أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبد الحسين شعبان - كاظم حبيب: النقد الشجاع والاختلاف الجميل*















المزيد.....

كاظم حبيب: النقد الشجاع والاختلاف الجميل*


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2978 - 2010 / 4 / 17 - 11:00
المحور: سيرة ذاتية
    


كاظم حبيب: النقد الشجاع والاختلاف الجميل*

عبد الحسين شعبان

لم أكن أتصور أن الصديق كاظم حبيب (أبو سامر) قد بلغ الخامسة والسبعين من عمره الى أن وصلتني رسالة من لجنة التكريم تطلب مني المساهمة في الكتابة عنه، ولعل تلك المبادرة نبهتني الى أننا نكبر دون أن نشعر بذلك، الى أن يأتينا من يحسسنا بتلك الحقيقة. وهذه المرّة كان الشعور بتقدم السن أمراً مفرحاً وليس محزناً، فالمحتفى به ما زال " شاباً" بمعايير العمل والنشاط والتفكير، وما زال مُنتجاً، بل انه في سنواته الأخيرة ازداد حيوية، لدرجة أنه أصبح يكتب كل يوم تقريباً.
وقد يعود ذلك الى شعوره بأن فرصته في العطاء ما تزال خصبة، ولأن الجيل الجديد يحتاج الى خبرته وتجربته، وما رسى عنده وما تركه يفلت من بين أصابعه لا بدّ أن يضعه في متناول الجميع. ولعلي وأنا أتابع نشاط د.كاظم حبيب، استذكرت نشاطه الاول يوم أشرف على تنظيمات الطلبة في أواخر الستينات من القرن الماضي، حيث كان في الظهيرة الساخنة من صيف بغداد يجوب شوارع وأزقة بغداد وهو الاستاذ الجامعي آنذاك، وكانت مساهماته الأولى، لاسيما كتابه مع الدكتور مكرم الطالباني بخصوص قانون الاصلاح الزراعي لعام 1969 هي الأبرز.


ــــــــــــــــــ
* كلمة أرسلت الى الحفل التكريمي الذي يقيمه أصدقاء ومحبو الاقتصادي والكاتب البروفسور كاظم حبيب الذي سينظم في برلين يوم 17/4/2010 .

