أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد حمودي عباس - ألفرات وقربان المدينه .. ( قصة قصيره )















المزيد.....

ألفرات وقربان المدينه .. ( قصة قصيره )


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 2973 - 2010 / 4 / 12 - 14:19
المحور: الادب والفن
    


في مدينة الحميديه ، حيث تغفو على ضفاف الفرات منذ أن تقرر وضع حجرها الأساس ، ومنذ أن كانت قوافل الإبل تمر بها حاملة ما تجود به بقية مدن أرض السواد ، كان للمساء عند الاهالي نكهة لا تطالها نكهة اخرى .. حيث ترى النفوس عامرة بالمسرة ، وهي تتشبع برائحة تراب الشوارع المطلية بالقار، عندما تقوم سيارة البلدية برشها بالماء في مساء كل يوم .. وتبدو المدينة حينذاك ، وكأنها قد انفصلت عن النهر ، تاركة إياه ينفث ما به من ابخرة الصيف ، لتزيح هي الاخرى وعلى مهل ، ما تخزنه من لهيب شمس النهار .

روائح الرز العنبر ، لا تريد ان تفارق الحميديه ، حتى خارج مواسم زراعة هذا النبات المقدس .. حتى أصبحت تلك الروائح النفاذة ، حاضرة وفي كل الفصول .. ألمدينه يقسمها جسر حديدي الى نصفين ، أحدهما يسمونه الأهالي بالجانب الكبير ، والاخر بالصغير ، وقد أحاطت بساتين النخيل بالمدينة من كل جانب ، فأضحت كواحة خضراء ، تمتد بخيلاء متناغمة مع كبرياء الفرات العظيم .

لم يكن لأحد أن يتذكر لمدينة الحميدية من تاريخ ، دون أن يتوقف أمام نادي الموظفين .. ذلك المكان العابق بشتى ذكريات الفرح المسروقة في الازمان الرديئه .. لقد كان أغلب أهالي الحميديه يتجمعون داخل ومن حول النادي ، حاملين أغلال نفوسهم المحصورة داخل مراجل عسف السلطة ، وعذابات الفقر ، وآلام الامراض المزمنه .. إنه المكان الاكثر إتساعا لاحتواء ما في نفوس الاهالي من قضايا ، لا يستطيعون البت فيها بحرية حتى داخل بيوتهم الخاصه .. ففي كل ليلة تمر ، لابد وأن تنسج خلالها بين أركان نادي الموظفين حكاية تحمل الطرافة ، لتلوكها الالسن في نهار اليوم التالي ، مع شيء من الاضافات التي يتبرع بها أصحاب المواهب .

جابر .. هو أحد اثنين من مجانين المدينه ، يبدو وهو يسير مائلا بجسده للامام وكأنه يشرع بالطيران ، ملوحا بيديه في حركة عصبية وباتجاهات مختلفه ، ويتمتم باستمرار بكلمات غير مسموعه .. رأسه الحاسر دوما من أي غطاء ، يبدو وكأنه مثبت على جسده دون رقبه ، فهو لا يتحرك في مكانه كبقية الرؤوس .. عرف عنه بأنه يقطع عدة كيلومترا يوميا ، باتجاه ترعة صغيرة ليشرب الماء منها تاركا نهر الفرات خلفه ، ثم يعود مسرعا قبل ان يحل المساء .. أما الآخر فكان يدعى من قبل الجميع باسم ( عزارين ) .. ولم يكن أحد يعرفه بغير هذا الاسم ، ولا يميزه عن غيره من الأسوياء ، عدا كونه يرتدي أسمالا رثه وهو يتجول بين المقاهي وفي اسواق المدينه .. كان عزارين متيقظا لأي تحرش من قبل الصبية ، حيث استعداده الدائم للدفاع عن نفسه بواسطة عصى لا تفارقه باستمرار ، ويكني الجميع حين يخاطبهم بكلمة ( أستاذ) دون تمييز.. لا يتكلم حين لا يشاركه الحديث أحد من المحيطين به ، ويبدو مهذبا في تعامله مع غيره ، إلى الحد الذي يجعل المقابل مضطرا لاحترامه والعطف عليه .

