أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عبدالكريم العبيدي - شهادة دموية مكتوبة برائحة شواء لحم العراقيين














المزيد.....

شهادة دموية مكتوبة برائحة شواء لحم العراقيين


عبدالكريم العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2966 - 2010 / 4 / 5 - 12:18
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


في صبيحة أحد أحمر جديد كنت قريب جدا من انفجار وقع في صبيحة شقيقه الأحد الدامي الثاني الذي حصل في شهر تشرين الأول الماضي.
عبرت جسر السنك ووصلت إلى دائرتي، جلست على ذات الكرسي اللعين، وقبل أن أحتسي الشاي دوى انفجار مرعب هز الجدران.
بعد دقائق كنت في وسط فوضى الانفجار القريب من السفارة الإيرانية.
شاهدت الدم العراقي المسفوح، شاهدت رجال الإطفاء والجيش والشرطة، شاهدت الجثث المتفحمة والجرحى ، ورأيت النساء والأطفال وسمعت الصراخ المتداخل مع أصوات الرصاص وزعيق سيارات الإسعاف، مشاهد "كوبي بيست" من مشاهد الأحد الدموي السابق.
ارتجفت يداي وسرت بجسدي رعشة، هي ذات رعشة الأحد الدامي السابق، ورحت أعيد قبالة تلك المشاهد الدامية مشاهد الأحد الآخر التي سأرويها لكم متمنيا أن تصبروا على قراءتها مثل صبرت أنا على إعادتها.
استجابت سيارة "الكيا" لسائقها بعد محاولات عديدة وتحركت بصعوبة من بين طوابير السيارات الواقفة. وفي الساعة العاشرة والنصف دوى انفجار هائل في طرف جسر السنك من جهة الكرخ.
كانت السيارة قد عبرت نصف الجسر وتوقفت "بقرار إرهابي مفاجئ". تحطم زجاج نوافذها ومقدمتها وانهالت عليها الشظايا وأجزاء عديدة من حطام السيارات القريبة من الانفجار، ترافقها رؤوس بشرية وأذرع وسيقان وأقدام وكتل لحمية بشعة!، نعم رؤوس وووو....
قفز الراكبون الفزعون من السيارة وسط موجة مرعبة من صراخ النساء وبكاء الأطفال وأحاديث الرجال المبتورة والمنفعلة والهائجة.
كنت آخر من نزل بصعوبة من السيارة، وكان أول من استقبلني على أرضية الجسر "وذرة لحم" تزن كيلو غرام تقريبا. كتلة لحمية بشعة يغطي سطحها الخارجي الشعر أما باطنها فما زال أحمرا ويقطر دما.
أحد الركاب صرح وهو يتفحص غيمة الدخان الكثيفة: هذه سيارة مفخخة انفجرت على ما يبدو أمام باب مبنى المحافظة.
قبل أن أتحاشى الاصطدام برأس شاب عراقي مقطوع ومرمى في وسط الجسر دوى انفجار هائل آخر في نهاية شارع مبنى شبكة الإعلام العراقي وهو شارع فرعي قصير يقع بين مكاني الانفجارين.
ـ هذه سيارة مفخخة أخرى انفجرت قرب مبنى وزارة العدل، جملة أطلقها أحد المسرعين بجريهم فازدادت الشكوك بوقوع انفجار ثالث وعم الاضطراب والفوضى على طول الجسر.
اجتزت كتلة لحمية آدمية أخرى مرمية على أرضية الجسر، ولكنني واجهت صعوبة في تحاشي العديد من الرؤوس والكتل اللحمية الأخرى. شاهدت أذرع وكفوف وسيقان وعظام مسلوخة الجلد. شاهدت أصابع كف مقطوعة وأجزاء مشوهة ونتف لحمية عديدة، وكلما حاولت أن أتحاشى النظر إلى رأس بشري مقطوع وجدت أنظاري مصوبة تجاه كف مقطوع أو قدم طفل أو كتلة لحمية. كنت أطأطأ برأسي مثل الكثير من السابلة المرعوبين الذين كانوا يحاولون تجنب سحق رأس مقطوع أو نصف جثة مقلوبة أو بقايا من كف.
