أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - عبد الإله بوحمالة - حتى لا يتسع المضيق بين المغرب وجاليته في أوربا














المزيد.....

حتى لا يتسع المضيق بين المغرب وجاليته في أوربا


عبد الإله بوحمالة

الحوار المتمدن-العدد: 2992 - 2010 / 5 / 1 - 15:19
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


من عادة بعض المتسولين شديدي اللؤم والخسة أنهم ما إن يتمكنوا من الصدقة حين تمدها لهم ويطمئنوا إلى أنها صارت في جيوبهم حتى يديروا لك ظهر المجن ويضربوا عنك صفحا إلى غيرك بعد أن يعاجلوك بدعاء متسرع جاهز ومدغوم لا تستطيع أن تتبين أكان لك أم عليك، ثم لا يحفلون بك بعدها سواء قصفتك سيارة، لا قدر الله، أو حدث لك مكروه وأنت توليهم ظهرك في الشارع مباشرة.
مناسبة هذا الكلام ما حدث ويحدث في السنين الأخيرة لإخواننا المغاربة المقيمين بالخارج بعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت أوربا وبعد ما أصبحوا يتعرضون له من مضايقات عنصرية واعتداءات إجرامية بدأت تأخذ أحيانا أبعاد خطيرة، خصوصا في خضم تصاعد موجة الكراهية للعرب والمسلمين في السنين الأخيرة.
لقد صار لزاما على الحكومة المغربية والأحزاب وجمعيات المجتمع ووسائل الإعلام إذن أن تتحمل مسؤولياتها في هذا الاتجاه وأن تتحرك بشكل عاجل على كل الجبهات والصعد الرسمية وغير الرسمية، وأن تنسق مع حكومات الدول الأوربية المستقبلة وهيئاتها وحكومات الدول المغاربية والعربية التي لها جاليات في أوربا لتطويق هذا الوضع المتدهور من جهة، ولتحسيس المواطنين المهاجرين هناك أن وراءهم وطن ودولة وشعب يتضامن معهم ويؤازرهم في المحن والضراء بنفس القدر والحماس وروح المواطنة العالية التي ظلوا يؤكدونها، هم من جهتهم، في كل مناسبة أو ظرفية صعبة تلم بالمغرب.
فالمغاربة المقيمون في الخارج هم مواطنون وإخوان وأهل قبل أن يكونوا مصدرا لعملة صعبة يعرف الجميع أنهم لم يضنوا ولم يمنوا بها على وطنهم ولا على أهاليهم ولا على خزينة بلدهم...
وحكى أحد الأصدقاء فقال:
رحم الله جدتي.. فقد قضت عمرها بأكمله لم تبارح قريتها وقبيلتها وظلت وفية لموقف سلبي راسخ من الروميين، ( أي الأوربيين )، ومن الحداثة والعصرنة رغم أنها احتكت في سنوات شيخوختها الوديعة ببعض مظاهر الحضارة والمدنية كالراديو والتلفزيون والثلاجة وما إلى ذلك..
ورغم أنها بدوية الطبع وأصلها من بطن الريف الفلاحي حيث مفردات الحياة لا تخرج عن الحرث والزرع والحصاد والإطمار وشغل الصوف، إلا أنها حينما جاورت البحر عشقته وافتتنت به ووجدت له في نفسها حبا دفينا لا تعرف منشأه. لذلك فإن الشيء الوحيد الذي كانت تحب أن تراه على شاشة التلفزيون، إلى جانب الفروسية والمناظر الريفية البانورامية المفتوحة، هو منظر البحر وتلاطم أمواجه على الشاطئ الصخري وصوت طيور النورس تحلق في سمائه الرحبة.
جدتي هذه، ـ يقول صديقي ـ حينما خانها السمع والنظر وأشياء أخرى، ربطت علاقة حميمية متينة مع ابنة أخي وهي أصغر فرد في الأسرة على أساس غير مفهوم اللهم إلا ذاك الإحساس المشترك بأن حالهما من بعضه وأن حضورهما في الأسرة حضور من لا حرج عليه ولا مسؤولية. فكانتا تنعمان في ظل ذلك بلحظات صفو وحنان متدفق لا نظير لها، وتتبادلان أغرب حديث وأطرف حوار لا اعتراف فيه باللغة إلا كذبذبات صوتية تذهب وتعود غفلا من المعنى.
وكانت جدتي لا تصدق أن التلفزيون بات يمكن التحكم فيه بجهاز صغير منفصل وبعيد. فيما كانت ابنة أخي تستغل ذلك بشيطنة فتقلب القنوات من وراء ظهرها لتستقر عند قناة الرسوم المتحركة.
جدتي لا تروقها أفلام الكرتون التي تسميها تصاوير ماسخة والتي يتعارك فيها القط والفأر ويتكلمان ويتبادلان نصب الفخاخ والمقالب، وعند رؤيتها في كل مرة تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وتلعن التلفزيون الذي تظل صوره تتقافز من حال إلى حال كمن أصابه مس.
أما ابنة أخي فتتصنع البراءة وتضع رأسها الصغير ذي الظفيرتين الجعداوين في حضن جدتي وكأن شيئا لم يحدث وتتابع فقرة الرسوم المتحركة كاملة ثم تبحث عن أخرى.
لكن جدتي يتسرب إليها الملل في مثل هذه الأحوال فتفكر في الصلاة رغم أن الساعة لا تعدو أن تكون العاشرة صباحا وتنادي على ماء للوضوء، وعند تململها تفطن ابنة أخي أنها ستبقى وحيدة أمام التلفزيون فتعود متقهقرة إلى القناة السابقة باستسلام فتضبطها جدتي متلبسة بجهاز التحكم وتتصنع الغضب وتضمها إليها تدغدغها وتقبلها فتضحك الصغيرة عاليا وهي تركل برجليها.
تبدأ على شاشة التلفزيون وصلة إشهارية تحث المواطنين على زيارة بلدهم المغرب في عطلة الصيف، فتنتبه جدتي وتصيخ السمع فهي تعرف المغنية "نجاة عتابو"، من صوتها الحاد لكنها لا تعرف أنها تشعبن اللغة الفرنسية أيضا، أي تغني كلاما فرنسيا بلحن شعبي. تقول الوصلة الإشهارية: "ici vous êtes chez vous".
ترهف جدتي السمع مليا وحينما تعجز عن تبين المعنى تقرص عارض ابنة أخي وتسألها ماذا تقول هذه العنزة؟.. تتلعثم ابنة أخي قليلا ثم تقول: "شوفو تاتشوفو.."، ترفض جدتي لأن الكلام لا معنى له فتقول: "ربما تقول شيبو تاتشيبو.."، تعاندها ابنة أخي: "لا بل جيبو تاتجيبو.."، وتقلبان حروف الجملة مرات ومرات وفي الأخير تتفقان على صيغة "جيبو تاتشيبو"، بوحي من المتاع الكثير الذي كانت تحمله سيارات المهاجرين العائدين وهي مصطفة أمام جمارك الميناء.
"جيبو تاتشيبو"، إذن هي كلمات الأغنية كما أعادت إنتاجها قريحة التحريف غير المغرض عند جدة صديقي المسنة وابنة أخيه الصغيرة على غرار الوصلة الإشهارية المفرنسة.. لكن حينما تفرض الظروف الاقتصادية السيئة عالميا على المهاجرين وضعا استثنائيا مزريا وظروف عطالة متفاقمة ومناخا اجتماعيا أوربيا بدأ يتحول يوما عن يوم إلى بيئة طاردة، علينا أن نتذكر بالضبط كل تلك الأرقام التي كانوا يضخونها في خزينة الدولة سنويا وفي دواليب اقتصادها وتنميتها وأن نرد لهم الجميل ونتضامن معهم بجميع الأشكال.. وعلى الأقل ألا نكون كأولئك المتسولين اللئيمين شديدي الخسة قليلي المروءة ناكري الجميل.



