أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نضال الصالح - قصتي مع جابر بن حيان















المزيد.....

قصتي مع جابر بن حيان


نضال الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 2970 - 2010 / 4 / 9 - 13:36
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


كنت أمس جالسا مع بعض الأصدقاء العرب في قهوة وسط المدينة حين تقدم مني شاب سلوفاكي وفي يده كتاب لي طلب توقيعي عليه. عندما أخبرني عن إسمه وهممت بإهداء الكتاب له خطر لي أن هذا الإسم ليس غريبا علي فسألته إن كان فلانا يقربه أم أنه إسم على مسمى. أخبرني بأن من سألت عنه هو والده. دعوته إلى الجلوس إلى طاولتنا مضيفا أن والده كان مدرسي في الجامعة وأن لي معه قصة ظريفة، فطلب مني سردها.
كان والده رئيس قسم الكيمياء في كلية الصيدلة السلوفاكية حيث كنت طالبا فيها. لقد قام بإمتحاني في الكيمياء العامة وكان يشتهر بشدة تعامله مع الطلبة الممتحنين ويحاسب على أي خطأ، وكثيرا ما كان يطرد الطلاب من الإمتحان لأبسط الأخطاء في الإجابة على أسئلته.

أذكر أنني دخلت مكتبه وقت الإمتحان، قدم لي يده مصافحا، ثم قدم لي مجموعة من البطاقات وطلب مني إختيار واحدة منها فاخترت. كان في البطاقة ثلاثة أسئلة، جلست دقائق أكتب ملاحظاتي تحضيرا للإجابة، ثم أخذ يسألني مجموعة من الأسئلة، وكنت أجيبه عليها، وكنت ألمح على وجهه علامة الرضى. بعد أن إنتهينا من الأسئلة والأجوبة أشار إلى صورة معلقة على الحائط، وسألني من يكون صاحب الصورة. كانت الصورة لرجل شرقي الملامح، يلبس على رأسه عمامة تغطي رأسه ورقبته وجزء من كتفيه. ظننت للوهلة الأولى أنها صورة لإبن سينا ولكنني تداركت حين قرأت تحت الصورة الإسم باللغة السلوفاكية "جابر بن حيان" فأخبرته بذلك.

أخذ البروفسور يمتحن معلوماتي عن إبن حيان ولم تكن في ذلك الوقت واسعة، فكل ما كنت أعرفه عنه أنه من أشهر الكيميائيين العرب. سألني عن كتبه فسميت له كتاب "الخواص" ولم أتذكر غيره ولم أكن أعرف محتواه. أخذ البروفيسور في تسمية عشرات الكتب لإبن حيان في الكيمياء وفي مختلف العلوم الطبيعية، كنت أجهل معظمها. سألني عن إختراعاته واكتشافاته فلم أتذكر أي شيئ منها، مع أنني كنت أعرف بعضها. لقد تلعثمت وأغلقت المفاجأة عقلي. نظر إلي بإستغراب وأخذ يعدد بعض إختراعات إبن حيان:" إنه أول من إستحضر "حامض الكبريتيك" واستحضر "حامض النتريك"، وهو أول من إكتشف "الصودا الكاوية"، وكربونات الصوديوم، وكربونات البوتاسيوم، ودرس خصائص الزئبق ومركباته وإستحضرها". تابع البروفيسور في جرد قائمة منجزات وإختراعات إبن حيان وأنا صامت غارق في عرقي و أنظر إليه فاغرا فاهي كأنما أصابني البله.

أخذ البروفيسور كتيب الإمتحانات، كتب تاريخ الإمتحان والمادة التي أمتحنني فيها، ثم نظر إلي وقال: " كانت أجوبتك في الإمتحان ممتازة وتستحق عليها تقدير ممتاز ولكنني سأعطيك تقدير جيد، فقط لجهلك بواحد من أهم العظماء في تراثكم العربي، وهو إلى جانب ذلك كيماوي وإبن صيدلي وكزميل لك وأحد مواطنيك كان عليك أن تعرفه معرفة جيدة، فلقد كان أشهر الكيمائيين العرب ومن أشهرهم في العالم في ذلك الزمان. نظر إلى الكتيب مدة من الزمن ثم كتب مقابل التقدير كلمة "جيد"، وقع صفحة الإمتحان وأعاد الكتيب لي، ثم صافحني وودعني قائلا:" إذهب إلى مكتبة الجامعة فهناك عدد من الكتب عن جابر بن حيان، إستعرها وطالعها. خرجت من عنده وعرق الخجل ينصب مني، ومنذ ذلك اليوم أصبحت صديقا وفيا لإبن حيان أبحث عن أخباره وأطالع كل ما تقع يدي عليه من الكتب والدراسات التي كتبها أو كتبت عنه .

شكرني إبن أستاذي على هذه القصة وقال أنه سيقصها على والدته، ثم مد يده لي مودعا، فسألته عن تلك الصورة التي سببت لي كل ذلك الإحراج، فأخبرني أنه بعد وفاة والده أخذها من مكتبه في الجامعة وعلقها في مكتبة بيته. غادرنا ولقد فتحت زيارته النافذة لكثير من الذكريات.

