أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - علي شكشك - الخروج من الذات-حالة منفي-














المزيد.....

الخروج من الذات-حالة منفي-


علي شكشك

الحوار المتمدن-العدد: 2961 - 2010 / 3 / 31 - 21:22
المحور: الصحافة والاعلام
    


الخروج من الذات
"حالة منفى"
علي شكشك
من ترابٍ نحن, ومن جاذبية, من ترابِ وجاذبيةِ هذا الوطن, نُطلُّ على العالم من شرفة بحرِه ونتعمّدُ بماء نهرِه المقدَّس, من هنا كان البدءُ, والزيتون, والبشارة, إشراقةُ الروح, ومعراجُها إلى السماء, فنحن من طينِه نُفِختْ فينا الروح,
وتمتدُّ الذاتُ والصفاتُ من لحظة ذاكرتها وكرامتها في الألوان والأشكال, تُحاورُها وتُمازجُها, لتمتدَّ فيها وتُصبِحَها, فلا تعودُ الذاتُ مجرّدَ هي, وإنّما تَصيرُ السياقَ كاملاً في الأفق الممتدّ والمناخ وما وراءَ التلِّ وانبساطِ السهل واخضرار الأفق ولوحة الروح في المدى وهاجس اللحظة الآتية, وغموض الذكريات ووسادة التاريخ, وكيمياء الأمثال, وغرائب الجدات, وسنديان الآمال, وطرائف الخلان, وأكسير كلّ الوجود, من طقوس الولادة إلى الاطمئنان بالدفن في ذات التراب, فقد اطمأنّ القلقُ هنا إلى أمانة الطين وبِرِّ المرعى, كأنما الذات وهي التي تعني كلَّ تلك الكتلة المُدرَكة في السياق, قد أمِنت للسياق بما هو منها في حياتها وفي مماتها,
من هنا آلام الخروج, حين يكون اختياريّاً, فهو يقتضي تمزقَ الذات, واستغراقَها في توتّر الشدِّ الذي لا ينتهي إلا بانتهاء الخروج وتكاملِ الذات معها من جديد, ويَنشأ جرّاءَ ذلك كلُّ ما يُعرف في التاريخ والآداب من تجليات الشوق والفراق والحنين, وما أدب المهجر إلا واحدٌ من تمظهرات تلك المعاناة,
فكيف حين يكون الأمرُ قسريّاً وقهريّاً, ولا يبدو له في الأفق نهاية ولا يُؤمل في مَنْ فَرَضَه رجاء, وكيف حين يكونُ الأمرُ جمعيّاً, وكيف حين يكون الأمر في سياق الحالة الفلسطينية حيث يقصدُ العدوُّ إبعاد الإنسان نهائيّاً, ويعمد إلى إغلاق كلّ طاقات الأمل ومسامّات العودة, ويتفنّن في تلمّس الحيثيات والمناسبات لانتزاع الذات من الذات, وإحراقها في أتون المنافي والمتاهات,
ويبلغ الأمرُ ذروته حين تكون الصياغة تفترضُ أن لا سياق لنا, ولا ذات, وحين تكون الحالةُ كلُّها تهدفُ إلى نفينا الكامل والنهائيّ من الجغرافيا والتاريخ, وتستولي بأثرٍ رجعيٍّ علينا, وتحاول أن تسلب بالقوة ماضينا وتزوّر هويتنا, وأن تحتلَّ مستقبلنا في عماءٍ كاملٍ عن الحق ومعاندةٍ طاغية للحقيقة, مما يُفسّرُ العبث الجنوني الذي يصبغ سلوكها, والتعسف اللامعقول في ممارسة النفي والإصرار عليه, وهو السلوك الذي يكمن في كل إجراءاتها ونواياها, إلى درجة أنها تعتبرُ الفلسطينيين مقيمين مؤقتين, كأنما هم مصابون برهاب الجذور, ويتلذذون باقتلاع كلّ جذرٍ سواءٌ كان لبشرٍ أم شجر, وبسلب كل رمزٍ للانتماء, أو بيتٍ نركن إليه, ويحفرون لتدمير دلالاتنا والخيوط التي تدل علينا, كمرضى يتوسلون ما يعرفون أنهم لن يجدوه, وحين يخيب ظنهم يمعنون في جنون نفينا,
حين يتحوّلُ الأمرُ إلى مرضٍ عضال, يرومون الشفاء منه بإخراجنا منا, تاريخاً ومقدّساً وسياقاً, نستطيع أن نفهم كلَّ هذا الهراء, وكلَّ هذا المجون,
فهم ينفون الأرضَ منا وينفون اللاجئين في كل الاتجاهات, لاجئون في قراهم داخل الخطِّ الأخضر مرشحون للجوءٍ آخر, ولاجئون في باقي أجزاء الوطن مرشحون للّجوء, ولاجئون على مشارف الوطن مرشحون لكل الاحتمالات,
ومبعدون آخرون نعلمهم أو لا نعلمهم, كلٌّ باسمه ولقبه, حسب الحيثية والمزاج, بعضهم مع الانتفاضة أو مرج الزهور وبعضهم بعد انتهاء فترة السجن, وبعضهم بعد حصار المهد,
بعضهم يُنفى إلى خارج الحدود, وآخرون داخل السجون, وفي الحالتين يمارس التشويه على المدركات, وتخضع الروح والحواس للتمثيل, وتتقطع حروفهما وخيالاتهما, وهي تُغتصب من سياقها ومتن ذاتها, وتوضعُ الحدودُ والأسلاكُ في درب انسجامها وهي التي تشدُّها ذاتُها إلى ذاتها, مع احتمالِ تمزّقِ شرايينها وأرواحِها, وعودةِ الغائب للغائب نَزْفاً أو اكتمالاً, فما يهمُّ هو نفيُ المنفى موتاً أو حياةً.



#علي_شكشك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من قتل عبدالله داوود
- الخراب
- فجيعة الحقيقة
- في اللامعقول
- ماذا لو ؟
- استدراج
- لسان الجرح المبين
- صورتان
- كل عام ونحن كما نحن
- هواري بومدين -صوفية السياسي -
- مجرّد عِناد
- بياض صمتها
- القدس في آخر العام
- حول الملعب
- مايعجز الكلام
- النيوءة
- نحن لا غودو
- ترجمان الاشواق
- الزمن الثقافي الفلسطيني
- موجز الكلام- فتحي الشقاقي-


المزيد.....




- من أجل صورة -سيلفي-.. فيديو يظهر تصرفا خطيرا لأشخاص قرب مجمو ...
- من بينها الإمارات ومصر والأردن.. بيانات من 4 دول عربية وتركي ...
- لافروف: روسيا والصين تعملان على إنشاء طائرات حديثة
- بيسكوف حول هجوم إسرائيل على إيران: ندعو الجميع إلى ضبط النفس ...
- بوتين يمنح يلينا غاغارينا وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة
- ماذا نعرف عن هجوم أصفهان المنسوب لإسرائيل؟
- إزالة الحواجز.. الاتحاد الأوروبي يقترح اتفاقية لتنقل الشباب ...
- الرد والرد المضاد ـ كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟
- -بيلد-: إسرائيل نسقت هجومها على إيران مع الولايات المتحدة
- لحظة تحطم طائرة -تو-22- الحربية في إقليم ستافروبول الروسي


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - علي شكشك - الخروج من الذات-حالة منفي-