أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - صادق جعفر الروازق - مسألة الحرية في مدوّنة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور















المزيد.....

مسألة الحرية في مدوّنة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور


صادق جعفر الروازق

الحوار المتمدن-العدد: 2994 - 2010 / 5 / 3 - 12:58
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



مسألة الحرية من المسائل المهمة التي عالجتها أدبيات النهضة الفكرية، وأصبحت اليوم الدعوة لها تأخذ حيزاً مُلحاً في كلّ أدبيات الفكر وفي كلّ حركة أدبية معاصرة، بل غدا مصطلحي «التحرر» و«الحرية» من أساسيات مطالب المقاومة للاستبداد، والتخلف، والاستعمار فضلاً عن أنهما ركناً أساسياً وثابتاً من ثوابت الفكر.
ومفهوم الحرية بحد ذاته من أغنى المفاهيم الفلسفية وأعقدها وأكثرها تداولاً وبسطاً على البحث والقدرة على التجدد والتوسع. وقد ساعد على ذلك التحولات التي شهدتها أوربا الحديثة خلال نهضتها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في مجال العلاقات المجتمعية عامة وفي علاقات الإنتاج خاصة بالتزامن مع الثورة العلمية والتقدم الاقتصادي الباهر، ولذا اكتسب مفهوم الحرية مدلولات جديدة انطوت على تفريعات استوجبتها هذه التحولات الاجتماعية وما رافقها من ثورة فكرية وصناعية، بالطبع كان الإنسان منطلقها وغايتها.
فالانفتاح بين الحضارتين الشرقية والغربية عمق بلا شك مفهوم الحرية،كما عالج في إطاره الشرق منظومته الفكرية القديمة التي لم تخرج بمفهوم الحرية عن دائرة الجبر والاختيار ـ كما يقول المؤلف ـ أو إثبات حرية الإرادة الإنسانية ونفيها أو باعتبارها نقيض العبودية، إلى تصور جديد نابع من رؤية للفرد وللمجتمع جديدة، ومن فهم للعلاقة بين الفرد والمجتمع وبين السلطة فهماً جديداً، فهم نظر إلى الحرية باعتبارها مسألة تتصل بسيادة الإنسان النابعة من الإيمان بعقله، وتتجسد هذه السيادة في حقوق تحفظها قوانين تسهر السلطة على تنفيذها في نطاق عقد سياسي بين السلطة والمجتمع.
ناقش ابن عاشور مسألة الحرية من منظور فلسفي أولاً ثم من منظور تطبيقي، وفق دلالاتها المعاصرة ومن منظور قرآني، انتهى فيه إلى أن «الحرية» أصل في أصول التشريع الإسلامي الثابتة.
المؤلف جمال الدين دراويل، وقبل استعراضه للمدوّنة، أسهب كثيراً في التعريف بمكانة ابن عاشور وقراءة مجاميع من مدوّنته الممهدة للدخول إلى مسألة الحرية. فأبن عاشور: هو ولد الشيخ محمد الطاهر بن محمد الطاهر بن عاشور، من أسرة تنحدر من أصل أندلسي، ولد عام 1879م.. كان جدّه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور الأول أحد علماء القرن التاسع عشر الأكثر شهرة، تولى منصب قاضي الحضرة التونسية (قاضي القضاة) المالكي، ونقابة الأشراف، وكان من المقربين لأحمد باي.. وجدّه لأمه الذي تولى تربيته والعناية به وهو الوزير الشيخ محمد العزيز بوعتور (1907م) أحد علماء الزيتونة، تولى الوزارة والوزارة الكبرى، وكان من أبرز الشخصيات السياسية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بتونس.
