أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الأستاذ بشير خلف - الموسوعي جبرا إبراهيم جبرا يطاله الموت مرتين















المزيد.....

الموسوعي جبرا إبراهيم جبرا يطاله الموت مرتين


الأستاذ بشير خلف

الحوار المتمدن-العدد: 2989 - 2010 / 4 / 28 - 11:01
المحور: الادب والفن
    


الموت يطال للمرة الثانية الموسوعي
جبرا إبراهيم جبرا

« كنت أرى الجمال في المأساة, وأرى في الجمال المأساة والحزن
...هذه بعض العوامل التي جعلتني أريد أن اكتب وكتبت.»
( الأديب الراحل الموسوعي جبرا إبراهيم جبرا.)
يوميات بغداد الدامية والحزينة دومًا كانت أبشع دموية ودمارًا، وأكثر حزنًا صباح يوم الأحد الرابع من هذا الشهر ..شهر أفريل 2010 ، حيث طال الدمار حيّزا ثريًّا وجميلاً من الذاكرة الثقافية العربية، والذاكرتيْن الفلسطينية والعراقية بخاصّة.
صاحب رواية " البحث عن وليد مسعود " يموت مرّتين: موتته الأولى يوم أن رحل عن حياتنا في يوم:11/12 1994، وموتته الثانية يوم دُمّر بيته العامر بما يحويه من كنوز في مناحي الثقافة الإنسانية؛ في يوم مشؤوم على بغداد المسكينة ـ وما أدراك ما بغداد في الذاكرة العربية ـ بفعل عمل انتحاري أعْمى.
إنه مات حين تهدمت داره الواقعة في مدينة المنصور، تهدمت بفعل التفجير الإرهابي الذي استهدف مبنى القنصلية المصرية في بغداد، الدار التي تركها الراحل جبرا وهي تضمّ ما تركه من آثار أدبية وفكرية وفنية، ذلك التراث الشخصي الذي حرص الراحل أن يجمعه ويحافظ عليه، والذي يمثل كنوزا قلّ نظيرها .(1)
بيت جبرا إبراهيم في حي المنصور ببغداد لم يكن مجرد بيت يأوي إليه الكاتب العربي البارز ليقرأ ويكتب، بل كان متحفا يضم عددا كبيرا من المقتنيات الفنية التشكيلية. على جدران ذلك البيت كانت لوحات أكبر وأشهر الفنانين التشكيليين العراقيين والفلسطينيين معلقة. وفي ذلك البيت وجدت التحولات الفنية العراقية رؤيتها النظرية، فقد كتب جبرا عن الفن العراقي الجديد في حينه، ونظّـر وأرّخ له. وكان الراحل جبرا يحتفظ بوثائق كثيرة تتصل بالثقافة والفن التشكيلي في العراق والوطن العربي، وآلاف الرسائل التي كتبها لمثقفين عرب وأجانب وردّ عليها هؤلاء ولم يصدرْ معظمها في كتب. كما ضمّ البيت مخطوطاته وأوراقه والنسخ الأولى من كتبه، وثروة ثقافية لا تقدر بثمن.(2)
لكن هذا كله أصبح أثرا بعد عين بعد أن فجّر انتحاري نفسه صباح يوم الأحد 04/04/2010 داخل الدار التي تجاور القنصلية المصرية في بغداد، مُحيلا كل شيء إلى ركام. لم تعد أوراق جبرا ورسائله ولوحات الفنانين العراقيين الكبار ولوحات جبرا نفسه سوى رماد، وضاعت ثروة ثقافية ضخمة بسبب هذا العنف الأعمى الذي يعصف بكل شيء، بحياة البشر واستقرارهم، وبالآثار الحضارية والثقافية والفنية. كما تبدد حلم جبرا بأن تلقى كتاباته التي لم تضمها كتب أن ترى النور بعد وفاته.
كانت الدار التي حوت هذا كله، والتي جرى لها هذا كله هي دار الأديب والروائي الكبير جبرا إبراهيم جبرا.. أعمال فنية نادرة لكبار فناني العراق، وآلاف الأوراق المخطوط منها والمطبوع، والوثائق التي تمثل ذاكرة مرحلة لعلها من أخصب مراحل الإبداع وأكثرها غنى.
