أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبد السلام أديب - الدور الانتهازي للبرجوازية الصغرى















المزيد.....



الدور الانتهازي للبرجوازية الصغرى


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 2987 - 2010 / 4 / 26 - 08:27
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


شكلت هذه الورقة محور مداخلتي في ورشة عمل مع مجموعة من الشباب حول الصراع الطبقي ودور الطبقة الوسطى في التغيير نظمت بمدينة الدار البيضاء مساء يوم السبت 24 أبريل 2010.

1 – الصراع الطبقي وآليات تحكم البرجوازية المهيمنة
عرفت الرأسمالية مرحلة صعودها بدءا من القرن الرابع عشر، وقامت بدور ثوري الى جانب الفلاحين أقنان الارض في الانقلاب على نمط الانتاج الاقطاعي من أجل أن تحول هؤلاء إلى عبيد مأجورين في اطار دولة البرجوازية المهيمنة وتمعن في استغلالها، وكلما احتدمت تناقضات نمط الانتاج الرأسمالي بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج إلا وكانت البرجوازية المهيمنة تبحث لها عن حلول غاية في التطرف كان أبرزها تجييش الحملات الاستعمارية واستغلال الشعوب المختلفة التي كانت تعيش في نمط الانتاج ما قبل الرأسمالي، الاقطاعي أو العبودي، وذلك إلى جانب تحطيم وسائل الانتاج القائمة.
ومع نهاية القرن التاسع عشر أصبح العالم قرية رأسمالية صغيرة مقسما بين عدد من الامبرياليات الرأسمالية، فاحتدمت التناقضات بينها وأصبحت الحلول التقليدية غير كافية لإعادة الحياة للربح الرأسمالي ودخل نمط الإنتاج الرأسمالي في أزمته الهيكلية العميقة المتمثلة في فائض الإنتاج الذي يستحيل تصريفه وفي فائض رؤوس الأموال الذي يستحيل ايجاد منافذ استثمارية جديدة لضمان تراكمه اللانهائي. فظهر أن الحل الأنجع هو حل أزمة كل امبريالية على حساب الامبرياليات الأخرى، وهنا بدأت مرحلة انحطاط وتدهور واحتظار نمط الانتاج الرأسمالي أي منذ سنة 1914 حيث دخل العالم في حربين عالميتين أزهقت أرواح حوالي 80 مليون من الكادحين المجيشين بشعارات الشوفينية الوطنية. وتجلى للجميع أن الرأسمالية بدأت تعيش دورة رواج أزمة حروب ثم رواج أزمة حروب.
بموازاة صعود وانحطاط النظام الرأسمالي، كانت القوى المضطهدة من عمال وفلاحين وكادحين تفجر ثوراتها على مستغليها كلما تعمقت وضعيتها الثورية، وفي هذا الاطار تدخل كل من الثورة الفرنسية وكمونة باريس والثورة البولشفية في روسيا سنة 1917 والثورة الصينية سنة 1949، وقد ساعد الوعي الطبقي والتنظيم الحزبي المحكم على تفجير هذه الثورات في ابانها وباستغلال الوضعية الثورية القائمة، وقد ظهرت الماركسية اللينينية كتعبير ايديولوجي وسياسي لتطلعات الطبقة العاملة. وقد استغلت الشعوب المستعمرة المد الثوري البروليتاري المواكب للحربين العالميتين من أجل التحرر والاستقلال.
فأمام انحطاط نمط الإنتاج الرأسمالي وأمام تصاعد المد الثوري تشكلت ثلاث تنظيمات سياسية واقتصادية واجتماعية أعادت جزئيا للطبقات المستغلة بعض فوائضها الاقتصادية التي كانت تغتصبها منها البرجوازية بوحشية، هذه الأنظمة هي المجموعة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي عقب الثورة البروليتارية الروسية المظفرة سنة 1917 ثم ما يسمى بدولة الرفاه الرأسمالية عبر انتصار الديموقراطيين الاجتماعيين للنمط الاقتصادي الكينيزي والذي انطلق مع النيو ديل في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم الأنظمة العالم ثالثية المستقلة حديثا والتي حاولت حركات التحرر بها بناء اقتصاديات معتمدة على الذات.
لكن هذه الانظمة الثلاث ستتآكل تدريجيا بدأ من عقد الستينات من القرن العشرين، وذلك بفعل هيمنة البرجوازية الصغرى البيروقراطية على مقاليد الحكم في المجموعة الاشتراكية وبفعل استمرار تعمق الأزمة الهيكلية لنمط الانتاج الرأسمالي ولجوء اليمين الرأسمالي المتطرف المنتصر على الديمقراطيين الاجتماعيين بدعم من البرجوازية الصغرى الى مختلف الأساليب الوحشية للحفاظ على استمرارية نمط الانتاج الرأسمالي، خصوصا عبر تشديد استغلال الكادحين محليا وعالميا في إطار العولمة الرأسمالية.
يتسم الوضع المنحط المسدود المنافذ (استعارة من كتابات الرفيق فؤاد النميري) الذي دخلته البشرية منذ سنة 1914 بالرغم من الثورات المزلزلة وقيام تجارب اشتراكية محدودة سرعان ما تراجعت واندثرت، باعتماد البرجوازية المهيمنة على البرجوازية الصغرى في تقويض أي اتجاه ثوري للطبقات المستغلة.
فالبرجوازية المهيمنة التي تعاني من خطر الانهيار التام لنمط الإنتاج الرأسمالي ومن خطر تقويض هيمنتها تراهن على دعم الطبقات الوسطى للمشروع البرجوازي واستمراريته. ومن هنا تظهر أهمية فهم وتحليل الدور التاريخي الانتهازي الرجعي للطبقة الوسطى في تقويض كل طموحات الثورة والتحرر والاشتراكية.
فالبرجوازية الصغرى لعبت دورا مضادا للثورة البروليتاريا سواء في التجارب الاشتراكية السابقة حيث هيمنة البيروقراطية والعسكر والبوليس على حساب ديكتاتورية البروليتاريا، أو في تجارب دولة الرفاه في الغرب الرأسمالي حيث نمت البرجوازية الصغرى وتحالفت مع البرجوازية المهيمنة لتقويض نمط الاقتصاد الكينيزي والانتصار للنيوليبرالية، أو في تجارب البلدان العالم ثالثية حيث قوضت البرجوازية الصغرى المهيمنة على الأحزاب السياسية والملتصقة بالكومبرادورية الحاكمة نمط التنمية المعتمد على الذات وكل امكانة للتحرر الفعلي من التبعية للامبريالية.
في بلادنا لعبت البرجوازية الصغرى من داخل الأحزاب اليمينية واليسارية والاسلامية ومن داخل الدواليب الحكومية والسلطوية من جيش وشرطة كبيروقراطيين وتقنوقراط ومن داخل المركزيات النقابية كأرستوقراطيات نقابية دورا في تعميق إفلاس الحياة السياسية والنقابية وفي تعميق الوضع المنحط المسدود المنافذ والذي يكبل كل امكانية للثورة والتغيير.
لقد اندثر منذ أكثر من أربعين سنة المفهوم التقليدي لليسار الماركسي نتيجة تحكم البرجوازية الصغرى وانتهازيتها وخدمتها للبرجوازية المهيمنة.