أما ابن عاشور (موضوع الدراسة) فقد تولى أعلى المناصب العلمية والدينية والقضائية ولم يتسنّ ذلك لأحد غيره من أبناء جيله، فقد نال درجة مدرّس من الطبقة الثانية بجامع الزيتونة عام 1903م، ومدرس من الطبقة الأولى عام 1905م وعمره 26 سنة ولم يعرف ذلك لغيره. واستلم مناصب عديدة حتى سمي في عام 1932م (شيخ الإسلام المالكي) وهو أول من سُمّي رسمياً في هذا المنصب التي كانت الدوائر الحنفية تحتكره فيما سبق، استقال عام 1933م من مشيخة الجامع، عاد إلى جامع الزيتونة عام 1945م وعمل على تطبيق برنامجه الإصلاحي.. حتى توفي في عام 1973م عن عمر يناهز 94 عاماً.
ومن نتاجه العلمي:
- تفسير التحرير والتنوير.
- مقاصد الشريعة الإسلامية.
- أصول النظام الاجتماعي في الإسلام.
- أليس الصبح بقريب.
- تحقيقات وأنظار في القرآن والسنة.
- كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطا.
- النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح.
- جمع وشرح وتحقيق ديوان بشار بن برد.
- جمع وشرح وتحقيق ديوان النابغة الذبياني.
وبعد ان استعرض المؤلف ما تقدم من نتاجات فكرية وعلمية لابن عاشور، أخذ بتسليط الضوء على كلّ مؤلـّف منها بشكل موجز معرفاً بكل واحد منها. فكان ما تقدم للكتاب «مدخلين» الأول تمثل: بالتعريف بالكاتب، والثاني: التعريف بنتاجه. ثم أفرد المؤلف بعد ذلك «بابين» أحداهما: (مشكلة الحرية عند الشيخ ابن عاشور ـ اشكالية التحرر والتحرير)، والباب الثاني: (الحرية ومتعلقاتها عند ابن عاشور)، وقدّم عليهما فصلين تناول فيهما مسألة الحرية في الفكر الإسلامي القديم، كي يكون هذا الفصل أشبه بالتمهيد لدراسة مفهوم الحرية جذرياً في التراث الإسلامي، والفصل الآخر تناول فيه مسألة الحرية في الفكر الحديث والمعاصر.
ففي الفصل الأول يقول المؤلف: لم يكن الفكر الإسلامي منذ ظهور رسالة الإسلام ونزول الوحي على النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) بمعزلٍ عن النظر في المسألة لتجذرها في الطبيعة الإنسانية، وقد جاءت الأديان جميعها لتجيب عن أسئلة كثيرة متعلقة بمعاش الإنسان الدنيوي ومعاده الأخروي، ومسألة الحرية من هذه الأسئلة.
فالمؤلف حاول أن يرصد مسالة الحرية من خلال
أولاً: النص المقدس (المؤسس) (القرآن الكريم).
ثانياً: من خلال عهد الخلافة الراشدة.
ثالثاً: من خلال المدارس الكلامية الإسلامية (الجبرية / المعتزلة / الأشعرية).
فمن خلال النص، يستشهد المؤلف بالعديد من آيات الذكر الحكيم ومنها: «ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا»(الاسراء: 70)، «إنـّا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً»(الإنسان: 3)، «لا إكراه في الدين»(البقرة: 256) «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»(الكهف: 29). إلا أن المؤلف يوضح أيضاً أن هناك إلتباس خلقه البعض فهم قاصر عندما اعتقدوا ان بعض الآيات ظاهرها يعارض حُرية الإنسان ومنها: «وما تشاؤون إلا أن يشاء الله»(الإنسان: 30)، «إنـّا كلّ شيء خلقناه بقدر»(القمر: 49).
