أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الرواية : مَهوى 7















المزيد.....

الرواية : مَهوى 7


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 2986 - 2010 / 4 / 25 - 17:45
المحور: الادب والفن
    


مُشوّشاً ، كانَ ذهني يَمورُ بشتى الأفكار والتخلقات ، عندما وَجَدتني أهرعُ إلى المصلى ، الصغير ، الكائن في الناحيَة القبْليّة من الدار ؛ حتى أنني سَلوْتُ سَترَ رأسي ، العاري ، بطاقيَة الصلاة ، المُنمنمة . لقد شئتُ أداءَ صلاة الفجر ، مُبكراً ، وفي الهنيهة التي تلي تناهي صوت المؤذن من الجامع ، المجاور . لم أرغبَ أن يُشاركني أحدٌ في توحّدي ، المُتبَتل ، الساعي إلى السكينة والهدوء . كما أنني ، خصوصاً ، كنتُ أتجنب لقاء المُضيف ؛ أقله هنا ، الآن ؛ في مكان للطهارَة وفي ساعة للدَينونة . إلى يمين مدخل هذا المصلى ، المُشيّد من الحجر الأبيض والمُلبّس بالمَرْمر ، كانَ يقومُ ثمة حوضٌ مُرَخم ، بيضويّ السمَة ، يسيلُ فيه ماءُ الوضوء ، الجاري من أقنيَة دقيقة ، موصولة ببحرَة الحَوش ، الكبرى . بعدَ فراغي من التوَضؤ ، أخذتُ مَحلاً مناسباً لصلاتي بمواجهة المحراب ، المَحدود الحجم ، المُتأنق بنقوشه الرائعة ذات الألوان المُثلثة ، المُتوافقة مع ألوان مداميك الجدران . على الأثر ، استقمتُ بجذعي لكي أباشر من ثمّ طقسَ السجود والركوع أمام الحضرَة الإلهية . في هذه الهنيهة ، فكرتُ ، يَتوحّدُ المؤمنون كلهم ، بما فيهم السلطان نفسه ، خليفة رسول الله ، في التعبير عن الخضوع للذات السبحانية العليا . نعم . إنّ الخلقَ درجاتٌ ، كما جاءَ في الذكر الحكيم . وعلى ذلك ، كان على المصلى أن يتبايَنَ ، أيضاً ، في درجات رخائه أو خوائه . لا غروَ إذاً أن ينتقلَ المؤمنُ ، المُعتبَرُ الوجاهة ، من البذخ الفاني في الأولى ، إلى البذخ الباقي في الآخرة . أما المؤمن ، الفقير ، فإنّ جزاءه ثمة ، في الحياة الثانية ، سيكونُ أكثرَ وفرة ولا ريب ؛ بانتقاله من الوضاعة إلى الرفعة . " ذلكَ هوَ درسُ القناعة ، البليغ ، الذي تلقنه للبشر ، في كل مكان وزمان ، الرسالة ُ النبوية " ، تمتمتُ في سرّي بإيمان . بيْدَ أنني ، في اللحظة التي أغلقتُ فيها داخلي على جملة الحكمة هذه ، إذا بدموعي تتبجّسُ ، وعلى حين فجأة ، من ينابيع القلب ، المُعينة ، فتفيضُ من عينيّ فتغمرُ وجنتيّ . عندئذ كانت صورة المملوك ذاك ، القبرصيّ ، مُرتسمَة أمام ناظري هناك ؛ في صَدْر المحراب ، وعلى شكل أيقونة النصارى ، الذين يمتّ هوَ لمَنبَتهم . وكنتُ في وارد الاستغفار من الله ، على إقران مُخيلتي إلحاداً بدين محمّد ، حينما سمعتُ صوتَ حركة ما ، مُتأتية من الخارج . وما عتمَ المُضيف أن ولجَ من باب المصلى بتثاقل ، في اللحظة ذاتها التي كنتُ أتناهضُ فيها على قدميّ ، خفيفاً مُحلقاً . أومأ برأسه ، فيما كان يتفحّصُ ملامحي بعينيه المُتفرّستين ، ليُكرمني بتحية مختتم الصلاة : " تقبّل الله ، يا آغا "
" منا ومنكم ، يا سيّدي الزعيم "
" لتبقَ اليوم ، أيضاً ، في ضيافتنا . بعدَ الغداء ، خذ لنفسكَ قيلولة مُريحة . فلدينا نوبَة للمجلس مساءً ، وربما يحضرُها آغا يقيني ؛ آمر الدالاتية ذاكَ . لقد بعثتُ له خبراً بذلك "

