أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي صابر - نجم والي وصحبه















المزيد.....

نجم والي وصحبه


غازي صابر

الحوار المتمدن-العدد: 2969 - 2010 / 4 / 8 - 23:11
المحور: الادب والفن
    


القاص والروائي نجم والي غني عن التعريف فله مجاميع قصصية وله روايات وقد صدر البعض منها باللغة الألمانية .
بالصدفة حصلتُ على مجموعته القصصية فا لس مع ماتيلدا والصادره عام 1999 عن دار المدى ، وقد تمتعت بقراءة
هذه المجموعه والمكونة من تسع قصص ، إلا إن إحدى هذه القصص إرجعتني الى الماضي وإستوقفتني كثيرا ً في محطات العمر الفانيه إنها قصة صحبه .ومرد هذا التوقف هو معرفتي القديمة بالكاتب ،كمثقف وكأنسان ، ولهذا توقفت معها من النواحي التاليه :
1 ــ القصة كمنتج للوعي .
2 ــ زمان ومكان القصة وعمق الخراب .
3 ــ غرابة شخوص القصة .
كان لقائي الأول بالكاتب في سبعينيات القرن الماضي وقد جمعتنا كلية الأداب ـ جامعة بغداد . شاب تخطى العشرينات كان
يحمل في سحنته السمراء وتركيبة شعره المجعد هموم ومعاناة العراقيين في محافظات الجنوب المتعبة . منذ البدء تلمست
في نظراته البحث المتواصل عن الفضاءات لتفجير هذا الشعور بالحيف و المعاناة أمام الأخرين ، وحتى عندما كنت
أراه من بعيد لوحده يدخن سكارته أشعر به وكأنه يتحد ث ُ الى الظالم الذي يسرق الطمأنينة من أهله ومن ناسه البسطاء .