أما مصاديق من فترة الخلفاء الراشدين، فيقول المؤلف: سار المسلمون على ما ساروا عليه في عهد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يعملون ويجتهدون ويعمّرون ويبنون من منطلق الشعور بالمسؤولية النابعة من الاعتقاد بحرية الإرادة الإنسانية، بيد أن المؤلف يقول: ثم اعترى اللبس من جديد هذا التصور بفعل العودة إلى بعض العقائد القديمة التي توهمت التوكل استسلاماً وقعوداً عن العمل. ومن مصاديق ذلك ما جاء به البخاري في صحيحه: أن أهل اليمن كانوا يحجون بلازاد ويقولون كيف نجح بيت الله ولا يطعمنا، ويقولون نحن المتوكلون على الله ثم يكونون كلاً على الناس بالإلحاف في السؤال. ولم يكن بعض كبار الصحابة بمنأى عن هذا التوهم واللبس، والحوار الشهير بين عمر بن الخطاب، وأبي عبيدة بن الجراح يقيم الدليل على ذلك، حيث أمر ابن الخطاب لدى بلوغه «عمواس» وعلمه بتفشي الطاعون بها، الناس بالرجوع وعدم الدخول إليها، فجاءه ابن الجراح وقال له: أفراراً من قدر الله؟ فقال له عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، إنا نفر من قدر الله إلى قدر الله.
وما جرى بين عثمان بن عفان، والخارجين عليه المطالبين بعزله وجوابه لهم بأن «الخلافة لباس ألبسنيه الله» يندرج في صلب مسألة الحرية الإنسانية وعلاقتها بالمشية الإلهية.
أما مسألة الحرية عند الفرق الكلامية الإسلامية (الجبرية، والمعتزلة، والأشاعرة) فيعزي المؤلف سبب اختلافهم إلى عدة عوامل منها: العامل العقلي، العامل النقلي، العامل السياسي، العامل الثقافي.
بعد ذلك تناول المؤلف مسألة الحرية في الفكر الإصلاحي الحديث والمعاصر ضمن منهجية بحثه التمهيدي للدخول إلى مسألة الحرية عند ابن عاشور، مؤكداً على أهمية أبعاد الثورة الفرنسية في مبادئها الشهيرة (حريّة، إخاء، مساواة) ومؤكداً قوله: ان الحرية بمفهومها الليبرالي الحديث هي الحرية الغربية التي أصبحت ملازمة إلى حدٍ بعيد للثورة الفرنسية وما تمخض عنها من إعلان حقوق الإنسان خاصة.
أما في الفكر العربي ـ وكما يقول المؤلف ـ فإن مفهوم الحرية قد تأثر كثيراً بمفهومها في الفكر الغربي، ذلك أن رواد التحديث العربي اطلعوا على أدبيات التنوير والحداثة من خلال البعثات العلمية التي درس عناصرها في فرنسا وأوربا ـ ثم يروح المؤلف مستعرضاً مسألة الحرية عند ثلاثة خطوط من خطوط النهضة العربية
1. رواد النهضة (الطهطاوي، وخير الدين التونسي).
2. تيار السلفية الجديدة (الأفغاني، والكواكبي).
3. التيار التحديثي (أديب اسحاق وفرح أنطون).
إشكالية التحرر والتحرير
من خلال هذا العنوان رصد المؤلف فكر الشيخ ابن عاشور وانجازاته الإصلاحية وبالأخص في مسألة الحرية في جانبها العملي من مدوّنته، فيقول: إن ابن عاشور سار على خطى شيخه السالم بن حاجب موقنا ان الفعل الإصلاحي داخل المنظومنة التقليدية لا يستقيم إلا باطراح التقليد والتماس الاجتهاد، وأبدى وعياً تاماً بأن العصور قد تبدلت والعلوم قد تقدمت، فالخطاب الجديد الذي أنتجه ابن عاشور تركزّ على:
أولاً: تكريس حق العودة المباشر إلى النص الديني المؤسس (القرآن).
