أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود يعقوب - نزلاء الفنادق : قصة قصيرة















المزيد.....

نزلاء الفنادق : قصة قصيرة


محمود يعقوب

الحوار المتمدن-العدد: 2961 - 2010 / 3 / 31 - 01:40
المحور: الادب والفن
    


يأتون ، مثل المطر ، من المدن الصغيرة والكبيرة .. من البيوت البعيدة والقريبة يأتون . مثل خيوط المطر المنزلقة على واجهات الزجاج يتدفقون .. يتقاطعون .. ويلتقون . ينهمرون مع الرعد والبرق ودمدمة الرياح . يتدفقون كالرهبان حينما يعسعس الليل ، كوكبة ً كوكبة . تطفح بهم الفنادق وتغص الغرفات . يجلسون على حافة أسرّتهم ، ملابسهم جديدة ٌ مضمـّخة بالمسك ، متفتحة الألوان . يُطـِلــّون بمرح ٍ النحل وأزيزه .. يُطـِلــّون وعطر الحلاقة يتطاير من خدودهم . تلتقي عيونهم ألف مرة ٍ ومرة ، نظراتهم تجيء وتروح ، ثم تجيء وتروح يسوقها التوق الملتهب والفضول . يتململون على ضفاف صبرهم . بألف حجة ٍ يتحججون من أجل أن يتعارفوا على بعضهم البعض . ثم تضيق صدورهم ، و ينضب وقت انتظارهم ، فيقبلون على بعضهم ٍ بلهفة ٍ ومودة ، قبل أن يدركهم اليأس ، إنهم جاؤوا لأجل ذلك . يتعارفون بسرعة وحماس ، يضعون يدا ً بيد ، و يجلسون جنبا ً إلى جنب كأنهم أصدقاء قدامى .. قدامى من زمن ٍ كاف ٍ لمحو التردد والخجل . يتجاسرون فيتخطون الحواجز والحدود . يخب بهم سحر الأفكار . يملؤون جيوبهم بحلوى الآمال . بارعون في الكلام ، يَرِدون منابع النور ويترعون جـِرارهم بالخواطر النيـّرة ، من وراء زجاج نوافذهم تندلق الشموس والأقمار . يثرثرون كثيراً وينتشون . تنسكب قلوبهم فوق شفاههم رقــّة ً وعذوبة ً. أريحيون ، يتبادلون ابتسامات ٍ غضة ٍ بـَليلـَة ٍ .. ابتسامات من بساتين الأرواح النضرة . تغمرهم الغبطة ، كأنهم في موكب عرس ٍ تتراقص فيه الكلمات و تتدافع فيه الألحان .. خدم الفنادق المبهورين بهم ، لم يروا طوال خدمتهم نزلاءًًً بهذا القدر من البشاشة والألق النوّار والحماس .. خدم الفنادق يتفاءلون بمقدمهم ويـُسعدون . إنهم هنا .. اجتمعوا كما لو أنهم حضروا لإيفاء ديونا ً كانوا ينوؤون بحملها منذ وقت طويل . يهدمون العالم في ساعة ٍ ويشيدونه .. يشيدونه مثلما يشيد النحل خلاياه .. خلية ً خلية ، دونما تهاون ٍ ولا كلل ٍ . في أرَقِهم العذب ، لا يريدون من الليل إلا ّ أن يكون طويلا ً .. طويلا ً إلى آخر المدى ، النوم يهرب من غرفهم . يملؤون الفنادق بدخان سجائرهم .. يملؤونها بجرائدهم .. يملؤونها بالأحلام النقية الطاهرة العفيفة . يجتمعون ويقرّرون .. لياليا ً طويلة يجتمعون ويقرّرون ، بهمس ٍ أو صخب ٍ . مستمتعون بالراحة التي يوفرها ذلك التناغم العجيب بينهم !.. يشيرون إلى بعضهم بحكمة ٍ وإلهام ، كأنهم في محفل ٍ صوفيٍ تزخ فيه شهب العرفان . ينقــّون كما تنق الضفادع صادحة في الماء الضحضاح . كثير ٌممن كان يسمع نقيقهم يقول أن ( النقيق شيء ٌ من التسبيح !.. ) . عند المساء ، حين تعلو أفكارهم ، تتموّج قصائد الأنهار وتخفق أغاني الريح والشطآن ، وتضوع الأرض رندا ً وزعفرانا ً نفــّاذا ً غامرا ً . يرسمون مثل الأطفال بأصابع الألوان عصافيرا ً وأعشاشاً ونجوما ً وفاكهة ً وبحاراً .. يرسمون أجنحة ً شفــّافة ً من ألوان ، تحلــّق عبر الفردوس . تمر الساعات بهم مجلـّلة بالزينة والزخارف . كأنهم في فسحة ترويح ٍ أو مزحة مسلية !.. ( ألسنا فراشات تستجمع كل همـّتها وتندفع محلقة ً نحو النار؟ .. إن لظى الحقيقة يكاد يحرقنا جميعا ً ) ، يقول أحدهم ذلك ، في لجج عواطفهم المستعرة ، فيما يتردد المستمع القريب إليه في أن ينهض ويطبع قبلة ً على فمه .. فمه الذي ينقــّط هذا الرحيق . لكنه يكتفي فقط بالرد عليه متجاوبا ً وسريعا ً و نابرا ً بحدة ٍ ( أحسنت .. لا عاب َ فمك ) . في غضون الليل يترامى غناؤهم الشجي أو ربما نحيبهم الشجي ، فيقع في القلب سريعاً .. يقع نارا ً لاهبة ً وماء ً سلسبيلا ًً .
متشابهون ، ولكنهم مختلفون ، وطالما هبطوا سلالم الفنادق أزواجاً .. اثنين اثنين ، مرتدين زياً واحداً ، الزيّ ذاته من الأعلى إلى الأسفل ، الألوان ذاتها ، يفوح منهم العطر ذاته ، ويمضغون العلكة بنكهتها ذاتها .. يمرّون أمامي نسخاً مكرورةً ، يشبهون أوراقا ًمن عملة ٍ مزيفة ، يثيرون سخطي و ضحكي من سذاجة مظاهرهم ، يريدون إيهامي بكل غباءٍ بأن الاثنين يمكنهما ـ هكذا ـ أن يصبحا واحداً ..!
عندما يتعبون من الهدم والبناء .. عندما يتعبون من الإصغاء مللا ً.. عندما يتعبون من ألم الصداع ، تأخذ الأشياء بالتلاشي رويدا ً رويدا .. تغيم رؤى الأقمار والشموس خلف الستائر .. الرقــّة الفائضة والتهذيب المصطنع يتبعثران .. الأفكار الجميلة المخيـّمة فوقهم تتبدد كالضباب .. وتلك الانفعالات العاطفية البهيجة التي يتخللها الومض البوذي العجيب لا يستطيع أحد ٌ أن يحزر كيف تنحسر . وإلى ذلك فمن العسير تفسير تلاشي رائحة الليل اللذيذة ، التي كانت تغمر مجالسهم ، ليعود الليل بلا رائحة ، مثل كل ليل ٍ !.. يتفرقون .. في ضحى يومٍ آخر ، يتفرقون ، إلى المدن البعيدة والقريبة ، تتلقفهم الشوارع وتغيبهم البيوت . . مثل خيوط المطر التي تجف على واجهات الزجاج ، مخلــّفةً خطوطاً خفيفة ، بيضاء ترابية واهية ، كذا يرحلون . يرحلون والنعاس يملأ حقائبهم ، مخلــّفين نكاتهم وشيئا ً من كلماتهم الثائرة ملتصقة ً بأعقاب سجائرهم ومناديلهم الورقية المدعوكة المرمية في سلال النفايات . ومن دون أن يتلفتوا إلى الوراء .. من دون أن يرموا بنظرة وداعٍ واحدة ، يهبطون سلالم الفنادق تاركين أحلامهم الجميلة .. أحلامهم الغالية العذراء لوحدها منزويةً في أركان الغرف ، تلتهمها الوحشة ، متحرّجة ً ، مصدومة ً ، تثير الشفقة ، أياديها على خدودها ، وقد رقأت دموعها ، تنظر خلفهم بعتاب ٍ مر ٍوإحساس ٍ بالخذلان وهي تقاسي الظمأ القامح ولوعة الهجران .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشطرة ـ 2010



#محمود_يعقوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنفاخ : قصة قصيرة
- نساء الأنقاض
- ( اللطف العجيب ) ترنيمة جون نيوتن الخالدة .
- متمسك ٌ بك ِ يا عزيزتي
- قصة كفاحي : قصة قصيرة
- القافز بعصا الزانة(قصة قصيرة)
- حفلة ذبابات آيار القصيرة
- أسطورة الجندي شيبوب : قصة
- نخيل العراق يتمايل طربا ً لأشعاركم . ( بمناسبة تكريم الشاعري ...
- الفراشة الميتة : قصة قصيرة
- تشابيه
- الشَطريّون : قصة
- حكاية ابن ( علي بابا ) : قصة قصيرة
- أثناء الحُمّى
- أغنية صديقي البَبَّغاء
- ورد الساعة الرابعة
- نبيذ العشق العرفاني من كوز الأمام الخميني
- درس في الرسم :قصة قصيرة
- الندّاف
- تهيؤات : قصة قصيرة


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود يعقوب - نزلاء الفنادق : قصة قصيرة