أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فيصل البيطار - اللهو والطرب في حياة العرب (2) .















المزيد.....

اللهو والطرب في حياة العرب (2) .


فيصل البيطار

الحوار المتمدن-العدد: 2975 - 2010 / 4 / 14 - 21:18
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الخمر والغناء في مكة ومحيطها قبل الإسلام
==========================

عرف أهل مكة الغناء على نطاق ضيق بآلات عزف محدوده، وقد انحصر في مجالس لهوهم بالجواري الروميات والفارسيات والمصريات وحتى اللواتي جئن من تركستان وكابل أو بعض العربيات من المسبيات، هؤلاء نقلن معهن شيئ من غناء شعوبهم وكن يغنين غالبا بلغاتهن الأصليه، ولم يكن هناك ما يمنع من أن يغنين بلهجة قريش في بعض الأحيان، إشتهر منهن الجرادتان وهما الجراده ورباب اللواتي كن ملكا لعبدالله بن جدعان أحد سادات مكة .

عملت الجواري في الحانات التي كانت منتشره في مكة والطائف ويثرب، كن يقمن بتقديم المشروبات والرقص والغناء إطرابا للزبائن وفي تأمين اللهو لهم وهن يلبسن الثياب ذات الجيوب الواسعه الكاشفه لمحاسن أجسادهن، ويسمحن للشاربين بملامسة ومداعبة ما ظهر وما خفي من تلك الأجساد . الغناء والرقص إرتبط دائما بشرب الخمر فكانت مجالسهم كامله دون نقصان، بعض الشعراء وبقصد رواج قصائدهم كانوا يدفعون بها إلى " الملحنين " ثم إلى المغنيات ليغنين بها في مجالس اللهو والمناسبات التجاريه والدينيه والأعراس، ومن شعراء قريش من هجا محمد ودفع بقصائده الى الجواري المغنيات يتغنين بها في الحانات والمجالس، محمد عند غزوه مكة وإحتلالها، أمر بقتل ثلاث جوار كن يتغنين بشعر يهجوه، ساره جارية عمرو بن هاشم بن عبد المطلب وفريني وقريبه جاريتا عبدالله بن هلال، وقيل أن اللواتي قتلن هما الأخيرتين وفي روايه أن المقتوله كانت فريني وحدها ونجت الأخرتان، وقد ورد في الأثر أن محمد أحيى زواجه من خديجه بالموسيقى والغناء وأنه ورهطه قد سقوا والد خديجه الخمر وأسكروه لينتزعوا منه موافقته على هذا الزواج الذي كان رافض له في صحوه . الشاعر الأعشى ميمون بن قيس كان يغني شعره بنفسه ومن هنا جاء لقبه صناجة العرب، ومن شعراء العرب ممن تغنوا بشعرهم، علقمه بن عبده وعدي بن ربيعه الملقب بالمهلهل، الرجال كان لهم دور في الغناء والعزف أيضا فكان عفان والد الخليفه الثالث من الضاربين بالدف والنضر بن حارث بن كلده كان ممن يعزفون العود وقالوا أنه تعلمه ومعه الغناء في الحيره ثم قام بنقله وتعليمه لبعض جوار أهل مكه .

النساء من الأحرار كان لهن حظ من هذا اللون أيضا، الشاعره الخنساء كانت تغني مراثيها في إخوتها على وقع الموسيقى، وهند بنت عتبه كانت ممن يغنين، غنت ونساء أخريات في معركة أحد بمصاحبة الدفوف ما يبعث الحماسه في نفوس رجال معسكرها :
إن تقبلوا نعانق * ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق* فراق غير وامق
وتغنت :
ويها عبد الدار* ويها حماة الأدبار* ضربا بكل بتار
الغناء في مجالس مكة اللاهيه كان مختص بالجواري وكان مصحوب بالرقص وشرب أنواع الخمور المستورده والمصنعه، وقد شملت مجالسهم الحانات والبيوت وحتى في مضارب الخيام كما هو الحال في مضارب طائفة النَوَر ( الكاوليه ) حتى وقت قريب .