وبهذا التوجه، وضع الشيخ ابن عاشور أساساً متيناً من أسس معركة الإصلاح الديني متمثلاً في حق المتأخرين إعمال النظر كما فعل القدامى، والإستنتاج كما استنتجوا، والاستنباط كما استنبطوا دونما خشية من إلصاق تهم التبديع وتعريض المبتكرين إلى النكاية والإضطهاد أو القتل كما حصل في أحيان كثيرة. وعلى هذا الأساس ـ والقول لا زال للمؤلف ـ أقدم على هدم مقوم من مقومات المنظومة التقليدية متمثلاً في الرضى بالموجود والاعتقاد ان زمن السلف الصالح خير الأزمان وأن أفهامهم تعلو ولا يُعلى عليها وأن قراءاتهم للنص الديني تجُبّ ما بعدها. وأقام صرح بناء معرفي جديد في التعامل مع النص القرآني، عماده أن المعرفة البشرية تتكامل وتتراكم، وأن الجمود على أقوال القدامى مؤذن بخراب العقل العربي الإسلامي، وأنه بقبوله الركون إلى سلطة معرفية بائدة قد اختار بمحض إرادته الوقوف خارج مسار الحركة التأريخية.
ثانياً: الدعوة إلى وجوب الاجتهاد، باعتبار الوقوف عند الظواهر، والجمود على المنقولات والإعراض عن النظر والاستنباط والإلتجاء إلى التوقيف في البحث عن الأحكام المتعلقة بمسائل الحياة يتعارض مع تبدل الأحوال والأزمان الذي يقضي بتبدل حاجات المجتمع وتغير عوائد الناس وحدوث أقضية جديدة تستوجبها حاجات الأفراد ومستلزمات الهيئة الاجتماعية، وهو ما يدعو العلماء إلى إمدادها بالمعالجة الشرعية المناسبة بما يترتب عليه أن الاجتهاد فرض كفاية على الأمة بمقدار حاجة أقطارها وأحوالها.
فالشيخ ابن عاشور رأى ان الاجتهاد ضرورة يقتضيها «تحسين الحالة العمومية في تصاريف الأقضية الشرعية وأحكام المعاملات المدنية والمنافع الاجتماعية». يقول المؤلف: ويُفهم من هذا اعتبار الاجتهاد من مستلزمات الانخراط القويم في العصر وتلبية ضرورات التطور الفكري والاجتماعي. وهذا ما دعاه إلى القول: «إنا متى اقتصرنا في تعليمنا على ما أسسه لنا سلفنا ووقفنا عند ما حددوا رجعنا القهقرى».
مفهوم الحرية عند ابن عاشور
بعد أن كان مفهوم الحُرية لا يتعدى حيّز المثل الأخلاقية من منظور الثقافة التقليدية، وبيان حدود القدرة الإنسانية قياساً إلى القدرة الإلهية، صارت تعالج في المقاربة الحديثة على أنها مسألة سياسية في المقام الاول، مرتبطة بتصارع قوى اجتماعية مختلفة، كما أنها مرتبطة بالحقوق التي يتمتع بها الفرد أو التي يطمح للتمتع بها. وفي هذا الاطار الحديث تناول ابن عاشور مسألة الحرية، كما فطن من خلال تعريفها: الى أن من شروطها يأخذ المرء بكل حقوقه وأن يفي بجميع حقوق غيره وأن يصدع بآرائه، وإلى الصلة بين حقوق الإنسان، وبين الحرية التي عُرّفت بأنها مجموع الحقوق التي بها تتحقق الذات الإنسانية ويكون بها الفرد قادراً على تأمين شخصيته والمشاركة الفاعلة في الهيئة الاجتماعية.
