أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - ثقافة المراجعة والإعتذار المفقودة .















المزيد.....

ثقافة المراجعة والإعتذار المفقودة .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 2985 - 2010 / 4 / 24 - 02:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الإنسان حيوان ذو تاريخ ..فهوالكائن الوحيد الذى يحظى على ذاكرة عالية يختزن بها تاريخه ..ومن خلال تاريخه وتجاربه القديمة يتعلم كيف يتجاوز أخطاءه ولا يكررها بعكس الفأر مثلا ً الذى يقع فى المصيدة المرة تلو الأخرى وليأتى أولاده وأحفاده من بعده ليقعوا فى نفس المصيدة .

فى عالمنا العربى ننسى قراءة التاريخ فلا نهتم بدراسة التجارب الإنسانية القديمة لذلك علينا أن نكتب التاريخ من أول السطر ..والبعض الأخر منا يظن أن معرفة التاريخ هى عملية أرشيفية تقع فى مدار الارقام والتواريخ وترتيب الأحداث ...هنا تكون قراءته للتاريخ ليس لها أى معنى أو قيمة .

وهناك أخرون من يحتفظ بالتاريخ ولكن لا يتجاوزه ..ليس كقصة الفأر ولكن كرؤية للتقييم والنقد ..بمعنى أنه أطفى موقف مسبق على رؤية التاريخ لا يبارحه ..فهذا التاريخ مشرف وعظيم وهذا التاريخ مخضب بالعار والذل .
نحن معنيون هنا مع هذا النموذج الأخير الذى يضع رؤيته المتقولبة للتاريخ ولا يبارحها ..فيظل أسير صفحات التاريخ لا يتعلم منه شيئا ً ..لأنه وضع ما يريده قبل أن يقرأه بعيون فاحصة ومراجعة ناقدة ...أى أنه وضع العربة قبل الحصان .

يظل التاريخ ملك زمانه ومكانه ..ومن الخطأ إعتباره منزه عن الخطأ أو غارق فى مستنقع الخطأ والخطيئة ..ولكننا بقرائتنا للتاريخ نتلمس التجارب الإنسانية والدروس المستفادة منها كفعل وفكر إنسانى تطورى ليس أكثر من هذا .

نحن على سبيل المثال نسمى الغزوات الإسلامية لبلادنا بالفتوحات العظيمة مكللين إياها بأكاليل من البطولة والفخار ..وفى الوقت نفسه نرى الغزو الأمريكى للعراق غزوا ً إستعماريا ً وحشيا ً .
الغزو الأمريكى للعراق لا يخفى مصالحه الإستعمارية بالرغم من الرايات الكبيرة عن الحرية والديمقراطية المنشودة والتى تحقق بالفعل الكثير منها ...ولكن لن يخرج عن كونه غزوا ً وحربا ً على شعب العراق وأهله لخدمة مشروع إمبريالى أمريكى له أجندته الخاصة .

الغزوات الإسلامية لبلادنا نعتبرها فتحا ً ونفتخر بها ولا نمانع فى أن نقيم إحتفالية ثقافية فى ذكرى الغزو !! .
ألا تعتبر هى الأخرى غزوا ً مثل الغزو الأمريكى مهما رفعت من رايات الدعوة للإسلام ..ألا تعتبر حربا ً وقتالا ً ومصالح تحققت على أسنة الرماح وعلى قهر شعوب تم إقتحامها وتغيير هويتها الثقافية والحضارية بالقوة .
ألا تشترك الغزوات الإسلامية مع الغزو الأمريكى فى التمدد والتوسع ..فى الحصول على الغنائم والسبى للأولى والبترول والهيمنة للثانية .

نحن هنا لا نراجع تاريخنا .. بل نسقط ما نريد إسقاطه عليه ..فليس لدينا القدرة على نقده طالما موقفنا المبدئى هو محصور فى نقطة معينة .. وفى رؤية مسبقة غارقة فى العاطفة والعشق وفى القدرة الغريبة على الكيل بمكيالين .

ولكن لماذا نحن لا نراجع التاريخ ونضعه على مائدة البحث والنقد ؟..لماذا غلفنا مواقف تاريخية برؤية مسبقة غارقة فى العشق الغير مبرر؟ ..لماذا إرتدينا نظارة تلون الأحداث والمواقف حسب لون عدساتها ؟ ..هذا يرجع لأننا أسقطنا المقدس على التاريخ .
لم نكتفى بالكتابات التى نعتبرها مقدسة والتى من خلال تحصينها بالمقدس مررنا حمولات من الخرافات دون أن يغمض لنا جفن ..بل أصبغنا المقدس على تاريخنا ..على أحداثه وشخوصه ..فجعلنا الأحداث الإجرامية والهمجية عملا ً بطوليا ً مغوارا ً ..وأصبغنا القداسة على الأشخاص أيضا فجعلنا الإرهابيين أبطالا ً مغاوير نكلل أعناقهم بأكاليل البطولة والشرف .
لا عجب إذن عندما يطل علينا إرهابى من وقت لأخر ..فهو شرب من التاريخ الدموى للأرهابيين الأوائل والذين جعلناهم أبطالاً أشاوس .
سيظهر أسامة بن لادن وأمثاله طالما مازلنا ننظر لخالد بن الوليد كبطل مغوار لا يناهزه أحد فى البطولة والشجاعة .