عرف أهل مكه الخمر والنبيذ تجارة وصناعة وتعاطيا على نطاق واسع، وبسبب من عشقهم لها، كانت أهم ما تُحمل لهم من اليمن والشام والطائف ويثرب، تلك المناطق عُرفت بجودة أعنابها وتنوعها وبكثرة نخيلها وتنوع ثمارهها وجودة خمورها وأنبذتها كما عرفت بإنتشار المعاصر والحانات فيها كحانة إبن بُجره في الطائف وأخرى يملكها اليهودي أبو مريم السلولي الذي شرب أبوسفيان عنده وحانات أخرى كانت منتشره في يثرب ومكة ذاتها، بل أن بعض أغنياء مكه كان لهم مزارع في الطائف تنتج العنب ليحمل زبيبه وخمره إليهم، كان منهم العباس بن عبد المطلب عم النبي الذي كان يحمل له الخمر من أعناب مزارعه ليتاجر به في مكه خصوصا في المواسم الدينيه وبيعه للحجيج، كما كانت تأتيهم من اليهود الذين برعوا في صناعتها في مزارعهم في فدك وتبوك وتيماء ووادي القرى، لقد عرف أهل مكة صناعة الخمر والأنبذه من التمور والزبيب وأشربه مسكره أخرى من الذره والشعير والعسل، وحسب الجاحظ في تفسيره للآية ( ويخرج من بطونها شرابا ) فإن العسل ليس بشراب إلا إذا خلط بالماء وصنع منه نبيذا، فالمقصود من الشراب في الآيه إذا هو النبيذ الذي عرف أهل مكة إستخراجه من العسل، لكن المستورد من المسكرات ظل في مكة مقدم على المصنع فيها لجودة صنعه وكان لليهود في الطائف وعموم الحجاز دور متقدم على غيرهم في الصناعة والتجاره لما هو مسكر، وللنصارى فيه ما يذكر .

للخمرة في حياة أهل مكة والعرب عموما، مكانة بارزه في حياتهم، تعاطوها صبوحا وضحى وظهيرة ومساء وطيلة اليوم رغم إرتفاع أثمانها، وأطلقوا على أوقات تعاطيها صفات خاصه فالصبوح هو شرب الصباح والقيل شرب نصف النهار والغبوق شرب العشاء والتغليس شرب آخر الليل والجاشريه شرب السحر أما شرب طيلة اليوم فهو التمهق، وفي أشعارهم تغنوا بها حتى لا تجد شاعر قبل الإسلام لم يأتي على ذكرها في قصائده، واعطوا لها صفات وأسماء كثيره حسب تعتيقها وأول ما يبزل منها ومزجها ولونها وطعمها ومصادرها وأثرها في الشارب وتقسيمات أخرى، وشبهوها برضاب الحبيبه وعين الديك وقد شربوها صرفا أو وممزوجة بالعسل والفواكه كالعنب والرمان وطيبوها بالمسك والعود وخلطوها بما يزيد من تأثيرها، كما شربوها في ترحالهم وأسفارهم إذ كانوا يحملونها معهم أينما ذهبوا، كما شربوها في أفراحهم وأعراسهم ومناسباتهم الدينيه وقبل خوضهم معاركهم لتبعث فيهم الشجاعه والإقدام على المخاطر، وواحده من أفضل خمورهم تلك المعتقه التي طال زمنها، هذا كله يعكس مدى تعلقهم بها وإقتحامها حياتهم بكافة تفاصيلها على الإطلاق، كانت شائعه دون قيود دينيه أو إجتماعيه ولم نجد ما يتعارض من شرب المرأه للخمرة كالرجل تماما، صلافة بنت سعد نذرت بأن تشربها بقحف قاتل ولدها في معركة أحد إن تمكنت منه، وعبله بنت عبيد بن خالد أرسلها زوجها مع راحلتين وسمن تبيعه في سوق عكاظ ومعها إبن أخيه، هناك باعت بضائعها وشربت الخمر بأثمانها، ولما لم تكتف، رهنت الولد وشربت بثمن رهنه لتعود لزوجها سكرى خالية الوفاض، لكن كان هناك من حرم على نقسه شرب الخمره ، غالبا لإعتبارات مست هيبة وسؤدد هؤلاء الرجال في واحده من سكراتهم، كإعتداء على ضيف جليس أو محاولة إغتصاب محرم أو الأتيان بأي سلوك يمس القيمة الإجتماعيه للسيد في محيطه، ونادرا ما كان بإجتهاد ديني كما مع ورقه بن نوفل، لكن لم يكن هناك من محددات دينيه تقيد أهل مكه في شرب الخمر والتعاطي معها، سادن الكعبه إبن غبشان مثلا باع مفتاحها وسدانتها لقصي بن كلاب ببعير وزق من الخمر وآخرون سرقوا منها الغزاله وباعوها وشربوا بثمنها الخمره، وربما يصح أن نقول الخمرة كانت ذات تراث وافر التنوع غزير التفاصيل ترك إثره في عادات القوم وأيامهم مما سيتبين أثره بعد قليل في الدين الجديد .

