أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ايناس البدران - خداع نظر














المزيد.....

خداع نظر


ايناس البدران

الحوار المتمدن-العدد: 2973 - 2010 / 4 / 12 - 17:42
المحور: الادب والفن
    


في كواليس كل منا حياة ثانية .. بكل صخبها ، تفاصيلها ، اســـــرارها ، عنفوان مشاعرها حياة ( ظل ) تسير بموازاة الحياة العادية اليومية تسابقها وقد تسبقها! كان يحدث نفسه دون ان يسمح لأي مما يدور في خلده بالظهور على تقاطيع وجهه أمام الراكب المتكوّم في المقعد الخلفي من مركبته الذي كان يرمقه بالمرآة الصغيرة بين الحين والآخر ..
المرآة التي تبدو واحدة فيما لها وجهان في الواقع ، وجه مزئبق نرى انفسنا فيه كما نود ان نراها أو يراها سوانا ، وآخر معتم نعود لأنفسنا إذ نختبئ خلفه ، نلتقط أنفاسنا نستريح استعدادا لجولة أخرى . لم يكن يدرك أن الأمور يمكن ان تتخذ منحى أبعد مما كانت توحي به الصور المرافقة لمجريات الأحداث اليومية .. الأحداث التي كانت تمر من أمامه كشريط سينمائي فينصاع لاشعوريا لإيحاءاتها المعلنة ربما بفعل التعوّد أو إدمان الخوف.
كان يعيش تفاصيل يومه كالسائر في نومه وسط حقل ألغام بلا اسئلة من شأنها أن تزيد الأمور التباسا وتعقيدا داخل رأسه المضطرب ، وجلّ همه أن ينقضي اليوم على خير بأقل خسائر ممكنة بعدما أضحت الأرباح نوعا من الترف لا قبل له به ، وكان يحلم مفتوح العينين وكثيرا ما اختلط حلمه بصخب الشارع وهدير مركبته المتهالكة المهددة بالنفي من من العاصمة لا لسوء السير والسلوك إنما لتقادم في العمر ، عمر قضياه معا في الدوران داخل أحشائها المزروعة بالمطبات وبرك الأوحال وعلامات الخطر .كان الطريق يمتد أمامه كثعبان ضخم ويغمره شعور طيب وهو في طريق إيابه الى البيت إذ حالفه الحظ ذلك اليوم بــ ( كروة ) دسمة خارج بغداد ، ابتسم إذ تذكر كيف حلم ذات مرة وهو طفل أن يلحق بالسراب .. بل قد أمل ذات ليلة أن يسابق البدر وظل يجري في درابين المحلة حتى انقطعت انفاسه ليكتشف ان المسافة بينهما ظلت هي هي ، تنهد ما أسعد الأطفال انهم يحلمون بخيال لاتحده حدود ، لايهدده مقص واقع قاس يحيله الى قصاصة نخفيها في الجيب مخافة التعرض للمساءلة أو في اقل تقدير للسخرية . صارت أحلامه تتضاءل .. تخبو .. تمارس لعبة النجوم المتناهية البعد تلك التي تومض لتختفي . أيقظه من حلمه صوت ارتطام مروّع يصم الأذان مع دويّ هائل هدد باقتلاعه من مقعده ليكتشف أن نصف مركبته الخلفي قد دمر بفعل آلية هي جزء من رتل طويل لايقف في العادة مهما كانت الأسباب، ولكن لدهشته في ذلك اليوم التموزي الغريب فإن الآلية توقفت وترجل منها شاب ضخم الجثة لايكاد يبين من وجهه شيء مدجّج بأغرب ما رأى من تجهيزات ، رفع يده كروبوت وسلمه قصاصة فيما الكلمات تتدحرج من فمه متعثرة باردة وخاطبه بلهجة شبه آمرة .. استلم منه القصاصة كرد فعل انعكاسي لصدمة النجاة من موت محقق ، قبض عليها بيد مرتعشة فيما عيناه تتابعان ابتعاد الرتل بما حمل . همس في سره إنهم لايفعلونها عادة .. لعله كان من المحظوظين القلائل .. !
إنقضى إسبوع ولحقه آخر وهو نهب للحيرة تؤرّقه وللأفكار تتجاذبه ، كان يقضي ليله مسهدا متأملا سقف غرفته ليرتد بصره كل مرة حيث تتدلى الثريا الصغيرة النحاسية التي طالما بهرته في طفولته بشكلها الشمعداني و كيف تخفي اسلاكها الصدئة بين تعرجاتها المراوغة في عملية خداع نظر طالما انطلت عليه فيما مضى .. -