كأنني كنتُ أحدَ عناصر الأيقونة تلك ؛ المُرتسم فيها الغلامُ ، الروميُّ ، أبنُ العَشرَة أعوام ونيّف : هوَ ذا هنا ، قربَ قاعدة درَج السلاملك ، وكانَ عندئذ قد تلقى ركلة عنيفة على مؤخرته ، الغضة ، من لدن قائمة ذلك الثور ، البشريّ ، الذي يَخدمُ في الدار بسموّ وظيفته ـ كوصيف خاص للزعيم . إنّ ألماًً مُفاجئاً ، مُمضاً ، قد بدأ اللحظة يَغشى عينيّ الغلام الواسعَتيْن ، البنيّتيْن ، فيما يده تعاينُ أثرَ الضربة تلك ، المُوَقعة للتوّ على إليته : إنه تعبيرٌ رهيبٌ ، لا يُحسنه سوى الأطفال ؛ فلا يُمكن ، بالتالي ، وصفه بكلمات تذكرة هذا الرجلُ الراوي ، الفاني ؛ ولا أيضاً بصنعة فنوننا ، الإسلامية ، المُحرّمة تجسيد البشر . مع أنّ هذا المشهدَ جديرٌ، ولا غرو، بأنْ يُنقشَ على لوحة الفسيفساء العظيمة ، الهائلة الأبعاد ، المُتصدّرة صحنَ المسجد الأمويّ . نعم . ولكن ، ما بال هذه المرأة ، المكشوفة الوجه والمُكتسيَة ملبسَ الحداد ، تطلّ مُهتاجة خللَ نافذة حجرتها ، العلوية ، صارخة على الوصيف بمفردات فالتة من لسانها ، العثمانيّ ؟
" عندما دعيتُ إلى حضرة القادين ، الكبيرة ، فإنني تذكرتُ ، هَلعاً ، وصيّة أمّي الراحلة " ، قال لي المملوكُ القبرصيّ وأضافَ على الأثر " صَحَبَتني خادمةٌ ، شابّة ، إلى الحَرَمْلك ؛ إلى الحجرة الرئيسة ، التي كانت زوجة الزعيم تلك ، المُخيفة ، قد أطلت من نافذتها قبل هنيهة . وَجَدتها هناك إذاً ، في انتظاري . فما أن جُذبت إليها ، حتى انحنتْ نحوي لتلاطفني بلغة غريبة ، لا أكادُ ألمّ شيئاً منها . ومَدَتْ إليّ يدها ، من ثمّ ، بعلبة فضيّة ، صغيرة ، مفتوحة على كمّ وافر من السكاكر والملبّس . إذاك ، وقفتْ أمّي الميّتة ، طيفاً حائلاً ، بيني وبين المرأة ، الغريمة ، التي كانت ضرّتها في زمن ما ، وبمعنىً ما أيضاً . فما كانَ مني ، إلا أن أخذتُ بعضَ الأطايب من العلبة تلك ، المُفضضة ، فأودعتها في جيب قنبازي وكان في نيّتي أن أرميها خارجاً . عندئذ وقعَ شيءٌ غريبٌ ، والحقّ يُقال . فإنّ هذه السيّدة الصارمة ، الشديدة الأنفة ، بدأت تختلجُ بلوعة مفرداتها الغريبة ، وكأنما كانت تخاطبُ طيفَ والدتي ، المُترائي لها . ثمّ ما لبثتْ أن انحنتْ عليّ ثانية ً لكي تقوم ، هذه المرّة ، بتقبيلي في جبهتي وهيَ مُجهشة ، مُنتحبة بلغة عربية ، عَسرَة : " سامحني ، يا ولدي " . والآن ، بعد مضيّ عقد من الأعوام ، تقريباً ، على يوم الركلة ، المَوصوف ، فما فتأتُ أسائلُ نفسي بحيرة ؛ عما إذا كنتُ متأكداً من أنّ تلك ، كانت فعلاً مفرداتُ الجملة التي فاهَ بها يومئذ فمُ القادين ، الكبيرة " .
وكانت وصيّة الأمّ لأبنها ، ألا يضعَ في فمه ، بتاتاً ، أيّ شيء تعرضه عليه زوجة الزعيم . فلو أنّ الخشيَة هنا ، كما يُفترَض ، كانت من السمّ ، فإنّ كيْدَ الغريمة بلغَ ربما بغيته في زمن أسبق ؛ في موت مُتعاقب ، غامض نوعاً ، لكلّ من الضرّة ووليدها الرضيع . ولكن ينبغي التنبيه ، على كلّ حال ، إلا أنّ القادين كانت ثكلى عندئذ : كانَ قد ماتَ لها صبيّ ، مؤخراً ، فلحقَ بأثر أشقائه الآخرين ؛ الذين سبقوه إلى التربة .
