أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - النـكــوص الـديمقــراطي















المزيد.....

النـكــوص الـديمقــراطي


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 902 - 2004 / 7 / 22 - 04:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لفتنا النظر في مقال سابق إلي أن الطبقة السياسية أصبحت سميكة الجلد حتى في الديمقراطيات العريقة. وضربنا أمثلة عديدة علي ذلك، من أبرزها احتراف بعض أرباب السياسة للكذب، وتمسكهم بمواقعهم و مقاعدهم حتى بعد أن يتم ضبطهم متلبسين بالجرم المشهود. والمثال "النموذجي" لذلك هو الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وذيله الإنجليزي توني بلير اللذان تعمدا تضليل الرأي العام في بلديهما، وفي العالم بأسره، وترويج مبررات للعدوان علي العراق واحتلال أراضيه واضطهاد شعبه، وهي مبررات ثبت بالدليل الدامغ أنها كلها كاذبة. وما زال الاثنان متشبثان بتلك السياسة الاستعمارية ومتشبثان أيضا باستمرارهما في مقاعد الحكم.
المثال "النموذجي" الثاني هو وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد الذي لم يجد مفرا من الاعتراف بالممارسات الوحشية والبربرية لقواته ضد المعتقلين وأسري الحرب العراقيين بعد أن تسربت الصور التى تكشف النقاب عن هذه الفضيحة التى هزت ضمير البشرية بعنف، ومع ذلك فإنه قال بوقاحة مذهلة أنه يتحمل المسئولية لكنه لن يستقيل من منصبه بأي حال من الأحوال!
وقلنا أن عشر معشار هذه الأكاذيب و الانتهاكات كان كفيلا في السابق بالإطاحة بأكبر الرءوس، بل إن مجرد "الاشتباه" في التورط فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة كان كافيا لمبادرة المسئول "المشتبه فيه" بتقديم استقالته والتنحي عن موقع المسئولية حتى لا يكون وجوده في هذا الموقع مؤثرا علي نزاهة تحري الحقيقة.
وتساءلنا عما إذا كان افتقاد الطبقة السياسية للحساسية "عرضا" لـ "مرض" يتعدي حدود الصفات الشخصية لأرباب السياسة المحدثين ويمتد إلي الديموقراطية المعاصرة ذاتها.
ويبدو أن هناك بالفعل أزمة تمسك بخناق الديموقراطية، حتى في الديموقراطيات العريقة. أو علي الأقل أن هناك تحديات مستجدة تواجه هذه الديموقراطيات.
وهناك مظاهر مختلفة لهذه الأزمة أو تلك التحديات.
خذ علي سبيل المثال ذلك التباعد المتزايد، الذي يصل في بعض الأحيان إلي التناقض الصريح، بين الناخبين وبين القيادات الممثلة لهم. فالمفروض أن هذه القيادات التى وصلت إلي مقاعد الحكم عن طريق صناديق الاقتراع "تمثل" إرادة الناخبين الذين أعطوهم أصواتهم و ثقتهم. لكن واقع الحال يقول لنا شيئا مختلفا تماما بدليل أن حكومة توني بلير العمالية التى فازت بأغلبية أصوات البريطانيين تمارس سياسة خارجية يرفضها 65% من الشعب. ورغم أن الرأي العام الإنجليزي عبر عن اعتراضه علي السياسة الخارجية لحكومته، بالمظاهرات واستطلاعات الرأي وكافة أشكال التعبير، فإن الحكومة سادرة في غيها ضاربة عرض الحائط برأي الناس.
وإنجلترا ليست النموذج الوحيد لذلك علي أي حال، الأمر الذي يعطي مشروعية للتساؤل حول "مأزق الديموقراطية" خاصة بعد الترويج لأفكار وسياسات معادية للديموقراطية والحريات بحجة محاربة الإرهاب تهدد بالاعتداء علي "ثوابت" في قلعة من قلاع الديموقراطية مثل أمريكا!
خذ علي سبيل المثال أيضا ظاهرة تزايد نسبة المقاطعين للانتخابات في الديموقراطيات العريقة، أو العازفين عن المشاركة فيها حتى بالاقتراع، وهي ظاهرة أطلق عليها بعض الباحثين اسم "النكوص الديموقراطي" . ويضرب لنا جورج طرابيشي مثالا لهذا "النكوص الديموقراطي" بنتائج الدورة الأولي من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التى جرت في ربيع 2002 ، التى تعد-في رأيه- أفصح مؤشر علي فقدان الطبقة السياسية المحترفة صفتها التمثيلية للجسم الانتخابي. حيث تبين الأرقام أن جاك شيراك لم يحصد في حينه سوي نحو 5.7 مليون صوت، أي ما يعادل 12.5 في المائة فقط من إجمالي أصوات الناخبين النظريين (45 مليون صوت افتراضي) ، كما لم يحصل منافساه الرئيسيان ليونيل جوسبان وجان ماري لوبن سوي علي 4.6 و 4.8 مليون صوت علي التوالي، أي ما يعادل 10.1 و 10.6 في المائة من إجمالي أصوات الناخبين النظريين، أما مجموع الأصوات التى نالها ثلاثتهم معا فلم يتعد 15 مليون صوت، أي ما يعادل الثلث فقط من جملة الجسم الانتخابي المفترض.
وهو نفس الأمر الذي تكرر بصورة أو بأخري في أغلب الانتخابات في أعرق الديموقراطيات، وكان آخر تجلياتها في انتخابات البرلمان الأوربي.
فلماذا خاصم الناخبون صناديق الاقتراع؟ وألا يعد هذا "النكوص" دليلا كافيا علي أن الديموقراطية في خطر؟
واذا كان عزوف الناس عن المشاركة في العملية الديموقراطية بكثير من بلدان العالم الثالث يمكن تبريره بعدم نزاهة اللعبة الانتخابية و تراث الاستبداد الذي لا يزال يجثم علي أنفاس خلق الله، فماذا عساه أن يكون سبب عزوف الناخب الفرنسي أو السويدي أو الهولندي حيث لا يوجد تزوير انتخابات و لا تصويت للموتي ولا استبعاد للأحياء؟!

