أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - رواية جفاف الحلق – 13 –















المزيد.....

رواية جفاف الحلق – 13 –


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2959 - 2010 / 3 / 29 - 09:15
المحور: الادب والفن
    


- 13 -

غاب أبو حسنة عن القاعة، وغابت حسنة عن الدار، وركبت العفاريت الزرقاء أحمد شمعة، وصار يقاتل ظل وجهه، مثل الحبة في المقلى صاعداً إلى الدار الفوقا هابطاً إلى القاعة، يتمحك بالنساء بحجة نقص المواسير، يتسقط خبراً عن الغياب المفاجئ، بعد أن فشل في التقاط ما يشفي غليله من جدي، أو أبو رباح في القاعة.. جدتي لم يعجبها حاله، وقفت له عند الدرج قبل أن يصل إلى الدواليب، وحشت عبه بمواسير تكفي لتشغيله طول النهار وتزيد.. احمّر وجهه وتأتأ..قالت:
- هذه مش حجة مواسير.. يلا بلاش ولدنة، كل شوية ناطط عند البنات، ايش خليت للزعران ؟! انهبلت ؟!
وقرصته في أذنه، وشوشته :
- الغائب حجته معه، والقلقان بيسأل بدل قعده القهاوي والصرمحة مع القمّرجية.
غاب الرجل طوال الأسبوع، وفي يوم الخميس، وبعد صرف أجور العمال، انطلق جدي إلى المخيم، ولم يرافقه أبو رباح متعللاً ببعض شؤونه.. وعندما رجع بعد العشاء تحدث عن سعال، وقذف دم، ولفحة برد شديدة، وكاسات هواء ألصقها بظهر للرجل لطرد البلغم، وسحب البرد من بدنه حتى هدأت أنفاسه وغفا، وأوعز لجدتي بتحضير القربة ومستلزمات اللبخة من لبان ذكر ومر بطارخ وعين زاروط وبعض السيرج البلدي "لوازم التمريج" قبل وضع اللصقة.. وتحدثوا عن رجل ممصوص هجمت عليه الأيام، وعن بنت وحدانية، أخذ السل أخاها، ونثرت الغارة لحم أمها على أشجار الكرم وصبر السياج.
وعندما عاد أحمد شمعة للقاعة فحّت جدتي في وجهه:
- روح طل على الرجل، علشان نتقدم للبنت بعد ما يقوم من وقعته.
- من وين ؟يا حسرة ؟العين بصيرة واليد قصيرة.!!
- الله يعمي عينيك ويقطع ايديك، وين شغلك، وإنت طول النهار مربوط وراء النول، وبترمي شغل أكثر من حمار، وين شغلك يا هامل .
ودخلت غيبة الرجل في أسبوعها الثاني ولم ينقطع جدي وجدتي عن زيارته, وفي يوم تحدث جدي مع خالي عن أبي رباح، الذي طلب يد حسنة على سنة الله ورسوله بالمهر الذي تطلبه، وموافقته على تسجيل كرمه باسمها عند حسن عايش الكاتب بدل مؤخر الصداق.. واعتبرها جدي خطوة جيدة للرجل والبنت وامتثالاً للقسمة والنصيب، يسوغ حكمة الأيام وقضاء الله وقدره.. " يا سلام كله بأمره " يوم ما عقدت على فاطمة (جدتي) راح يطلب بنت العربيد، فوقف له ابن عمها المتزوج، أصله يومها لعب مع أبو رباح التبان، وأبو رباح بطحه، وفعفل رأسه في الطين قدام الحاضرين.. وطفش أبو رباح من البلد، ولما رجع كانت آمنة مولودة جديد، قلت له استناها، ضحك، وقال أنا بدي أستنى آمنة ؟ بكرة النصيب بيجي، وان شاء الله أجيب لها عريس.. وراحت الأيام، وكبرت آمنة، وخلفت زريفة وأبو رباح داير في الفلاحين يغيب ويحضر.. قلنا له: استنى زريفه.. ضحك وقال: هو أنا بدي أبقى من غير امرأة لما زريفة تصير عروسة.. واليوم حلت قسمته في حسنة.. وأبوها بيشاورني، قلت له: "اذا له نصيب فيها بياخذها وسترة البنت ولا بوارها.. والبنت استوت"
قاطعته جدتي مستهجنة محتدة:
- ايش يعمل فيها قد أبوها، يلعب عليها مثل عروسة جبصين، هو بيقدر عليها، بنت عفية وصبية، تدفنوها بالحيا!!
- اسكتي، والله عنده مروّة بتطرح شباب اليوم، اللي زرع في عظمهم طحين الوكالة..
ويسوغ تعاطفه مع رغبــة أبي رباح
- راجل مقطوع، لا بنت ولا ولد، وهي مقطوعة مثله، بيدللها، ويفرح عليها، والمرأة ايش بيلزمها غير الدلال والأولاد.
- وأبوها موافق؟!
- مصيره يوافق، ما هو اليوم ولا بكرة بدو يجوزها لأبي رباح ولاّ لغيره.