2 - موقع البرجوازية الصغرى
تتميز الطبقة البرجوازية بهيمنتها على وسائل الإنتاج المختلفة وما يتحقق لها من أرباح وريوع وعائدات مترتب عن مستوى تحكمها في وسائل الإنتاج أكانت بشكل مباشر عبر تحكمها في الشركات والأشخاص والعقارات والآليات والمصانع ... الخ أو بشكل غير مباشر عبر تواجدها في مواقع نافذة في دواليب الإدارة والدولة بحيث تتمكن من استخلاص فائض اقتصادي مهم يرتبها ضمن شرائح الطبقة البرجوازية. الفائض الاقتصادي الذي يمكن البرجوازية المهيمنة من مراكمة ثروات هائلة يبوئها هي وعائلاتها مكانة مرموقة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وعلميا يزيدها قوة وتحكما هو في الأصل عبارة عن اقتطاعات من جهد وعرق جبين الطبقة العاملة المستغلة حيث يستقطع أكثر من نصف انتاج كل عامل أو فلاح أو كادح كيفما كان موقعه في دورة الانتاج.
في مقابل الطبقة البرجوازية المهيمنة إذن هناك توجد الطبقة العاملة التي تشكل نقيضا لها تتميز بعدم توفرها على أية ثروة أو وسيلة إنتاج ولا تملك سوى قوة عملها الذي تضطر إلى تقديمها بثمن بخس وهو جزء يسير من انتاجها اليومي الحقيقي إلى الطبقة البرجوازية المهيمنة المتحكمة في وسائل الإنتاج وتعيش الطبقة العاملة على حد الكفاف أو في فقر مدقع وبهذه المواصفات نكون أمام الطبقة البروليتاريا.
لكن هناك طبقة أخرى وسيطة توجد بين هاتين الطبقتين البرجوازية والبروليتارية، يمكن وصفها بالبرجوازية الصغرى، وتتميز هذه الطبقة بكونها تتوفر على مستوى معين من الدخل المتوسط القار أو الملكية الخاصة المتوسطة أو الصغيرة وغالبا ما تعتمد في عيشها على جهدها البدني أو الفكري وغالبا ما يشكل المشتغلين معها عددا محدودا أو يعملون معها كمساعدين، وفي هذه الحالة فإن درجة تحكمها في وسائل الإنتاج تكون ضئيلة أو منعدمة، كما أن استغلالها للآخرين لا يكون قويا أو يكون محدودا جدا، بينما تتضاءل درجة خضوعها لاستغلال الطبقة البرجوازية، لكن وسائل عيشها تظل لصيقة بنمط الإنتاج الرأسمالي الذي تتحكم فيه البرجوازية المهيمنة، لذلك تصبح من أقوى المدافعين على الرأسمالية.
فوصف مكونات هذه الطبقة بالبرجوازية الصغرى ينطلق من كونها تتميز عن الطبقة البروليتارية الكادحة من حيث اشتغالها في مجال الخدمات على الخصوص وحيث تميل بالفطرة نحو التسلق الاجتماعي والتشبه بالبرجوازية المهيمنة سواء في نمط عيشها أو في سلوكها اتجاه الطبقة الدنيا، الشيء الذي يصنفها موضوعيا كطبقة وصولية أو انتهازية تتحين الفرص للانتقال نحو الطبقة العليا وتؤمن بأن نمط الإنتاج القائم كفيل بأن يفتح لها قنوات الوصول إلى مصاف البرجوازية المهيمنة وبذلك تعد من أشرس المدافعين عن استمرارية النظام الرأسمالي. لكن نمط الإنتاج الرأسمالي والآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية التي يحدثها يجعل أغلبية البرجوازية الصغرى تنحدر تدريجيا نحو مصاف الطبقة الدنيا.