ويعلق المؤلف: ونلمس في هذا الوعي بالصلة بين الحرية وبين الحقوق، أي القوانين، وبالتالي بالنظام السياسي، خروجاً عن المفهوم التقليدي الذي جاء موغلاً في المثالية ولم يرَ الحرية في أحسن الأحوال إلا متلبسة بقيم العدل والإنصاف. وقد تأكد هذا الوعي لكلمة «الحريات» بصيغة الجمع في عدّة صفحات من كتابه «أصول النظام الاجتماعي في الإسلام». وهو الاستعمال المعبر من أن الحرية ليست إلا مجموع الحقوق الضامنة للكيان الإنساني للفرد. ويضيف المؤلف ان ابن عاشر فـَطِنَ إلى ما ينطوي عليه مفهوم الحرية من دلالات متعلقة بنماء الشخصية الإنسانية وتنشيط قواها وقدرتها على الفعل، فيقول الشيخ: «فالحرية حلية الإنسان وزينة المدنية، فيها تنمو القوى وتنطلق المواهب، وبصوبها تنبت فضائل الصدق والشجاعة والتضحية وتتلاقح الأفكار وتورق أفنان العلوم».
كما أدرك ابن عاشور أن كل نظرة أحادية إلى الحُرية تضعف حضوظ تحقيقها، وأنها لا تكون في نهاية المطاف إلا عداء للحرية ووقوفاً إلى جانب الظلم، فقال: «حقٌ على كل صاحب فكر أن يقابل فكر غيره باحترام دون السخرية.. فإن الاسترسال على ذلك يُجبن الذين تخلقت فيهم مبادئ العقل عن الإعلان بما وهبوه خشية الاستهزاء، فالحُرية إنما ينالها المرءُ بعد شعوره بوجوب مساواته مع غيره فيها.. وأن من أكبر الأسباب في تقدم الأمة بعلومها وبقبولها لرتبة التنوّر، هو أن تشِبّ على احترام الآراء والتسامح والتساهل».
فالحرية بناءً على ذلك ـ وكما يقول المؤلف ـ لا معنى لها ما لم تكن حالة جماعية وروحاً تسري في المجتمع ولا قيمة لها إلا إذا مارسها مجموع عناصر البناء باعتبارها من مقومات بناء الشخصية الفردية وشرط من شروط نمائها وازدهارها. وإلى هذا المعنى أشار الشيخ ابن عاشور حين نقل مجال الحديث عن الحرية من المستوى الفردي إلى المستوى الجماعي في قوله: «إن أمة تنشأ على التطبع بالرأي الصحيح والتخلق بأخلاق الأخوة والمساواة وحب الحرية وتوقير العدل، لأمة خليقة بأن تعرف مزية الوحدة، فتكون متحدة الإحساس والعمل».
ووعياً بأن الحرية وليدة الإيمان بالعقل، ربط الشيخ ابن عاشور بين العقل والحرية حين قال: ان الله تعالى لما خلق للإنسان العقل أمكنه من أن يعمل ما يريد ، وأن يتصرف فيما يجده مما تخرجه الأرض، فكانت حُرية الفعل أصلاً فطرياً».
وأن آخر ما فصل فيه المؤلف من كتابه هذا هو تناول مواضيع الحرية والسلطة وما بينهما من متعلقات ضمن مدوّنة الشيخ ابن عاشور، فالمؤلف أفرد مواضيع بهذا الخصوص، منها:
أولاً: (الحرية والسلطة عند الشيخ ابن عاشور)، ومما جاء في هذه الإشكالية: «أن السلطة تحرص على الدوام أن تتوسع وتفرض المزيد من نفوذها، وسبيلها في ذلك تضييق الحريات أو خنقها ووأدها، والناس مدعوون للشكاية والضجيج لإيقاف زحف السلطة والحدّ من سطوتها التي لا تكون إلا على حساب حرياتهم». يقول المؤلف: وهنا نقف على وعي سياسي واجتماعي تجاوز مقولة «وجوب طاعة ولاة الامر وإن جاروا» التي كرستها مدونة السياسة الشرعية كما أن ابن عاشور لم يقف عند مقالة الآداب السلطانية ونصيحة الملوك بل استفاد من مجريات تاريخ النهضة، وفي هذه الاشكالية بين السلطة والحرية يقف المؤلف على الكثير من مقولات الشيخ.
