أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد الناجي - المُسّْتَبِِدُ















المزيد.....

المُسّْتَبِِدُ


أحمد الناجي

الحوار المتمدن-العدد: 901 - 2004 / 7 / 21 - 03:10
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


انطلقت بشائر ولادة الفلسفة من آسيا الصغرى في بداية القرن السادس قبل الميلاد، وانتشرت بدايات البذرات الأولى الحافلة بعبقرية الفكر الإنساني الخلاق، من مدينة (ميلي) على وجه التحديد الى كل الاتجاهات، وأعقبها بعد ذلك ما تناثر من أبداع للفلسفة اليونانية في الفترة ما بين القرنين السادس والرابع قبل الميلاد، التي تمخضت عبر نتاجها الغزير عن مدارس فلسفية متعددة شرعت بالمسيرة المتجددة في الإجابة على التساؤلات المشروعة للعقل البشري، وصارت عبر الزمن معيناً ثراً لكل من سبر غور الفلسفة، أو خلص منها بعد ذلك الى السياسة، الركن المعني بتماس مع هواجس الإنسان وهموم حياته.
لقد جاء كل ما أكتنزته الحضارة الإنسانية من نتاج فلسفي في المجالات الثقافية والمعرفية، عبر تتابع الإسهامات العديدة على مر العصور، التي ساهم بها العقل البشري في إنتاج وبلورة الثقافة في مختلف الوجوه، من خلال عملية الاغناء الإبداعية، الخلاقة، المستمرة في تفعيل وتطوير الوعي والفكر على العموم، ولكن المنابع التي جادت بالمحاولات الأولى الأثيرة بقت حاضرة رغم المسافة الزمنية البعيدة عنها.
يعتبر أفلاطون (427-347 قبل الميلاد)، الفيلسوف سليل أحدى العائلات الأرستقراطية في أثينا، من أكابر الفلاسفة اليونانيين، وربما يعتبره البعض أعظم فيلسوف ظهر في التاريخ، ويعده البعض الأخر أول من بذر مفهوم الديمقراطية، غير أنه من دون شك جاد بفيض من الفكر الفلسفي الذي أمسى مصدراً وأرضية لكل نتاج الفلاسفة أو السياسيين من بعده، أو على الأقل حصد وقفة تأمل من كل عباقرة هذا المجال، فهو محطة لا يمكن تخطيها، ولا حتى تخطي كيانه السياسي الذي وضع شروطه السياسية والاجتماعية، التي تمثل تجسيداً لأفكاره المثالية في بناء جمهوريته التي كان يطمح الى تأسيسها، حتى ولو بقت في فضاءات الخيال.
جمهورية أفلاطون، نتاج الفكر الفلسفي الذي يعود الى ما قبل أكثر من 2350 سنة، الحلم الذي تحسسناه بين أيدينا على شكل كتاب، يتضمن حوارات رفاقه، وبوجود معلمه سقراط، يطرح رؤيا حالمة تبغي سعادة الناس على الأرض، عبر تحقيق العدالة الإنسانية، وهواجس قيمها المثلى.
ما يعنيني هنا ليس التوافق أو الاختلاف مع تلك الاراء أو النظريات، وإنما تسليط الضوء على ما يورده الكتاب بخصوص شخصية المستبد وخطوات الاستبداد، حيث يمكن ملاحظة عمق التفكير، وصواب الرؤية الاستشرافية في هذا الجانب، التي تبدو لي متطابقة الى حد ما مع أيامنا في إنتاج تلك الشخصية التي خبرناها عن قرب، مذ شرعت تحفر البئر بإبرة، وعايشنا كل حيثيات تدرج تشكيلها المتصاعد يوماً بعد يوم، فقد كنا نرقبها طوال الزمن المرير، تزداد فظاظة وقسوة وتسلطاً وعنفاً، وبموازاتها يزداد أنين الشعب، ومعاناته، وضحاياه، حتى صارت الحياة جراء ظلمها ونزواتها وحماقتها لا تطاق، بل أشبه بالجحيم.
نصوص عديدة ليست بحاجة الى إسهاب في التعليق، وإنما تحتاج الى روية في الاستدراك والتأمل، فرغم مجمل الاختلافات، وبعد الزمن الشاسع، وتباين الظروف، لم تبتعد صفات هذه الشخصية التي تم استشرافها من قِبَلِ العقل البشري قَبل ألاف السنين، بل يتوحد المُسّْتَبِِدُ في كل زمان ومكان بخطوات الاستبداد التدريجية، ومنهجيته التي تسعى الى تحقيق مصالح ذاته، أو عشيرته، أو طبقته، أو حزبه، أو مؤسسته من خلال إرساء الحكم الاستبدادي، التسلطي، القهري، وفرضه على الشعب بالحديد والنار، ففي البداية التمسكن حتى التمكن من القفز الى سدة الحكم، ومن ثم التحكم برقاب العباد ومقدرات البلاد، ( من عادة العامة اختيار بطل خاص يولونه قضيتهم، ويحتفظون به ويعظمونه)*، وهو من دون شك في البداية ( يهش في مستهل حكمه وأوائل استبداده، يحيي من قابله منكراً انه مستبد، ويكثر من الوعود في السر والعلن، ويقوم بإلغاء الديون، وتوزيع الأراضي على العموم، ولا سيما على أشياعه، يتظاهر بالوداعة والحنان على الجميع)*، ولكن مع مرور الأيام، حتما ستبرز أنيابه، ( فمتى رأى بطل العامة منها هذا الرضوخ، يزداد استبداداً فيتحول ذئباً)*، ولن يتورع من الصعود على أكتاف أقرب المقربين، ( أما البطل ففي مأمن ممن وقعوا تحت نيره الثقيل، فلقد أوقع كثيرين، وفاز بنفسه في مركبة الدولة، وتحول الى مستبد عظيم)*. وتبدأ دورات التقتيل تدور لتعم كل المناوئين، ( من قبض عليه من أعداءه فإلى الإعدام)*.
يتقوى المستبد أو يستند على مجموعة شرهة من الخُلَصِ، تلك الآفات البشرية التي تريد أن تقضم أكثر من حقها، فتقايض إخلاصها للمستبد بالعطايا والامتيازات، يتحول هذا الحرس المعدود بمرور الأيام الى جهاز أو مؤسسة يعمل على تسوق فكر الاستبداد عبر شتى أنواع الأنشطة لرعاية المصالح المحددة، ( فتداركاً لخطر الاغتيال ابتكر كل من ولي الأحكام الحيلة المبتذلة، وهي انه يطلب من الأمة أن يعين حرساً، لئلا يخسروا صديقهم المفدى)*. ولإبعاد المخاطر عن كيان الاستبداد يتم استنباط وانتهاج أساليب عديدة لتأمين سلامة السلطة، عبر سطوتها، ( ومتى أراح نفسه من أعدائه، بعضهم نفياً، وبعضهم صلحاً، يشرع في شن الغارات، ليظل الشعب في حاجة الى قائد)*. وحينما يستجلي أي منصف حال العراق الذي تردى بالحروب والحصار سيجد أن العبارات التي نستلها معبرة عن واقع حقيقي لا يحتاج الى برهان، ( فيكون شغله الشاغل اصلاء نار الحرب)*، بإيجاد وإبراز مخاطر خارجية، تؤمن إمكانية السيطرة على الوضع الداخلي بيسر.
لقد أفرزت رعونة شن الحروب الخارجية في الأخير، قراراً دولياً يقضي بفرض الحصار على البلد، عاث هذا القرار الجائر بالعراق والعراقيين ردحاً من الزمن، وكانت كل الإجراءات الرسمية المعبرة عن نظام الاستبداد الذي سببه، لا تخرج عن أطار هدفها الواضح في استغلاله للتسويق الإعلامي للنظام، عبر المتاجرة بالآلام الإنسانية، وما يسببه ذلك السيف الدولي المسلط على الرقاب من معاناة مأساوية للشعب، ( من مقاصده أن يفقر شعبه بكثرة الضرائب فيصيرون محتاجين الى القوت اليومي، ولهذا السبب يصبحون أقل استعداداً للتآمر عليه)*.
لقد غادرنا من دون رجعة، وسط العتمة، الكثير من أبناء العراق الضحايا عبر عوالم المتاهات المجهولة من الأقبية والإنفاق والمعتقلات والسجون، ومن حالفه الحظ غادرنا الى المنافي، ( فإذا رام الطاغية أن يستتب له الأمر، وجب أن ينحي كل هؤلاء، يقصد بعض أشياعه المصارحين بالرأي، العاتبين على أدارته، فلا يبقي على ذي جدارة من أعدائه ولا من أصدقائه)*، بل لم يهدأ سيف الجلاد قط، ( فهو مقيد، بأقصى الضرورة، أما أن يعيش بين أشخاص منحطين، أكثرهم عديم النفع، ويكون مكروها، أو انه لا يعيش)*.
يبرز في متن هذا الكتاب، ومن ضمن سياق هذه الحوارات تساؤل منطقي، ( كيف يعال جيش المستبد القوي الجرار، المتعدد الأنواع، المُعَرَضُ لأنواع التغيير والتبديل؟)*، فليس غريباً إذا ما خرجت الإجابة على هذا التساؤل المشروع، من بين صفحاته، ثاقبة النظر وواضحة، تتطابق الى حد كبير مع حال مثل العراق بعدما تفاقمت الديون عليه الى حد مهول، ( إذا كان في المدينة أوقاف فأن المستبد يبيعها وينفق ثمنها عليهم، مهما ينتج عن ذلك)*، فهي إجابة تحمل وإياها الكثير من المعاني، ولم تقف عن هذا الحد بل تذهب الى أبعد من ذلك حين توضح بأن يد المستبد تمتد الى أرزاق والديه، فالطاغية عقوق، وقاسي القلب، ولم يعد يخشى الجهر بكون الحكومة مستبدة، ولا أظن ذلك العقوق يفرق كثيراً عما جنته بعض الدول في بداية التسعينات من القرن الماضي، ممن كانت ترعى طاغية العصر زمناً طويلاً، فالأبوة سيان في هكذا حال.
*****************************
أنظر كتاب جمهورية أفلاطون ترجمة حنا خباز