سألني أحد الجالسين:" من هو جابر هذا الذي تحدثت عنه؟" قلت له، إنه جابر بن حيان. قال: " أنا لم أسمع به." سألته بشيئ من الحدة والإستغراب: " ألا تعرف جابر بن حيان، الكيميائي العربي المشهور، الذي كان ملك الكيمياء في زمانه؟ قال" لا، لا أعرفه"، ثم أضاف وماذا يفيدني لو عرفته، وماذا يضرني لو جهلته؟ ثم أجاب بنفسه على كلا السؤالين بالنفي وأضاف: " جميعها خراريف قديمة لا تسمن ولا تغني من جوع." علق آخر من الجالسين بهزء: " ربما جابر هذا سيحرر لنا القدس."
قمت وغادرت مجلس أصدقائي، مصدوما، مقهورا، وتسائلت، كم من شبابنا اليوم يفكرون كما يفكر صاحبنا، وكم منهم يجهل إبن حيان وإبن رشد وإبن عربي وإبن طفيل وإبن سينا وغيرهم من عظماء تراثنا. كنت متأكدا أنني لو سألتهم عن هيفاء وهبي ومثيلاتها فإنهم سيخبرونني عنهن بالتفصيل الممل.

رجعت إلى البيت وقررت أن أكتب مقالا عن جابر بن حيان مع معرفتي الكاملة بأنني لن أضيف شيئا لما كتبه غيري، فلقد كتب عن جابر بن حيان عشرات الكتب ومئات المقالات والدراسات. كتب عنه العرب والمسلمون و الغربيون، قديما وحديثا. بعضهم مدحة حتى سماه بالملك وبعضهم مثل برتلو قال: " إن لجابر بن حيان في الكيمياء، ما لأرسطو في المنطق"، وبعضهم ذمه حسدا كقول أحدهم:" ما أنت إلا كاسر : كذب الذي سماك جابر". وبعضهم أنكر وجوده أصلا، ومنهم بعض الباحثين الغربيين الذين أنكروا عليه كتاباته واكتشافاته ونحلوها إلى مجهول، بحجة أن كتاباته واكتشافاته تتخطى مقدرة العقل العربي في ذلك الزمان.