ثانياً: محورية الإنسان في الفعل الحضاري.
ثالثاً: أصالة الاختلاف في المجتمع الإنساني.
رابعاً: التسمح مع المخالف.
خامساً: رفض التكفير.
سادساً: موقفه من البدعة.
سابعاً: نقد الاستبداد.
ثم ينهي المؤلف كتابه بخاتمة ونتائج البحث، وأهمها:
1. أن مسألة الحرية مثلت قضية مركزية في مدوّنة الشيخ ابن عاشور، وأنه كان على وعي مبكر بها منذ عام 1904م.
2. أنه تناول مسألة الحرية خارج حدود التصور التقليدي لها، ودونما ركون إلى مفاهيم هذا التصور ومفرداته.
3. أنه أبدى وعياً جديداً بمسألة الحرية صرّح به وبرهن عليه بالعودة إلى المدوّنة الحداثية والإحالة إلى روادها.
4. أن هذا الوعي لم يصل إلى حدود الانفصال التام عن مخلفات المنظومة التقليدية التي كانت بين الفينة والأخرى تـُمارس سلطتها عليه إلى حد وقوعه بين تجاذب مفاهيم المنظومتين التقليدية والحديثة، وصل به في بعض الأحيان إلى حدود الإضطراب والتناقض.
5. أن معالجة الشيخ ابن عاشور لمسألة الحرية لم يتجاوز حدود التصور النظري العام دونما ملامسة لمجريات الواقع التي تتطلب خطاباً واقعياً مباشراً كما فعل الطاهر الحداد مثلاً.
6. أن النظام الاجتماعي التراتبي لعائلات الحاضرة التونسية الذي كانت عائلة الشيخ ابن عاشور في أعلى هرمه وما فرضه من موازنات إلى جانب الوظائف العالية التي تولاها، كان وراء انكفائه إلى الحدود النظرية في طرح مسألة الحرية، وركونه في مستوى الممارسة السياسية إلى المهادنة والصمت في غالب الأحيان.
7. إن مقالة الشيخ ابن عاشور في مسألة الحرية لم تكن مقالة فقهية ـ رغم مكانته في الفقه علماً ومنصباً ـ بل كانت مقالة حضارية في المقام الأول، وكانت مفردات كالحرية والتحرير والتنوير والتقدم والمدنية والنهضة والرقي، أساسية ومتكررة في خطابه.
8. إن خطاب الشيخ ابن عاشور المتعلق بمسألة الحرية كان إلى جانب النهضة والإصلاح، أما ممارسته السياسية فلم تتناغم مع الخطاب إلا لماماً.



#صادق_جعفر_الروازق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجديد العقل النهضوي
- مؤلف وكتاب


المزيد.....




- في دبي.. مصور يوثق القمر في -رقصة- ساحرة مع برج خليفة
- شاهد لحظة اصطدام تقلب سيارة عند تقاطع طرق مزدحم.. واندفاع سا ...
- السنغال: ماكي سال يستقبل باسيرو ديوماي فاي الفائز بالانتخابا ...
- -لأنها بلد علي بن أبي طالب-.. مقتدى الصدر يثير تفاعلا بإطلاق ...
- 4 أشخاص يلقون حتفهم على سواحل إسبانيا بسبب سوء الأحوال الجوي ...
- حزب الله يطلق صواريخ ثقيلة على شمال إسرائيل بعد اليوم الأكثر ...
- منصور : -مجلس الأمن ليس مقهى أبو العبد- (فيديو)
- الطيران الاستراتيجي الروسي يثير حفيظة قوات -الناتو- في بولند ...
- صحيفة -كوريا هيرالد- تعتذر عن نشرها رسما كاريكاتوريا عن هجوم ...
- برلمان القرم يذكّر ماكرون بمصير جنود نابليون خلال حرب القرم ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - صادق جعفر الروازق - مسألة الحرية في مدوّنة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور