أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - بابكر عباس الأمين - شعب عِملاق يتقدَّمه أقزام















المزيد.....

شعب عِملاق يتقدَّمه أقزام


بابكر عباس الأمين

الحوار المتمدن-العدد: 2993 - 2010 / 5 / 2 - 08:33
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    



ليس المقصود بأقزام في هذا المقال - كما قد يتبادر إلي الذهن - حُكام الخرطوم الحاليين. إنما الأقزام هم الذين أفلحوا في رعايتهم, والسماح لهم بالتمكين السياسي والإقتصادي, ثم الانقضاض علي النظام الديمقراطي في الثلاثين من حزيران المشؤوم عام 1989. أما الحُكام الحاليين, فلا يعدو كونهم إفراز القزم الثالث (حسن الترابي). إن نظام المحافظين الجُدد الحالي هو كالعرض بالنسبة للمرض القاتل الذي أصاب الجسد السياسي السوداني بفيروس قاتل هو قادة غير مسئولين وغير جادين وكل همهم السلطة وبريقها.

لقد كان أس البلاء هو أن البلاد قد أُبتُلِت, عقب سقوط نظام مايو, برئيس وزراء من الذين يقولون ما لا يفعلون. كانت التصريحات البرَّاقة, أثناء حملته الإنتخابية, شيء والممارسة أثناء حكمه نقيضه تماماً: (إلقاء قوانين سبتمبر في مزبلة التاريخ), (الوحدة الوطنية لا تكتمل إلا بعزل الأخوان المسلمين). ولحسن الحظ أن إصدار التصريحات والشعارات البرَّاقة من البنود التي لا تخضع لضرائب أو رسوم. كلام جيد وموضوعي يترك إنطباعاً طيباً يُقال بالنهار ثم يمحوه الليل وانتهي الأمر. وحصل القزم الثالث علي مقاعد برلمانية ما كان ليحصل عليها لو لا خيبة الحزب المُترهل الثاني (الإتحادي الديمقراطي), الذي كانت إدارته للإنتخابات أضعف من إدارة لجنة فريق صبية لكرة القدم. كانت القواعد الإتحادية المُغيبة تقرأ في الصحيفة أن مرشح الحزب الإتحادي هو فلان الفلاني. وفي نفس الصحيفة, وفي ذات العدد, تقرأ إعلاناً آخرا يفيد أن مرشح الحزب الوحيد هو علان العلاني, كأنما الصفة (الوحيد) تزيل اللبس والحيرة عن الناخب.

شهدت البلاد أربع حكومات في ثلاث أعوام ونيف, أي بمعدل حكومة لكل تسع شهور. ومرت فترة خلال ذلك العهد كانت البلاد بلا حكومة. وهذا سبب ونتيجة لغياب الرؤية والبرنامج وعدم الإكتراث لمصلحة البلاد. وكان الإئتلاف ينفض أحياناً بسبب شخص واحد وربط الذاتي بالموضوعي كحالة أحمد السيد حمد, الذي رفض رئيس الوزراء شمله في مجلس رأس الدولة بدعوي أنه من سدنة نظام مايو, بينما كان السبب الحقيقي هو الحالة المزاجية لرئيس الوزراء التي لا يروق لها شخص أحمد السيد. وما كان الصادق صادقاً في تبرير إقالته للحكومة التي شارك فيها أبوحريرة, حين أصدر بياناً ذكر بأن سبب الإقالة أنه (لمس بطأ شديداً في تصفية آثار مايو). وكان الخلاف يدب بين جناحي الإئتلاف حول لمن يكون السودان حليفا. كان رئيس الوزراء يحبذ حلف إيران وليبيا, بينما كان الحزب المؤتلف يؤثر حلف مصر, كأنما هذا المليون ميل مربع بموارده احدي جمهوريات الموز, وقدرها أن تكون تابعة لاحدي تلك الدول الثلات.

