|
قصص قصيرة جدا
محمد رمضان الجبور الصورباهري
الحوار المتمدن-العدد: 2975 - 2010 / 4 / 14 - 19:21
المحور:
الادب والفن
قصص قصيرة جداً (1) تثاؤب: جلس على سريره ، تثاءب....تثاءب....، مدّ ذراعيه كأخطبوط مريض، قلّب قنوات تلفازه بحثا عن مشهدٍ مثير ، دخّن علبة سجائره حتى آخرها ، عبثت يداه بكل الجرائد اليومية التي أمامه ، ثم استلقى على سريره وراح يتثاءب من جديد . (2) فراغ: ترصدني عيناك وأنا أقبع وراء ظلي المتآكل ، وحيدا أجتر ما تبقى من حكايتي، بكلمات تزحف من رئة خربة ، قد تلهب قلبك شوقاً ، ولكن لن تغيره، أقضم الحروفَ ، ألوكها ، لتصل إلى قلبك ناعمة طرية. وحيداً أجتر عزلتي ، انحني لألتقط حصاةً أرمي بها ظلي المشوّه ، أو سيفا أقطع به المرّ من أيامي ، أو رمحاً أثقبُ به سماء كآبتي. ولكن في كل مرة لا أجدُّ إلا فراغاً. (3) أحلام ممنوعة: أعصر جرأتي ، أمتص ما تبقى من أمل من أوان فارغة ، أسافر بحثا عن ليل سقطت نجومه في بئر عميقة، أتدثر ببرد الأيام المرة ، تصطك أسناني وتذوب فرائصي . أعلم أنني ما زلت ألوث دمك، وأسكن في وريدك المتكبر ، ولكن لا بد من المسير . نمتطي قطار صمتنا ، تقترب يدك الحانية ، تنفض عن صدري غبار وتعب الأيام، وتذكرني بوجودك قربي. أحزاني قطع من غيم متناثر ، تسافر...تسافر... ثم تهطل في قلب جديد . كانت عيناي ترصد صوت الألم المتكون في عينيك ، وتسافر مبحرة في مجهول كنهك، تسبر أغوار زوايا عشقك الدفين وتتمنى . ما أسعد القلب الذي يجد من يعتني به . تستفيق الأحاسيس من غفلتها وشرودها ، تتعلق بساعة معلقة بخيط بال ، عقاربها تشير إلى اليأس والملل. حبال قلق تطوق عنقي ، فأشعر بالاختناق ، وأحس بالعجز ... أصرخ , واستيقظ من حلم لا نهاية له . آه كم انتظرت ردك ، وصدقت مقولتك وأنت تضغطين على الحروف لتخرج من مخارجها الصحيحة .( الأيام كفيلة بنا ، لن تتخلى عنا ). ولكن أرها تدوسنا بأحذية ضخمة ، تسفّه أتفه الأحلام ، ومن قال لك إن من حقنا أن نحلم ...لا ...لا ... عليك أن تستيقظي قبل أن نتورط في حلم ممنوع . أو انتظري الريح والأمطار ....انتظري قطارا يأتي من الجنوب ، ففي الجنوب تختبئ الحكايات.