ألقت الخمره بظلها لاحقا على الدين المكي الجديد، محمد أدرك أهميتها ومدى شيوعها في حياة قومه وشدة تمسكهم بها، وتناغما مع منزلتها تلك وبقصد كسب المناصرين له ودفع الفقراء على وجه الخصوص ممن ليس بيدهم حضور مجالس اللهو والطرب بشرب الخمر والتمتع برقص وغناء الجواري الحسان ... للإيمان بنبوته، جاء في كتابه الكثير من الآيات التي تخاطب أهل مكة واعده لهم بأنواع من الخمر وطقوس شربها في جنته الموعوده، ووصف لمحاسنها على الأرض، الخمر والجواري والغلمان هناك في متناول الجميع يُسْقَونها بأوانٍ من الذهب، لا يتبولون ولا يغوطون ولا يتفلون ولا تصدع رؤوسهم من شربها، خمرة ممزوجة بالمسك وهم فيها خالدون :
( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ) النحل – مكيه ، وفيها، ( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ) وهو عند الجاحظ كما أسلفنا نبيذ إذ أن العسل ليس بشراب . هذا على الأرض .
وفي الجنه :
( يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم ) الطور - مكيه
( بيضاء لذة للشاربين ) الصافات – مكيه
( يطوف عليهم ولدان مخلدون، بأكواب وأباريق وكأس من معين، لا يصدعون عنها ولا ينزفون ) الواقعه - مكيه
( يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون ) الزخرف - مكيه
( يسقون من رحيق مختوم، ختامه مسك ) المطففين - مكيه .

منطق الأشياء يدعونا للقول أن محمدا وصحبه وكانوا يعيشون ضمن تلك التقاليد الخمريه والغنائيه السائده، قد شربوا الخمر وتنعم البعض منهم من الأغنياء بالجواري مع رقصهم وغناءهم، وهذا ما سيظهر جليا في مدينتهم الجديده، إذ ما نقل عن حياتهم في المدينه أضعاف أضعاف ما عرفناه عنهم وعنه في مكة .

يتبع .



#فيصل_البيطار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غطاء الرأس ... تاريخ ودين
- ما بعد الإنتخابات ... واقع الحال
- ماذا وراء إدعاءات التزوير في الإنتخابات العراقيه .
- يا لأيامكِ المجيده يا إمرأه .
- عرس إنتخابي عراقي فريد والفرص الخارجيه المعدومه
- اللهو والطرب في حياة العرب (1) .
- خف ونعل وحذاء ...
- الرقص على الحبال ... سياسه حمساويه بإمتياز
- التاريخ السري للكيلوت
- خليل خوري وسياسة التضليل القومي (5)
- خليل خوري وسياسة التضليل القومي (4)
- خليل خوري وسياسة التضليل القومي (3)
- شاربيّ ... من وحي سيدي القائد .
- خليل خوري وسياسة التضليل القومي (2)
- خليل خوري وسياسة التضليل القومي (1)
- نقد الدين أم صراع الأديان ؟
- على هامش الغناء للزعماء ...
- مهنة التحريض في عراق اليوم
- القرامطه ... إشتراكيه مبكره
- أيام في كوردستان العراق ...


المزيد.....




- في وضح النهار.. فتيات في نيويورك يشاركن قصصًا عن تعرضهن للضر ...
- برج مائل آخر في إيطاليا.. شاهد كيف سيتم إنقاذه
- شاهد ما حدث لمراهق مسلح قاد الشرطة في مطاردة خطيرة بحي سكني ...
- -نأكل مما رفضت الحيوانات أكله-.. شاهد المعاناة التي يعيشها ف ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- صفحات ومواقع إعلامية تنشر صورا وفيديوهات للغارات الإسرائيلية ...
- احتجاجات يومية دون توقف في الأردن منذ بدء الحرب في غزة
- سوريا تتهم إسرائيل بشن غارات على حلب أسفرت عن سقوط عشرات الق ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- الجيش السوري يعلن التصدي لهجوم متزامن من اسرائيل و-النصرة-


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فيصل البيطار - اللهو والطرب في حياة العرب (2) .