أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - إنتقام إمرأة...!!















المزيد.....

إنتقام إمرأة...!!


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 2980 - 2010 / 4 / 19 - 22:57
المحور: الادب والفن
    



كانت على فراش الموت ، أعطوها شهرا واحدا كأقصى حد .. فهمت ذلك رغم أن لا أحد يريد أن يعترف أمامها ، بما صار معروفا لديها من الهمس حولها. ما كان يقلقها حقا أن زوجها صار مرتبطا منذ أقعدها المرض قبل نصف سنة ، بفتاة شقراء بجيل ابنه. لم ينتظر وفاتها.. ليدعها على الأقل تودع عالمها بشعور مريح ، بلا هواجس تأكل قلبها .
الشعور أنها أصبحت شيئا ينتظرون موته ، شيئا زائدا يثقل على الجميع ،صعب عليها.. حتى الشهر المحدد لها صار ثقيلا على الذين حضنتهم وأعطتهم قلبها وجهدها وراحتها بلا حساب .
تقضي معظم يومها مع مساعدة تقوم على خدمتها ، استأجرها زوجها ليريح نفسه أولا.. كثيرا ما بحثت عن دمعة تريحها فلم تجدها. لم تكن تعرف هل تبكي ذاتها أم تبكي خراب عالمها قبل موتها؟
كانت تعلم أن زوجها ليس لوحده في الطبقة الأولى .. ولكن من أين لها القوة لتتحرك وتكشف ما يجري تحت أنفها ؟ ومساعدتها ترفض أن تقول ما يدور في البيت .. دائما تتهرب من الإجابة .. لا تغضب عليها .. هذه وظيفتها.
عندما كان زوجها يحضر شقراءه ، كانت تلتزم مساعدتها الطبقة الثانية بحجة التنظيف أو الاستراحة .. كانت تشعر بحسها أولا ، وبتطور قدرة سمعها ثانيا ، بكل حركة تجري في الطابق الأرضي ، كانت تسمع الضحكات المخنوقة ، حسها لا يخطئ. ما كانت تطلبه أن يرحم زوجها أيامها الأخيرة ، أو ربما ساعاتها الأخيرة.. ولكنها تشعر بالغضب من وقاحة تلك الشقراء التي وجدت بشخص زوجها ، أبا وعشيقا في نفس الوقت..
كان قليلا ما يدخل غرفتها .. وإذا دخل فبابتسامة مصطنعة ليسألها عن صحتها:
- " إن شاء الله تتحسني "
وكأنه يقول لها :
- " خلصينا ، موتك رحمة لك ولنا" .