عدتُ إلى الحجرة الصغيرة ، المنذورة لنوم ضيف الدار ، مُهتدياً في الغلس بنور المسْرجَة ، الخافت . كانَ القمَرُ ما يفتأ بعدُ في منفاه ؛ ثمة ، في قبّة الليل ، يحيطه عددٌ من الحجّاب النجوم . الفجرُ ، كان هناكَ أيضاً ، في أسْر الغياب ، يحلّ بهدوء ورويّة أغلالَ شفقه . كنتُ على يقين ، ولا غرو ، بخيْبَة سنة النوم ، المُراوغة ، قدّام شطح أفكاري . إذاك ، انتظرتُ الصباحَ برفقة عصافير حديقة الدار ، الملولة . نعم . كان ذهني من التخبّط ، أنني مددتُ يدي مُجدداً إلى المصباح ، الموضوع على المنضدة المُستدَقة ، المُجاورة لسرير نومي ، لكي أبث جذوة من النار في نخوته . ثمة كراسٌ ، كبيرُ الحجم نوعاً ، مُتناعسٌ فوق المنضدة تلك ، وقد أسندَ ذقنه بدواة مُترَعة بسائلها الأسود : " أهوَ الكناشُ ، المطلوبُ ، أخيراً ؟ " ، حدّثني وَهْمي بصوت لم يَسمعه أحد . على أنني تناهضتُ من رقادي ، على كلّ حال ، لأزعج رقادَ الكراس بيد مُتكاسلة ، ضجرَة ببطالتها . تناولتُ الريشة ، المغموسة في الدواة ، وصرتُ أخط بعض الكلمات في الجريدة تلك . عندئذ كنتُ أتهجى أولى أبيات القصيد ، المُختمر طويلاً طيّ ذاكرتي .
" الريشة ذكرٌ ؛ يُنقط مَدَدَ شهوته في صفحة فرج الجميلة ، الناصعة البياض " ، كتبتُ بخطي الكبير والواضح . وكنتُ بصدد إضافة المزيد ، عندما عادَ طيفُ المَعبودة ، يطوّف في الحجرة حولي . لا بدّ أن أحتالَ لإيجاد طريقة ما ، سرّية ، تصلني بياسمينة . هكذا كنتُ أفكرُ ، ودونما أن أنتبه لاستعمالي الفعل الذي يُحيلُ للوصال وليس للوصول . سيّان إذاً ؛ فإنّ الأولَ مدلولٌ للثاني ـ كما في حالتي ، على الأقل : لأنّ كلّ تحرّ لأثر القاتل ، سيصبحُ بمثابَة دفعة له ، شديدة ، بعيداً عن عيان من أعشقها الآنَ بكلّ كياني ؛ وكلّ تقصّ لأثر الكناش ، سيُفضي إلى حجرة تلكَ الحبيبة نفسها ، المُحتبَس في جدرانها أجزاء الذكر المَصنوع ، المَنحول عن أصله الحجريّ ، الآبد . على أنني ، في آخر الأمر ، كنتُ حريصاً على حياة ياسمينة . إذ كنتُ متيقناً من أنها في خطر جديّ ، وأنّ ثمة محاولة للتخلص منها ومن حملها معاً . أجل ، لا أبريء نفسي من المُشاركة في التواطؤ على حياة الجنين . مع أنني أبرّر ذلك بشعور غير أنانيّ ؛ بشعور شخص مهنته تداورُ بين الطبابة والعطارة .
" داعي خلوَتي بالحلوَة ، يُجيز لي الاستعانة بمربيتها ، حتى لو كانَ مطلوبُ رشوتها ذهباً " ، قلتُ في سرّي بتصميم . على أنّ ما كنتُ أجهله ، حتى ذلك الوقت ، أنّ العناية السبحانية ، العليا ، إن شاءتْ ، فإنها تذلل الصعابَ أمام المؤمن وبحيلة لا تتفقُ لعقله البشريّ ، المَحدود : كذلك يُعامَلُ غرورنا ، نحن الفانين ، حينما نتكبّرُ ونتجبّرُ على مخلوقات الله الأخرى ، المُستضعَفة ، بحجّة أنّ عقلها قاصرٌ .

