أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - مرح البقاعي - فن تدوير العنف














المزيد.....

فن تدوير العنف


مرح البقاعي

الحوار المتمدن-العدد: 2961 - 2010 / 3 / 31 - 20:15
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


على ضفاف نهر هادسن من مدينة نيويورك، وفي احتفال مهيب حضره كل من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تمثيلاً للرئيس باراك أوباما، وجانب من ضباط وجنود البحرية الأميركية، وجمع من عائلات ضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر، دشّنت البحرية الأميركية مراسم إطلاق السفينة يو اس اس نيويورك USS New York، وأعلنت إدخالها إلى الخدمة في سلاح البحرية الأميركي، وفي مهمة محددّة وهي مكافحة الإرهاب في العالم.

يتشكّل قوس السفينة البرمائية العملاقة من 7.5 طناً من الفولاذ المصهور من بقايا حطام برجي التجارة العالميين في نيويورك، أما كلفة بنائها فبلغت 1.2 مليار دولار أميركي. وتَعْرض قمة السفينة صورًا من البرجين المتهاويين، وملامح مأخوذة من الهندسة المعمارية لأبنية مدينة نيويورك، المدينة العنقاء القائمة من رمادها، والتي سارعت إلى التعامل مع الهجمات الشرسة التي تعرّضت لها بسرعة نوعية وجسارة لافتتين، ولملمت جراحها لتستأنف حياتها الطبيعية على مرارة الحدث الذي هزّ الأرض بيد والسلم الدولي باليد الأخرى. جرت أعمال بناء السفينة في ميناء مدينة نيوأورلينز من ولاية لويزيانا، المدينة الناجية أيضا من إعصار صاغته غضبة الطبيعة هذه المرة، وليس غضبة البشر!

ومدينة نيويورك ليست بالحاضرة العادية، ولا سفينتها التي ارتفعت من الفولاذ المصهور لحطام برجيّ مركز التجارة العالمي في نيويورك اللذين انهارا على أجساد ثلاثة آلاف مدني أميركي ونيف في مراكز عملهم من صباح محتوم، يمكن أن تكون سفينة حيادية!

نيويورك توليفة للمجازات الكونية، أو نبتة ماردة من حديد ملويّ، أو امرأة نصف عارية تتلوى على سطح مياه هادسن الشاهدة.
نيويورك اسم ما وُلِدَ من الأرض، ومما تبقّى من الأرض أيضا.
من اسمها تنفجر حبات المطر اللامعة كخيوط من الفضة الموصولة تبلل الروح حين تجول في كثافة حي بردواي الطافح بشهوات فنون الأرض قاطبة.
من اسمها تركض سفن الغابات الإسمنتية، وسفينتها الأخيرة ارتفعت من صراخ قتلاها وقد تتطايروا من شرفات أحلامهم في الطوابق 90 ـ 81 ـ 95... وما فوق، وسقطوا كُراتٍ من غبار في سلال مِن قشّ مَن نجى من طوفان العصر ـ كاترينا في مدينة نيوأورلينز.

الناجون من طغيان إعصار كاترينا أعادوا صياغة الدمار سفينة لردع دمار آخر محتمل! لكن، من سيعيد صياغة أحلام من سقطوا في غفلة ذاك الصباح النيويوركيّ المحمول على غبار الجريمة، من يوقظ جمهرة الموتى من موتهم وينفخ لهم في الصور؟ من يلملم دموع الصغار حين ذهبت الأم وحَلواها في زوبعة من حقد الغرباء؟

نيويورك أعلنت حملتها على العنف بعملية "تدوير" للعنف (Recycling)، حين اشتقت من معدن الرعب والموت جسماً يشق البحر باتجاه خطِ أفقٍ منزوعِ الجريمة.

نيويورك انتصرت على الموت بتدوير أدواته تماما كما تُدوَّر زجاجات الكوكا كولا الفارغة، لتصار إلى بطانيات وألبسة ولوازم مدرسية من البوليبستر توزع على المنكوبين في العالم.

فكيف لنا أن نقرأ، بنازع ضميريّ، درس الفولاذ المختلط برفات من ذهبوا في سقطة من الضمير البشري؟ متى ندرّب أنفسنا على إدارة دفّة انفعالاتها باتجاه التوليد المنتج عوضاً عن الإلغاء الهدميّ؟ كيف نكبح جنوح ذاك المارد المتعاظم من نسيج الكره ورفض الآخر والرهاب من كل ما هو مغاير ومحدث (بفتح الدال حيناً وكسرها أحياناً)؟ كيف نسيطر على شهوة احتراف العنف المصبوب على رؤوس المدنيين ونحيّد العُزْل عن حروب العسكر؟ ومتى يتوقف من يقاتل باسم الله عن انتهاك كلام الله في قوله "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً "؟!

قال القائد العام للبحرية الأميركية، راي مابوس، في حفل إطلاق السفينة يو اس اس نيويورك: "مهما بلغ عدد المرات التي نتعرض فيها لهجمات فإننا دائما سنعود إلى استئناف حياتنا الطبيعية". فهل يمكن للعالم فعلاً أن يعود إلى نقطة ما قبل هجمات 11 أيلول/سبتمبر2001 على الأراضي الأميركية، أم أن هذا الحادث الذي رسم بدايات عنفيّة للألفية الجديدة سيشكّل مداراً تسير على هَدْيهِ الدموي أجندات دولية مجهولة الأبعاد والهوية، كان سيناريو حرب العراق أعظم فواتحها، وليست أفغانستان بالمشهد الأخير منها؟!

سلام



#مرح_البقاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرح البقاعي تحاور زبينغو بريجنسكي في قضايا الأمن الإقليمي وا ...
- ريحانيّات واشنطن
- نساء ضد المرأة!
- وماذا عن سجينات سوريا يا سيّدة كلينتون!
- البرادعي لرئاسة الولايات المتّحدة
- جرائم الياقة البيضاء
- عزيزي فوكوياما
- وصايا عشر إلى -الإدارة- السوريّة
- Iranophobia
- -الحُرّة- الأميركية تبثّ بالألوان!
- Persona non grata
- ماليزيا.. ليه؟
- إسلاميون أم مسلمون؟
- مضاد حيويّ للاستبداد
- صقر 2012
- بين الشَرَّيْن !
- بيضة الأفعى
- مرح البقاعي: المرأة تدفع ثمن تحالف الدين مع السلطة
- جينات لغوية
- مرح البقاعي: الإنسان أولا ثم الأرض


المزيد.....




- بيسكوف: نرفض أي مفاوضات مشروطة لحل أزمة أوكرانيا
- في حرب غزة .. كلا الطرفين خاسر - التايمز
- ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم -كروكوس- الإرهابي إلى 144
- عالم فلك: مذنب قد تكون به براكين جليدية يتجه نحو الأرض بعد 7 ...
- خبراء البرلمان الألماني: -الناتو- لن يتدخل لحماية قوات فرنسا ...
- وكالة ناسا تعد خريطة تظهر مسار الكسوف الشمسي الكلي في 8 أبري ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 795 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 17 ...
- الأمن الروسي يصطحب الإرهابي فريد شمس الدين إلى شقة سكنها قبل ...
- بروفيسورة هولندية تنظم -وقفة صيام من أجل غزة-
- الخارجية السورية: تزامن العدوان الإسرائيلي وهجوم الإرهابيين ...


المزيد.....

- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم
- افغانستان الحقيقة و المستقبل / عبدالستار طويلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - مرح البقاعي - فن تدوير العنف