كان أكثر ما يبعث على القيء والغثيان هي رائحة الشواء، شواء اللحم البشري العراقي الممزوج برائحة الدم والدخان والغبار والأتربة والغازات الخانقة، وكانت ترافقها أصوات إطلاق العيارات النارية وصراخ النساء وبكاء الأطفال. ووسط تلك الفوضى تمكن رجال الدفاع المدني من إخماد النيران بخراطيم مياه تحولت إلى بحيرة دم العراقيين، كما تمكنوا من انتشال عشرات الجثث أو أجزاء مشوهة ومتفحمة منها. جثث كانت قبل دقائق معدودة تمثل كائنات بشرية عراقية، رجال ونساء يرافقهم أطفال كانوا يراجعون دوائر مجلس المحافظة لغرض انجاز معاملاتهم المزمنة والقديمة، وكان معهم حراس المبنى وسائقي السيارات والمارة.
شاهدت جثثا داخل سيارات محترقة، وجثثا مرمية على الشارع وأخرى على الرصيف وتحت الأنقاض. ورأيت جثثا مسحوقة ومشوهة تحت الكتل الإسمنتية المحطمة وبين الكتل الصخرية وأسفل الجدران. وحزنت لجثة رجل كان يحاول الهروب من سيارته فعلق بالباب واحترق مع سيارته.
لم أمكث في دائرتي طويلا، عدت مرعوبا فزعا إلى البيت وأغلقت باب الغرفة وشرعت بالبكاء.
في المساء استجبت لا إراديا لمحاورة أصدقائي عبر الماسنجر ولا أدري أي كائن كان يحاورهم!؟.
تعالوا نطلع معنا على مقطع صغير من هذه الوثيقة الماسنجرية التي حوت حوار فنطازي مطول دار بيني وبين صديقي الروائي كريم كطافة المقيم في هولندا:
[email protected] zei (17:28):
داهمتني رؤوس متطايرة
أذرع
أقدام
جثث متطايرة
وذر لحم بشعر ودم
Kareem zei (20:03):
يمعود اقلقتني خو ما بيك شي؟؟
Kareem Alubaidi zegt:
فقط رضوض ولكن مرعوب وأبكي بحرقة وأرتجف
رؤوس بشرية
أذرع
سيقان
وذر لحم بيهه شعر رأس
Kareem zei (20:07):
أنا حاولت الهروب من سماع الأخبار.. زوجتي نادتني قلت لها اعفيني.. لا أتحمل شماتة قنوات البعثيين
Kareem Alubaidi zegt
رؤوس بشرية ندوس عليها بأقدامنا
كي نصل للدائرة
الماء
الذي استخدمته سيارات الاطفاء
كان سيل من الدم على الشارع
ماء أحمر
أحمر كريم
ليش؟
ليش؟
أنا مرعوووووب
في روايتي الأخيرة
البطل يخاطب صديقه
جا هلبت كسرنه خاطر الله!!!؟؟
Kareem zei (20:36):
الله، أمي في إحدى صلواتها، كان دعاءها: يا ربي أنت ليش ما تنتقم من الإرهابيين.. جا أنت ما تشوفهم شيسوون بالوادم.. ياربي جا شنهي انت ارهابي مثلهم ..؟
مثل هذا الحوار أو مقاطع شبيهة له تضمن أبيات شعرية وآراء وكلمات أغاني قديمة "!؟" حصل مع الكثير من أصدقائي في تلك الليلة المليئة برائحة شواء اللحم العراقي الفواحة!.
قبل شروق شمس صباح الاثنين آويت إلى النوم، وفي حوالي الساعة الواحدة ظهرا استيقظت، فشعرت كمن أفاق من مخدر بعد خروجه من غرفة العمليات، ولكنني كنت لا أختلف عن أي جثة شاهدتها أمس، لا أختلف إلا بكوني جثة ما زالت تشعر بالألم والأسى والرعب وهو فارق يسجل لصالح جثث بحيرة دم الأحد حتما.



#عبدالكريم_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفردات برلمانية تغزو الشارع العراقي الآن
- 1/7 تاريخ كاذب لمواليد العراقيين على مدى قرن
- صورة -فكاهية- من داخل المعتقلات الصدامية
- البعث و ضرورة المراجعة الذاتية


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عبدالكريم العبيدي - شهادة دموية مكتوبة برائحة شواء لحم العراقيين