- والله تظل مثل الأرض الوقف ولا تقع مثل هالوقعة .
وانزوت من وجه جدي قبل أن يهيج، وصار أبو رباح حكاية الدار، نعيد اكتشافه ونفتش عن حكاياته ونوادره، نراقبه وكأنه هبط علينا من السماء.. يبهرنا بقمبازه النظيف وذقنه الحليقة دوماً، وشاربه الرفيع المحفوف فوق فمه الضاحك، ونعجب من خديه اللذين يطفح منهما الدم، وقد سحبهما على الخيط عند الحلاق تحت السدرة، ولقط شعيراتها بالملقط.. أما شعر رأسه فقد صار فاحم السواد، لا يكترث لتعليقات العمال، يبتسم للأطرش، ويحسده على طرشه الإختياري "يا بختك بتسمع إللىّ بيعجبك .. يزيد عليه العمال عيار المزاح فينط من جورة النول إلى حوش القاعة يدق قدميه بالأرض (الراجل منكم يرميني الأرض..) ينهره جدي: (اقعد بلاش هبل عامل طاووس، ما حدا لعب في زمانه تبان غيرك..) يؤكد ثقته بنفسه ويتحدى (ومين كان فيكم يبطحني) يغيظه جدي "العربيد غلبك والا انت ناسي.." أحمد شمعة خلف نوله لا يشارك العمال هيصتهم، يتمتم بصوت يسمعه العمال من حوله (ولله لولا يقولوا تتشاطر على واحد قد أبوه لأقوم أمرغه في التراب، وأكحت صبغة رأسه.. هذا الشايب انهبل..)
وعاد أبو حسنة إلى النول، وعادت حسنة إلى الدار الفوقا، تلتف حول نفسها مثل الدودة البردانة، يتلون وجهها مثل حبة البندورة المخبوصة عندما يأتي الحديث على سيرة الزواج والعرسان، وأبي رباح الغاوي.. تترك الدولاب إلى غرفة الخياطة، وتغرق في دموعها صامتة.. لا تعود إلى الدواليب إلا بعد أن تعود الأنوال إلى إيقاعها، وتغرق النساء خلف الدواليب في الصمت، وفي يوم أجهشت على صدر جدتي في الليوان الغربي، مسحت دموعها، وربتت على ظهرها، هدهدتها حتى هدأ وجيب صدره، وعاينتها حتى تبسمت، وداعبتها حتى شرقت بالضحك وقهقهت وصفا وجهها وعادت إلى دولابها، لا تأبه للعيون من حولها..
وما هي الا أيام حتى طوح جدي طعام العشاء بعيداً، ونثر الأكل في قاع الدار، هربت جدتي من أمامه إلى حجرتنا، وأغلق أبي عليها الباب، حتى لا يطولها بحزامه الجلدي العريض..
- هي ايش خصها تفسد البنت على أبوها، ماله أبو رباح ناقص إيد ولا رِجِل
أبي يشد خاصرته من الضحك، وجدتي متنمرة تدافع عن نفسها بحرقة ما بين الثورة والبكاء
- هو ابن خالتك صحي على حاله وبدو واحدة من دور بناته، يروح يدّور له على عزبة، تقوم بواجبه، وتحفظ شيبته.
حسنة ترفض أبا رباح، وأبوها يمتثل للأمر، ويزيح حجراً ثقيلاً عن صدره، ولكنه يشترط أن لا يكون العريس أحمد شمعة حتى لو دفع وزنها ذهبا، وطلب من جدتي أن تقطع رجله عن الدار الفوقا، حتى تقطع الألسنة ولا يصبح هو وابنته مضغة في أفواه الناس.. وصرنا نسمع زعيق أحمد شمعة بين الحين والحين مواسير ياللي فوق.. تضحك حسنة من أعماقها، تحملنا المواسير.. نتلفت من حولنا، ونهمس "خذ المواسير من حسنة" وعندما تهدأ القاعة، ويغادر العمال الأنوال، يتفقد جدي المطاوي، ويطمئن على مواسير الغد، ويتوقف عند نول أحمد شمعة.. يقهقه:
- الكرخنجي طول النهار بيزعق، وعنده مواسير تكفيه جمعة..
ويحدث نفسه بابوه وريح شباب عابر..
"شباب ظهره حامي.. وبنت مثل فلقة القمر.. بيحق له يصرخ لما تطلّع روحه.."
وفي يوم وشوشت جدتي محمد فارس، ضحك حتى كاد يغمى عليه، وأخذ يضرب كفاً بكف :
- أما ختيارية خرفانين، والله لو عملوها كان ما وقف لهم غيري، وليش البنت ما أخبرتني مش أنا أخوها في عهد الله!
ولما سألت جدتي، كيف يكون أخوها في عهد الله ؟ أخبرتني أن محمداً أسعف أبا حسنة يوم أصيب في معركة نسف الجسر عند الدوار الشرقي، وحمله على كتفه إلى مقام سيدي الحسين، ونادى أبا صبحة ليخرج الرصاصة من فخذه.. يومها أعطاه حسنة، ولم يوافق محمد أن يتزوجها ضرة على بنت عمه، وحرمها على نفسه طول العمر، وآخاها في عهد الله، لها حقوق الأخت يعيدها في الأعياد، ويسأل عنها ويزورها في المناسبات، وهي لا تغطي رأسها أمامه ولا تخجل منه عندما يقبلها على رأسها، ولا يسحب يده عندما "تبوسها" .