كلما ازددت قربا من هذا العالم كلما أزددت نأيا عنه .. قالها بوجع حاسما أمره رابطا جأشه إستعدادا لخوض مغامرة الولوج الى ذلك المكان المريب . كانت المسافة مرتبكة وهو يقطعها عابرا البوابة الصامتة وأسلاكها الشائكة نحو باحة ترابية جرداء يتفرع منها ممران إسمنتيان يؤدي كل منهما الى صف من الغرف .. كانت علامات الاستفهام تكبر في رأسه مع كل مرة يخرج فيها القصاصة لأحدهم محاولا الاستدلال الى الغرفة المطلوبة ، وفي كل مرة كانت الأصابع تشير بلا اهتمام حتى انتهت عند حجرة منعزلة نهاية الممشى . بسمل في سره وهو يطل برأسه من فرجة الباب محاولا تناسي الخوف الذي بدأ يضرب كمطرقة في صـــــدره وهو يصغي الى الكلمات تخترق آخر قلاع طمأنينته . طالعه مكتب عادي برز من خلفه رأسان يتحاوران ، الأول لكهل مسلوخ الوجه والثاني لشاب أسمر رشيق القوام ويبدو من انحناءته انه يتلقى الأوامر منه .
ـ أغلق الباب ،جاءه الصوت آمرا كصفعة ، أزدرد ريقه وهو يلتفت ليوارب الباب .
ـ ما تخصصك ؟
ـ لم أفهم قصدك .. ثم بإرتباك أخرج القصاصة من جيب سترته كدليل براءة . الرجل ذو الوجه المسلوخ ينفجر غضبا ويصرخ :
ـ من أنت وكيف وصلت الى هنا ؟ ثم بدأ بتوبيخ الشاب ، والآخر يصغي اليه بأدب ويحرك رأسه موافقا ، فيما الدماء تتصاعد الى الوجه السمين والكلمات تخرج من فمه ممزوجة بعطن كحولي لينهي جملته في كل مرة بعبارة “ هذه فوضى” بلهجة نافدة الصبر قال موجها الكلام له :
ـ أعطني أوراقك الثبوتية صار يقلب فيها فيما كان هو يحاول ايقاف ارتجاف ساقيه بعدها نظر اليه نظرة فاحصة شعر انها اخترقت احشاءه ليقول متصنعا اللطف : ـ هل سمعت شيئا من حديثنا ؟ نظر الى السقف كأنما ليشهد السماء عليه ثم قال :ياسيدي أنا قدمت توا .. قاطعه ذو الوجه المسلوخ قائلا:
ـ تذكر أنني أعرف عنك الآن كل شيء فإذا فكرت .. فإنني .. كان يهم بالخروج حين سمع الصوت ذاته يخاطبه قائلا:-
انتظر .. خذ هذه النقود لإصلاح مركبتك وتذكر أنني اعرف عنك الآن كل شيء . إمتدت يده لاشعوريا لأخذ النقود فيما أخذ يتمتم بكلمات مبهمة . دس حفنة النقود في جيبه كمن يحاول التخلص من جمرة حاثا ساقيه للإبتعاد به عن ذلك المكان . . وهو يهمس في سره:
ـ لم أسمع .. لم أر شيئا .. لن أتفوه بكلمة لم يتفوه بكلمة عما حدث لأي مخلوق عدا سائق سيارة الأجرة الذي أقله الى داره وهو في شبه ذهول يستحلفه أن يكتم ما سمع . أما سائق الأجرة فيبدو انه كان ثرثارا إذ لم يترك مستطرقا ولا عابر سبيل إلا وروى له حكاية الرجل المذعور مع صاحب القلنسوة .



#ايناس_البدران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المشكلات الاجتماعية للمرأة العراقية بعد عام 2003
- طريق قابيل
- لافتة
- القصة القصيرة جدا وغواية الومضة
- حديقة الاقنعة
- حديقة الأقنعة
- غيبوبة
- في الادب والنقد الادبي النسوي
- شمعة العسل
- الصدع
- شعاع الشمس في بحيرة باردة
- في ذكرى رحيل الشاعرة الرائدة نازك الملائكة
- قنطرة الشوك
- لازوردي
- ألق الثريات جمر تحت الرماد
- دوريس لسنغ مناضلة بلا شعار
- وجها القمر
- الليلة الاولى بعد الالف
- غثيان
- مقابلة صحفية اجريت من قبل احدى المجلات العربية


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ايناس البدران - خداع نظر