في ساعة متأخرة من الليل ، وحين بدأت حركة السكارى من رواد النادي تبدو واضحة اكثر عند الباب الرئيسي ، جلس محسن القرفصاء مستندا بظهره على الجدار المطلي بلون نبات اللبلاب المتسلق ، وهو يتنفس دخان سيجارته بعصبية ظاهره ، وليس بعيدا عنه كان (عزارين ) يتجول على سجيته ، وهو يتأبط بطانيته بحرص ، كي يتلحف بها عند الحاجة حينما يقرر أن ينام في مكان ما .. لم يكن محسن وهو النجار المعروف في المدينه ، يعرف لمصيرحياته الزوجية من نهاية ، بعد مجادلته الحامية مع والد زوجته ظهر يوم أمس ، لقد أحس الان بأنه قد ذهب بعيدا جراء عصبيته غير المحموده ..

وجد نفسه يحاول التخلص من تأثير الخمرة لكي يستطيع اتخاذ القرار المناسب ، فهو لا يملك إلا العودة الى داره ، وليس له من بيت آخر عدا بيت شقيقته ، وهي حزينة الان على فقدان ولدها الاكبر نتيجة مرضه المزمن بالسكري .. نعم .. ليس من المناسب الذهاب لها وهو على هذه الحال

- ما بك يامحسن .. أراك لم تذهب الى دارك لحد الان .. الوقت يقترب من الفجر يارجل .
عرف محسن محدثه دون ان يتطلع اليه ، إنه سلمان الحلاق .. صاحبه في أغلب الاوقات التي يقضيها في النادي .. لم يعد سلمان هذه الايام في مأمن من سطوة مدير الامن في المدينه ، لقد أبلغ ولعدة مرات بان يربط لسانه عن ذم الحكومه ، وسمع محسن مرة احد رجال الامن وهو يحذره عندما بالغ في تطاوله على سمعة مدير دائرة الري ، ووصفه له بالمرتشي ، كونه سمح للاقطاعيين بسرقة حصص بقية الفلاحين من مياة الارواء .. طالما نصحه محسن بان يكف عن هذا الهراء غير النافع ، حتى إنه تشاجر معه في يوم من الايام وهو يشاركه طاولته في النادي ، حينما راح يلقي بنكاته الجريئة حول تجاوزات دائرة الزراعه ، وحوادث سرقة كميات من الرز من المخازن الحكومية ، وتسجيل الجريمة ضد مجهول .
- اجلس الى جانبي ياسلمان ، فأنا بامس الحاجة اليك .
- خير انشاء الله ، لقد أقلقتني حقا ، ماذا بك ؟ .
- مصيبتي كبيره ياسلمان ، أنا الان أصبحت مشردا كما هو حال ( عزارين ) .. لقد تشاجرت مع والد زوجتي في الصباح الفائت .. وبلغت المشاجرة بيننا حدا تدخلت فيه زوجتي فاضطررت الى إهانتها أمامه .. أقسم الرجل بأن أترك الدار فورا ولا أعود اليها ثانية .. وكما تعلم فان الدار بإسمه ، ولا يحق لي استغلالها ، سيما وان ابنته الان حتما الى جانبه .
- طيب .. ما سبب الخلاف بينكما ؟..
هوى محسن بكامل جسده على الارض ، وكأنه أمام مهمة سفر طويل ، وبدأ بسرد حكايته كما هي .
- كعادتي .. وبعد انتهاء عملي في الدكان ، عدت الى الدار حاملا ما تيسر لي من حمله ، خيار وطماطم وحزم من الخضروات الورقيه .. بلغت قريبا من الباب فوجدته مفتوحا وبشكل لم يحدث من قبل ، وتهادى لسمعي صوت ابيها وهو يحدثها عن أمر ما .. لا أدري لماذا قررت بأن اتوارى في الحمام القريب من الباب الخارجيه لاستمع للحديث .
- إسمعي يابنتي .. لقد حذرتك وانت حره .. لالا .. انت لست حره .. لو أصبحت أنا على يقين تام من أمر مصاحبته لجارتك ، فسوف أطرده من الدار لا محاله .. نحن أناس يصفنا الجميع بالشرف والعفه ، ولا يليق بك ان تكوني زوجة لسكير وخائن في نفس الوقت .
- ولكن يا أبي لم ألاحظ عليه بانه يخونني ، إنه حريص على سلامة علاقتي به ، رغم انني لم انجب له اولاد .
- لقد تسربت لي اخباره من الاخرين ، والشيخ صادق هو رجل من الصالحين ، ويحرص على سمعة ابناء وبنات المدينه ، ولذا فقد صارحني بما نقلته لك .
