أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال الصالح - عبدالرحيم عمر: الشاعر، الصديق والإنسان















المزيد.....

عبدالرحيم عمر: الشاعر، الصديق والإنسان


نضال الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 2981 - 2010 / 4 / 20 - 23:47
المحور: الادب والفن
    


إلتقيت به عام 1956 في الكويت حيث عملنا معا كمدرسين في مدرسة كويتية لا أذكر إسمها، ونمت بيننا صداقة متينة، رغم فرق السن، فأنا ولدت عام 1936 وهو عام 1929. كنت شابا حديث التخرج من دار المعلمين في عمان وكان هو متزوجا ورب عائلة. بقينا معا في الكويت إلى أن ألقت السلطات الكويتية القبض علينا وقامت بسجننا ومن ثم ترحيلنا إلى الأردن في عام 1959.
كان عبدالرحيم عمر، أبو جمال، واسع الثقافة، خفيف الروح وصاحب نكته، دمث الأخلاق ولكنه سليط اللسان لا يتورع عن إستععماله ضد من يستحقونه، شعرا أو نثرا. لقد أوقعه لسانه أكثر من مرة في مشاكل كادت في مرة من المرات أن تودي به إلى السجن. فلقد كتب مسرحية إذاعية للإذاعة الأردنية، ولكن المدير العام للتلفزيون والإذاعة قام بإجراء تعديلات عليها وأذاعها ناسبا العمل لنفسه، مما أثار غضب أبي جمال. أرسل أبو جمال برقية لاذعة إلى مدير الإذاعة والتلفزيون يصفه فيها بأقسى الألفاظ وفي مطلعها على ما أذكر:" في زمنك كثر الفساد وعمت المحسوبية وهبطت الثقافة وإنحط الأدب" وأرسل صورا عن البرقية لكل من رئيس الوزراء وكان وقتها السيد مضر بدران وإلى وزير الداخلية وكان وقتها السيد سليمان عرار، وكان عرار صديقا لعبد الرحيم عمر. أخطأ عامل البرقيات وأرسل ثلاث برقيات، كل واحدة بنفس المضمون موجهة ومعنونة إلى المرسل إليه بدلا من أن تكون صورة عن البرقية المرسلة إلى مدير الإذاعة والتلفزيون. وصلت البرقية لكل من رئيس الوزراء ووزير الداخلية كأنما هما المقصودان بما جاء بها من شتم قاس. لقد فهم وزير الداخلية أن خطأ ما قد وقع، لأنه كان صديقا لعبدالرحيم عمر ولم يكن عبدالرحيم ليرسل مثل هذه البرقية له. لكن رئيس الوزراء كان أقل تفهما و إستشاط غضبا عندما إستلم البرقية، وأمر بإلقاء القبض على عبدالرحيم وسجنه. إتصل وزير الداخلية بأبي جمال وطلب منه أن يختفي إلى أن تهدأ خواطر السيد رئيس الوزراء ويقبل بأنه لم يكن مقصودا بمحتويات البرقية وأن خطأ قد حصل من قبل عامل البرقيات، وهكذا كان، وظل أبو جمال مختفيا في بيت صديق له إلى أن إتصل به وزير الداخلية وأخبره بزوال الخطر. ولقد قال أبو جمال قصيدة في عرار يعرب فيها عن شوقه إليه بعد مماته وفيها يقول:
يا عرار
خجلا جئت، يدي فارغة، شيحان هذا العام ما إخضر
ولا أخصب في حوران قمح
خجلا جئت وماء الوجه فوق الوجه طفح
وأناديك فتنفيني الليالي العربية
رغم أني
رغم أني عربي الوجه والآمال والأحوال قحُ