3 - مميزات البرجوازية الصغرى
وتتباين مكونات البرجوازية الصغرى بشكل واضح على عدة مستويات. فهي تتباين من حيث المهن التي تزاولها والتي تتركز أساسا في قطاع الخدمات وترتبط عضويا بنمط الإنتاج الرأسمالي كالاشتغال في الإدارة العمومية والصحافة والمحاماة والتوثيق والشرطة والجيش والتعليم والتجارة و الصناعة التقليدية و مختلف الخدمات. كما تتباين مكونات هذه الطبقة في أشكال الإنتاج والتداول المختلفة التي تعتمدها وتتباين في مستوى الدخل والوضع الاقتصادي بين أجراء وأرباب عمل وبائعي الخدمات والتباين من حيث مراكز أفرادها الخاصة في علاقات التوزيع الموجهة لتداول فائض القيمة وتحقيقه والتباين في طرق التفكير وأساليب المعيشة، إضافة إلى التباين العرقي والديني والسياسي، وكذا التباين من حيث المصالح والوعي الجماعي.

4 – خلفيات اهتمام الفكر السياسي البرجوازي بالطبقة الوسطى
تؤكد معظم الأفكار السياسية الإصلاحية التي تتوخى إعادة إنتاج نمط التراتبية الاجتماعية السائد في المجتمعات الرأسمالية والحفاظ على دور الدولة كأداة طبقية ترعى مصالح الطبقة العليا المهيمنة، على أهمية توسيع شرائح البرجوازية الصغرى نظرا لما تحققه من دعم للبنية الطبقية القائمة ومن سلام اجتماعي تنتعش فيه الأرباح الرأسمالية. فالتناقض الصارخ بين مصالح الطبقة البرجوازية وتدني أوضاع الطبقة البروليتارية من شأنه إذكاء الصراع القاتل والمد الثوري التحرري الذي يهدد النظام الطبقي القائم بالانهيار وبالتالي قيام مجتمع اشتراكي تنعدم فيه التناقضات الطبقية. لذلك توصي الأفكار السياسية البرجوازية بإعادة إنتاج البرجوازية الصغرى التي تقوم بدور المخفف من حدة التناقضات بل والدور الانتهازي المحبط لثورة البروليتاريا على مستغليها من البرجوازية المهيمنة.
ونظرا للمكتسبات المحدودة التي تحققها البرجوازية الصغرى في إطار النظام الرأسمالي نجدها تتطلع إلى بلوغ مرتبة البرجوازية المهيمنة نتيجة مثابرتها والتصاقها بمصالح هذه الأخيرة، من هنا تصبح تطلعات هذه الطبقة انتهازية وصولية بامتياز، فأغلبية مثقفي هذه الطبقة يستثمرون ثقافتهم من اجل التمسح بالبرجوازية المهيمنة وبالتالي التسلق الاجتماعي، ويلجئون من أجل بلوغ ذلك إلى مختلف الوسائل المتاحة حتى الدنيئة منها، وبطبيعة الحال ينجح البعض منهم في ذلك فيتحولون بين عشية وضحاها إلى مصاف البرجوازية. كما نرى فئات هذه الطبقة تملأ مراكز القيادات الحزبية من كافة الاتجاهات اليسارية واليمينية والإسلامية.

5 – المواقف الانتهازية للبرجوازية الصغرى
تبدو المواقف الانتهازية للبرجوازية الصغرى على المستوى الاقتصادي من خلال:
- القبول والدفاع عن نمط الإنتاج الرأسمالي وقوانينه، ليس فقط لكونه يشكل قاعدة اقتصادية لازدهار قطاع الخدمات الذي تشتغل عليه أغلبية البرجوازية الصغرى وإنما أيضا كهدف أسمى للمجتمع الإنساني؛
- الدفاع عن المصالح الاقتصادية للبرجوازية الصغرى والمتوسطة، والملكية الصغرى والمتوسطة (في ميادين الصناعة التقليدية والصناعة والتجارة والإنتاج والتوزيع) علما أن المجتمع الرأسمالي المتطور لا يلغي هذه المصالح بل يعمل على تغذيتها باستمرار؛
- التركيز على العوامل الاجتماعية والسياسية للدفاع عن الإطار الاقتصادي الذي تبلوره التنمية غير المتكافئة للرأسمالية وتضعه تحت تصرف الطبقات المتوسطة، عبر اعتبارها أساسية من أجل ضمان استمراريتها؛
- مقاومة التقدم التكنولوجي والإنتاجي من حيث أنها تلغم وضعيتها وتهددها بالبلترة عبر تسريع سيرها نحو السقوط في وضعية هشة.