أحيانا تفكر بعقابه .. ولكنها لا تعرف كيف تعاقبه دون أن تلحق الضرر بابنهما الوحيد . صارحت ابنها بما يعتلج في صدرها ، حقا تشعر بأنه يحبها ويبكي مصيرها ، ولكنه بما يخص والده له موقف آخر :
- " هل تريدينه أن يتمدد مريضا إلى جانبك ؟"
شرحت له ما وصلها من صديقاتها وما تلمسه وتحسه وتسمعه داخل بيتها :
- " ألا حرمة لبيتي وأنا صاحبته الشرعية حتى اليوم ؟ ليفعل ما يريد خارج منزلي . عندما اموت ليفعل ما يشاء !"
فرد بشكل منعها من فتح الحديث معه مرة أخرى:
- " أمي ماذا جرى لك ، على ماذا أنت قلقة ؟ .. هل تريدين أن تجري أبي معك .. "
ولم يكمل الجملة ، كانت تعرف انه يعني :
- " إلى القبر " .
تغابت وقالت له :
- " لينتظرني حتى أموت على الأقل ، وليفعل ذلك بعيدا عني ودون علمي ، هل كوني مريضة في ايامها الأخيرة يجعلني لا شيء في بيتي ولدى زوجي ؟"
وكم تمنت دمعة .. لكن دموعها قد جفت منذ عرفت ما ينتظرها.
قبلها ابنها على جبينها وشعرت بدمعة حارة تسقط على جبينها.. وسارع يخفي دموعه ويخرج مسرعا.. تاركا لها عذاباتها وانتظار النهاية التي بدات تشعر ببطء حركتها .. صارت تتمنى ان ينتهي عذابها بسرعة..
كم تتمنى أن ترى حفيدها الأول، ولكن لا يبدو ان الزمن سيمنحها هذه السعادة. قبل أسبوعين سألت ابنها :
- " أين وصلت زوجتك ؟"
فأجاب :
- " إنها في السابع.. "
كم تتمنى الموت ، وكم تتمنى أن ترى حفيدها قبل موتها.. ربما الألم الوحيد الذي يعذبها من موتها ، حرمانها من رؤية حفيدها وملاعبته . أما زوجها فلم يكن الأمر يعنيه وكأنه جاء من كوكب آخر.. لا يحدثها بأي موضوع ، وحين سألته عن تجهيزات الحفيد ، التي كانت تتمنى أن تقوم بها ، تبين أن الأمر لا يعنيه كثيرا :
- " أمه ستجهز له ما يريد ، أعطيتها شيكا مفتوحا "
كل ما يعنيه عشيقته الشقراء التي أعادته مراهقا بجيل الكهولة. لو كان الأمر معكوسا هل كانت تتصرف مثله ، أم تقبر نفسها إلى جانبه ، تقوم على خدمته وحضانته حتى يتمنى أن يطول به المرض رغم ما فيه من آلام رهيبة..؟
لماذا ما يطلب من المرأة لا يطلب من الرجل؟
وماذا تفيدها هذه الأفكار في حالتها الميؤوس منها ؟
ستمحى ذكراها من هذا المنزل.. سينسون أنها كانت أما وزوجة مخلصة وخدامة وجارية وخليلة ... ستصبح مجرد ذكرى لا يتذكرون إلا أيامها الأخيرة المليئة بالعذاب لها ولأهل البيت . سيقولون :
- " ربنا أراحها واراحنا "
وهي لم تكن تحلم براحة من هذا النوع . على الأقل كانت تريد موتا دون أن تعذبها مشاعر الغيرة.. أو الشعور أنها أصبحت عالة ينتظرون موتها وإقفال صفحة متعبة من حياتهم.. وكأنهم قد تخلصوا من آفة بيئية.
أسعدهم ستكون الشقراء.. سيخلو لها الميدان .. ستقلب كل أغراضها وتأخذ ما يعجبها وتلقى بقية أغراضها للقمامة.
ما كان يسري عنها قليلا حديثها التلفوني مع صديقاتها ، اللواتي حافظن على مودة وعلاقة ، ولكن زياراتهن باتت قليلة في الفترة الأخيرة ربما بسبب ما يدور في البيت ..
كانت لها صورة تحبها كثيرا ، هي وابنها عندما كان في العاشرة من عمره ، وقد عملت منها نسخة مكبرة علقتها أمام السرير منذ تلك الأيام ، كانت تبدو امرأة مكتملة الجمال ، صدرها عريض واسع ، ورقبتها ممتدة ، وقوامها جميل متناسق يشع حيوية وأنوثة.
هل ستكون الشقراء بمثل جمالها ؟
آه ما أصعب الأفكار عندما تتخيل زوجها ، الذي تزوجته بعد قصة حب ،تملأها حتى اليوم بالمشاعر الجميلة .. مع شقرائه ، التي وصلها أنها كانت من المتسابقات على لقب ملكة جمال .. كيف وصلها؟ وماذا وجدت به غير أمواله وقدرته على الصرف بلا حساب؟
وفجأة خطرت لها فكرة جهنمية.
اتصلت بأحدى صديقاتها ..
- ايفلين .. آمل أني لا أزعجك يا روحي ..
- إطلاقا .. لا تفكري أبدا انك تزعجيني .. آسفة لم أزرك في الأسبوع الأخير .. ولكني سأزورك بالتأكيد غدا .. أنت دائما على بالنا .. أرجو أن تكوني بخير..
- شكرا يا ايفلين .. أنا متعبة جدا.. ولكن لي طلبا صغير ا..
- تأمري يا روحي..
- لي صورة .. الصورة التي أمام سريري .. مع ابني .. تذكرينها ؟ ... أريد من صديق ابنك الرسام الذي رسم صورة لك ، أن يرسم لي الصورة إياها ،سابقيها هدية لزوجي ... وسأدفع له ما يطلبه .
- اتكلي علي .. سأرتب لك الموضوع ..
في اليوم التالي حضر الرسام مع ايفلين . نظر إلى الصورة وقال:
- سأرسمها لك .. مسألة يومين ..
- ولكن لي طلب يا عزيزي..
- تفضلي...
- أريدك أن تضيف للصورة عقدا من اللؤلؤ والألماس يغطي كل صدري ، أترك هذا لخيالك البارع .. وكذلك أقراط من الألماس .. واسوارتي ذهب ضخمتين مع الأحجار الكريمة ... ضع في كل يد واحدة .. ولا بأس من إضافة دبوس يأخذ العقل على الفستان في الصدر .. تفنن به ..
- هذا سهل .. سأجعل الجواهر تبدو حقيقية يمكن لمسها باليد..
- رائع ... رائع . خذ دفعة على الحساب
أخذ مبلغا لم يحلم به .. انزل الصورة ، لفها بشرشف أبيض ، وخرج مسرعا بينما ايفلين تحملق بصديقتها غير قادرة على فهم ما يجري حولها .بعد أن خرج الرسام استجمعت ايفلين نفسها وسألت:
- ماذا تفعلين يا صديقتي؟ منذ متى تحبين الجواهر ؟
- اسمعي يا ايفلين ، أنت أقرب الناس إلي بعد ابني، سأصارحك .. اقسمي أن يبقى ما تسمعيه سرا بيننا ؟
- أقسم ..
- زوجي كما يعلم الجميع ، وأنت أيضا ، رغم انك ترفضين الاعتراف أمامي بما تعرفينه ، يخونني مع شقراء بعمر ابنه .. سحرها بأمواله .. أنا سأودع هذا العالم المجنون .. ما هي إلا أسابيع أو أيام .. ولكن تخيلي ، عندما تكتشف الشقراء الصورة ،.وترى الجواهر التي تأخذ العقل.. ستبدأ بالبحث عنها ... أريدها أن تتعذب..
- ولكن لا جواهر لديك ...
هذا هو الأمر .. انه انتقام صغير ليس الا .. وليسامحني الله ... لن تصدق زوجي إنها مجرد صورة واني لم أكن ، رغم أمواله ، أعشق الذهب والجواهر . ستبحث عن جواهري التي في الصورة.. حتى لو ظهر لها كل الأنبياء وأبلغوها بأن الجواهر غير موجودة ، لن تقتنع أني لم أكن أملك الجواهر التي سيلبسني إياها الرسام ...