السؤال ينقلنا إلي مظهر آخر من مظاهر الأزمة، يتمثل في "الضمور السياسي" و بخاصة للأحزاب السياسية التى كانت في الأيام الخوالي محرك الحياة الأساسي، ليس في السياسة فقط وإنما في كافة المجالات المجتمعية و الثقافية الأخري.
هذا الدور المهم الذي لعبته الأحزاب السياسية في العقود السبقة انكمش جدا في الوقت الراهن، بعد أن فقدت الأحزاب السياسية أهم صفة من صفاتها، والتى هي في حقيقة الأمر مبرر وجودها، نعني كونها أحزابا "جماهيرية" .
هذه الصفة "الجماهيرية" كانت فيما يبدو انعكاسا للثورة الصناعية التى حشدت "الجماهير" في مؤسسات وشركات عملاقة. فالمصنع يضم داخل أسواره آلافا مؤلفة من العمال والعاملين الذين يشتركون في العملية الانتاجية ذاتها وتجمعهم بالتالي في ظروف وهموم وطموحات مشتركة.
وبهذا المعنى كان الحزب السياسي هو ابن الثورة الصناعية.
وعلي عكس هذه الصفة "الجماهيرية" في العملية الإنتاجية، جاءت الثورة المعلوماتية والتكنولوجية لتزرع صفة "الفردية". فأنت تجلس علي الكمبيوتر "وحدك"، وتدخل علي شبكة الإنترنت وحيدا، ويمكن أن يمارس الملايين أعمالهم الآن من منازلهم أو من مواقع منفردة، وليس من خلال "خطوط الإنتاج".
فهل الانكماش الذي تعاني نه الأحزاب السياسية انعكاس للنقلة الموضوعية من عصر الثورة الصناعية إلي عصر الثورة المعلوماتية، و من عصر "الجماهيرية" إلي عصر "الفردية" ؟
وهل أصبحت "شبكات" المجتمع المدني هي البديل العصري عن الأحزاب السياسية التقليدية؟ أو علي الأقل أنها في الطريق إلي وراثتها؟
وهل أصبحت الفضائيات و شبكة الإنترنت أكثر تأثيرا من الأحزاب كما عرفناها من قبل (زعيم و جريدة و جمهور طبقي) ؟
وهل طرحت معطيات الثورة التكنولوجية والمعلوماتية أوضاعا سياسية و اقتصادية غير مسبوقة تفرض بدورها استجابات ومبادرات لا سابق لها، منها علي سبيل المثال سياسات "العولمة" المتوحشة وفي مقابلها العولمة البديلة التى يمكن وصفها أيضا بأنها "مقاومة معولمة"، علي النحو الذي نراه في الاستقطاب الحالي بين منتدي دافوس ومنتدي بورتو ألليجري. فالأول يمكن تسميته بأنه "الدولية الرأسمالية" والثاني تحالف عالمي واسع من الشبكات المناهضة لمؤسسات بريتون وودز وسياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي و منظمة التجارة العالمية، ويضم فلاحين من فرنسا و نقابيين من الأرجنتين وناشطين من الهند و بلاد تركب الأفيال.
إن التساؤلات و الإشارات السابقة تدل من ناحية علي أن البشرية عموما تمر بمنعطف تاريخي نتيجة دخول ثالث ثورة بعد الثورتين الزراعية و الصناعية، وتدل من ناحية ثانية علي أن هذا المنعطف بكل ما يحمله ن أعراض و أمراض الفترات الانتقالية ومراحل التحول هو المسئول أساسا عن ظاهرة "النكوص الديموقراطي".
والسؤال الذي يهمنا بدرجة أكبر هو : إذا كان هذا النكوص يحدث في الديموقراطيات العريقة، فماذا عساه أن يكون تأثير هذا المنعطف التاريخي علي بلدان العالم الثالث التى عانت طويلا من "إجهاض" الديموقراطية و ليس مجرد "النكوص" عنها.
صورة المستقبل ليست ملطخة بالسواد الحالك تماما.. بدليل ما يحدث في الهند (في آسيا) و أسبانيا (في أوربا) والبرازيل (في أمريكا اللاتينية) .. وهي نماذج تشير إلي أن الناس لا يستقيلون من "الديموقراطية"، وإنما يعزفون عن طبقة سياسية "محترفة" ولعبة سياسية لم تعد نظيفة. ولهذا حديث آخر.



