أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جاسم الحلوائي - حدث هذا قبل أكثر من نصف قرن















المزيد.....

حدث هذا قبل أكثر من نصف قرن


جاسم الحلوائي

الحوار المتمدن-العدد: 2980 - 2010 / 4 / 19 - 19:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الكلمة التي ألقيت نيابة عني في الحفل الذي أقيم تكريماً للدكتور كاظم حبيب، بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لميلاده، في برلين يوم 17 نيسان 2010.
الحضور الكريم!
أحييكم بحرارة وأحيي صديقي ورفيقي العزيز الدكتور كاظم حبيب، الكاتب والمفكر التنويري اللامع، بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لميلاده.
إن صداقتنا تمتد لأكثر من نصف قرن وتغطي تحديداً خمسة وخمسون عاماً تخللتها الكثير من اللقاءات والنشاطات الحزبية والسياسية والعائلية المشتركة، كما تخللتها فترات غير قليلة من الفراق ولسنوات عديدة بحكم اختلاف المهام.
وعلى الرغم من أننا كنا على اتفاق فكري وسياسي في أغلب الأحيان إلا أننا كنا ولا زلنا نختلف في هذه القضية أو تلك. ولكن مع ذلك ومع المحاولات المقصودة أو غير المقصودة للإيقاع بيننا، إلا أن صداقتنا بقيت راسخة. إنني سأتوقف عند ذكرى حادث عشناه سوية في مقتبل شبابنا وبداية صداقتنا لألقي الضوء على سبب مهم لرسوخ هذه الصداقة والعبرة التي تنطوي عليها.
***
في سياق حملة نوري السعيد المعادية للقوى الوطنية بُلغنا، في بداية 1955، الرفيق كاظم حبيب وأنا، وكان كاظم آنذاك في السنة النهائية من الإعدادية، من قبل محكمة جزاء كربلاء بموعد محاكمتنا بتهمة التشرد!!. أقنعت مسؤولي الحزبي الرفيق حزام عيّال بأن نهتف في المحكمة احتجاجا على محاكمتنا، لاسيما وأن المحاكمة تجري بتهمة مضحكة وبدون سند قانوني. وبعد مناقشة المقترح اتفقنا أن نحتج في حالة صدور حكم علينا من ستة أشهر فما فوق، وفي حالة حضور ما لا يقل عن أربعين شخصا في جلسة المحاكمةً. وقد طلب مني حزام عيّال أن أبلغ كاظم بذلك، إذ ليس لديه موعد معه قبل المحاكمة لكي يبلغه بنفسه.
في يوم المحاكمة حضر حوالي 40 شخصاً، فاتفقنا، كاظم وأنا، بان أحد الشروط بات متحققا. حكمت علينا المحكمة بالسجن لمدة ستة أشهر مع وقف التنفيذ، على أن يطلق سراحنا بكفالة شخصية قدرها 100 دينار. وبسبب ثقل سمعي، ولرغبتي في تحدي طغيان الحكومة وتعسفها، لم يصل إلى سمعي سوى "ستة أشهر سجن" فهتفت: "تسقط المحاكم الصّوريةً، يسقط الحلف التركي ـ الباكستاني". فالتفت كاظم نحوي مندهشا، مدركاً الالتباس الذي حصل، حاسماً موقفه بالتضامن معي رافعاً صوته هو الآخر بالهتاف. أحاطنا رجال الأمن وأغلقوا فمي وأخذوا يضربونني في بطني وخاصرتي بطريقة لا يرصدها الحاضرون. قادونا إلى غرفة التحقيقات وانهالوا عليًّ ضرباً وركلاً وشتماً. وكان كاظم واقفاً محمّر الوجه ينظر إليهم بغضب.
أخذونا إلى الموقف في غرفة لوحدنا. وقد انتاب كاظم الحزن لأنهم ضربوني ولم يضربوه! فما كان مني إلا أن أواسيه بالقول: "لا تبتئس سيأتي يومك". وصدَق قولي فقد تعرض كاظم، لاحقاً، لأكثر من مرة لتعذيب قاس في حياته. تعرض كاظم، وهو في التوقيف إلى ضغوط كبيرة كي يتخلى عن الطريق الذي اختاره بإعطائه (البراءة). ووعدته عائلته بإرساله إلى أمريكا ليلتحق بأخيه الأكبر، الذي كان يدرس هناك، ولكنه رفض ذلك بشكل حاسم.
في التوقيف استغنيت، بطلب من كاظم، عن الأكل الذي كان يُرسل من بيتنا، لأن ما كان يرسل له يكفينا ويزيد. وما كان يرسل لي كان بسيطاً. ولأول مرة، كنت أتناول طعاماً بتلك الجودة واللًذة. كنت أكل وأهجو البرجوازية، لأغيظ كاظم، متمازحاً.

قرروا تنفيذ الحكم (ستة أشهر) بحقنا. وتقرر تسفيرنا إلى سجن الحلة باعتباره سجناً لمنطقة الفرات الأوسط. عند تسفيرنا إلى سجن الحلة، خرج جمع من الطلبة مع بعض الأهالي ليلقوا علينا نظرة وداع في محطة القطار، وكانت جدتي معهم تقّوي معنوياتي وقد عبرت عن ذلك بقولها وعلى رؤوس الأشهاد (بالعربان ولا بالتربان) غبطني كاظم على ذلك، لعدم وجود من يتعاطف مع اتجاهه السياسي في عائلته.
في سجن الحلة أدخلونا المحجر. وكانت هناك مجموعة من السجناء الشباب من النجف. قضينا شهراً وبضعة أيام، ورُحلنا عائدين إلى كربلاء. عند وصولنا علمنا بأنهم ينوون إرسالنا إلى معسكر الشعيبة، وقد فتح هذا المعسكر لحجز الطلبة السياسيين المفصولين، تحت عنوان أداء الخدمة العسكرية. وبناء على هذه المعلومة، أرسلت رسالة إلى والدي بان يجلب لي دفتر الخدمة العسكرية وينتظرني في باب مديرية التجنيد صباح اليوم التالي. وهكذا أخذت الدفتر عند دخولي المديرية.
ألقى علينا أحد الضباط محاضرة، وأنهاها بأن خيّرنا، بين إعطاء (البراءة) ومن ثم يمكننا العودة إلى المدرسة، أو إلحاقنا بالجيش لأداء الخدمة العسكرية. وقد فوجئ عندما عرف بأنني لست طالباً وبأنني مسّرح من الجيش لانهائي الخدمة العسكرية. أخذ الضابط دفتري وأخبرني بأني سأستلمه من الشرطة. بعد عودتنا إلى مركز الشرطة، بُلًغ كاظم بأنه سيسفر إلى الشعيبة، وبُلغت أنا بتدبير كفيل لإطلاق سراحي بكفالة. وفي الحال تكفلني والدي وأطلق سراحي، بعد أن أعادوا لي دفتر الخدمة. ودّعت كاظم وكان فرحاً لإطلاق سراحي وكانت معنوياته عالية.علق الحاج حبيب (والد كاظم) على إطلاق سراحي بالقول: "آني أصرف فلوس والنتيجة يطلع ابن الحلوائي وابني يبقى بالسجن". لقد عرفنا بعدئذٍ بان والد كاظم قد أعطى رشاوى لإنقاذ ابنه ولكن الطبيعة القانونية للدعوة (مشتركة) استدعت شمولي بالنتائج الإيجابية. علما بان والد كاظم كان غنياً فهو مالك لمصانع ثلج ومطاحن.
بعد بضعة أسابيع قُدمنا إلى المحكمة بتهمتين هما الإخلال بالأمن العام وإهانة المحكمة. فحكمت بموجب الأولى ثلاثة أشهر والثانية شهراً واحداً على أن تنفذ بالتعاقب، وحكم على كاظم لمدة شهر واحد على القضية الثانية فقط. وبما أنه سبق وأن قضى أكثر من شهر في السجن فقد أعيد إلى الشعيبة، وهكذا لم تذهب فلوس الحاج حبيب هباءً. أما أنا فقد تم تسفيري إلى سجن الحلة.
هذا الحدث وما ينطوي عليه من تداعيات تذكرنا بالثقة والإخلاص والتسامح المتبادل، وتؤكد على العلاقة الرفاقية التي لا تشوبها أية شائبة، والتي ظلت جذوراً حية تغذي شجرة صداقتنا. التي امتدت أكثر من نصف قرن، وإنني على ثقة بأنها سوف تستمر لتمسك كلانا بالقيم النبيلة لتلك الجذور.
العمر المديد لأبي سامر ومزيداً من العطاء لخدمة شعبنا ووطننا الحبيب. مع أجمل الأمنيات لأم سامر وسامر وياسمين.



#جاسم_الحلوائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرهابيون يحاولون خلط الأوراق ومصادرة انتصار الشعب
- تذكّر 363 فالأمر لا يحتمل النسيان!
- انقلاب 8 شباط المشؤوم عام 1963 ومشروع قانون مؤسسة السجناء ال ...
- أحداث كركوك في تموز 1959
- احترام رأي المخالفين نص في النظام الداخلي مصدر عافية ونجاح ل ...
- كل صوت أينما كان مهم لقائمة اتحاد الشعب
- على هامش الانتخابات البرلمانية القادمة في العراق
- مؤتمر الديمقراطية والتجديد (1993) منعطف مصيري في تاريخ الحزب ...
- مجرد أسئلة!
- هل من بديل أفضل من الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية الر ...
- لا تتركوا المالكي وحده!
- ترسيخ الديمقراطية في العراق الضمان الأكيد لتحقيق طموحات الشع ...
- تعقيب على مقال الأستاذ عبد الخالق حسين -هل كانت ثورة 14 تموز ...
- بمناسبة اليوبيل الذهبي لثورة 14 تموز عام 1958
- قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...


المزيد.....




- البحرية الأمريكية تعلن قيمة تكاليف إحباط هجمات الحوثيين على ...
- الفلبين تُغلق الباب أمام المزيد من القواعد العسكرية الأمريك ...
- لأنهم لم يساعدوه كما ساعدوا إسرائيل.. زيلينسكي غاضب من حلفائ ...
- بالصور: كيف أدت الفيضانات في عُمان إلى مقتل 18 شخصا والتسبب ...
- بلينكن: التصعيد مع إيران ليس في مصلحة الولايات المتحدة أو إس ...
- استطلاع للرأي: 74% من الإسرائيليين يعارضون الهجوم على إيران ...
- -بعهد الأخ محمد بن سلمان المحترم-..الصدر يشيد بسياسات السعود ...
- هل يفجر التهديد الإسرائيلي بالرد على الهجوم الإيراني حربا شا ...
- انطلاق القمة العالمية لطاقة المستقبل
- الشرق الأوسط بعد الهجوم الإيراني: قواعد اشتباك جديدة


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جاسم الحلوائي - حدث هذا قبل أكثر من نصف قرن