كاظم حبيب مثل غيره من القياديين الشيوعيين كان مندفعاً بإخلاص لتأسيس الجبهة الوطنية مع حزب البعث العام 1973، وكان شديد الحماسة لها، ولذلك أصيب بإحباط وخيبة أمل شديدة، عندما انهارت الجبهة فاندفع بالاتجاه الآخر، ولعله كان أحد ضحاياها الأوائل يوم اعتقل وعذّب في العام 1978، واضطر الى مغادرة العراق متوجهاً الى الجزائر للتدريس في جامعاتها، ومنها الى كردستان للمشاركة في الكفاح المسلح وحركة الأنصار، التي راهن عليها كثيراً .
ويبدو لي أن الوسط الشيوعي والماركسي واليساري بشكل عام، لاسيما المعتدل منه كان اول ضحايا النظام الحاكم في بغداد، مثلما كان الوسط البعثي، الميّال الى التعاون الوطني أكثر ضحايا حزب البعث نفسه، فقد ساهم صعود نجم صدام حسين في ضرب الاتجاهات المعتدلة في الحزبين، الأمر الذي سهّل مهمة بعض المغامرين في وضع الامور باتجاه القطيعة، وبخاصة حين تورط النظام بشن الحرب على إيران في العام 1980 وفيما بعد إثر غزو الكويت العام 1990، مُنزلاً بالبلاد كارثة وطنية كبيرة، وبخاصة عند تصفية جميع الهوامش وإغلاق جميع النوافذ التي قد يصل منها أو يتسرب صوت آخر غير الصوت المهيمن، حيث سارت البلاد باتجاه تعسفي شمولي لا نظير له، وتمركز حكم أقلي ضيق، أُخضع فيه حتى حزب البعث نفسه لأجهزة المخابرات، التي تسلّطت على الدولة والمجتمع وجميع مرافق الحياة، وتحوّل حكم الحزب الى حكم الطغمة ومن هذه الى حكم جهوي، عائلي، حيث تربع شخص واحد فوق الجميع، وأمسك بيده جميع المسؤوليات والصلاحيات، حتى وقعت البلاد تحت الاحتلال.
كان كاظم حبيب، لاسيما بعد اندلاع الصراع داخل الحزب الشيوعي في أواسط الثمانينات مندفعاً ومتحمساً ضد الاتجاه الآخر، الذي ساهم بحملات شديدة ضده، بما فيها المقاطعة الاجتماعية واتخاذ إجراءات زجرية وتهديدية ضده، الأمر الذي جعله مهيئاً ليصبح أميناً عاماً للحزب بحكم ما أبداه من اندفاع وشدّة في التصدي للتوجه السائد، وقد فوتح بذلك في ظل توازن القوى الجديد، لكنه فضّل البقاء على عضويته من الاحتفاظ ببطاقة القيادة، خصوصاً وقد شعر بإحباط شديد، لاسيما وأن الصراع داخل القيادة كان قد اتخذ مسارات جديدة ومتباعدة.
وبشجاعة امتاز بها قام كاظم حبيب بنقد نفسه وتجربته، لاسيما بعض مواقفه إزاء بعض رفاقه وأصدقائه، وهي شجاعة وجدت الكثيرين يفتقدون اليها، ومارس ذلك علناً سواءً مع أصدقاء أو أمام محافل وتجمعات في ندوات أو غيرها، وأتذكر ما قاله في حفل تأبين وتقييم أعمال الراحل هادي العلوي في امستردام، الذي ساهمنا به د. حبيب ونصر حامد أبو زيد وكاتب السطور وكان نقده لنفسه مصدر ارتياح لدى أوساط غير قليلة، وسبق لي أن أشدت بهذا الموقف أكثر من مرّة، لاسيما في مطارحات نشرتها مع بعض القياديين الآخرين.
لا يهم إن أخطأ الانسان، فكلنا بشر وكلنا نخطئ، ولكن المهم أن يتنبّه الانسان الى أخطائه ويقوم بتصحيحها، مقدماً نقداً ذاتياً هو الأجدى والأجدر به، خصوصاً إذا كانت أخطاءه غير صميمية، لاسيما إذا توفّرت لديه معلومات جديدة أو معطيات مختلفة، فيمكن للمرء أن يعيد النظر بمواقفه، بل ويخالفها أحياناً ويخطئها، متخذاً موقف المثقف الماركسي، الناقد لنفسه.
إذا كان نقد الماضي مسألة ضرورية، فلعل التفكير في المستقبل هو المسألة الأكثر أهمية، بما فيه من استشراف وآفاق. لا يكفي أن نقول أن فلاناً لم يغيّر آراءه، لا بمعنى الثبات في المنهج أو الصلابة في الرأي، لأن ذلك سيكون ثناءً باطلاً حسب فيكتور هوغو، لأن ذلك يعني أن حياته كانت خالية من التجارب اليومية والتفكير والتعمّق الفكري، لاسيما بتوالي الأحداث.