ولد عبد الرحيم محمد عمر في فلسطين، في بلدة جيّوس الواقعة إلى الجنوب من طولكرم في 14/ 8/ 1929، ودرس في مدرستها الابتدائية. وفي العام 1940 انتقل إلى قلقيلية، ثم إلى مدرسة طولكرم الثانوية حيث أنهى في العام 1948 شهادة "الاجتياز إلى التعليم العالي". عمل بعد تخرّجه معلّماً في مدرسة القرية، ثم ذهب في مطلع العام 1952 ليعمل معلّماً في مدارس الكويت، فأمضى فيها سبع سنوات، عاد بعدها إلى الأردن، بعد ترحيله من الكويت، ليعمل في ميدان الإعلام. فعمل في الإذاعة منذ العام 1959، وأصبح في العام 1964 رئيساً للقسم الثقافي فيها، ثم عُين رئيساً لتحرير مجلّة "أفكار" بين العامين 1966-1967، ثم عاد إلى الإذاعة ليتولّى منصب مساعد المدير، ثم أصبح مديراً لها في العام 1970. تولى إدارة دائرة الثقافة والفنون التابعة لوزارة الإعلام الأردنية في العام 1971، وأسهم في تأسيس رابطة الكتّاب الأردنيّين في العام 1974، وانتُخب رئيساً للرابطة أكثر من دورة. شارك في كثيرٍ من الفعاليات الثقافية الأردنية والعربية، وكان رئيساً للجنة الشعر في مهرجان جرش لسنوات عدة، وعضواً في اللجنة التأسيسية لمركز دراسات الحريّة والديمقراطية. كتب المقالة الصحفية في الصحف والمجلاّت الأردنية، وكان من بين الفريق الذي أسهم في تأسيس صحيفة "الرأي" الأردنية. وكانت له زاوية فيها تحت عنوان "أقول كلمة". نال وسام الاستقلال من الدرجة الأولى، وجائزة الدولة التقديرية للآداب، وجائزة عرار للشعر. له عدد من الدواوين الشعرية كما له عدد من المسرحّيات الشعرية، بعضها مطبوع، وبعضها الآخر عُرض على خشبة المسرح، ومنها ما هو مخطوط.
كان عبدالرحيم عمر كريم النفس مضيافا وكانت عائلته إلى جانب ذلك كبيره ولذلك كانت مصاريفه أكبر من مدخوله مما جعله في ضائقة مالية مزمنة، وكثرت ديونه وكثر دائنوه. وأذكر أن أحد الدائنين جاء في غيابه إلى منزله يطالبه بالدين وكان لحوحا، فجا، فما كان من أم جمال إلا أن أعطته السجادة الوحيدة الموجودة في البيت، كدفعة من أصل الدين. ولقد قال شاعرنا في ذلك قصيدة جميلة وحزينة ولقد بحثت عنها في مجموعاته الشعرية التي في حوزتي فلم أجدها.
كان يحب العراق وكان يؤمن أن أمن الوطن العربي من أمن العراق وقال في العراق قصيدة طويلة منها:
كيف الأحبة في بغداد يا ولدي
ظلوا على العهد؟ أم حادوا ولم نحد
وكيف حال نخيل الكرخ شامخة
أعذاقه كشموخ الشمس في الأبد
وعن عيون المها ماذا تحدثني
سحر الرصافة أصماني ولم يقد
بغداد! جئتك خجلانا ولو عذرت
نوازع القلب لم أرحل ولم أفد
رويت جرحك من عيني ولو نزفت
مني الوريد أيا بغداد ام أزد
وأنت ما صاح منا قط ملتهف
إلا بذلت القنا والهام بذل ندي

لقد كان عبدالرحيم عمر صديقا لي ولوالدي وكان والدي كلما مر على عمان يمر على عبدالرحيم، يتحدثان لساعات في مختلف الأمور ومنها الشعر والأدب. وعندما توفي والدي كان أبو جمال على فراش المرض فاتصل بي يسألني عن مكان بيت العزاء فرجوته أن لا يحضر وأن هاتفه وكلماته الجميلة المعزية عبر الهاتف تكفيه عن المجيئ، ولكنه طلب من أحد الأصدقاء أن يحضره بسيارته إلى بيت العزاء وكان العزاء في الطابق الأول، فعجز أبو جمال أن يصعد الدرج، فنزلت إليه وعاتبته على مجيئه، وهو مريض و راكض في الفراش، ولكنه قال:" يا صديقي، هذا عزاء والدنا جميعا ، ومن واجبي القيام بذلك". ودعته وكانت تلك آخر مرة ألتقيي به فيها . توفي بعدها بوقت قصير في لندن بتاريخ 12/9/1993.
كان عبدالرحيم عمر شاعرا يجمع بين ريادة الحداثة الشعرية وبين تمكنه من عمود القصيدة وكلاسيكيتها معاً. كان تقدمي التفكير وطني الموقف وكان محسوبا على جبهة اليسار في الوطن العربي. إنه ليؤسفني أن أبو جمال لم يأخذ حقه وما يستحقه في النقد والاحتفاء به لا في حياته ولا بعد مماته مع أنه خلف إرثاً ثقافياً ومنجزاً إبداعياً في الشعر والمسرح والحياة الاجتماعية حيث كان صحفياً بارزاً وصاحب فكر مميز. ومن قصائده الجميلة التي رغبت مشاركتها مع قراء هذا الموقع قصيدة بعنوان: "أغنية إلى الفرصة الضائعة"، يقول فيها:

مدلج تحت ظِلال الريح والشوكِ وراياتِ الخَطَر
راحل تحتَ سَحاب الرّمْل والتيهِ يُغنِّي للمطر
باطلٌ كلُّ الذي في كفِّهِ
والطريقُ الوعرُ يَهوي ثم يَهوي في جنون المُنْحَدَر
ما الذي خبّأهُ الدربُ وأيْنَ المُسْتقَر؟
كان حلمي أن أزيح الغَمَّ إذ يطفو على وجهِ الغمامةْ
وأرى البشْرَ على وجه الصحارى
كان حلمي أن أرى الدفءَ علامَهْ
فوق أحزان أحبّائي الحيارى
وهُزمْنا، وافترقنا، وارتحلنا
ولعينيكِ مسَاء الأسر والأسرى نذرتُ الشِّعرَ
والحزنَ وشاراتِ الشَّهَامَةْ
يوم فارقتك كان الشعر والحب السَلامَهْ
والذي كان ولا أدري لِمَهْ
أنني أسلمتُ أمري وتعرَّفتُ على طَعْم الندامهْ
كان قلبي نازفاً تهمي على الدرب دماؤهْ
كان قلبي لم يَزَل في غابة الزيتون يشويه رَجاؤهْ
وتذكّرت سَراباً قد لحقناهُ ولم نخشَ الملامَهْ
لاح في آفاقنا ذات صباح وتوارى
فانتشينا وتبعناهُ سكارى
قبل أن تفضحَنا الشمسُ ونبكي الذُّلَّ في وجه النَّعامَهْ
راحت الفرصَةُ والقلبُ الذي كنّا تمنّينا اصطحابهْ
عادَ لكنْ بَعْدَ أنْ أُرْهق في ليل السآمهْ
وَفُجعنا وبكينا
لم يكن في العين خفقُ القلب أو خوفُ النعامهْ
كان فيها ذلك الشيء الذي نخفيه حينا
ثم لا يَنفَكُّ يبدو
حينما نغفو ويدعونا إلى ليل الكآبهْ
يا أحبّائي وأهلي
ارفعوا أصواتكم دونَ مهابهْ
لم تزل تربتها السَّمراءُ أشواقاً صليبهْ
وأنا أحلم بالوصل ودون الدار يا ليلى الحبيبهّ
يسقط الكفُّ، وجُرحُ الكفِّ، والقلب الطعينْ
لم يَزَل يَنزف ناراً في خيام النازحينْ
وعلى جفنيك عَلّقتُ مصيري
وعلى الزيتون والليمون علّقتُ أناشيدي وشعري
وابتهالاتِ صغاري
ويضيع الحُلْمُ
عدتُ يا جرحي جريحاً مَرَّة أخرى وما في جعبتي غير
جراحي
عُدتُ يا للخيبة الخرسَاءِ أبكي فارسَ الثأر المسجّى
وعلى وجهك أبصرتُ سياطَ الذلّ والغزو••• فشدّي
احملينا واصبري للغزو والسوطِ وَعَدّي
سَمِعَ المعتصمُ الصَّوتَ فما بَرَّ
ومَا أوفى بوَعْدِ

رحمك الله يا أبا جمال ولا أدري هل أبكيك أم أبكي وطنا ضاع وآخر يهمل شعراءه وأدباءه ويتركهم عرضة للضائقة المالية ولتسلط الدائنين.



#نضال_الصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البحث عن الذات
- قصتي مع جابر بن حيان
- كيف تتكون الهالة حول الجسم وما علاقتها بصحته
- اليهود الخزر
- وحدة المخابرات العربية
- المرأة والجنس في الديانة اليهودية
- المتقاعد
- الإسلام والمسيحية، صراع عقائد أم مصالح؟
- رقة الغزل وعفة السلوك
- ذئاب بلحية ومسبحة
- جنَ الفلم فاحترقا
- دفاعا عن الحائط
- هل ماتت الإشتراكية وإلى الأبد؟
- طوشة الموارس
- الجدل العقيم: ديني أفضل أم دينك؟
- رسائل وردود
- رسالة إلى المقاتلين بإسم الله
- قارئة الفنجان
- الجنس بين العيب والحرام والإحتكار الذكوري
- ضائعة بين عالمين


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال الصالح - عبدالرحيم عمر: الشاعر، الصديق والإنسان