واليوم، إثر ما حصل فقدت الذاكرة الثقافية العربية، بل الإنسانية كنزا نادرا من المستحيل تعويضه، لأنه امّحى وتحول ركاماً من الحجارة والتراب والرماد؛ فالدار تهاوت على ما فيها، ومن فيها، والأعمال الفنية والكتب والورق بصفحاته التي تعد بالآلاف تحولت إلى رماد...(3) حتى حارسة اليبت التي لازمت الراحل السنين الطوال، وبقيت وفية بعد رحيله في الحفاظ على مقتنيات هذا المتحف الثقافي ما وُجدت جثتها إلاّ بعد يوم في عمق الركام.
ومن بين ما ذهـــب مع ما ذهـــب صــورٌ فريدة، وتسجيلات صوتية، وأشرطة فيديو لنـــدوات ولقاءات ومحاضرات كان يلقيها أو يشارك فيها، وهي تمثل جزءاً من تراثه الأدبي والنقدي كان من المؤمل أن تكون المرحلة الثانية من «مشروع نشـــر أعماله الكاملة».
في هذا المنزل المتواضع في المنصور ببغداد عاش جبرا معظم حياته في العراق، وكتب روايات كثيرة عنه: صيادون في شارع ضيق، السفينة، البحث عن وليد مسعود وغيرها. يقول جبرا:
« لقد بنيت هذا المنزل طابوقة طابوقة، كما يفعل كل العراقيين في بناء منازلهم وكما هم يعانون ويتفصد العرق من جباههم في ذلك»(4) هذا كل ما بقي من (وطن) عاش فيه وتمرّغ بترابه وتشمم عبق نباتاته.
مثّل جبرا إبراهيم جبرا خلال الأعوام الأربعة والسبعين التي عاشها( 1920-1994) قيمة ثقافية عربية كبيرة. فقد كان روائيا مجددا، ومترجما بارزا، نقل من الإنجليزية إلى العربية بعضا من أهم كلاسيكيات الأدب العالمي، وعلى رأسها مسرحيات وليم شكسبير. كما كان كاتب قصة قصيرة وشاعرا وناقدا ورساما ومؤرخا للحركة التشكيلية في العراق وناقدا تشكيليا، وكان رئيس تحرير أهم مجلة تشكيلية عربية صدرت ثم توقفت هي مجلة "فنون عربية".(5)
تلك صفات من الصعب أن تجتمع في شخص واحد، لكن النصف الأول من القرن العشرين كان مرحلة مخاضٍ سياسي وثقافي وفني في الوطن العربي، وقد فاق عددا من الشخصيات التي يمكن أن نطلق عليها صفة المثقف الموسوعي الذي ينتج في حقول متعددة ويؤثر عميقا في الحياة الثقافية. وقد كان جبرا ، الفلسطيني ابن بيت لحم المشرد من وطنه، واحدا من هؤلاء الذين تركوا بصماتهم على أكثر من صعيد في الحياة الثقافية العربية على مدار القرن العشرين كله، على غرار ابن بلده الرحّالة الراحل المثقف الموسوعي إدوارد سعيد.
جبرا إبراهيم جبرا (ولد في بيت لحم عام 1919، توفي في بغداد عام 1994) هو أديب كبير: مؤلف روائي و رسام، وناقد تشكيلي، فلسطيني ولد في بيت لحم في عهد الانتداب البريطاني. أنتج نحو 70 من الروايات والكتب المؤلفة والمترجمة، و قد تُرجمت أعماله إلى أكثر من اثنتي عشرة لغة. وكلمة جبرا آرامية الأصل تعني القوة والشدة حيث ولد جبرا إبراهيم لأسرة فلسطينية مسيحية من طائفة السريان الأرثودكس. درس في القدس وانكلترا وأمريكا ثم تنقل للعمل في جامعات العراق لتدريس الأدب الإنجليزي، وهناك حيث تعّـرف عن قُـربٍ على النخبة المثقفة، وعقد علاقات متينة مع أهم الوجوه الأدبية مثل السياب، والبياتي.يُعتبر جبرا من أكثر الأدباء العرب إنتاجا وتنوعا؛ ّإذ عالج الرواية والشعر والنقد، وخاصة الترجمة كما خدم الأدب كإداري في مؤسسات النشر. عُـرف في بعض الأوساط الفلسطينية بكنية "أبي سدير" التي استخدمها في الكثير من مقالاته سواء بالانجليزية أو بالعربية.