وإذاً ما أنْ بدأت جوقة العصافير ، المتهافتة ثمة على أشجار الحديقة ، في نشيدها الجمعيّ ، المَلحون ، حتى رحتُ أسحَبُ سدائفَ النافذة ، القائمَة قرب منضدة الكتابة . إنه الفجر ، أخيراً . وقد بَرَحَ فيّ الحنين ، حقاً . حينما كنتُ في سبيلي إلى المَنظرَة ، تجلت دارة كبير الأعيان لناظري وكأنني ضيفُ اللحظة . كلّ من الموجودات ، المتناسقة في قسمَيْ المنزل ، كان إذاك منوّراً بوضوح وشفافية ، في آن ؛ من القرميد الأخضر ، الزاهي ، لسقف الحَرَمْلك ، السَموق ، في الأعلى ؛ وإلى الرخام المُعشق بالأبيض والأسود لباحة الحَوش السماوية ، الفسيحة . وكنتُ اللحظة أجتازُ الباحة ، مُسيّراً ـ كالمُسَرنم ـ بخطيْ الجدول ، المُتوازييْن ، المُنبثقيْن من الجانب القبليّ للبحرَة ، الكبرى ، والمُنتهي سَيْرهما في أقصى ناحيَة من صَدْر الجنينة .على أنني بوصولي لمكاني ذاك ، الأثير ، رأيتني أتجاهلُ مَنظرته ، الغافية بعد ، لأختارَ لجلوسي أحد المقاعد العريضة ، المصنوعة بأفرع وأغصان دقيقة لشجيرات ، راحلة . هنا ، بمقابل الجدول ، الناضب المياه ، والمُشيّدة حوافه من قطع موزاييك زرق ، فاتحة وكحلية ، كنتُ الآنَ أتملى ما حولي من مناظر العيون . رأيتني قابعٌ في ظلال شجرة زيتون مُباركة ، هرمَة ، كانت مُتطاولة بأغصانها وأوراقها الخضر ، الغامقة ، من الجذع الثخين ، المُزدوج ، الراسخ في الحوض الكبير ، المُتسع ، القائم خلفي مباشرة ً . ثمة في المكان المُواجه لموقفي ، كان جذعٌ مزدوجٌ ، أكثر رقة ، لشجرة توت ، باسقة ، يترامى بدوره نحوَ الأفريز الحجريّ للحوض الآخر ، المُستزرعة جوانبه بالشمشير الزكيّ العَبَق ، الطاغي على مشام ما حوله من خمائل تاج النار وأشتال الورد الجوري وفم السمكة . تعريشات الدالية ، الصاعدة بأغصانها إلى حدود المشربيات تلك ، الداخلية ، للقسم الأعلى من الدار ، كانت تهزأ من النخيلات ، القصيرة القامَة ، ذات السعف الشبيهة بذيل طائر منفوش الريش . من جهتها ، فتعريشات المجنونة راحَتْ آنئذ تضرَمُ بأوار أوراقها ، المَسْحورة ، في مُنقلبها من الأخضر إلى الزهريّ والأبيض والنهديّ والأصفر . ولكنني مجنونٌ ، ولا ريب ، بعارشة الياسمين ، المعانقة للمضلعات الخشبية تلك ، لمشربية حبيبتي .
" لا أشكّ بأنّ الصقليّ قد أتخمَ روعَ رفيقه ، بمزاعمَ كوني شخصاً على جانب من الخطورة ؛ طالما أنه سمعَ الدالي باش يدعوني بسعادة القبجي ـ كذا " ، كذلك كنتُ أسرّ لنفسي . إنه سببٌ مرجوح ، على رأيي ، لما أبداهُ المملوك القبرصيّ من إذعان ، حينما كان يُجيب بكل طواعية وصبر لأسئلة فضولي ، العديدة ، المُخترقة حتى سيرته الشخصية وتاريخ عائلته . ولكن ، فربّ خوف ، مَشروع ، يتداخل في سرّ المملوك ويُضافر من أوهامه : فهوَ على يقين ، ربما ، بأنه على مرمى من الشبهَة ، فيما يتعلق بمقتل ذاك الوصيف ؛ الذي تمنى ألا يرحمه الخالقُ وألا يحزنَ عليه مخلوقٌ . نعم . كنتُ أفكرُ بأمر الخصي الروميّ ، المبخوس الحظ ، حينما أرتفعتْ جلبَة ٌ ، جليّة ، من قسم الحرملك ذاك ، المُتطامن إلى الحديقة ، من جهة جداره الغربيّ ، المُصَمّت .