أما على المستوى السياسي فترتكز إستراتيجية البرجوازية الصغرى على:
- التوفيق بين المصالح المتناقضة، ومحاولة إخضاع المصالح الأضعف للمصلحة الأكثر قوة؛
- تبني مبررات مصالح الطرف الأكثر قوة، مقابل المطالبة فقط بحد أدنى من المشاركة في التدبير السياسي؛
- محاربة النضال العنيف الثوري من أجل استرجاع الحقوق والمصالح مقابل تحقيق مصالح حزبية ضيقة تستهدف التوصل إلى توافقات حول تحسين تدريجي للأوضاع بواسطة أساليب سلمية أوقانونية؛
- المساهمة، إلى جانب البرجوازية المهيمنة، في جميع معاركها من أجل المحافظة الاجتماعية –الإيديولوجية والعملية- وفي جميع الحروب من أجل الدفاع عن "الحدود الاقتصادية" (والاستعمارية) والتي يتبع لها وجودها الطفيلي نفسه؛

على المستوى الاجتماعي تعمل البرجوازية الصغرى على:
- الاحتلال المادي للمواقع الوسطى فيما بين البرجوازية المهيمنة والبروليتاريا (في المدن وفي القرى، وفي المؤسسات، وفي البيروقراطية، وفي المقاولات)، مع إعطاء الاعتبار للملكية الفردية (بما فيها الثقافية)، النشاط الصغير، المقاولة الصغرى، العائلة، القرية أو الحي، كفضاء مثالي للحياة الاجتماعية؛
- الاختلاط بصفة عامة "بالجماهير" الكادحة، خوفا من سداد تكاليف غالية وخوفا من تحمل مسؤوليات اتجاه الآخرين، وفي نفس الوقت "التميز عن "الجماهير" (من غير الملاكين طبعا) بفضل امتيازاتها ومكتسباتها.

6 – طبيعة البرجوازية الصغرى
السلوك الانتهازي هو بطبيعة الحال أسلوب حياة البرجوازية الصغرى، ويطبع سلوكها جميع المستويات بما فيها الفلسفية والدينية. فالبرجوازية الوضيعة تشكل شرائح اجتماعية أكدت عجزها عبر التاريخ، سواء في مواجهة الطبقة المهيمنة أو في مواجهة البروليتاريا. وتوجد بشكل دائم في وضعية رعب من التهديد بفقدان امتيازاتها والسقوط في الوضع البروليتاري، البروليتاريا الهشة. فهي تظل مرعوبة من المستقبل، إلى جانب كون أكبر طموحاتها هو الالتحاق بصفوف البرجوازية العليا عبر التسلق الاجتماعي.
البرجوازية الصغرى عبارة عن شرائح اجتماعية تتطلع لإيقاف مسيرة التاريخ، بمعنى أنها تعمل على المحافظة بشكل لا نهائي على الوضعية التي تمكنها من العيش بدون مشاكل، بدون مخاطر، بدون رجات عنيفة، بدون حروب ولا اصطدامات اجتماعية والتي لا تفعل سوى التندر بعواقبها؛ فهي تدفع عجلة التاريخ نحو الوراء حالما تظهر معالم حركة ثورية بروليتارية ترى فيها عن حق تهديدا لامتيازاتها بالاختفاء الكامل والكلي.
هذه الشرائح الاجتماعية للبرجوازية الصغرى والمتوسطة، والتي يجب أن نظيف إليها الارستقراطية العمالية والتي تتشكل على قاعدة وضعية تتميز بها عن الجماهير البروليتارية، تشترك في نفس العقلية ونفس الموقف الرجعي مثل البرجوازية الصغرى، كما أنها محكومة بالتموقع الدائم فيما بين البرجوازية المهيمنة والبروليتاريا، وتقف على حدود بروز تهديدات لمصالحها من طرف هذه الطبقة أو تلك.
تاريخيا تعتبر هذه الشرائح الانتهازية الأكثر موالاة وتهليلا للديمقراطية البرجوازية – هذا الإطار السياسي والاجتماعي الذي، حسب الإيديولوجية البرجوازية، يتيح لكل فرد، لكل مقاولة، التصرف بحرية، متيحة المجال لقوانين السوق، وللدولة – باعتبارها فوق الطبقات – الدفاع عن الحريات الفردية والملكية الخاصة.
شرائحها الاجتماعية متعددة، وتشكل بطبيعة الحال جماهير مهمة – قروية في الدول الرأسمالية الأقل تقدما، حضرية في الدول الأخرى – وتحلم بتشكيلها للأغلبية، مع حبها لفكرة الوعي الفردي الذي، حسب معتقداتها، يحدد الخير أو الشر، السلم أو الحرب، السعادة أو البؤس. وتبتلع هذه الطبقة مختلف الأوهام البرجوازية حول الحرية، والشرعية، والإخاء، مع إضافة شحنة كبيرة من الخرافات والقدرية: فهي تؤمن بوجود أخروي، أي فيما بعد الحياة الجسدية، بحياة أخرى تتم فيها معالجة جميع المظالم الأرضية وتكافأ فيها جميع التضحيات.
وليس صدفة أن تكون البرجوازية الصغرى توجد متذبذبة بين الطبقات المتصارعة وتعيش واقعيا يتصادم فيه الجميع ضد الجميع، وتشكل أرضية خصبة لجميع الأحكام المسبقة ولجميع الخرافات: فكل ما يحدث أو ما قد يحدث يعتبر نتيجة لإرادة عليا – ومصير محتوم، واله، قائد عبقري، لديمقراطية عذراء.
وخلال المرحلة الطويلة التي عرفت ظهور وانتصار الطبقة البرجوازية في مواجهة الارستقراطية ورجال الدين، شرائح ارستقراطية منحطة – بالمفهوم الاقتصادي والاجتماعي – عبرت البرجوازية الصغرى عن ردود فعل متشددة بشكل خاص في مواجهة المجتمع الجديد ونمط الإنتاج المناهض للإقطاع. وبشكل مشابه، وخلال مرحلة تاريخية بكاملها والتي كانت فيها البروليتارية تحاول تأكيد نفسها كطبقة حاملة للانعتاق والتحرر والتقدم للإنسانية بكاملها، كانت البرجوازية الصغرى تعبر عن ردود فعل خاصة (ككتلة رجعية قابلة للتعبئة) ضد حركة البروليتاريا الثورية دائما.