لقد كتبوا عن جابر بن حيان كثيرا وعن كل جوانب أعماله، وأعترف أنه ليس بحوزتي ما اضيفه لما كتبوا ولكن مقالي هذ هو فقط للتذكير برجل عظيم من رجالنا الأوائل، لعل أحد الجاهلين بهذه الشخصية العبقرية يقرأ مقالي فيعلم أن تراثنا ليس ركاما من الكتابات الأصولية وحسب، وأنما يحتوي على أعمال رجال عظام عرفهم العالم وقدرهم ويحتفظ بكثير من مخطوطاتهم في مكتباتهم، وأننا قادرون على أن نمشي في خطاهم وأن ننتج مثلهم أعمالا وعلوما عالمية وأن نشارك في بناء الحضارة العالمية.
ولد جابر بن حيان حسب أشهر الروايات في سنة 101 هـ/721 م وقيل أيضاً 117 هـ / 737 م، وقد اختلفت الروايات على تحديد مكان مولده فمن المؤرخين من قال بأنه من مواليد الجزيرة على الفرات شرق سوريا، ومنهم من قال أنه ولد في مدينة حران من أعمال بلاد ما بين النهرين في سوريا، ويذهب البعض إلى أنه ولد في مدينة طوس من أعمال خراسان في إيران.
يحدثنا المؤرخون أن والده حيان بن عبد الله الأزدي قد هاجر من اليمن إلى الكوفة في أواخر عصر بني أمية، وعمل في الكوفة صيدلانياً وبقي يمارس هذه المهنة مدة طويلة، إلى أن هاجر، وذلك لارتباط عمل، إلى حران افي اعالي بلاد ما بين النهرين، وفي حران ولد جابر بن حيان. رجعت عائلة جابر بن حيان بعد حين إلى الكوفة، وتعلم جابر وأقام في الكوفة وتوفي فيها وقد جاوز التسعين من عمره. ويقول هولميارد في كتابه صانعوا الكيمياء أن نسب جابر يرجع إلى قبيلة الأزد التي نزحت من جنوبي الجزيرة العربية إلى الكوفة واستوطنت هناك.
انضم جابر إلى حلقات الإمام جعفر الصادق و تلقى علومه الشرعية واللغوية والكيميائية على يد الإمام وقيل أنه درس أيضا على يد حربي الحميري. ولم يخل معظم مؤلفات جابر من ذكر جعفر الصادق وكثيرا ما كان يشير إليه "بسيدي" وكان يعتقد بإمامة جعفر والرجوع إليه في معظم معتقداته.
لقد إستقبل جابر في بلاط الرشيد بحفاوة بالغة وكانت صلته بالبرامكة قوية وبعد محنتهم غضب الرشيد عليه فاضطر إلى الإختفاء والعيش متنقلا في البلاد وقيل أنه سجن في الكوفة. لقد تعرض جابر في حياته وفي مماته لخصومات سياسية ومذهبية إلى جانب الشخصية من جانب من حسدوه على علمه وموقعه، ولقد تركت هذه الخصومات جرائرها تعمل في آثاره العلمية تضييعا وتحريفا وتشكيكا. والمعروف أن جابرا ترك مئات الكتب من تأليفه معظمها في العلوم الطبيعية والطب والكيمياء، ولم يصلنا منها سوى القليل الذي لا يزيد عن ثمانين رسالة وكتابا، فقد ضاع أكثر كتبه، وبقي بعضها مخطوطات تحتفظ بها عدة مكتبات أوروبية، ولقد ترجم بعضها إلى اللاتينية. ومن كتبه التي وصلت إلينا كتاب " الخواص الكبير"، ويرى هولميارد أنه أهم كتب جابر. ويقول جابر في المقالة الأولى لهذا الكتاب أن جملة ما كتبه في الخواص واحد وسبعون كتابا، منها سبعون كتابا ترسم الخواص وكتاب واحد يعرف بخواص الخواص. وقد أدخل جابر في الكيمياء ما أطلق عليه " علم الموازين" وألف في هذا العلم عدة كتب معروفة، ولقد بين فيها ما في المعادن من طبائع وجعل لكل من الطبائع ميزانا، ولكل جسد من الأجساد موازين خاصة بطبائعه. وفي كتاب "التجميع" يوازن بين النبات والحيوان من حيث الطبائع. وفي موضوع الخواص والموازين، يبحث خصائص الأشياء وحدودها، ويبني موازين الأشياء على أساس هذه الخصائص. وفي كتاب "الحدود" يقسم العلوم عامة إلى قسمين : علم الدين وهو علم الأفعال المأمور بإتيتنها للصلاح فيما بعد الموت، وعلم الدنيا وهو علم جميع ما في عالم الكون من الحوادث، الضارة والنافعة، باي وجه كان ذلك فيها.
لقد إشتهر جابر بعلم الكيمياء حتى أقترن هذا العلم بإسمه، وبقيت جامعات أوروبة حتى القرن الخامس عشر لا تعرف مراجع تدرس في علم الكيمياء إلا كتب جابر بن حيان. ولقد كان له أثر كبير في تطوير الكيمياء الحديثة. وفي هذا يقول ماكس مايرهوف : يمكن إرجاع تطور الكيمياء في أوروبا إلى جابر ابن حيان بصورة مباشرة. وأكبر دليل على ذلك أن كثيراً من المصطلحات التي ابتكرها ما زالت مستعملة في مختلف اللغات الأوربية. ولم يقف جابر عند الاراء النظرية فقط، وإنما دخل المختبر، وأجرى التجارب وربط الملاحظات على أسس علمية. لقد كان جابرا شخصية فذة، جمعت بين الحكمة والفلسفة والطب والمنطق والتصوف، إلى جانب علم الصنعة ويستحق منا أن نفخر به وأن نقتدي به حتى نكون أعضاء عاملين في موكب الحضارة العالمية.



#نضال_الصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تتكون الهالة حول الجسم وما علاقتها بصحته
- اليهود الخزر
- وحدة المخابرات العربية
- المرأة والجنس في الديانة اليهودية
- المتقاعد
- الإسلام والمسيحية، صراع عقائد أم مصالح؟
- رقة الغزل وعفة السلوك
- ذئاب بلحية ومسبحة
- جنَ الفلم فاحترقا
- دفاعا عن الحائط
- هل ماتت الإشتراكية وإلى الأبد؟
- طوشة الموارس
- الجدل العقيم: ديني أفضل أم دينك؟
- رسائل وردود
- رسالة إلى المقاتلين بإسم الله
- قارئة الفنجان
- الجنس بين العيب والحرام والإحتكار الذكوري
- ضائعة بين عالمين
- رسالة إلى المرحومة أمي عادت لخطأ في العنوان
- ما بين ساقيها وعقلها


المزيد.....




- هل قررت قطر إغلاق مكتب حماس في الدوحة؟ المتحدث باسم الخارجية ...
- لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في ...
- القضاء الفرنسي يستدعي مجموعة من النواب الداعمين لفلسطين بتهم ...
- رئيسي من باكستان: إذا هاجمت إسرائيل أراضينا فلن يتبقى منها ش ...
- -تهجرت عام 1948، ولن أتهجر مرة أخرى-
- بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوا ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي ادعاءات بدفن جثث فلسطينيين في غزة
- علييف: باكو ويريفان أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق السلام
- -تجارة باسم الدين-.. حقوقيات مغربيات ينتقدن تطبيق -الزواج ال ...
- لأول مرة.. الجيش الروسي يدمر نظام صواريخ مضادة للطائرات MIM- ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نضال الصالح - قصتي مع جابر بن حيان