" سيّدنا يَدعوكَ إلى السلاملك ؛ إنّ السيّدة ، الصغيرة ، في حالة سيئة "
خاطبني إذاكَ خادمٌ عجوز ، يبدو من هيئته أنه البستانيّ . هُرعت على الفور لمقابلة المُضيف ، في مكانه المَعلوم ، فيما كانَ خفقُ فؤادي يَشي بالخاطر ذاك ، المُرعب ؛ الذي تمثلته قبل قليل في ذهني . رأيتُ الزعيم في حركة دائبة ، من رواح ومجيء ، بين مدخل ومنتهى القاعة هذه ، الكبرى ، وكان قلقٌ بيّن منطبعٌ على ملامحه ، المُتجَهّمَة . وقال لي بنبْرَة جزعَة يتماهى فيها التأنيب : " البنتُ تنزف دماً ، ويبدو من صفرة وجهها أنها باتتْ مُسْهدَة الليلَ بطوله "
" إنه تأثير الصفة ، ولا ريب . ولكن ، أيمكنني مُعاينتها عن قرب ؟ "
" أجل ، لقد طلبتكَ لهذا الغرَض " ، قالها المُضيف وهوَ يُشيح نظره نحوَ الجهة العليا من داره . فما هيَ إلا هنيهة ، إلا وكنتُ هناك ، في جهة الحرملك نفسها ، أستأذنُ في الدخول إلى الحجرة ، الحبيبة . رأيتها ثمة ، مستلقية على سريرها ، مؤتزرة بملاءة سوداء اللون ، تشمل هيئتها جميعاً . وكانت بالهندام نفسه ، المُحتشم ، وصيفة صغيرة السنّ ، تقبع قرب رأس مخدومتها . في واقع الحال ، كنتُ متوقعاً هكذا نزف ، وعلى ذلك ، كنتُ مُحتاطاً بدواء له . بيْدَ أنّ الأمر ، ما كانَ بسبب صفتي تلك ـ كما زعمتُ لوالد ياسمينة : إنها وعلى أغلب تقدير ، قد تعرضت للتسمّم بعجينة الخميرة ؛ وهوَ ما أدى تالياً إلى النزف . ولكنّ حالتها هذه ، لم تقلقني كثيراً . ومن النافل القول ، بأنّ الأمرَ ما كانَ يُجيز الشبهة لعارض سم آخر ، قاتل . إنّ المريضة ، وبهدف إسقاط الجنين الذي ينمو في رحمها ، شاءتْ اللجوءَ إلى تحاميل الخميرة ، الضارّة ، المُسبّبة للتسمم والنزف .
" أرجو المعذرة ، يا سيدتي . يجب أن أختلي معك هنا ، في آخر المطاف " ، قلتُ لها فيما أرمقُ الخادمة بنظرة متواطئة ويدي على كيس دراهمي . عندئذ تزحزحتْ ياسمينة من رقادها ، فالتفتت إليّ بعينيها المكحولتيْن ، الرائعتين . ثمّ قالت أخيراً : " أشكرُ اهتمامك فيّ ، أيها الآغا الحكيم . إنّ هذه الفتاة صديقتي ، قبل كل شيء ؛ فأنا لا أخفي عليها سراً " .
يا ربّ السموات العلى . إنّ الحبيبة تفضي الآنَ ، وعلى الملأ ، بكنه المأزق ، المجهول بعدُ للآخرين ؛ وفوق ذلك ، تدعو الخادمة بالصديقة المُخلصة : فما هوَ " سرّها " ذاكَ ، يا ترى ؟



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرواية : مَهوى 6
- الرواية : مَهوى 5
- الرواية : مَهوى 4
- الرواية : مَهوى 3
- الرواية 2
- الرواية : مَهوى
- الأولى والآخرة : مَرقى 13
- الأولى والآخرة : مَرقى 12
- الأولى والآخرة : مَرقى 11
- الأولى والآخرة : مَرقى 10
- الأولى والآخرة : مَرقى 9
- الأولى والآخرة : مَرقى 8
- الأولى والآخرة : مَرقى 7
- الأولى والآخرة : مَرقى 6
- الأولى والآخرة : مَرقى 5
- الأولى والآخرة : مَرقى 4
- الأولى والآخرة : مَرقى 3
- الأولى والآخرة : مَرقى 2
- الأولى والآخرة : مَرقى
- الأولى والآخرة : توضيحٌ حولَ خطة التحقيق


المزيد.....




- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الرواية : مَهوى 7