7 – الدور المحافظ الرجعي للبرجوازية الصغرى
وللبرجوازية الصغرى من جهة أخرى هويتها التاريخية في قلب المجتمع الرأسمالي، والمنبثق عن دورها الخاص المضاد للثورة. فالماركسية تعلمنا بأن البرجوازية الصغرى لا يمكن أن تتوفر على قوة وجود طبقية تاريخية، مستقلة عن باقي الطبقات – بينما البروليتاريا والبرجوازية، وهما القطبين الطبقيين المتناقضين للمجتمع المعاصر، لهما قوة الوجود الطبقي لأنهما حاملتان، كل من جهتها، لنمط إنتاج خاص: الشيوعية والرأسمالية. الشرائح الاجتماعية التي تشكل ما نسميه بالبرجوازية الصغرى، تعتبر في الواقع نصف طبقة، غير حاملة للثورة ولمجتمع خاص. لكونها تابعة ومرتبطة بشكل واضح بالمجتمع البرجوازي القائم على الربح، وعلى اغتصاب فائض القيمة من البروليتاريا.
لكن ذلك لا يمنع من أنها وخلال تطور المواجهات الاجتماعية والصراع فيما بين الطبقتين الأساسيتين، وحتى لا تقع بين مطرقة البروليتاريا وسندان البرجوازية، تحاول البرجوازية الصغرى أن تلعب دورا متميزا، دور خاصا، الشيء الذي يبرز هذا الدور (سواء في عيونها أو في عيون الآخرين) كدور مستقل إن لم نقل تقريري.
ولقد استطاعت هذه الشرائح في بعض مراحل الثورة البرجوازية، المساهمة بقوة في هذه الثورة؛ لكنها كانت تقوم بذلك تحت ضغط ضرورات غير ذاتية للرأسمالية في مواجهتها للمجتمع الإقطاعي القديم ولفائدة البرجوازية. وما إن انتهت مرحلة الثورة البرجوازية، حتى ظهرت البرجوازية الصغرى بوضوح أكثر فأكثر من خلال دورها المضاد للثورة.
الانتهازية هي التعبير السياسي للبرجوازية الصغرى، رسمت من خلاله مسارا تاريخيا يتموقع ما بين الدور المضاد للثورة وللبروليتاريا من جهة ثم الدور المضاد للثورة والمناهض للبرجوازية. وبهذا المعنى فإن الاتجاه المحافظ والرجعي للبرجوازية الصغرى تتقمص سمات مختلفة حسب المراحل التاريخية وحسب المناطق الجغرافية المختلفة: فمن أجل محاربة البروليتاريا الثورية تستند البرجوازية الصغرى على البرجوازية العليا وعلى القوى الرجعية المرتبطة بالمجتمع القديم ما قبل الرأسمالية، وعلى القوى الإمبريالية المعنية بالتصدي للحركات الثورية للبروليتاريا؛ ومن أجل محاربة البرجوازية الثورية ترتكز على القوى الرجعية المرتبطة بالنظام القديم وعلى القوى الامبريالية المعنية بمواجهة الحركات الثورية البرجوازية، ولا تتردد حتى في البحث عن دعم البروليتاريا بشرط بطبيعة الحال أن هذه الأخيرة تكون قد فقدت استقلاليتها كطبقة.
إن هذا السلوك السياسي والاجتماعي للبرجوازية الصغرى تغير في المرحلة التاريخية التي لم يعد فيها للبرجوازية أي دور ثوري، حيث أصبحت هذه "الطبقة" لا تعبر ولا تدافع سوى عن مواقف رجعية للمحافظة الاجتماعية. فالبرجوازية المهيمنة تستعمل هذه الطبقة وتغذيها في هذا الاتجاه؛ اعتبارا لطبيعتها كنصف طبقة وعجزها التاريخي، فهي تلتفت نحو كل ما يغذيها بوهم التحول لكي تصبح طبقة اجتماعية حقيقية، ببرنامج تاريخي خاص بها، متميز وأعلى من برامج كل الطبقات الاجتماعية الأخرى. لكن الشيء الوحيد الذي تتوفر على امكانية بلوغه، هو تبني الإيديولوجية البرجوازية، سواء في شكلها الراديكالي أو المعتدل أو الرجعي المفتوح.