وبعد النشوة التي طغت علي رئيس الوزراء, من الكرسي الذي فارقه لواحد وعشرين عاما, صار ينفذ سياسات تناقض تصريحاته السابقة تماماً. نفس الشخص, الذي ذكر بأن (الجبهة الإسلامية أصبحت وعاء يجمع فلول مايو), وأن (الوحدة الوطنية لا تكتمل إلا بعزل الأخوان), أظهر منتهي الإخلاص والوفاء لعلاقة النسب بشمل صهره الترابي في الحكم. ذات الشخص الذي قال عن صهره بأنه (يتحمل المسئولية عن كل تصرفات النميري باعتباره المسئول الأول عن قانونية تصرفات الحكومة), اختاره ليكون قانوني حكومته, ثم وزيراً للخارجية. لذا, لم يكن النظام الديمقراطي إمتداداً لنظام مايو فحسب بل كان أسوأ منه لأن المرحوم نميري, بعكس الصادق, أدرك خطأه ونوي تصحيحه. وإن قُدِر له وصول البلاد لقطع رأس الفتنة (الترابي) وألغي قوانين سبتمبر الإسلامية في (مزبلة التاريخ).

لقد أفلح صهر رئيس الوزراء, بخبثه المعهود, في أن يشغل كل النظام السياسي بلغط عقيم حول قوانين سبتمبر, بحيث يستنزف ذلك النظام كل الجهد والتركيز فيها, بينما كان يخطط في هدوء للإطاحة به. وحتي لو سلَّمنا بأن تلك القوانين مبرأة من كل عيب, فهل كانت ستؤدي إلي إزالة الفقر والأُمية, وتحقيق التنمية الإقتصادية؟ وبما أن الإجابة بالنفي, فقد كان أقزامنا كحركة الشباب الصومالية, التي تطبِّق الحدود, وتفرض إطلاق اللحية وتقصير البنطلون (حسب السُنَّة), وتمنع الإذاعات بث الموسيقي, بينما يعاني الشعب من الجوع والمرض والفقر. ولأن كل هم الأقزام زهو السلطة وإمتيازات بلا مسئولية, فليس بالضرورة إزالة الفقر والأمية وتحقيق التنمية.

لقد حددت الجبهة الإسلامية هدفاً سرياً عام 1988 تسرَّب هو حكم السودان بأي وسيلة خلال عشر سنوات. وكانت تنخر في الجسد السياسي لتمرير مخططاتها بينما رئيس الوزراء يغط في نوم عميق. وما كان تخطيط الجبهة للانقلاب أمراً يحتاج لذكاء خارق لفهمه, لأنها رفضت التوقيع علي ميثاق الدفاع عن الديمقراطية. بل أن ذلك الرفض كان بمثابة إعلان عن نواياها الانقلابية, لأنه كان بإمكانها التوقيع عليه للتضليل, ثم تنفيذ انقلابها. ثم صدر إعلان انقلابي آخر أكثر وضوحا, عندما صرَّح صهر رئيس الوزراء بأن الجبهة ستلجأ إلي وسائل غير دستورية إن أُلغِيت قوانين سبتمبر. إن كانت لدينا قيادة جادة ومسئولة, ولا يربطها نسب بالقائل, وهدفها الديمقراطية ومصلحة البلاد, لتم إيداعه السجن بسبب هذا التهديد.

ولتهيئة الشارع لقبول الانقلاب, دقت الجبهة الإسلامية طبول الحرب في الجنوب لتحويل الموارد الإقتصادية لتغطية فاتورة الحرب وحدوث ضائقة معيشية. ولأن القيادة تعالج الأمور بأنصاف الحلول بدلاً عن الحلول (السلام), رفعت أسعار السلع الضرورية. وعندما تظاهر العملاق يستنكر زيادة السلع الضرورية, ذكَّر وزير المالية عمر نور الدائم السودانيين بأنهم كانوا يقبلونها في عهد نميري دون إحتجاج. ولما استمرت المظاهرات كان علاج صهر رئيس الوزراء, بطبيعته القمعية التي تتضح من عنوان أُطروحته الجامعية, إصدار أمراً بحظر التظاهر. وبذا يكون العملاق قد حُرِم من الخبز ومن الحرية كأنه إنتفض علي مايو لإستبدال قزم بأقزام ليشبعوه تنطعاً وهرهرةً وثرثرةً.

لقد كان وجود البترول معلوماُ منذ عهد نميري, بيد أن الأقزام لم يجدوا وقتاً أو أُفقاً لإستخراجه. وكان برنامج رئيس الوزراء الإقتصادي, وهو الدارس لعلم الإقتصاد, ندائه للمغتربين (مليار دولار لإعمار الدار), تماماً كالنفير في الأحياء الشعبية. وكان إختراق الجبهة للجيش واضح من كيانها (أمان السودان), كأنما الجيش يحتاج لكيان سياسي لدعمه. لقد كانت القيادة غافلة عن تأمين النظام, فحسب علي الحاج, القيادي الجبهوي, فقد كان للجبهة أجهزتها الإتصالية. ولم يعمل مجلس الدفاع الوطني (اسم كبير دون مُسمي) علي حماية الديمقراطية. لأن رئيس الوزراء لم يأخذ برأي القائد العام حينما إعترض علي زيارة علي عثمان محمد طه, نائب الترابي للقوات المسلحة في الجنوب. كما رفض رئيس مجلس رأس الدولة إقتراح قائد الجيش بإحالة العميد عمر البشير للمعاش.