شعر سلمان بحاجته هو الاخر لأن يسترخي في جلسته ليعرف المزيد مما حصل ، وبدت عليه علامات الدهشه وهو يسأل محسن .
- مالذي جعل الشيخ صادق يخبر والد زوجتك بما اخبره ؟ .
ضحك محسن بألم وهو يقول :
- في المرة الاولى بحياتي ، وحين قررت أن أحمل وزر حضور المجلس المنعقد في يوم الخميس من كل اسبوع في دار الشيخ ، لمحت بان هناك ثمة حديث خفي ، يدور بينه وبين أحد الحاضرين حول إمكانية عقد الزواج المؤقت على ابنة جارنا .. وحين تأكدت من أن الامر حقيقة ، وبان الكارثة ستحل قريبا ، حاولت التصدي له من خلال مفاتحتي للشيخ صادق ، وطلبي منه بان لا يسمح بهذا الفعل المنكر .. الفتاة يتيمه وهي لم تبلغ سن الزواج بعد .. فما كان منه إلا ونهرني بشده ، ناعتا إياي بالشيوعي الكافر .. وعلى ما يبدو فانه رد علي برد أقوى ، فكان ما كان .
- وما العمل الان ؟ .. هل ستبقى طريدا لحالتك هذه ؟ .
- قل لي ماذا يمكنني أن أفعل ، زوجتي على ما يبدو ، مقتنعة باقوال ابيها ، ولا يمكنني مقاومته لان الدار داره ، ومن حقه طردي منها متى شاء .
- لماذا لم تحاول إفهام زوجتك وابيها بحقيقة الامر كما انت الان معي ؟ .
- حاولت .. وقد ساقنا الجدال الى حدود المشاجرة وباتجاه حدوث القطيعه .. إنه متيقن من موضوع خيانتي لابنته كما سرب له الشيخ صادق وبطريقته الخبيثه .. المصيبه هي أن خيانتي التي صورها ذلك الدعي ، كانت مع والدة الصبية التي إنعقدت نيتهم على تزويجها زواجا مؤقتا ، إنه عقاب يحمل الخسة بكل معانيها ، كي يبعدوني تماما عن احتمال الوقوف في طريقهم حين ارتكابهم لهذه الجريمه .. إنهم يعلمون علم اليقين بان الضحية والدها متوفي ، وليس لها اقارب يدافعون عنها ، ووالدتها المسكينه تعاني من العوز ولا تملك ما يقيها شر الحاجه .
نهض سلمان من مكانه دون ان يعقب بشيء ، مما جعل محسن يدرك تخليه عن تقديم المشورة له في محنته .. وقبل ان يفترقا قال سلمان :
- ليس لك ياصاحبي إلا أن تعود لبيتك وزوجتك ، وتحاول وبقوة إقناعها ببراءتك من جرم لم تفعله .
كان سلمان هو آخر من غادروا المكان ، ليبقى محسن وحيدا لا يعرف وجهة بعينها بامكانه ان يتوجه اليها .. خيوط الفجر أصبحت واضحة .. الفرات بدأت تتضح أصوات أمواجه اكثر من ذي قبل ، وثمة حركة متزايده لمجاميع من الكلاب السائبه راحت تلوح على الضفة المقابلة للنهر ، ونشاط بدأت علاماته في سوق القصابين ، حيث ترد الى هناك أشلاء الذبائح محملة على عربات تجرها الحمير .. جابر هو الاخر كان مبكرا بشق طريقه الى ترعته كعادته في كل يوم ، فمر من أمام محسن وهو يلوح بيديه في الهواء ، وها هو الحاج محمد يؤذن لصلاة الفجر ، تزاحمه أصوات بدأت تنطلق في ذات الوقت من مآذن اخرى موزعة على اطراف المدينة البعيده .. إنه يبغض الحاج محمد هذا أشد البغض ، لقد كان يعزف دوما عن الامتثال لإعلانه الامساك في شهر رمضان ، ويصر على الاستمرار في تناول طعام السحور لاغاضته رغم انه لا يراه .. وسبب بغضه له هو أنه يمتلك دكانا يقع بجوار دكانه ، يبيع سجادات الصلاة وقطع من الخردة يسميها بالتحف ، ولطالما حدثت بينهما خلافات سببها زيارة البعض من رفاق محسن المتكررة .. لقد كان الحاج محمد يعلن تذمره ممن كان يسميهم ( تجمع الشيطان ) .. ويصرح على الدوام بان محسن ورفاقه هم من وارثي نار الله الموقده ، لكونهم يرتادون نادي الموظفين ويحتسون الحرام ، ولم يثنه عن شتائمه تلك ، كون ان محسن ملتزم بصيام رمضان .