8 – البرجوازية الصغرى كطبقة مضادة للثورة البروليتارية
إن ثابت في انتهازية اليرجوازية الصغرى يتمثل في الدور الاجتماعي والسياسي المحافظ، المضاد للتوجه الثوري. وللعب هذا الدور، ومن أجل محاولة خلق وزن لها في المجتمع، فإن البرجوازية الصغرى لا يمكنها أن ترتكز سوى على شروطها المادية الخاصة، المرتبطة بالإنتاج الصغير والملكية الصغرى والتي تدافع عن مصالحها وحدودها وحيث تنبثق عنها المواقف السياسية المباشرة، المستقلة، الرجعية والعنصرية التي تطبعها.
ان قرب العديد من شرائح البرجوازية الصغرى من البروليتاريا مكنها من أن تنقل إلى هذه الأخيرة مواقفها، وأوهامها ومعتقداتها الخرافية، وتخوفاتها وطموحاتها. فهذا الإنجاز الملوث للبروليتاريا يبدو أنه ثمين جدا بالنسبة للبرجوازية المهيمنة وفي بعض الأحيان يتبلور على شكل بعد عقائدي، فمن أجل المحافظة الاجتماعية ومن أجل الدفاع عن المصالح البرجوازية. سيكون من المستحيل على البرجوازية العليا أن تحقق بشكل مباشر هذا التلويث، وتنشره بقوة كبيرة في قلب الجماهير البروليتارية: حيث أن الهوة الطبقية صارخة بطبيعة الحال. وليس ذلك بنفس الشاكلة مع البرجوازية الصغرى إلا في فترة الرواج والتي يأمل بعض البروليتاريين الالتحاق بها: حيث يكون التناقض الطبقي غير واضح إلى حد بعيد وهو في الغالب يأخذ شكل اختلافات ذاتية وليست اجتماعية.
وتؤكد الشواهد التاريخية أنه خلال مراحل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة لا تتورع البرجوازية عن تغييب لعبتها الديمقراطية فتفرض ديكتاتورية طبقية مفتوحة، لكن البرجوازية الصغرى على العكس من ذلك تكون في حاجة حيوية ماسة إلى الديمقراطية البرجوازية كحاجتها للهواء للاستمرار في الحياة. ففي ظل الديمقراطية البرجوازية تتمكن البرجوازية الصغرى من ممارسة كفاءتها في الوساطة والتوفيق بين الأطراف الطبقية المتصارعة، بحيث تملأ مختلف الفضاءات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يتيحها التطور الرأسمالي. وليس صدفة أنه في الدول الرأسمالية الأكثر نموا تتوسع البرجوازية الصغرى في قطاع التجارة والخدمات والإدارة والبيروقراطية والثقافة والإعلام والدين والرياضة، بدلا من احتلالها للقطاعات التقليدية في مجال الصناعة التقليدية والإنتاج الصغير والفلاحة. حيث نجد في هذه القطاعات الأخيرة عناصر قادمة من البروليتاريا بهدف الإفلات من أوضاعها المتأزمة دائما عبر العمل لفائدتها.

9 – البرجوازية الصغرى وأكذوبة الديمقراطية
إن الديمقراطية البرجوازية اليوم ليست هي نفسها الديمقراطية البرجوازية التي سادت في المرحلة البرجوازية الصاعدة، الثورية، ولا حتى الديمقراطية البرجوازية في المرحلة الليبرالية. وقد سبق لماركس وانجلز أن كشفا ليس فقط حدودها، ولكن على الخصوص الوهم الأساسي الذي تقوم عليه الديمقراطية البرجوازية، وهو شكل من الادعاء بعدم تجاوز التنظيم السياسي للمجتمع.
وفي المرحلة المفتوحة ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية أصبحت الديمقراطية مجرد واجهة سياسية وإيديولوجية لفرض هيمنة البرجوازية، والتي تستعمل مختلف أساليب الغش حتى لا تترك أية إمكانية لتحقيق تحولات ولو دنيا – حتى لا نتحدث عن الانتقال نحو الاشتراكية – للنظام القائم لفائدة الطبقة المستغًلة.
فتصبح الديمقراطية مجرد قناع شفاف لديكتاتورية البورجوازية، فتبقى دائما عبارة عن أكذوبة كبرى. فالحرية التي طالما يتغنى بها الديمقراطيون البرجوازيون تتقلص في الواقع الملموس للمجتمع الرأسمالي الى مجرد حرية أغلبية الطبقة العاملة في بيع قوة عملها وحرية البرجوازية في شرائها: وبالنسبة للجزء الأكبر من البشرية، فإن هذه الحرية تتحول إلى ضرورة مأساوية، وحصيلتها وحيدة هي البؤس والجوع.
إن هذه الأكذوبة الكبرى هي مع ذلك الأساس الحيوي للإيديولوجية البرجوازية، والبرجوازية الصغرى ليس لها من مصدر إيديولوجي آخر يمكن أن تستقي منه: فهي تستقي من الديمقراطية البرجوازية، وتجعلها إيديولوجيتها، وتستعين بها، وتطالب بها، وتتوسل للبرجوازية المهيمنة أن لا تدير ظهرها لها، وتدافع عن هذه الديمقراطية بالأسنان والأظافر لكونها تجد فيها وسيلة للمعانها الاجتماعي ولدفاعها عن مصالحها الاقتصادية والسياسية.
البرجوازية الصغرى لا يمكنها أن تقيم مواقفها ومطالبها فقط على الديمقراطية. فالديمقراطية ليست فقط أفضل منهجية لحكم البرجوازية المهيمنة، لأنها تنجح في جر البروليتاريا نحو الدفاع عن المصالح العامة للرأسمالية، ولكنها تشكل أيضا الأداة المضادة للثورة البروليتارية والتي تستعملها هذه الطبقة الانتهازية في مواجهة البروليتاريا لتحويلها عن الصراع الطبقي وخصوصا عن الصراع الثوري.
إن هذه الأدوات المضادة لثورية البروليتاريا استعملت في جميع الوضعيات وفي جميع مراحل الصراع الطبقي. خصوصا عقب الحرب العالمية الثانية ومن خلال تجارب الفاشية والنازية، فهي تستعمل كعمل وقائي مقارنة بمحاولات البروليتاريا تحويل أرضيتها للصراع التقليدي وإعادة الانتظام في لوبيات الدفاع عن المصالح.