إن عدم التقييم الموضوعى للتاريخ وإسقاط عواطفنا و نظرتنا المقدسة لرموزه وشخوضه وأحداثه تجعل التاريخ لا يفارقنا فيسقط علينا بكل حمولته ..وبدلا من أن نتعلم من تجاربه نصبح أسرى لتجارب القدماء بكل محدودية معرفتهم الحضارية والإنسانية .
لا يصبح التاريخ أداة بناء وثراء للفكر الإنسانى بل يصبح معول هدم للإنسان ماسحا ً وماسخا ً حلقات طويلة من التطور .

نحن نفتقد لقيمة وفضيلة الإعتذار .
الإعتذار يأتى عندما يمتلك الإنسان الصدق مع نفسه ليعترف بأخطاءه الحمقاء ..هو يمتلك بالضرورة درجة جيدة من التوازن والثقة بالنفس تجعله يقر بخطأه وسوء تقديره .
الإعتذار هو الشجاعة و قمة النضج النفسى فى الوقت ذاته ..فهو القدرة الجميلة على التقييم والنقد خارج أسوار الأنا المتعالية .
الإعتذار هو المفتاح الضرورى للتطور الإنسانى ..فكونك تستطيع الإعتذار عن موقف أو فعل ..يعنى أنك وصلت لدرجة من رفضه وتجاوزه فى أنك لن تمارسه مستقبلا ً مما يعنى أنك بارحت الدرجة التى تقف عندها بلا رجعة .

لماذا إذن لا نعتذر ؟
هل نحن مغرورون ومتصلدون ؟..هل نحن نتماهى فى الأنا الداخلية ولا نبارحها ؟!..لاشك أننا نحمل درجة من الغرور والغطرسة لا بأس بها ..ولكن كيف تتوافق الغطرسة مع ثقافة ضئيلة بل تكاد تكون منعدمة .

الواقع يرجع للمقدس مرة ثانية ..
فمعنى أن نعتذر عن أحداث وأعمال قاموا بها ..أننا نخلع عنهم القداسة والتابوهات التى أحطناهم بها ..أن نجعلهم تحت مقصلة النقد والمراجعة أن نهز ثوابت وأوثان خلقناها فى داخلنا .

نحن لا نرى فى أعمالهم أى خجل نعتذر عنه ..لأننا وضعناهم فى هالات خارج النقد والتقييم .
نحن لا نملك الشجاعة على مراجعة مواقفنا ومواقف أجدادنا ..لاننا قدسنا الأجداد كما قدسنا الأنا ..واصبح التاريخ مقدسا ً هو الأخر .
نحن لا نعتذر عن أفعالنا وأفعال أجدادنا ..لأننا لا نخجل منها بعد أن وضعناها فى هالات القداسة وحصناها خارج النقد والتقييم .
يزداد رفضنا للمراجعة وتعالينا عن الإعتذار كلما وقفت شخوصنا وثقافتنا أم شخوص وثقافة الأخر ..فتزداد التحصينات والتشبثات .

مشكلة هى أننا لا نراجع نصوصنا القديمة والأحداث التى تمت فى القدم بعيون ناقدة محايدة ولكن المشكلة الأكبر أننا لم نتجاوز المرحلة الماضية فمازلنا نحمل فى داخلنا تعظيم لها ..ونجعلها منار نقتدى به .
دراسة التاريخ لا يجب أن تكون فى إسقاط التاريخ على الواقع ولكن كتحليل لفكر وتجربة إنسان قديم ودراسة الظروف الموضوعية التى خلقت الحدث لتكوين خبرات متراكمة فى فهم وتحليل أى حدث حاضر أو مستقبلى .

نحن فى حاجة لقراءة التاريخ بأحداثه وشخوصه وأقواله وأفعاله كتحليل ورؤية وليس كمقدس محاط بهالات من التوقير والتعظيم ..حينها سنجد أننا كنا نمجد مذابح وهمجيات وأعمال بربرية وجدت طريقها فى واقعنا تطل علينا ولا تجعلنا نتجاوز الماضى .

سنراجع أيضا ً أيدلوجيات قديمة مازلنا نرددها كالببغاوات دون أن نطورها لأننا وقفنا عندها نقدسها ونقدس أصحابها وأفعالهم ..لقد تماهينا فى المقدس حتى أصبحت الناصرية والقومية والبعثية والماركسية نصوص غير قابلة للنقد والتطوير .

لا توجد فى ثقافاتنا فكرة المراجعة والإعتذار لذلك نحن ننعم بالجمود والتخلف .!!



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن نخلق ألهتنا ( 6 ) - الله رازقا ً .
- تأملات فى الإنسان والحيوان والبرغوث .
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 4 )
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 3 )
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 2 ) .
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 1 ) .
- الأديان كتعبير عن مجتمعات عبودية الهوى والهوية .
- الجنه ليست حلم إنسان صحراوى بائس فحسب .. بل حلم مخرب ومدمر . ...
- سأحكى لكم قصة - شادى - .
- بوس إيد أبونا .!!
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 7) _ فليدفعوا صاغرون .
- ضيقوا عليهم الطرق .
- فلنناضل أن يظل حسن ومرقص فى المشهد دائماً .
- نحن نخلق ألهتنا (5) _ الله مالكا ً وسيدا ً .
- ثقافة الطاعة والإذعان .
- خواطر فى الوجود والإنسان والله _ ما الجدوى ؟!
- نحن نخلق ألهتنا (4) _ الله باعثا ً
- خواطر فى الوجود والإنسان والله _ الأرض حبة رمال تافهة .
- نحن نخلق ألهتنا (3) _ الله عادلا ً .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (6 ) _ أشلاء إنسان .


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - ثقافة المراجعة والإعتذار المفقودة .