نهض محسن من مكانه بتثاقل ، وتحرك دون قصد مسبق لجهة بعينها .. أحس حينها بأنه يريد فقط عبور الجسر الحديدي الى الجانب الاخر حيث تقع داره .. الطريق المؤدية الى الجسر ، كانت تنحرف الى اليمين ، حيث تقع محطة وقوف سيارات النقل العام .. وتحيط بالمحطة من الجهة المواجهة للجسر، محلات لتصليح إطارات السيارات والبعض من عربات بيع الطعام الجاهز ، موزعة بغير انتظام قبل ان يردها أصحابها .. المحطة كانت خالية تماما من الناس حينما وصل قبالتها ، بادية عليه علامات التعب وآثار السهر . . سمع صوتا تخيله في اللحظة الاولى بأنه أشبه بالشخير .. توقف في مكانه ليركز سمعه أكثر لمعرفة مصدر الصوت .. ياللمصيبه .. لقد سمع وبوضوح تام أحدهم يناديه باسمه .
- ساعدني يامحسن .. إلحق يا اخي فانا أموت .
دار حول نفسه عدة دورات قبل أن يتوجه ناحية الساحة الداخلية للمحطه .
- من يناديني ؟ .. أين أنت ؟
- أنا هنا يامحسن .. التفت الى يمينك ستجدني عند خزان الماء قرب شجرة التوت .
لم يطل الوقت بمحسن ليتوجه الى حيث اشار له الصوت ، فشجرة التوت تلك هي الوحيدة مما تبقى من بستان كانت في هذا المكان ، قبل ان تقرر بلدية المدينة جعله محطة عامة للسيارات .