10 – المنجزات الانتهازية للبرجوازية الصغرى
نجحت الديمقراطية الليبرالية في تجنيد بروليتاريا مختلف البلدان في المجازر الامبريالية العالمية؛ لكنها لم تستطع أن تنجح في التنبأ بالحركات البروليتاريا الثورية والتي هزت بعد سنة 1917 هيمنة البرجوازية العالمية وهددت بانتصارها في أوروبا عقب انتصارها في روسيا. ولقد كان من اللازم قيام الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا بعد ذلك لكي تتوفر البرجوازية من خلال ذلك على الأدوات الكفيلة بالقيام بعمل قمعي واسع ولمدة طويلة: 20 سنة في ايطاليا، و12 سنة في ألمانيا.
وخلال الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918، التي تم فيها الحديث عن انتهازية البرجوازية الصغرى، لم توجه اتهامات أخلاقية حول خيانة زعماء الحركة الثورية، لكنهم في لحظة مصيرية ظهروا كعملاء للبرجوازية عبر تعبيرهم عن مواقف متعارضة تماما مع ادعاءاتهم السابقة. فانتهازية البرجوازية الصغرى تعتبر واقعا تاريخيا واجتماعيا، فهي تشكل أحد مظاهر الدفاع الطبقي للبرجوازية في مواجهة ثورة البروليتاريا؛ ويمكن القول أيضا بأن انتهازية القادة والأطر البروليتارية شكل أحد الأسلحة الأساسية لهذا الدفاع.
انتهازية البرجوازية الصغرى شكلت أحد أوجه دفاع الطبقة البرجوازية، ورشوة المنظمات البروليتارية هي النتيجة التاريخية لهذا الدفاع: حيث أن الانتهازية تشكل دائما عملا وقائيا للطبقة المهيمنة، وباعتباره عملا وقائيا، فإنه يهيء أرضية الهجوم البرجوازي المضاد (الفاشية) الذي ينفجر ضد حركة الطبقة الثورية التي تهدد افتراضيا السلطة المركزية. فوسيلتي صراع البرجوازية تتكامل في الدفاع عن الرأسمالية.