قدم جبرا إبراهيم جبرا للقارئ العربي أبرز الكُتاب الغربيين وعرّف بالمدارس، والمذاهب الأدبية الحديثة، ولعل ترجماته لشكسبير من أهم الترجمات العربية للكاتب البريطاني الخالد، وكذلك ترجماته لعيون الأدب الغربي، مثل نقله لرواية «الصخب و العنف» التي نال عنها الكاتب الأميركي وليم فوكنر جائزة نوبل للآداب. ولا يقل أهمية عن ترجمة هذه الرواية ذلك التقديم الهام لها، ولولا هذا التقديم لوجد قراء العربية صعوبة كبيرة في فهمها.
أعمال جبرا إبراهيم جبرا الروائية يمكن أن تقدم صورة قوية الإيحاء للتعبير عن عمق ولوجه مأساة شعبه، وإن على طريقته التي لا ترى مثلباً ولا نقيصة في تقديم رؤية تنطلق من حدقتي مثقف، مرهف وواع وقادر على فهم روح شعبه بحق. لكنه في الوقت ذاته قادر على فهم العالم المحيط به، وفهم كيفيات نظره إلى الحياة والتطورات.(6)
مؤلفاته المطبوعة:
1 ـ الرواية: 10 روايات.أشهرها البحث عن وليد مسعود.
2 ـ الشعر: 03 دواوين.
3 ـ الترجمة: 11 عملاً.
4 ـ دراسات : 06 أعمال.(7)
5 ـ النقد: جمعت أعماله النقدية في كتاب بعنوان " اقنعة الحقيقة .. أقنعة الخيال "
لا يسعنا في هذا المُصاب الجلل إلاّ أن نعزّي ليس الراحل الذي رحل مطمئنا على أن يتحوّل بيته هذا إلى مزار ثقافي ترتاده الأجيال الثقافية العربية؛ إنما والله نعزّي أنفسنا، وكل مثقف في هذا الوطن العربي الجريح، وكذا نعزّي الأجيال القادمة لحرمانها من هذا الكنز الثقافي الثمين.
إنه العنف الأعمى الذي هو يُـضادّ الحياة بكل مكوّناتها وتجلياتها، وجمالياتها، لا يفرّق بين الأخضر واليابس، بين الجميل الحسن والقبيح.. الذي يعصف بكل شيء.. بحياة البشر واستقرارهم، وبالآثار الحضارية والثقافية والفنية، أي عُـنْف هذا الذي يمحو كل ما هو جميل من سجلاّت التاريخ، ويزيل كنوز الفن والثقافة، ويقضي على الذاكرة الثقافية للإنسان العربي المسلم وحده، ويصون ذاكرة الآخر..أيّ عنف هذا يا إلهي ؟ !!
الهوامش:
1 ـ عبد الجبار العتابي/جبرا إبراهيم جبرا..يموت ثانية.الجيران صحيفة إلكترونية عراقية.18/04/2010
2 ـ أ.فخري صالح./بيت جبرا إبراهيم جبرا/ شبكة الإعلام العراقي.18/04/2010
3 ـ أ.ماجد السمرائي.ذاكرة ثقافية تنهار/ يومية الحياة الدولية.15/04/2010
4 ـ د.رياض الأسدي.تدمير (وطن جبرا إبراهيم جبرا) صحيفة المثقف الإلكترونية.العدد 1382- 22/04/2010
5 ـ شبكة الإعلام العراقي. مرجع سابق.
6 ـ مبدعون فلسطينيون :المبدع الكبير الراحل جبرا ابراهيم جبرا : نموذج للمثقف الموسوعي والأديب المبدع المتنوع المواهب.25/08/2009
7 ـ جبرا إبراهيم جبرا/ الموسوعة العربية..ومبدعون فلسطينيون.



#الأستاذ_بشير_خلف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الأستاذ بشير خلف - الموسوعي جبرا إبراهيم جبرا يطاله الموت مرتين