وإلى المخيم انطلقت الجاهة من محمد فارس وأبو أحمد شمعة وأبي، ينتظرهم أحمد شمعة في مقهى سدرة الخروبي، ولم ينضم جدي للجاهة اعتباراً لخاطر ابن خالته، ولم ينضم خالي اعتباراً لخاطر أبيه، أما جدتي التي طبخت الطبخة فقد التزمت الدار، وكأنها لا تدري من الأمر شيئا، وعندما عادوا من المخيم سحبوا أحمد شمعة عن القهوة، وأكملوا السهرة عند جدي يتحدثون في أمر الخطبة ونوادرها قال محمد فارس:
- أول ما شاف الناس معي وانقلب عياره وزفر وزعق:
- ان شاء الله جاي تخطب أختك لابن شمعة
- ايش قلت؟ ..طالبين ايد أختي حسنة لأخوي أحمد شمعة
صمت الرجل.. ثم نطق مغلوباً على أمره:
- والله وعرفت مين تجيب معك يا أبو أحمد، طيب يا محمد، أنا موافق، وشرطي اللي ياخذ بنتي يسكن معي في الدار
استنجد أبو أحمــد بالناس والناموس:
- وايش يقولوا الناس عنا؟!
- هو أنت ملاقي مطرح وين بدك تجوزه..؟
- نبني له غرفة في التوسيعة قدام الدار
- أنا قلت بنتي عندي، اللي شاريها بيشتريني، أنا راجل وحداني والاّ عايزني أدور نسوان آخر العمر..
مازحــه محمــد:
- أي هو أبو رباح أرجل منك ؟ قوم شاور على احسن عزبه وأنا أخطبها لك
- اسكت يا محمد أي هو بعد اللي راحت في نسوان؟ من يوم ما دفنتها حرمت علىّ النسوان ليوم الدين.. كفاية تقليب مواجع.. الله يرحم أمة المسلمين
وانتقلت حسنة إلى غرفة الخياطة تتعلم التفصيل والخياطة من زريفة، وتكتفي من الدولاب بتحضير المواسير لنول أحمد، وظهر الخميس تقف لخالي تأخذ أجرته قبل أن يمد يده، تنفلت إلى الدار الفوقا.. حقها.. تعطيه مصروفه وتودع الباقي لدى جدتي فاطمة التي تهشه:
- والله بدو يصير لك بيت وإبريق زيت يا هامل..
تضحك حسنة ويصعد الدم إلى وجنتيها يصبغها صفاء ورغبة.. مهزوم باختياره ينذر ويتوعد:
- شوفي لك يومين يا بنت الرفضي، والله لأخليك تشتهي الرجعة على هالدار
- هذا اذا حكمت وتمد له لسانها..
نكركر ونزيط نحن الصغار، حتى يلعلع صوت أبو حسنة من حوش القاعة.
- ولك انزل بلا لكاعة ومطاقعة نسوان، وأنت يا بنت انهبلتي مع هالهامل ..والله ما تشوفي أسود منها وقعة.
أما أبو رباح فقد اختفى من القاعة، وظل نوله شاغراً، يزور جدي في آخر النهار بعد أن تكون القاعة قد طردت عمالها وأعمالها، جدي يطلبه إلى نوله، يستدرجه:
- على الأقل خلص المسدية المنصوبة على النول!!
- انتهت الرزقة في قاعتكم
أبو رباح انتقل الى قاعة المدهون في الشجاعية، وبقيت مسديته على النول حتى أكمل جدي ما عليها من مقاطع الجنة والنار...
وبقي النول عارياً من الغزل إلى أن قلع مع غيره من الأنوال عندما تم تقليص العمل في القاعة.



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية جفاف الحلق – 12 –
- رواية جفاف الحلق -11 –
- رواية جفاف الحلق – 10 –
- رواية جفاف الحلق -9 –
- رواية جفاف الحلق -8 -
- روية جفاف الحلق -7 -
- رواية جفاف الحلق – 6 –
- رواية جفاف الحلق – 5 –
- رواية جفاف الحلق -4 –
- رواية جفاف الحلق – 3 –
- رواية جفاف الحلق – 2 –
- رواية جفاف الحلق – 1 -
- .. في سر العسل
- - قراءة في رواية أوجاع الذاكرة للكاتبة الجزائرية جميلة طلباو ...
- طقوس امرأة بريئة – 5 –
- طقوس امرأة بريئة – 4 –
- طقوس امرأة بريئة – 3 –
- طقوس امرأة بريئة – 2 –
- طقوس امرأة بريئة – 1 -
- الجمر والحريق


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - رواية جفاف الحلق – 13 –