11 - كيف يتم العمل الانتهازي في الواقع؟
تتمثل انتهازية البرجوازية الصغرى في كونها خلال الأوقات الحرجة للمجتمع البرجوازي، حينما تتصاعد الطموحات الثورية لدى البروليتاريا وتصبح الثورة متوقعة، تنادي البرجوازية الصغرى إلى أنه من الضروري النضال من أجل أهداف أخرى بعيدة عن هموم البروليتاريا، فتفرض تحالفا بين قواها وجزء من القوى البرجوازية.
لذلك فالانتهازية لا تظهر فقط في لحظات نادرة مصيرية: فباعتبارها ظاهرة تاريخية واجتماعية نجدها تتوفر على قواعد مادية للقيام بدور متواصل في المجتمع البرجوازي. ولننظر إلى عواقب العمل الانتهازي:
فإذا كان الحزب الطبقي للعمال يقوم على الصرامة واستمرارية الوعي الطبقي بينهم، وبالتالي العمل على انفتاح أوضاع ثورية مصيرية، نجد القادة والمكلفون بالدعاية وبصحافة الحزب من البرجوازية الصغرى يبدؤون فجأة في الحديث بلغة جديدة تأكد بأن البرجوازية نجحت في تعبئة الانتهازيين منهم لصالحها، ويؤدي ذلك إلى فقدان البوصلة لدى البروليتاريا، وتفشل تقريبا تماما كل محاولة للعمل المستقل.
فهدف الانتهازية إذن هو تحريف نضالات الحركة البروليتارية، وتحريفها من أجل الدفع نحو فشلها. فإذا كانت لدينا حركة طبقية حقيقية، فذلك يعني أن عملها مستقل عن أجهزة التعاون بين الطبقات وبقوة أكبر عن المنظمات البرجوازية المفتوحة. ومن أجل إفشال هذه الحركة، فإن البرجوازية يجب أن تسعى إلى تحريفها من الداخل، بمعنى الارتكاز على القوى الانتهازية داخلها، بشكل تخرب فيه العمل الطبقي وتحول هذه الحركة إلى المدار التعاوني، الإصلاحي واحترام النظام القائم. إن ذلك ما استطاعت القيام به الأحزاب الاجتماعية-الديمقراطية.
وفي مرحلتها الثورية الأصلية، صارعت البرجوازية ليس فقط الإقطاع وبنياتها الفوقية السياسية، لكن أيضا ضد الجمعيات العمالية المستقلة الأولى (أنظر قانون شابولييه المشهور المانع للنقابات)؛ وفي المرحلة اللاحقة القائمة على الدعم والتوسع الرأسمالي في العالم والذي كان يشكل العصر الذهبي للإصلاحية، سمحت البرجوازية للجمعيات العمالية كما سمحت بتطورها وذلك ببدل جهد من أجل التحكم فيها سياسيا بشحنات متزايدة من الديمقراطية الاجتماعية. وفي المرحلة التاريخية الثالثة، مرحلة الإمبريالية، تغير موقفها أيضا.
في مرحلة الإمبريالية، تبحث الرأسمالية عن السيطرة على تناقضاتها الاقتصادية ومراقبة جميع الأحداث الاجتماعية والسياسية عبر النفخ المبالغ فيه في جهاز الدولة؛ وبنفس الطريقة تغير عملها اتجاه المنظمات العمالية. وفي المرحلة الثالثة فهمت البرجوازية أنه لا يمكنها لا إلغائها، ولا تركها تتطور على أساس قاعدة مستقلة، وتقترح نفسها لتأطيرها بأية وسيلة في جهازها الدولتي. وسياسيا بشكل خاص في بداية القرن، تحولت هذه الأخيرة إلى سياسية واقتصادية في عصر الإمبريالية: دولة الرأسماليين والباطرونا تحولت إلى دولة رأسمالية ودولة الباطرونا. وفي قلب هذا الجهاز البيروقراطي الواسع، يتم تهيئة سجون ذهبية لقادة الحركة العمالية. آلاف الأشكال من التدخلات، آلاف مؤسسات الرعاية الاجتماعية لها ظاهريا كمهمة الحفاظ على التوازن بين الطبقات المبعدة للقوى المستقلة للبروليتاريا قادة الحركة العمالية التي هي في نفس الوقت مستلبة بواسطة بيروقراطية الدولة. هؤلاء القادة يواصلون ديماغوجيا الحديث بلغة عمل الطبقة والمطالب العمالية، لكنها أصبحت بطبيعة الحال غير قادرة على القيام بأي عمل في مواجهة السلطة البرجوازية.

12 – حتمية مواجهة البروليتاريا للبرجوازية الصغرى:
إن السيكولوجية الانتهازية للبرجوازية الصغرى وديناميتها المضادة للثورة البروليتارية وخدمتها للبرجوازية العليا اضافة الى تغلغلها في مختلف الاطارات السياسية والنقابية والجماهيرية يطرح على البروليتاريا مهمة فضحها ومواجهتها بقوة على جميع المستويات.
واعتبارا إلى أن صيرورة انحطاط واحتضار الرأسمالية متواصل بفعل الأزمات فان انعكاس ذلك سيؤثر أيضا على وجود البرجوازية الصغرى نظرا لتأثر قطاع الخدمات التي تشتغل فيه أساسا هذه الطبقة فإن هذه الطبقة ستكون في مقدمة البرجوازية المهيمنة لارتكاب كافة الحماقات للحفاظ على نمط الإنتاج القائم. لذلك فإن التنظيمات السياسية للبروليتاريا ستجد نفسها مضطرة للدخول في صراع طبقي مميت معها.



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معالجة إفلاس الدولة البرجوازية على حساب الطبقة العاملة
- ثورة نسائية جذرية جديدة في مؤتمر عالمي بفنزويلا سنة 2011
- وزارة الاقتصاد والمالية تسترق موظفيها
- قراءات في النظرية الاقتصادية الماركسية
- وحدة الطبقة العاملة في مواجهة البرجوازية المتعفنة
- قراءة نقدية سريعة في مشروع قانون المالية لسنة 2010
- دردشة في مرتفع مالاباطا المطل على مدينة طنجة
- إدانة واحتجاج لإنعقاد ما يسمى بمنتدى المستقبل بالمغرب
- جميعا من أجل مناهضة المشروع الأمريكي الامبريالي “منتدى المست ...
- شعوب العالم تحتاج للطعام لا للتطعيم ضد انفلونزا الخنازير
- الطبقة العاملة تتعرض في العاصمة الرباط للإهانة والاستغلال
- دردشة مع صديقي الاتحادي
- القروض الاستهلاكية وأزمة الطبقة الكادحة
- أزمة صناديق التقاعد
- ارتفاع الأسعار، الأسباب وآليات المواجهة
- الغلاء ونضالات تنسيقيات مناهضة الغلاء
- المخلفات المأساوية للأزمة وآفاق التجاوز
- تفريغ الأزمة على حساب الطبقة الكادحة
- عقد من الأداء الاقتصادي، أية حصيلة؟ 1999 - 2009
- تجاوز الماركسية للفكر البرجوازي المتعفن


المزيد.....




- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...
- في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة ...
- تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة
- -الكوكب مقابل البلاستيك-.. العالم يحتفل بـ-يوم الأرض-


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبد السلام أديب - الدور الانتهازي للبرجوازية الصغرى