نبيل عودة – كاتب وناقد وإعلامي – الناصرة
[email protected]



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس عضوا في النادي
- نجح الدفاع .. وفشل المتهم !!
- خواطر حول تجربتي مع القصة القصيرة
- أنت صادق أيضا ..!!
- اضمحلال الثقافة من مجتمعنا العربي - اضمحلال للمجتمع المدني ! ...
- كيف يمثل اسرائيل من يعامل كارهابي ؟
- ملاحظات ثقافية حول القصة القصيرة جدا
- قصة- نهاية الزمن العاقر- لنبيل عودة كمخاض الوطن الفلسطيني ال ...
- عشية 8 آذار يوم المرأة العالمي – ماذا تغير من واقع المرأة ال ...
- الندوات السرية والأسماء التي لا بديل لها
- الذي لا يفهم بالكلام يفهم بالحجر :الانتفاضة... كثورة إنسانية ...
- أضف الى رجائك ورقة ياناصيب
- قراءة في قصة الحاجز...لنبيل عودة
- القدود الحلبية تصدح في سماء الناصرة
- مفارقات ثقافية في الثقافة العربية داخل اسرائيل ..!!
- - على هامش التجديد والتقليد في اللغة العربية المعاصرة -.
- رسالة شخصية الى رامز جرايسي وعبره الى كل رؤساء السلطات المحل ...
- نبيل عودة يروي قصص الديوك
- أذواق سيئة وأذواق جيدة
- الكتورة وفاء سلطان تحاور الكاتب نبيل عودة


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - إنتقام إمرأة...!!