لعله سيكون مثل الثناء على الماء الراكد أو على شجرة ميتة، لأن الذين لا يغيّرون آراءهم لا يفعلون شيئاً.. إنهم يتحولون الى أصنام لا يتأثرون بالحياة المتحركة، فكل ما حولنا يتغيّر فيكف لنا السكون، والحياة فيها الكثير من المنعرجات والتضاريس، وهي لا تسير بخط مستقيم أو تقبل الجمود والتحجر، انها متواصلة ومتراكبة ومتخالقة.
إذا كنت أخاطب حفلكم الكريم في ألمانيا ومعكم العزيز د. كاظم حبيب، فلنستذكر فريدريك نيتشه الذي كان يقول على المرء أن يغيّر أفكاره مثلما تنزع الحية جلدها. وعلينا حسب شيخ الماركسيين فردريك انجلز، إعادة النظر بستراتيجيتنا عند كل اكتشاف لسلاح حربي، فما بالك والحياة متغيرة ومتفاعلة ومتطورة. السكون والثبات دليل عجز وتقهقر وتراجع .
ورغم كل الادعاءات بالانفتاح وقبول الرأي الآخر والاعتراف بالتعددية، نحن بحاجة الى حوار حقيقي، والحالات التي يفرزها الحوار تتمثل في حالة الامتلاء وحالة التحقق وحالة الدلالة، ومن خلال المعنى الامتلائي، التحققي نصل الى الدلالة، مقابلة أو مقارنة أو مقاربة. الحوار يمثل حالة حضور وهو نقيض الفراغ، وهو استحقاق مترتب من خلال الحوار مع النفس والحوار مع الآخر والحوار بين الفرد والمجموعة وبينه وبين المجتمع، وتكمن وظيفة الحوار في البحث عن الحقيقة، وأحياناً يكون الحوار تعبيراً عن وجهات نظر متعددة الأصوات، داخل الفرد وداخل كل جماعة وفي كل مجتمع.
أظن أن المحتفى به هو من هذا النوع، الذي أخذ يقبل الحوار والنقد رغم أن الثقافة السائدة لا تقبل النقد الذاتي في الكثير من الأحيان، بل إن التبرير والمكابرة وادعاء امتلاك الحقيقة هي العناصر السائدة في غالب الأحوال، وأعتقد أن كاظم حبيب قد يكون تمكّن من تجاوز ذلك أو بعضاً منه، لأنه جمع بين نهجه الاكاديمي وثقافته الحزبية القديمة بما فيها من إيجابيات والتزامه العقائدي، وفي الفترة الأخيرة بين انفتاحه وعلاقاته الجديدة، وكل ذلك وفّر له، لاسيما بعد انتهاء عمله المسلكي – الحزبي والروتيني فسحة من الحرية، للمراجعة والنقد، والشجاعة الادبية التي قد تحرج آخرين.
* * *
تعرفت على الدكتور كاظم حبيب منذ أكثر من أربعة عقود من الزمان، واقتربنا من بعضنا في بعض الفترات، لكنني لم أعمل معه في إطار الحزب، وإنْ كنّا قد سافرنا سويّة لزيارة البوليساريو في العام 1981 والتقينا في كردستان والشام وتعددت لقاءاتنا في ألمانيا والقاهرة ولندن وغيرها، وأستطيع القول أن كاظم حبيب رغم اختلافي معه في السابق والحاضر، في التوجهات والمواقف السياسية والكثير من الجوانب الفكرية، الاّ أنه يمتاز بخلق رفيع وكرم مميز وشجاعة واضحة، وتلكم لعمري صفات انسانية تمثل المشترك القِيَمي لبني البشر، وأضيف الى ذلك انه كان مخلصاً ومنسجماً مع نفسه، حتى وإن اختار طريقاً وقام بمعارضته بنفس الدرجة الى تحمّس له فيها.
قد لا يكون أمر هذه المطالعة مناسباً لاحتفالية يستحقها الدكتور كاظم حبيب، الذي قدّم الكثير وحاول أن يجتهد وكتب وناظر وحاضر وجادل وانقلب واختلف، الاّ أنني أعرف أن صدر أبا سامر أوسع وارحب، لاسيما في السنوات الأخيرة، حيث قدّم هو مثل هذه المقاربات، ولكي يكون الحديث جديًّا أكثر ويتسم بالنزاهة والموضوعية، فربما تلك المواصفات التي أذكرها لا تنطبق عليه وحده، فجيلنا القلق المضطرب عاش الكثير من المتناقضات وهو ما ينطبق على الكثيرين، ولا أستثني نفسي من ذلك بهذا الشكل أو ذاك، زيادة أو نقصاناً، لكنني من موقع الصديق والناقد أقول أن الاختلاف لا يفسد في الود قضية، لاسيما إذا كان الاخلاص هو ديدن المختلفين.