لمح جسدا ممددا أمامه لم يشخص صاحبه للوهلة الاولى .. إقترب بحذر وهو يردد :
- ماذا حدث ، من انت ؟ .
- أنا سلمان .. إقترب يارجل وساعدني على النهوض قبل أن ينفذ الدم من جسدي .
كانت دهشته كبيرة حينما وجد سلمان وقد غطت الدماء قميصه من جهة الكتف الايسر ..
- ماذا جرى ؟ .. كيف حدث هذا وانت لم تغادرني إلا قبل دقائق ؟ .. من فعل بك هذا ؟ .
- لا أدري .. الذي اعرفه هو أنني حين بلغت مدخل المحطه ، دفعني أحدهم باتجاه الداخل وانهال علي بسكين ليطعنني في كتفي عدة مرات ، ويختفي بسرعة .. لم استطع معرفة من يكون .
أدرك محسن فورا ، بأن الامر لا يتعدى البدء بتنفيذ قرار رسمي بإسكات سلمان ، وثنيه عن الحديث بما لا يرضي السلطات في المدينه .. حاول جاهدا مساعدة محسن على الوقوف ، وشعر بأن ثلاثة من أصحاب المحلات في المحطة قد وصلوا توا وانضموا اليه لتقديم العون ، أحدهم تبرع بسيارته البيك آب لنقل سلمان الى المستشفى ، وكان الجميع بما فيهم محسن لم يركب احد منهم معه في السياره ، تجمهر الباقون حول محسن للاستفسار عن الحادث .. لم يجب عن استفساراتهم وغادر المكان على عجل ، لقد ادرك بان ما جرى هو بمثابة الضربة التحذيرية لسلمان ، بدليل ان الطعنات كانت في منطقة الكتف ، وليست في مكان آخر.

وجد محسن نفسه بعد وقت قصير أمام منزله ، فتح الباب بمفتاحه الخاص .. لم يجد زوجته في الداخل .. سارع باغلاق الباب ليطمئن لوجوده وحيدا في المنزل .. تهاوى على كنبة خشبية كان قد تعود الجلوس عليها من قبل .. توسد ذراعه وعيونه مسمرة على سقف المكان .. ترى كيف تزامن ما حدث له وما جرى لسلمان ؟ .. لقد قذف به الشيخ صادق خارج بيته ، بسبب رغبته بتنفيذ مشروع زواج مؤقت من ابنة جاره القاصر ، وسلمان طعنته الحكومه بسبب تعديه بنظرها على حرمة موظفيها ، وخدش سمعتها علانية وفي مكان عام .. إنهما معا في مواجهة رجال الدين والدوله ، وهما معا ايضا قد سلكا سلوكا غير صائب .. ماله هو وابنة جاره حتى يهب مدافعا عنها امام سطوة الشيخ صادق وهيمنته على ارواح وعقول الناس ؟ .. ولكن الشيخ لم يوجه له ذات الطعنة التحذيرية التي تلقاها سلمان من خصومه ، وانما كان نصيبه الضربة القاضية ، لكي ينتهي تماما ويسقط في حلبة الحياة ، ويصبح بلا بيت ولا زوجه .. المهم هو أنه يبدو مذنبا في عدم تقديره لقوة الشيخ صادق ، تلك القوة التي منحته الحق في اتخاذ اصعب القرارات عندما يتعلق الامر بحياة الناس .. إنه مفوض من السماء كونه فقيه في الدين كما يقولون ، وقادر على تقديم النصح وايجاد الحلول المرضية للاخرين ، وعليهم ان يقبلوها برغبتهم أو بدونها ..
سحب جسده بصعوبة الى حيث المطبخ ، محاولا العثور على شيء يسد به رمقه ، فهو لم يذق طعاما منذ ليلة امس ..

