|
علم السلالات البشرية ، هذه المرة سينفع البشرية
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2967 - 2010 / 4 / 6 - 15:00
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
ربما ما تسبب فيه علم السلالات البشرية من أذى للبشرية في الماضي يفوق ما تسبب فيه أي علم أخر ، بما في ذلك علم الفزياء النووية ، لأنه الأقدم في التأثير ، و الأكبر في عدد ضحاياه ، و الذين لازالوا يتساقطون لليوم . بسببه ظهرت العنصرية ، أو بررت ، و التي لازالت تمارس بدرجة أو أخرى ، و بشكل أو أخر ، إلى اليوم ، و منذ قديم الزمان ، و التي أحيانا ما دفعت البشرية إلى الحرب ، كما في الحرب العالمية الثانية . علم السلالات البشرية كان وبال على البشرية عندما كان يعتمد على المظاهر الخارجية ، مثل لون البشرة ، و مقاييس الأنف ، و مقاييس الجمجمة ، و مواصفات الشعر ، و ما إلى ذلك . لكن الأن ، و بعد ثورة الوراثة الجينية ، التي تعتمد على دراسة التركيب الجيني للفرد ، أعتقد إنه سينفع البشرية ، ليس فقط في ميدان الطب ، و إنما أيضا في ميداني الإجتماع ، و السياسية ، لأنه سيحطم مفاهيم قديمة خاطئة ، و يزرع أخرى جديدة أفضل . بالتأكيد أن حجم الدور الذي سيلعبة سيختلف من مجتمع إلى أخر ، فمثلا في دول الإتحاد الأوروبي لن يكون له تأثير كبير يذكر ، لأن تلك الدول قد تجاوزت فيما بينها الصراعات بين الثقافات ، و الأعراق ، و ذابت فيها الفواصل بين الطبقات ، فأصبح الحراك الإجتماعي حر بدرجة كبيرة ، و هناك حرب رسمية على التمييز ضد الأقليات . لكن في منطقتنا ، حيث لازالت هناك صراعات أساسها ثقافي - عرقي ، مثل الصراع الكردي - التركي ، و مثل التوتر بين المسلمين ، و المسيحيين ، في بعض البلدان ، و الصراع بين القومية العربية ، و القوميات المحلية ، و ما إلى ذلك ، فأعتقد أن علم السلالات البشرية الجيني ، أي المعتمد على دراسة التركيب الجيني ، سيغير الكثير من المفاهيم تدريجيا ، عندما يتغلغل ما توصل إليه إلى عقل الفرد غير المتخصص ، و بخاصة عندما يصبح أقرب للمواطن العادي ، فيصبح بإمكان الفرد تحليل تركيبه الجيني بتكلفة بسيطة . لو أخذت مثال الصراع الكردي - التركي ، الذي يرتكز على مفهوم سلالاتان بشريتان مختلفتان ، لهما لغتان مختلفتان ، سنجد أن علم الوراثة الجينية يثبت أن سكان الأناضول الأتراك ، هم في أغلبهم أبناء منطقتهم ، و ليسوا أتراك وافدين ، و إنما إكتسبوا اللغة التركية ، و أنهم يشتركون و الأكراد في الكثير من الميراث الجيني ، خاصة الأكراد الأقرب إليهم جغرافيا . عندما يتغلغل هذا المفهوم الحديث ، المبني على أسس علمية غير قابلة للدحض ، فإن حدة النزاع الكردي - التركي ستقل ، إن لم يخمد النزاع في المستقبل ، لأن الأتراك لن يتمسكوا بفرض لغة إكتسبوها ، و الأكراد سيعلمون إن الأتراك ليسوا إلا جيران أقدمين لهم ، يشتركون معهم إلى حد كبير في الأصل العرقي . في مصر هناك توترات تطفو على السطح بين حين و أخر بين المسلمين ، و المسيحيين ، و هناك النزاع الثقافي المعروف منذ النصف الأول للقرن العشرين ، بين العروبيين ، و الفرعونيين . ما يخبرنا به علم الوراثة الجينية عن العروبة في مصر يعد بالفعل مفاجأة ، فبحسب دراسة نجد أن تسعة عشر بالمائة فقط من العينة تحمل نفس الهابلوجروب الذكري الذي يرتبط بالقبائل العربية ، و في دراسة أخرى أجريت على عينة من منطقة المنصورة بشمال مصر ، كان تسعة بالمائة فقط من أفراد العينة يحملون نفس الهابلوجروب المشار إليه ، بينما في عينة من منطقة الأقصر ، كان حوالي واحد و عشرين بالمائة يحملون نفس الهابلوجروب ، و هو ما يعني إنه لم يصل أبدا إلى خمسين بالمائة ، حتى بإفتراض أن كل حملة الهابلوجروب المعني ، و هو : جي وان ، عرب ، و هو أمر غير صحيح ، لأن هناك شعوب أخرى غير عربية تحمله بدرجات مختلفة ، مثل : اليهود ، و الأثيوبيين ، و بعض العرقيات في القوقاز ، و الإيرانيين ، و الأتراك ، و اليونانيين ... إلخ . و في دراسة أجريت على عينة من الأقباط المقيمين بالسودان ، كانت النسبة تصل إلى تسعة و ثلاثين بالمائة ، على إنني أعتقد إنه لا يمكن تعميم هذه النسبة العالية على مجموع المسيحيين المصريين ، لأنها أجريت على عينة معزولة تقيم ببلد أخر منذ أجيال ، و لكن لا يمكن أيضا تجاهلها ، لأنها تثبت وجود نسبة لا بأس بها من المسيحيين المصريين تشترك و العرب في نفس الأصل . النسبة المنخفضة للهابلوجروب جي وان ، الذي ينتشر بين العرب ، لا تعني إنتصار للفرعونيين ، لأن نفس الدراسات التي أجريت في مصر ، أثبتت أنه لا يوجد هابلوجروب ذكري واحد - حتى لو كان نشأ في مصر - وصلت نسبته إلى خمسين بالمائة . ما يقوله لنا علم الوراثة الجينية ، و ما تقوله له عيوننا ، إننا شعب متعدد الأصول ، من غرب أفريقيا هناك مصريين الأن ، و من أقاصي جنوب السودان ، و من هضاب أثيوبيا ، هناك مصريين أيضا ، و من أعالي جبال القوقاز ، و من سهوب أواسط أسيا ، و من أوروبا ، هناك مصريين اليوم ، و لكننا متجانسين ، بفعل الإختلاط المستمر ، و هذا التجانس هو ما تلمحه عيوننا ، و تنطق به أفواهنا ، عندما نقول : هذا ملامحه مصرية . لا يتسع الحيز للإسهاب في إيراد أمثلة أكثر ، و لكن أوجز فأقول : هناك تغير سيحدث لا شك بين النوبيين ، بعد الدراسة التي أثبتت أن واحد و أربعين بالمائة منهم يحملون نفس الهابلوجروب الذكري الذي يحمله العرب ، بما يفوق نسبة تواجد نفس الهابلوجروب بين الجعليين ، و المتباهين بعروبتهم على الدناقلة النوبيين . أيضا بشأن الجدل الدائر حول تسمية الخليج الفارسي أو العربي ، علم الوراثة الجينية يثبت أن هناك تبادل سكاني حدث بين الضفتين ، فإذا كانت هناك قبائل عربية تقيم على الضفة الشرقية ، أو الإيرانية ، فإن التأثير الجيني القادم من بلاد فارس واضح في الضفة الغربية للخليج ، و هو ما يؤكد صحة ما ذكرته المصادر التاريخية المختلفة عن هجرات فارسية قديمة هاجرت إلى الساحل الشرقي للجزيرة العربية منذ أيام الإحتلال الإغريقي لبلاد فارس ، و إستمرت هذه الجداول في الإنسياب إلى العصر الحديث . من السهل الأن القول بإن علم السلالات البشرية ، المعتمد على الوراثة الجينية ، سيقضي على الكثير من المفاهيم الخاطئة الراسخة الأن ، و بالتالي سيغير الكثير من المظاهر الثقافية - الإجتماعية ، و السياسية ، في منطقتنا ، للأفضل ، و ذلك بعد أن يتغلغل ما توصل إليه إلى عقول الشعوب . مهمتنا الأن أن ننزل هذه النتائج ، من الأوراق البحثية ، إلى عموم المواطنين ، بلغة مفهومة للمجموع ، لو أردنا وجه أخر لمجتمعتنا ، تضمحل فيه مظاهر العنصرية .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
و حقوق الإنسان تأتي بالديمقراطية
-
مشروع إنهزامي لا شأن لنا به
-
حسني مبارك أخر حكام أسرة يوليو ، أو الديكتاتورية الأولى
-
البوركا الساركوزية لم تكن سابغة بما يكفي
-
الديمقراطية الناضجة تلزمها ديمقراطية
-
لا يا توماس ، الديمقراطية مارسناها قبل 2003
-
آل مبارك يعملون على تدمير الجيش ماديا و معنويا
-
إسرائيل لا تغلق الباب تماما مثلنا
-
و أين شفاء الصدور لو نفق قبل محاكمته ؟
-
عندما ننضج فكريا سنتعاون على أسس صحيحة
-
توماس فريدمان يتجاهل البيئة السياسية كعامل حاضن للإعتدال الد
...
-
حتى لا تصبح ديمقراطياتنا مثل ديمقراطية رومانيا
-
المصرفي الصالح لا يسرق عملائه يا جيمي
-
الحرب الدينية ، لو قامت ، فلن تكون إلا إسلامية - إسلامية
-
الشعب الإيراني يتطلع لمصدق أخر ، و ليس لشاه ، و يرفض ولاية ف
...
-
شبيبة مبارك ، و هلال معقوف ، نظرة للتغيرات الثقافية ، و السي
...
-
الجمالية ، خير إسم للعقيدة الإقتصادية التي تحكم مصر
-
النضال الحوثي ، نضال لمضطهدين ، و ليس نضال لبناة دول و مجتمع
...
-
حماس باقية ، ما أبقت قيادها في يد متطرفيها ، و كبحت معتدليها
-
دلالات الإنجاز الحوثي
المزيد.....
-
نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال
...
-
طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال
...
-
اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ
...
-
مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
-
-سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان
...
-
بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
-
السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
-
مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار
...
-
محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ
...
-
-إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|