بإختصار, نتيجة لتراخي رئيس الوزراء, نجحت الجبهة الإسلامية أن تجعل الشارع السوداني في مايو 1989جاهزاً ومستعداً لانقلاب يريحه من نظام سياسي غافل وكسيح. والدليل علي ذلك عدم حدوث الإضراب السياسي الذي كان مفروض أن يكون تلقائي بمجرد حدوث انقلاب, حسب ميثاق الدفاع عن الديمقراطية. وبعد الانقلاب, كانت قيادة التجمع للمعارضة أشبه بقيادة الأقزام للبلاد. ذهب أحدهم يبدي الولاء لأمريكا ويوشي كذبا بأن مصنع الشفا ينتج أسلحة كيمائية. كل مافي الأمر غِيرة سياسية لأن حكومته لم يكن لديها وقت لإنشاء مثله, وما كان يهمها مرضي الملاريا. وسمعنا من أحد الأقزام "الجهاد المدني" كمشروعه لإزالة النظام, ولكنا لم نرَ منه عملاً حتي الآن. ولو كان وجود التجمع علي الأرض يعكس النقابات والأحزاب وبقية الكيانات المنضوية تحت لوائه لما جثم هذا النظام تلك الفترة. ولو وجد العملاق قائداً مُقنعاً لأطاح بإفراز القزم الثالث بسهولة مثلما أطاح بقزمين قبلهم. بعكس حالنا, عندما تقدم شعب إيران عملاق تمكن من إزالة حكم الشاه من خلال الإعلام وأشرطة الكاسيت, رغم أنه كان مدعوم بالمخابرات الأمريكية.

ولا يليق أن نبلغ الشطط بقول أن الشعوب التي أنجزت النهضة في روسيا السوفيتية والهند والصين بالنسبة للحالة السودانية هي أقزام وجدت قيادات عملاقة. ولكن الحقيقة هي أن الشعب السوداني له من المقدرات والطاقات والوطنية والوعي ما يؤهله لإنجاز النهضة أسرع من تلك الشعوب, إن وجد قيادة عملاقة. شعب علي قدر عال من الوعي السياسي وتملك حتي نسائه الأُميات مقدرة التنفيس عن الظلم السياسي ببلاغة وسخرية: (دقة الترابي), اسم ثوب وعقد ذهبي حينما ضُرب القزم الثالث في اوتوا.



#بابكر_عباس_الأمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النفوذ السياسي للشركات متعددة الجنسيات
- نقد ثورة يوليو المصرية
- الصادق المهدي يكرر آراءه العنصرية
- الصادق المهدي يؤجج النعرات العنصرية والدينية في السودان
- عن إنسحاب مرشح الحزب الإتحادي لصالح مرشح الحزب الحاكم في الس ...
- غطرسة إسرائيلية مع غطاء أمريكي
- الرئيس السوداني يحمِّل الأحزاب مسؤولية تعطيل الديمقراطية 20 ...
- هيروشيما ونجازاكي
- الآثار الصحية الضارة لختان الإناث
- إنحطاط القاموس السياسي لإسلاميي السودان
- التدخل الأمريكي في فيتنام 1954-1975
- تفادي القضية الفلسطينية في خطاب حالة الإتحاد لأُوباما
- دور أمريكا في نشأة طالبان والقاعدة
- الإفلاس الأيدلوجي والفكري لإسلاميي السودان
- في ذكري ثورة اكتوبر السودانية
- عن سايكلوجيا المُحافظين الجُدد السودانيين
- اللوبي الصهيوني الأمريكي والحركة الإسلامية السودانية : مقارن ...
- النرجسية والتباهي لدي إسلاميي السودان : الأفندي نموذجاً
- موسم الهجرة إلي الجنوب: الصادق والترابي يكتشِفان الجنوب
- كيف قامت المخابرات الأمريكية بتغيير الحكومات؟ نظام مصدّق نمو ...


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - بابكر عباس الأمين - شعب عِملاق يتقدَّمه أقزام