(4) لوحات ليست للبيع: عاد إلى بيته متأخرا ، متعبا ، نظر في زوايا غرفته الميتة ، حيث لا أولاد له يريح جثته عليهم ، ولا زوجة يثقل كاهلها بطلبات سخيفة . رمى بجسده المنهك على المقعد ، تناول بأنامله رواية الطاعون ( للبير كامي) قلّب صفحاتها .... تمنى أن يعود الطاعون والفئران مرة أخرى ، وتمنى أن تكون كبيرة بعض الشيء حتى تستطيع أن تأكل وتلتهم الفئران التي صادفها في طريق عودته . مدّ يده إلى جيبه ، أخرج مذكرة غصّت بهواتف النساء ... مع من يتكلم ، شبع من ثرثرة النساء ، بماذا يقطع وقته إذن . عاد ينظر إلى رواية( البير كامي ) .... وضع عليها ورقة بيضاء ، وبقلم رصاص ، رسم جرة ثقوبها كثيرة ، يتسرب الماء منها . رسم أسدا ضخما فمه مفتوح ، وطفلا صغير يلهو ويقلع أنيابه . رسم حمارا يوضح فكرة ، وكلبا يأكل شاة ، وفأرا يطارد فيلا ، ثم كتب في أعلى الصفحة ، لوحات ليست للبيع . (5) طائر: زعموا أن طائرا كان قد اعتاد الوقوف على نافذة فتاة جميلة ، وكانت قد اعتادت أن تلقي له الحبّ وتصبّ تحت قدميه الماء . فيأكل كل ما شاء ، وما لذ وطاب ، ويشرب ما أراد ، ثم يغني لها أجمل أغاني الحبّ والحنان والوفاء. وفي يوم جاء الطائر متعبا من يوم أكثر فيه من الطيران والتجوال ، وأتجه صوب نافذة فتاته ، حيث يجد الراحة والحنان والأمان ، فوجد طائرا قد يبدو للوهلة الأولى أجمل منه قليلا ، قد أخذ مكانه ، فدار ...وطار... وحوّم ... ، من اليمين إلى اليسار...، ومن اليسار إلى اليمين ، ومن أسفل إلى أعلى ، عسى أن تراه فتاته التي انشغلت عنه بطائر جديد ، وكان التعب قد أخذ منه ما أخذ ، ولم يلتفت إليه أحد ، فعلم في قرارة نفسه أنه أصبح لا شيء ، وإن عدم وجوده أفضل من بقائه ، فسقط تحت النافذة بلا حراك . وبعد أيام نزلت الفتاة من نافذتها العالية ، فوجدت تحتها طائرا ميتا يحاكي لون طائرها ، فاختلط عليها الأمر أهو طائرها المدلل أم .... ولكنها طمأنت نفسها بأن طائرها ما زال يقف في نافذتها يغني لها ، فصعدت وهي تمنّي نفسها بوجود طائرها ، ولكنها وجدتها خالية ، فعلمت بأنها أضاعت طائرها إلى الأبد بانشغالها بطائر جديد . (6) كلب كنت أغط في نوم عميق ، عندما أيقظتني زوجتي لأطرد كلبا ، رفض التوقف عن النباح . في البداية حسبت الأمر سهلا ولا يحتاج إلى عناء كبير ، نهضت من فراشي أجرّ قدميّ المتعبتين إلى النافذة ، فتحت النافذة ورحت أردد أصواتا وكلمات تهابها وتمتثل لها مثل هذه الحيوانات ، ولكن هذا لم يجد . فأدركت أنه لا بد من فتح الباب والخروج ثم الوقوف وجها لوجه أمام هذا الكلب العنيد ، فحملت على سبيل الاحتياط عصا كنت أحتفظ بها للوصول إلى نسيج العناكب في زوايا البيت المختلفة . لوحت بالعصا لهذا الكلب مرات..... و مرات ، ولكنّه بقي واقفا متحديّا ينبح بأعلى صوته ... حاولت أن أخيفه بضرب قدميّ بالأرض وتحريك رأسي ، ولكنّه لم يأبه بذلك ، عدت أجرُّ أذيال هزيمتي أمام هذا الكلب . سألتني زوجتي عن سبب عجزي لطرد هذا الكلب ، فقلت لها : هناك كلاب لا نستطيع طردها . وأضفت ، ليست كل الكلاب نستطيع طردها بهذه الطرق البدائية . ظل الكلب ينبح حتى أيقظ أصغر أطفالي ، لم يكن خائفا كباقي الأطفال ، بل رأيته ينسل من تحت الغطاء بهدوء ويفتح النافذة ثم يبصق بعد أن استجمع قواه في فمه ولسانه ، فتستقر بصقة كبيرة ....كبيرة ما بين عيني الكلب .....ثم رأيته يقفل النافذة بهدوء شديد ويعود إلى فراشه دون أن يتكلم شيئا ، أرهفت السمع ، كان الكلب قد توقف عن النباح.
انتهت
#محمد_رمضان_الجبور_الصورباهري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
-
مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف
...
-
-بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام
...
-
تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي
...
-
-حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين
...
-
-خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
-
موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي
...
-
التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|