ولأن سنوات السبعينات كانت ساخنه وكانت فيها الإصطفافات الفكرية والسياسية مستعرة وغير مستقرة فقد تعامل معه بعض
الطلبه على إنه يحمل أفكار سارتر وكامو والتي كانت منتشرة بين صفوف الشباب حينذاك ، وكانت ثورة الطلبة في فرنسا لم تبرد بعد . وأفكارا ًمن هذا النوع كان يستهجنها الفكر القومي والبعثي وحتى الذين يتمسكون بالأفكار الدينية والقبلية .
أما أنا فقد أرجعت إطروحاته وأراءه الى حجم المعاناة والمأسي التي تعاني منها الطبقات المسحوقة في عراقنا ، ولأنه واحد من أبنائها فهو صادق في كشفه لزيف القيم المهادنه للظلم الإجتماعي القائم وكشف الدجل السياسي والذي كان سائدا ًأنذاك حيث ُكان البعث في بدابة سيطرته على مرافق الحياة وهو يدّعي وبكل خباثة إنه يحمل شعارات لصالح الشعب والشعب يشد الأحزمة على البطون كما حصل أثناء تأميم النفط وفي النهاية ذهبت أموال النفط للتسلح وليصبح هذا السلاح في النهاية وبالا ًعلى العراق و شعبه وليذق طعم الموت والخراب تحت عبث الحزب والعائلة الدكتاتورية الحاكمة . ومن هنا قيل عنه أنذاك إنه مشاكس .وأفترقنا .
وبعد أكثر من ثلاثة عقود التقي به ومن خلال مجموعته القصصية فالس مع ماتيلدا . إستوقفتني الرؤية الفكرية لقصة صحبه
لأنني عثرت فيها على نجم ، ذاك الشاب الذي قيل عنه مشاكس .
القصة تتحدث عن العمق التدميري لأثار الحرب الإيرانية العراقية .المكان هو واحد من أحياء البصرة ، هذه المحافظة الغنية
بما فيها من موارد والفقيرة حد اللعنة وهي المحافظة التي لايفصلها عن المدافع الإيرانية إلا الشط .القصة تجيب عن سؤال
كيف يواجه فقراء المجتمع دمار الحرب الذي يحطم قوة البلد الإقتصادية ويدمر كل مرافقها وبنيتها ؟ ماذا يحصل لبنيانها
الإجتماعي ، لتقاليدها وقيمها السائدة ؟
قرأنا في الكتب الدراسية إن واحدة من أسباب الإنهيار الإجتماعي والقيمي في أوربا هي ما تمخضت عنه الحرب العالمية الأولى والثانية ، ولهذا لجأوا الى البحث عن القوانين والنظم الجديدة والوضعية كمناهج للتخلص من الماضي الهش والمتخلف .
وما حصل للعائلة العراقية نتيجة للحرب هو ما أراد الكاتب أن يسلط الضؤ عليه في هذه القصة والتي لم تتجاوز عدد صفحاتها 35 صفحه من الحجم الصغير ، وهي واحدة من تسع قصص ضمتها المجموعة .
بعد قراءتي للقصة تحسست نفس الألم الذي وجدته في رواية الدون الهادئ لشلخوف أو رواية الساعة الخامسة والعشرون لكونستانتان جورجيو فللدمار وللموت صورة واحدة وإن إختلف الزمان أو المكان أو في بشاعة الحدث .رمز الضحية الإجتماعية في قصتنا هو الفتى أبن الرابعة عشره والذي يتحدث عن مأساته وقد إنتحر والده وهو ثمل في حفرة طينية على ضفاف شط العرب بعد عوقه في الحرب ، لم يتحمل الواقع البائس وبأ نتحاره أراد الإنتقام من نفسه ومن عبثيتها مع نساء البناية والذي شاركته زوجته هذا العبث أيضاً ً فبعد موته تبيع الشقة وتهرب مع عشيقها تاركة الصبي لوحده في كوخ من القصب يصنعه لنفسه ولحمارته المطيعة والتي أسماها لوعه واللوعة تعني الحزن المر ومعهما كلبة سائبة ،يعتاش هذا الفتى على نقل السكارى من حانة النرجس الأصفر الى بيوتهم بعد منتصف الليل .

يبدأ زمن القصة تحت خيمة الحرب وبلقاءأحد السكارى وهو ثمل جدا ً، يبوح للفتى إنه يعرف أباه ويدله على مكان إنتحاره ، ومن خلال السرد يفضح حقيقة ما يدور في الحي ويشكو للفتى خيانة زوجته و عجزه وعوقه بتأثير الحرب ويحدثه عن إنهيارالقيم والسأم من الحياة .
منذ بداية القصة وحسب مرجعية الكاتب الفكرية يلقي الفتى مأساته على والده لأنه سبب وجوده في الحياة ، ولأنه لم يوفر له حياة إنسانية فأنه يبغضه في اللاوعي ومن خلال حلمه الأسود .و يدين إمه من خلال السرد القصي لإنهيارها و لضعفها وتخليها عنه وما أن يسقط الرجل أو يختفي حتى تنهار لحاجتها لوجود رجل يعينها في الحياة و يشبع غرائزها الإنسانية .

مع إن القصة تدور حول مأساة الفتى وما يعانيه ،لكنها تشير للناس الفوق حسب تعريف الكاتب وهم رجال الأمن والإستخبارات والذين يمثلهم الرجل السكران والذي يحمل نفس مواصفات والده ، فهو معاق من جراء الحرب وزوجته التي تصغره بعشرين سنة تخونه وتعيره دائما ً بعجزه ثم تتركه وتهرب هي الأخرى مع أحد الضباط في البناية .

