أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن الجابري - هذيان الاسئلة














المزيد.....

هذيان الاسئلة


فاتن الجابري

الحوار المتمدن-العدد: 2984 - 2010 / 4 / 23 - 20:56
المحور: الادب والفن
    



نسي متى اغتيلت طفولته , لم يعد يفكر بالأسباب سأم من أدوات الاستفهام ، ألف مفردات وإيقاع حياته الجديدة ، حمل كيس الجنفاص وأغلق باب الغرفة الحديدي بحذر ليمنح أخوته ساعات أخر من النوم قبل الذهاب إلى مدارسهم ، عند الباب ودعته أمه وفي عينيها بدت التماعات الدمع ، تقرأ في سرها كل ماحفظته من آيات القران الكريم .
غادر بيته المنزوي في أقصى الحي الغارق بالفقر والإهمال ، بدأ الفجر يشق ظلمة السماء الملبدة بغيمات سود تتحرك ببطأ ، سار في الأزقة المظلمة ، مر بمحاذاة مدرسته الابتدائية ، تلمس سورها الخارجي ، راوده الحنين ليرى أخر صف كان فيه ، ألقى كيسه الفارغ أرضا تسلق السور ، شاهد نوافذ الصف المغلقة تلفها وحشة فضاء المدرسة ، سمع كركرات رفاقه ، حاول القفز إلى باحة المدرسة ، تراجع ، قفز بالاتجاه الاخر ، حمل كيسه وسارع خطاه عد على أصابع يديه الصغيرتين ، كم من السنين لم تطأ قدماه باب المدرسة ، واحدة اثنتان ، ثلاث ، لعن أدوات الاستفهام حين لاحت لعينيه أضواء الشارع الرئيس وقد ضج بحركة السيارات ...في صباح ملبد بغيوم المجهول الذي يحسب له ألف حساب ، لكنه ككل صباح تزود بدعوات وصلوات أمه التي انبتت في روحه سكينة ودعة لبدء يومه ، سلم على رفاقه الذين تجمعوا بانتظار سيارة الحمل الصغيرة البيكب آب التي ستنقلهم إلى موقع العمل بين الحين و الآخر تقف سيارة أجرة بالقرب منهم ، ينتابهم الرعب أن تتتفجر بينهم تشحب وجوههم يتفرقون بذعر ، تأخرت سيارة نقلهم ، ساورته الظنون ، وفكر كيف لو عاد إلى أمه وأخوته كالمرات السابقة خالي الوفاض ، بصق فوق كيف وقد تهلل وجهه بالغبطة ، قافزاً إلى حوض السيارة كقط سعيد مرددا مع رفاقه بعض الأغنيات التي تخفف عليهم طول الطريق وتنسيهم مرارة لم لا ينعمون الآن بالدف في أسرتهم كما أطفال الدنيا ، داعبت خديه النسمات الصباحية الباردة و اخترقت جسده الصغير من أصابع قدميه العارتين وقد أحمرتا و تخشبتا في نعله الاسفنجي الممزق والذي عالجته أمه بتلك الخرقة السوداء التي تسير خلفه كذنب دلفت السيارة في طريق متعرج وقبل أن تنحدر إلى دفة ترابية صفعته رائحة عرفها لكنه لم يعتد عليها وكلما تشتد الرائحة النتنة يوقن أنه اقترب من موقع عمله ، توقفت السيارة قليلاً ثم أقفلت عائدة بعد نزول الصبية .
انتابته نوبات من الدوار والغثيان ، لكنه تحامل على نفسه ، وهو يندس بين تلال القمامة المنتشرة هنا وهناك ، جال ببصره في المكان الذي اختفى رفاقه بنشاط في أرجاءه التي تغص بأكوام الجيف المنبعثة من قمامة اختلطت فيها بقايا المواد العضوية بعلب الصفيح والزجاج المكسور والبلاستيك والأوراق المتطايرة شعر بالوحشة التي تحولت إلى ارتياح كونه وحيداً في تلك البقعة الواسعة ليستأثر بغنائمها ساعياً إلى ملء كيسه بهمة راح ينبش القمامة بعصاه لوقت طويل بلا جدوى بعد عناء أدرك أن دائرة القمامة التي تحيط به خالية تماماً ، أيادٍ أخرى سبقته في تفلية المكان ، توغل في التل المنبوش أكثر وجد نفسه في دهليز من العفونة الخانقة أحس صعوبة المشي فوق تلك الأكداس ، فلتت الخرقة السوداء خرجت قدمه اليمنى من نعله الإسفنجي وشظايا الزجاج المكسور تخترق قدمه الصغيرة وتدميها تعثر بصفيحة ذات حافات مسننة أزاحها عن طريقه مال نحو كومة مرتفعة أزاح عنها خرقا بالية وقذرة لها رائحة نفاذة وخانقة يترنح يقاوم السقوط ، كلما أزاح الخرق وأكوام الصحف القديمة تصدم أنفه تلك الرائحة الغريبة يثبت عصاه في الأرض مقاوماً السقوط مرة أخرى يستجمع قواه ، يغرز عصاه في عمق الكومة التي أثارت فضوله الطفولي يسحبها ويعيدها مرة ثانية تتسع حدقتاه هلعاً وهو يرى العصا مصبوغة بالدماء شرع بالصراخ بصوت ضاع في هول المكان الموحش عصاه مغروزة في جثة رجل مطمورة داخل أكوام هائلة من النفايات ، مقطوعة الرأس كالسعفة اليابسة ، يتمايل رعبا أرخى يديه قذف كيسه الفارغ فوق الجثة سحب عصاه بقوة قبل أن يطير بعيدا من هول عصف قذف به ثم دحرجه مثل كرة ملتهبة وسط انفجار أتى على المكان برمته تناثرت أجزاء القمامة متطايرة نحو الأعلى النيران والحرائق متصاعدة في بقعة نائية , أدرك نهايته قبل أن يفقد وعيه رفع رأسه قليلاً لم يتمكن من الرؤية غرق في لجة الأدخنة السوداء الخانقة حاول الزحف حرك قدميه ، أخفق فقد تشظتا تماماً وانفصلتاعن جسده ، ردد بلا صوت أسماء رفاقه لكنه لايسمع سوى صدى موته مبعثراً في أتون الحرائق ، والمسكون بالآلاف من أدوات الاستفهام بجميع لغات الأرض .
من مجموعة
سرير البنفسج



#فاتن_الجابري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة الجدران
- سرير البنفسج
- لكل قبر زهرة
- رقص اخيرا
- نساء على قارعة الانتظار
- ذات ظهيرة
- هناك اضاع عينيه
- الموت بعيدا
- رحيل
- السيد الوزير
- أبعاد قسري
- ليلة الزينين
- أختطاف
- أمرأة الريح
- صباحات مألوفة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن الجابري - هذيان الاسئلة