العمر المديد لأبا سامر الورد، وتمنياتي له بالمزيد من العطاء والحيوية والصحة، ولأحلامنا المشتركة فضاء أكثر رحابة، وعلاقات ذات بُعد انساني، وإذا كان كل ما يحيط بنا مدعاة للتشاؤم فلعل الأمل وحده هو الذي يلهمنا هذه القدرة العجيبة على المواصلة. التشاؤم لا يعني اليأس، لكن ادراك ما نحن فيه أمرٌ لا غنى عنه لنقد تجاربنا وممارستنا ليس إزاء الماضي حسب، بل إزاء الحاضر بكل مأساته وانسداد آفاقه، ذلك أن نقد أفكارنا، لاسيما تلك التي طوّح بها الزمن وتجاوزتها الحياة، مسألة حيوية للوضعية النقدية الجدلية للتجديد والتغيير على صعيد الحاضر والمستقبل .
المهم هو الصدق مع النفس والتمسك بالحوار وصولاً للحقيقة.
ولنحترم اختلافنا الجميل،
وكاظم حبيب أحد الصادقين في محاولة نقد أنفسهم، سواءً أخطأ أم أصاب.
العمر المديد للشاب كاظم حبيب
وتحية لاحتفالكم ومبادرتكم القيمة.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العالم الثالث وسلة المهملات
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (24) ملكوت السماء وملكوت الأرض
- فضاء الثقافة القانونية وحكم القانون
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (23) الاشتراكية والإيمان الديني
- الشراكة والتنمية
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (22) كاسترو والدين
- موسم القمة العربية والخيار العسير
- كوبا.. رؤية ما بعد الخمسين (21) «الشبح» والأسطورة: هل اختلط ...
- ليس لأي تيار شمولي مستقبل في العراق؟
- الموساد والجريمة والعقاب
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (20) القبعات الخضر والصيد الثمين!
- الصوت والصدى
- المعرفة من أجل الحق
- ثقافة حقوق الإنسان في ندوة تخصصية في لاهاي/هولندا
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (19) نزيف بصمت!
- أين سترسو سفينة الانتخابات العراقية؟!
- “إسرائيل” والإفلات من العقاب
- كوبا.. رؤية ما بعد الخمسين (18) كاسترو- أبوعمار- حبش: رومانس ...
- البحث العلمي ووليمة التفكير
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (17) همنغواي والجواهري: الشيخان وا ...


المزيد.....




- جريمة غامضة والشرطة تبحث عن الجناة.. العثور على سيارة محترقة ...
- صواريخ إيران تتحدى.. قوة جيش إسرائيل تهتز
- الدنمارك تعلن إغلاق سفارتها في العراق
- وكالة الطاقة الذرية تعرب عن قلقها من احتمال استهداف إسرائيل ...
- معلومات سرية وحساسة.. مواقع إسرائيلية رسمية تتعرض للقرصنة
- الفيضانات في تنزانيا تخلف 58 قتيلا وسط تحذيرات من استمرار هط ...
- بطائرة مسيرة.. الجيش الإسرائيلي يزعم اغتيال قيادي في حزب ال ...
- هجمات جديدة متبادلة بين إسرائيل وحزب الله ومقتل قيادي في الح ...
- مؤتمر باريس .. بصيص أمل في دوامة الأزمة السودانية؟
- إعلام: السعودية والإمارات رفضتا فتح مجالهما الجوي للطيران ال ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبد الحسين شعبان - كاظم حبيب: النقد الشجاع والاختلاف الجميل*