يضل هذا الزبون يرافق الفتى طوال القصة وهما يبعثران لنا الواقع المأساوي بفلم تسجيلي على ضفاف شط العرب وكيف يتخلى هذا الزبون عن ملابسه وعن قدمه الصناعية وهو يحدث الفتى عن الحياة فيقول :
ـــ يوم أخر نقضيه في هذه المقبره .
ــ هل تعرف أن الله إرتكب خطأ كبيرا ًفي خلقه للعراقيين .نحن بلوى هذه الدنيا فهو لا يعرف كيف يصلح ما فعل إلا بأبادتنا تماما ً.
ــ هل تعرف ما هو عكس الحب ؟
ــ الكره ، يجيب الفتى .
ــ كلا يا صديقي ليس الكره إنما الخراب ، إنني أشعر بالتعاسة .
وعن العائلة الحاكمة يقول :
ــ إن ما يحدث لن يستمر الى الأبد وإن هذه العائلة التي تحكمنا ستنتهي الى الخراء حتما ً .

ولأن للكاتب مرجعية فكرية ناقمة على الظلم الأجتماعي فأنه يقسو على أبطاله فيسدل الستار في نهاية القصة على تعرية الزبون السكران من كل المحرم والمحذور ويجرده من قيمه الإجتماعية فينحني برأسه بين فخذي الفتى ويمارس غرائزه
الجسدية منتقما ًلعجزه من كل القيم والعادات وحتى الدساتيرالوضعية .

القصة كما تذوقتها عبارة عن لوحتين زيتيتين وفلم تسجيلي ، فتبدأ القصة بلوحة زيتية وبألوان حزينة لفتى يجلس أخر الليل على حجارة أمام حانة النرجس الأصفر والى جانبه حمارته لوعه وكلبة سائبة خائفة من الجوع والموت القادم من الشرطة وهوينتظر زبائنه السكارى لينقلهم الى منازلهم ،فيأخذه النعاس و يحلم وكأنه يهين والده الذي أنجبه وهرب .
ثم يتحرك فلم القصة حين يوقض الرجل الثمل هذا الفتى لأيصاله للبيت ، وفي الفلم يأخذنا الكاتب الى ضفاف شط العرب حيث القمر وحال الشط وهذيان السكران حين تنعشه أو تؤلمه النسمات الليلية ، وفي الفلم صور إنسانية مؤلمة لبشاعة الحرب ومأسيها .ثم تأتي لوحة النهاية حيث يجلس الفتى على جذع نخلة خاوي ولينهار الرجل الثمل بين فخذي الفتى راكعا ً مهينا ً رجولته العاجزة ومنتقما ًلنفسه من نفسه ،وفي هذا الرجل الشئ الكثير من والد الفتى .

في القصة الشئ الكثير من الواقع وفيها أيضا ًمن صنع خيال الكاتب وخصوصا ًموقفها الفكري من الحرب .وقد يؤخذ على
القصة أن كل أبطالها سلبيين فمن غير المعقول ألا تكون هناك إمرأة عصية على الإنهيار وقد تكون عامل قوي في إسناد الزوج الذي يواجهه الإحباط ومأسي الحرب . فالقصة سوداوية منذ البداية وحتى النهاية وأعتقد ما أراد أن يقوله الكاتب أن دمار الحرب وظلم الحاكم دفعا هذا المجتمع الضعيف الى الحد الذي أحرق فيه كل قيمه وتقاليده وثم إنهياره وهذا ما ظهر عليه المجتمع عندما إنهار النظام وبان كل شئ .هذا الواقع المر واقع التخلف والأمية هو ما سهل لقوى غير أصيلة بالسيطرة على عقول الناس والتحكم في مصائرهم وتمرير خبثهم ومخططاتهم بالتسيد والسرقات من خيرات الوطن والتي هي خيرات هذا الشعب و المغلوب على أمره .



#غازي_صابر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزياره المشؤومة
- الحوار المتمدن إسم على مسمى
- الصراعات الإقليمية والعراق
- كركوك وقشة البعير
- خال الحكومه
- قصة قصيره الخشبه والمسمار
- كوارث الفكر القومي والطائفي
- قصة قصيرة المقابلة


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي صابر - نجم والي وصحبه