لم يشعر بدخول زوجته إلا وهي واقفة بجواره ممسكة بذراعه .. أحس بقشعريرة تنتاب جسده ..
- صباح الخير ياخائن ..
قالتها وقد حررت ذراعه وانسحبت باتجاه الطاولة لتضع عليها حقيبتها الجلدية السوداء برفق ، ثم اكملت حديثها بصوت يحمل نبرة من الحزن .
- كيف حدث هذا ؟ .. أهو حقيقة أم خيال ؟ .. لماذا تخونني يارجل ؟
وقبل ان تكمل ، إقترب منها حتى كاد يلامسها بجسده .
- هل تصدقين ؟ .. بعد عشرة استمرت لاكثر من خمسة عشرعام ، أن أكون خائنا لك ؟ .. إنها مكيدة خبيثة كما أخبرتك يوم امس ، تلك التي صنعها ذلك الكذاب .. وسببها هو وقوفي بوجهه حينما علمت بنيته في الاعتداء على حرمة ابنة جارتنا ، ليزوجها زواجا مؤقتا من رجل يكبرها بعدة سنين .
- وهل تضن بانك قد أفلحت في مسعاك لانقاذ الفتاة ؟ .
- ماذا تعنين ؟ .
- يوم الخميس القادم ، ستكون ليلة دخلتها .. الاتفاق تم على عجل بعد ان ذهب والدي الى دار الشيخ ليبلغه بما حصل بينكما .
- إذن فقد أصر الشيخ صادق على القيام بفعلته وزوجها من رجل في سن والدها .
- بل تزوجها هو بالذات يا مسكين .. لقد كان في عجلة من أمره عندما تخلى صاحبه عن الزواج من الفتاة .
إستند محسن بجسده على الحائط ، وقد إزدحمت الافكار في رأسه ، محاولا ايجاد تفسير معقول لما يحدث ..
- وبالنسبة لك انت .. كيف سارت الامور مع ابيك .. هل انت الان لا تزالين في خصومة معي ام ماذا ؟ .
- لا عليك .. بعد ان سمعت بنية الشيخ بالزواج من ابنة جارتنا ، أيقنت الان بانك كنت حسن النية ولا ذنب عليك . . أما عن ابي فقد اقنعته امي بتجاوز الموضوع ولو مؤقتا .

مرت الايام مسرعة لتأتي باخبار اخرى ومن نوع جديد .. فقد تلقفت الحكومه سلمان من المستشفى ، وأصبح كرسيه في نادي الموظفين خاليا منذ شهور .. وصحت المدينة صباح يوم كان فيه الجو ينذر باقتراب عاصفة ترابية تتجه اليها من جهة الشرق ، لتتلقى نبأ فاجعة كبرى بالعثور على جثة جابر طافية فوق مياه الفرات ، حيث خرجت عن بكرة ابيها لتودع ابنها الحبيب ، وفي مقدمة الجموع كان عزارين ، وهو لا يزال يتأبط بطانيته ، ويهتف بكلمات لم يستطع أحد من المشيعين ، فهم معانيها .



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشاوير شخصيه ، في ثنايا الماضي .
- حينما تصر الجماهير على رفض مسببات خلاصها .. أين الحل ؟ .
- أعمارنا ليست عزيزة علينا ، وحربنا معها مستمره .
- لماذا هذا الإهمال المتعمد للكفاءات العراقية المهاجره ؟؟ .
- ألواقع الاجتماعي العربي .. بين ثورة الجسد والعقل ، وعبثية رد ...
- أفكار مهشمه !
- أليسار في دول العالم العربي ، ومقاومة التجديد .
- من ذاكرة الحرب المجنونه
- بعيدا عن رحاب التنظير السياسي .. 2
- ألحريه .. حينما تولد ميته .
- الزمن العربي .. وسوء التسويق
- حلوى التمر
- سلام على المرأة في يومها الأغر
- مراكز نشر الوعي في الوطن العربي .. الى أين ؟
- بغداد ... متى يتحرك في أركانها الفرح من جديد ؟
- أفكار تلامس ما نحن فيه من أزمه
- نحن والتاريخ
- بعيدا عن رحاب التنظير السياسي
- حينما يصر أعداء العلمانية على رميها بحجر
- عمار يا مصر ... 2


المزيد.....




- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...
- مسلسل طائر الرفراف الحلقة 67 مترجمة على موقع قصة عشق.. تردد ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد حمودي عباس - ألفرات وقربان المدينه .. ( قصة قصيره )