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤتمر طهران يفتح النار على منظمة التجارة العالمية
- حكاية الصحفيين مع وزارة نظيف.. وكل حكومة
- صـديـق إسـرائيـل يحـاكـم صـدام حســين
- لماذا هذا التلذذ بحبس الصحفيين؟!
- الـــوفــــد
- الصحفيون ليسوا قضاة.. لكن الوزراء ليسوا آلهة
- !استئصال الناصريين
- العرب مذلون مهانون فى قمة الثمانية الكبار
- مكسيم رودنسون .. مفكر وضع أصبعه فى عين - حكيم أوروبا -
- شاهد عيان فى عنبر المعتقل وبلاط صاحبة الجلالة - شهادة مقدمة ...
- لماذا أصبحت الطبقة السياسية سميكة الجلد؟!
- خصخصة حق تقرير المصير.. هى الحل
- مهرجان »كان« السينمائي أهم من قمة تونس العربية
- يحيا العدل.. الأمريكي !
- اكبــر ديمقـراطيـة .. فى بـــلاد تركب الأفيــال
- الغضب .. أفيون العرب!
- جــريمـــــة الـقــــرن الحــــادي والعشـــــــرين
- الــــــورطــــــــــة !
- - وعد بوش - .. لاقامة إسرائيل الكبرى
- حكاية سيدة محترمة اسمها - ميريام - اطلبوا الإصلاح .. ولو من ...


المزيد.....




- مصور بريطاني يوثق كيف -يغرق- سكان هذه الجزيرة بالظلام لأشهر ...
- لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس ...
- عمرها آلاف السنين..فرنسية تستكشف أعجوبة جيولوجية في السعودية ...
- تسبب في تحركات برلمانية.. أول صورة للفستان المثير للجدل في م ...
- -المقاومة فكرة-.. نيويورك تايمز: آلاف المقاتلين من حماس لا ي ...
- بعد 200 يوم.. غزة تحصي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية
- وثائق: أحد مساعدي ترامب نصحه بإعادة المستندات قبل عام من تفت ...
- الخارجية الروسية تدعو الغرب إلى احترام مصالح الدول النامية
- خبير استراتيجي لـRT: إيران حققت مكاسب هائلة من ضرباتها على إ ...
- -حزب الله- يعلن استهداف مقر قيادة إسرائيلي بـ -الكاتيوشا-


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - النـكــوص الـديمقــراطي