك مفاصل عظامنا بسبب الاهتزازت التي نشعر بها ونحن على ظهر الشاحنات التي تقلنا في الطريق الوعر لاربعة ساعات تحت اشعة الشمس وابتلاع كميات كبيرة من الغبار والرمال حيث لاتظهر من وجوهنا غير العيون والباقي مغطى بطبقة سميكة من الغبار الصحراوي.
لحد الان اتسائل ، هل كنت انا وزملائي من اصحاب الشهادات العالية والكفاءات النادرة واساتذة الجامعات العلمية سنقدم خدمة لوطننا اكثر في مصانعنا وجامعاتنا، او نقوم بحراسة انبوب النفط المدفون بعمق 6 أمتار تحت الارض مع الضروف الصحراوية القاسية هي الخدمة الافضل ؟ علما ان الانبوب كان تحت مراقبة وحماية طائرات القوة الجوية التي كانت تمر فوقه للمراقبة مرتان يوميا .



#صباح_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ذكريات الماضي ... في البصرة
- الخلايا الجذعية
- ايران هي التي تشكل الحكومة العراقية
- الاخطاء النحوية في القرآن
- غرورالعقل البدوي السلفي
- هل يسكن روح الله في السماء فقط ؟
- الحالة النفسية وأثرها على صحة الانسان
- من يقتل ويضطهد مسيحيي العراق
- حروب الردة في الاسلام
- الكيل بمكيالين ... مروة الشربيني ومذبحة نجع حمادي
- العناصر المشتركة بين المسيحية والاسلام - الجزء الثاني
- العناصر المشتركة بين المسيحية والاسلام
- الاسلام دين مميز
- طالب دكتوراه سعودي يقتل المشرف على أطروحته
- يوسف القرضاوي وكراهيته لشجرة الكريسماس
- حلال على المسلمين وحرام على غيرهم
- حقيقة الادعاء بتحريف الكتاب المقدس
- وحدة العرب وكرة القدم
- هل الكعبة بيت الله ام بيت الاصنام ؟
- اين يقع المسجد الاقصى الحقيقي ؟


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - صباح ابراهيم - من ذكريات الماضي ..... في قاطع الجيش الشعبي