#عبد_الإله_بوحمالة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 8 مارس 8 مشاهد عادية
- موت المثقف المغربي المهموم
- الأحزاب المغربية وسؤال الإصلاح
- مدونة السير: طريق السوط أصبح من اليوم سالكا
- منطق السلطة ودينامية الخطاب السياسي
- من المثقف الحزبي إلى المثقف الحزبائي
- سينما الخيال المريض
- لا حزب الله لا حزب الوطن.. لاحزب الملك
- العالم العربي: من الزعامة المصرية إلى زعامات أخرى
- أمريكا أم الأربعة والأربعين.. رئيسا
- رسالة.. إلى من لا يهمهم الأمر
- لَوْلاَ التَّشهُّدُ لكَانَتْ لاؤُهُمْ نَعَمُ
- صبْراً آلَ غزَّةَ.. فأُمُّ الجُبْنِ فِينَا مَا وَلَدَتْ غيْر ...
- إلا الأمن..(!)
- الأحزاب المغربية.. تراجيديا السقوط نحو قمة الحكومة
- انتخابات 2009 للجواب على رسالة الناخب الغاضب
- الهيبهوب ظاهرة صوتية.. لا غير
- أبا الخيزران.. إنهم يطرقون الجدران فعلا (!)
- أبا الخيزران.. هاهم يطرقون الجدران فعلا (!)
- جرح العنوسة.. الطوق والأسئلة


المزيد.....




- -جريمة ضد الإنسانية-.. شاهد ما قاله طبيب من غزة بعد اكتشاف م ...
- بالفيديو.. طائرة -بوينغ- تفقد إحدى عجلاتها خلال الإقلاع
- زوجة مرتزق في أوكرانيا: لا توجد أموال سهلة لدى القوات المسلح ...
- مائتا يوم على حرب غزة، ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية
- مظاهرات في عدة عواصم ومدن في العالم دعمًا لغزة ودعوات في تل ...
- بعد مناورة عسكرية.. كوريا الشمالية تنشر صورًا لزعيمها بالقرب ...
- -زيلينسكي يعيش في عالم الخيال-.. ضابط استخبارات أمريكي يؤكد ...
- ماتفيينكو تؤكد وجود رد جاهز لدى موسكو على مصادرة الأصول الرو ...
- اتفاق جزائري تونسي ليبي على مكافحة الهجرة غير النظامية
- ماسك يهاجم أستراليا ورئيس وزرائها يصفه بـ-الملياردير المتعجر ...


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - عبد الإله بوحمالة - حتى لا يتسع المضيق بين المغرب وجاليته في أوربا