#أحمد_الناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أقلام تنبض بالوفاء... أحمد الناصري وجمعة الحلفي في ذكرى صديق ...
- الإرهاب ينتهك قدسية نضال العراقيين في إنهاء الاحتلال
- الوطنية على المحك في فهم ما بين سطور خطابين
- ننشد العدالة.. ولن نفزع مهما كثر عدد المدافعين عن جلادنا
- مقاربات بين احتلالين... ما أشبه اليوم بالبارحة
- من أوراق الاحتلال البريطاني للعراق 10- 10 صحافة العراق خلال ...
- من أوراق الاحتلال البريطاني للعراق 10- 9 حركة الجهاد ج2
- من أوراق الاحتلال البريطاني للعراق 10- 8 حركة الجهاد ج1
- اضاءات على معاناة الشاعر والانسان موفق محمد
- من أوراق الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1914 - 10- 7
- وقائع ندوة الملتقى الديمقراطي المشترك عن الديمقراطية في مدين ...
- ( 10 -6 ) - من أوراق الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1914
- ( 10 -5 ) - من أوراق الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1914
- من أوراق الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1914 - 10- 4)
- من أوراق الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1914 - 10- 3
- من أوراق الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1914 - 2 - 10
- (10 - 1) - من أوراق الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1914
- بياض الوجه حصاد مجلس الحكم في عشرة أشهر ونيف
- خطوة ستكون يوماً ما إرثاً في سفر التاريخ
- لن نغفل عن مناهضة الاحتلال بالفعل الشعبي السلمي واللاعنف ـ ر ...


المزيد.....




- عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر
- واشنطن: سعي إسرائيل لشرعنة مستوطنات في الضفة الغربية -خطير و ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهدافه دبابة إسرائيلية في موقع ال ...
- هل أفشلت صواريخ ومسيرات الحوثيين التحالف البحري الأمريكي؟
- اليمن.. انفجار عبوة ناسفة جرفتها السيول يوقع إصابات (فيديو) ...
- أعراض غير اعتيادية للحساسية
- دراجات نارية رباعية الدفع في خدمة المظليين الروس (فيديو)
- مصر.. التحقيقات تكشف تفاصيل اتهام الـ-بلوغر- نادين طارق بنشر ...
- ابتكار -ذكاء اصطناعي سام- لوقف خطر روبوتات الدردشة
- الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على جنوب لبنان


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد الناجي - المُسّْتَبِِدُ